وضع داكن
26-04-2024
Logo
الخطبة : 0300 - البيت المسلم1- تأسيس البيت المسلم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى

الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكّلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم، رسول الله سيِّد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، سمعت أذنٌ بخبر، اللهمَّ صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وصلِ وسلم عليهم يا رب العالمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحاجة إلى البيت المسلم المنضبط:

أيها الإخوة المؤمنون... في خطبٍ سابقة تحدَّثت عن موضوع العبادة في اثنتي عشرة خطبة، وعن موضوع الصَبْر في خطبٍ تقترب من العَشر، وعن موضوع الوقت، وها أنا ذا اليوم أطرق موضوعاً أساسياً في حياة المسلم، إنه موضوع " البيت المسلم ".
إذا صلح البيت صلح المجتمع، هذا البيت المسلم لو تتبعنا القرآن الكريم، وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام لوجدنا في القرآن الكريم آياتٍ كثيرةً جداً تتحدَّثُ عن البيت ؛ عن الزواج، عن الطلاق، عن التربية، والنبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة يتحدَّث عن البيت المسلم، عن حقوق الأب، عن حقوق الابن، عن حقوق الزوجة.
فيا أيها الإخوة المؤمنون... نحن في أمسِّ الحاجة لأن نضبط بيوتنا، نحن في أمسّ الحاجة لأن نجعل من بيوتنا بيوتاً مسلمة قلْباً وقالَباً، إذا صلح البيت صلح المجتمع.

طرق تأسيس البيت المسلم:

1 – الزواج:

يا أيها الإخوة الأكارم... نبدأ بتأسيس هذا البيت المسلم، حيث يتأسس بالزواج، والزواج كما هو معروفٌ فطرةٌ فطر الله الإنسان عليها، خلق في نفس الرجل حاجةً إلى الزوجة، وخلق في نفس المرأة حاجةً إلى الزوج، فالزواج فطرةٌ فطر الله الناس عليها، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنفية السمحة ))

( من مجمع الزوائد: عن " عثمان بن مظعون " )

هذا الشرع الحنيف، هذا الشرع المنطبق على الفطرة، هذا الشرع الذي ينبع من الواقع، هذا الشرع الذي يألَفه الإنسان، ولا يرتاح إلا لـه، الله سبحانه وتعالى يقول متُحَدِّثاً عن هؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية، قال:

 

﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِم ْ﴾

(سورة الحديد: من آية " 27 " )

هم حينما كتبوها على أنفسهم مبتدعين ما رعوها حق رعايتها.

كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار:

هذا الموضوع أيها الإخوة ينقلنا إلى موضوعٍ في الدين خطير، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار ))

( مسلم عن جابر )

فأيّ شيءٍ أُحْدِثَ في الدين ما ليس من الدين فهو بِدْعَة، وكل بدعةٍ ضلالة، والضلالة في النار، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

(سورة المائدة: من آية " 3 " )

والإكمال من حيث النَوْع، والإتمام من حيث العَدَد، فمجموع القضايا التي عالجها الدين هي قضايا تامَّة، تُغَطِّي كل حاجات الإنسان في رحلته إلى الله عزَّ وجل، ومستوى مُعالجة أي موضوع مستوىً كامل..

 

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

لذلك لا يستطيع كائنٌ من كان على مرِّ الأزمان أن يضيف على الدين شيئاً، لأنه دين الله عزَّ وجل، ولاسيما في العقائد والعبادات، ولكن أمور المُعاملات أعطانا الله سبحانه وتعالى آياتٍ عامةً، وسمح للفُقهاء أن يستنبطوا أحكاماً تفصيلية تتعلَّق بأحكام الزمان والمكان.
يا أيها الإخوة الأكارم:

(( كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار ))

( مسلم عن جابر )

لكن النبي عليه الصلاة والسلام في شأن الدنيا، أو فيما ليس من الدين قال:

(( من سنَّ سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَن سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ))

( مسلم عن جرير)

أيْ أنه مَن حقق بعض مصالح المسلمين ؛ في مساجدهم، هذه سنةٌ حسنة، له أجرها وأجر من عمل بها، من ابتدع بدعةً مخالفةً لأوامر الدين، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

محاربة الإسلام للرهبانية:

فالإسلام يا أيها الإخوة حارب الرهبانية، والله سبحانه وتعالى أنكرها على من ابتدعوها، قال:

﴿ مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾

(سورة الحديد: من آية " 27 " )

وحينما كتبوها على أنفسهم تجاوزاً..

 

﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( من كان موسراً فلم يتزوج فليس منا ))

[ الترغيب والترهيب عن أبي نجيح ]

ليس في الإسلام رهبانية.
أيها الإخوة المؤمنون... وهؤلاء النفر الذين قدموا إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وسألوا عن عبادته، فاستَقَلّوا عبادتهم إلى عبادته، فَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: 

(( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))

( متفق عليه)

يا أيها الإخوة المؤمنون... الزواج فطرةٌ إنسانية، هكذا فطر الله الناس عليها.

الزواج مصلحة اجتماعية:

شيءٌ آخر، الزواج مصلحةٌ اجتماعية، فالله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾

(سورة النحل: من آية " 72 " )

إذا تناولت الطعام والشراب تحفظ بقـاء جسمك، وإذا تزوَّجت تحفظ بقاء نوعك، وإذا عمِلت الصالحات تحفظ بقاء ذِكْرِك، فالإنسان مفطورٌ على حب البقاء جسماً ونوعاً وذِكْراً، تأكل لتعيش، لتبقى مستمر الحياة، وتتزوج ليبقى النوع البشري مستمراً، وتعمل الصالحات ليبقى ذِكْرُك مستمراً..

دقات قـلب المرء قائلةٌ لـه إن الحيـاة دقـائقٌ وثـوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فـالذكر لـلإنسان عمرٌ ثان
* * * 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ﴾

 

(سورة النساء: من آية " 1 " )

علماء السُكَّان ـ في علم الجُغرافيا ـ اكتشفوا أن نِسَبَ الذكور إلى النساء أعلى بقليل، لأن الرجال مُعَرَّضون للقتل في الحروب، وللحوادث في الأعمال، بينما نِسَب النساء تكون أقل من ذلك بقليل، لذلك الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ﴾

فجاءت كلمة كثيراً مُضافةً إلى الرجال، على كلٍ الزواج مصلحةٌ اجتماعية، حفظاً لبقاء النوع، والزواج يحافظ على الأنساب، الإنسان إذا خالف قواعد الصحة في الطعام والشراب يؤذي نفسه فقط، أما إذا خالف شرع الله في علاقته بالنساء يفسد المجتمع كلَّه، يَنْحَطُّ المجتمع، ينحلّ المجتمع، لذلك الزواج يحفظ الأنساب. والزواج يؤكد الذات، والزواج يهيِّئ الاستقرار النفسي لكلا الزوجين، ويحقق الكرامة الإنسانية، هذا من فوائده المعنوية.

الزواج مطهِّر من الآفات الاجتماعية:

ويا أيها الإخوة المؤمنون... الزواج الذي جاء به الإسلام يُطَهِّر المجتمع من أكبر آفةٍ تعاني منها المجتمعات اليوم ؛ ألا وهي الانحلال الخلقي، الإباحية، اختلاط الأنساب، انحطاط الإنسان، قذارة الإنسان، إن الزواج قناةٌ نظيفة تُفَرَّغ فيها تلك الشهوة التي أودعها الله في الإنسان، إن الزواج هو الطريق الصحيح لإرواء هذه الرغبة، إن الزواج قوةٌ محرِّكة، فإذا ابتعدنا عن النكاح، واتجه المجتمع إلى السفاح، كان السفاح قوةً مدمرة، بعد أن شرعه الله عزَّ وجل ليكون قوةً محرِّكة.
يا أيها الإخوة المؤمنون... يقول عليه الصلاة والسلام مؤكداً هذا المعنى:

(( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ))

أي وقاية.

( متفق عليه عن ابن مسعود)

أيها الإخوة المؤمنون... والزواج أيضاً يُطَهِّر المجتمع من الأمراض الوبيلة التي نسمع عنها في الأخبار، والتي نقرؤها في الصُحُف، هذا المرض الخطير الذي دمَّر الحياة الإنسانية، والذي يزداد الذين يصابون به يوماً بعد يوم بسبب الانحلال الخلقي، بسبب ترك الزواج والاتجاه إلى السفاح.

الزواج سَكنٌ:

أيها الإخوة المؤمنون... والزواج فضلاً عن كل ذلك يهيِّئ للزوج سكناً تَسْكُن نفسه إليها، وتسكن نفسها إليه، قال تعالى:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾

(سورة الروم: من آية " 21 " )

هذه لام التعليل، هكذا فُطِرَ الإنسان..

 

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة ً﴾

شيءٌ آخر، هؤلاء الأطفال الصغار الذين هم رجال الغَد، هؤلاء الأطفال الصغار الذين هم مَعْقِدُ أمل الأمة، هؤلاء الأطفال الصغار مَن يربيهم ؟ لن ينجح في تربيتهم إلا الأم والأب، ولا شيء يعوِّض عن الأم والأب، فلذلك الزواج ضمانٌ لسلامة الصغار، ولِحُسن تربيتهم، وحسن توجيههم.
أيها الإخوة المؤمنون... يقول بعض الشعراء:

الأم مدرسـةٌ إذا أعدتها أعددت شعباً طَيِّبَ الأعراقِ
* * *

عاطفة الأبوة والأمومة أقدس العواطف:

شيءٌ آخر، الله سبحانه وتعالى أودع في قلوب الرجال عاطفة الأبوة، وأودع في قلوب النساء عاطفة الأمومة، وهاتان العاطفتان من أقدس العواطف في النَوْعِ البَشَري، بل من أشدها تأثيراً

هناك دوافع كثيرة؛ دافع الأمومة، دافع الطعام والشراب، ودافع الجنس، ودافع الأمومة، كان دافع الأمومة أقوى هذه الدوافع، عن طريق الزواج تتفجَّر هذه الدوافع، تتفجر هذه العواطف المُقدسة، لا يحس الإنسان بهذه العاطفة المُقدسة إلا إذا تزوج، وعرف معنى الأبوة، وعرفت الأم معنى الأمومة، تُصبح امرأة أخرى، ويُصبح الشاب بعد الزواج إنساناً آخر، انتقل من ذاتيَّته إلى الغَيْرِيَّة، كان مهتماً بنفسه فأصبح مهتماً بأولاده، كانت مهتمةً بزينتها فأصبحت مهتمةً ببناتها.
يا أيها الإخوة المؤمنون... يؤكد هذا المعنى النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:

(( مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ))

[ ابن ماجه ]

ما معنى صالحة ؟ قال: 

(( إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ ))

فأحياناً يحلف الزوج على زوجته يميناً مُعَظَّمةً، لا يروق لها إلا أن تخالف يمينه، هذا أمرٌ عجيب !! المرأة الصالحة إن أمرها أطاعته...

(( وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ))

هذه المرأة الصالحة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: 

(( إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ))

( أحمد)

كيف نختار الزوجة ؟ وما عوامل الاختيار ؟

يا أيها الإخوة المؤمنون... شيءٌ آخر، هذه مقدمةٌ عن أن الزواج فطرة، وعن أن الزواج مصلحةٌ اجتماعية، وعن أن للزواج فوائد لا تعد ولا تحصى، لأنها سنةٌ نبوية، ولكن الشيء الخَطير الآن الذي يعنينا في هذه الخطبة، كيف نختار الزوجة ؟ وهذا الكلام موجةٌ بادئ ذي بَدْء للشباب، أو موجَّهٌ لأولياء البنات، وأولياء الشباب، إما أن تتزوج، وإما أن تزوج، فكل من له بنتٌ أو له شابٌ، أو كل شابٍ وشابةٍ معنيٌ بهذا الخطب.

الدِّين:

النبي عليه الصلاة والسلام جعل العامل الأول والحاكم في اختيار الزوجة هو الدين، فقال عليه الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

( متفق عليه)

في حديثٍ آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

((من تزوج المرأة لعزِّها لم يزده الله إلا ذلاً، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءةً، ومن تزوج امرأةً لم يُرِد بها إلا أن يغض بصره، ويحِّصِّن فرجه، أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه ))

( من الدر المنثور عن أنس )

لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول إذا التقى بزوجٍ:

(( بَارَكَ اللَّهُ لَكُمْ، وَبَارَكَ عَلَيْكُمْ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ ))

( ابن ماجه عن أبي هريرة)

كيف يتم الزواج ؟

شيءٌ آخر، كيف يتم الزواج ؟ يتم بسؤالٍ عارض، استقصاءٍ ساذَج، بمعلوماتٍ محدودة، بوقفةٍ عارضة، هذا خطأٌ كبير، دققوا معي، وهذه القصة أتلوها عليكم كثيراً، ولكن الآن أتلوها عليكم بشكلٍ تفصيلي:
سيدنا عمر جاءه رجلٌ يشهد لرجلٍ آخر، فقال عمر:
ـ أتعرف هذا الرجل ؟
ـ قال: نعم.
ـ قال: هل أنت جاره الذي يعرف مُدْخَلَه ومُخْرَجَه ؟.
ـ قال: لا.
ـ قال: هل صاحبته في السفر الذي تُعرف به مكارم الأخلاق ؟
ـ قال: لا.
ـ قال: هل عاملته بالدرهم والدينار الذي يُعرف فيه ورع الرجل ؟.
ـ قال: لا.
ـ فصاح فيه عمر وقال: لعلَّك رأيته قائماً وقاعداً يصلي في المسجد، يرفع رأسه تارةً ويخفضه أخرى؟
ـ قال: نعم.
ـ قال له عمر: اذهب فأنت لا تعرفه.
كم من زواجٍ بُنِيَ على شهادةٍ عابرة، على شهادةٍ ساذجة، على قولٍ سخيف: أنه آدمي، فإذا به رجل خبيث، بعيد عن الدين، منحرف الأخلاق، يشرب الخمر. فلذلك إذا تحققت من أخلاق الشباب الخاطب يجب أن تتحقَّق فعلاً لأنه قبل أن تقول: نَعم، يجب أن تبحث جيداً وإلا تندم ندماً شديداً.
يا أيها الإخوة، هكذا فعل عمر، قال له: هل صاحبته في السفر ؟ في السفر تُعْرَف مكارم الأخلاق، هل عاملته بالدرهم والدينار؟ بالدرهم والدينار يعرف ورع الرجل، هل جاورته ؟ إذا جاورته تعرف مدخله ومخرجه ؟ قال: لا، قال: لعلك رأيته يصلي في المسجد يرفع رأسه تارةً، ويخفض أخرى ؟ قال: نعم، قال: أنت لا تعرفه، يا رجل ائتني بمن يعرفك، هذا لا يعرفك.
هكذا إذا طرق بابك خاطب، ابحث عنه جيداً، لأن هذه البنت أمانةٌ في عُنُقِك، ولن ترتفع عنك المسؤولية إلا إذا أحسنت اختيار زوجها، لن ترتفع عنك المسؤولية إلا إذا أحسنت اختيار الزوج المؤمن لها، لأن البنت التي يسرع أبوها في تزويجها من رجلٍ منحرف تأتي يوم القيامة وتقول: " يا رب، لن أدخل النار حتى أُدخِلَ أبي قبلي، لأنه كان السبب في انحرافي "، فالإنسان قبل أن يزوِّج عليه أن يبحث جيداً.

إن الله ينظر إلى قلوبكم لا إلى صوركم:

شيءٌ آخر، إن الله عزَّ وجل لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وكلما تقرأ القرآن الكريم تقول: صدق الله العظيم، ألم يقل الله لك:

﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾

ألم يقل الله لك: 

﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾

(سورة البقرة: من آية " 221 " )

هذا مقياس القرآن الكريم، لذلك اختيار الزوجة يجب أن يتمَّ على أساس الدين، فإذا تم على أساس الدين فنعمت الزوجة.

يسِّروا سبل الزواج:

شيءٌ آخر: هذا الخطاب موجَّهٌ للشباب، أما إذا وجَّهنا الخطاب إلى أولياء الفتيات، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ؟ قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))

( الترمذي)

يحل السِفاح مَحَلَّ النكاح إذا أرهقت الزوج، الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، في إشارات دقيقة جداً، ماذا قال سيدنا شعيب لسيدنا موسى حينما زوَّجه ابنته، قال: 

﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾

(سورة القصص: من آية " 27 " )

هذه إشارةٌ بليغةٌ من الله عزَّ وجل في هذا الموضوع.

اختيار الأم الصالحة:

الشيء الآخر، يجب أن تختار لأولادك الأم الصالحة، من أسرةٍ صالحة، من بيئةٍ طيِّبةٍ طاهرة، من تربيةٍ راقيـة، من أصلٍ شريف، لذلك سيدنا عمر سُئِلَ مرةً: ما حق الابن على أبيه ؟ ياله من عبقري ! فقال عمر رضي الله عن عمر: " أن يحسن انتقاء أمه ـ أول حقٍ يترتَّب للابن الذي لم يولَد بعد على أبيه أن يحسن اختيار أمه ـ وأن يحسن اسمه، وأن يعلِّمه القرآن "، هذا من حقوق الابن على أبيه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا … ))

( متفق عليه)

اختر البيت الراقي، اختر البيت الذي فيه تربيةٌ عالية، البيت الهادئ، البيت الذي فيه عِلْم، فيه خُلُق، فيه حياء … 

(( تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا … ))

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ )) 

( ابن ماجه)

يجب أن تختار لابنتك من هو كفء لها، وبحث الكفاءة في الزواج بحثٌ طويلٌ في الفقه..

(( تخيَّروا لنطفكم، فإن العرق دسَّاس ))

( من تخريج أحاديث الإحياء عن السيدة عائشة )

هذه كلها أحاديث شريفة:

(( تخيَّروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن ))

( من الجامع الصغير عن السيدة عائشة )

(( تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس ))

( من تخريج أحاديث الإحياء عن أنس )

شيءٌ آخر، أحد الصالحين نصح ابنه فقال: " يا بني، الناكح مُغْتَرَس، فلينظر المرء حيث يضع غَرسَهُ، والعِرْقُ السوء قلَّما ينجب، فتخيروا ولو بعد حين "، لو تأخر الزواج، لا تُسرع في هذا الموضوع، تخيروا ولو بعد حين.

الاغتراب في الزواج:

أيها الإخوة المؤمنون... عاملٌ آخر في نجاح الزواج، الاغتراب في اختيار الزوجة، قبل سنواتٍ عِدَّة عُقِدَ في دمشق أسبوعٌ للعلم، وهذا يعقد كل عام، وقد كان موضوع الاختصاص في الطب " تحسين النسل "، وقد جاء أطباءٌ كُثُر ومتفوقون من شتى أنحاء العالم، وألقوا محاضراتٍ في أحدث ما توصل إليه العلم في تحسين النسل، في نهاية كل هذه المحاضرات وقف رئيس المَجْمَع العلمي العربي رحمه الله تعالى، وصاح صيحةً قال: مُلَخَّص كل هذه المحاضرات حديثٌ واحدٌ قاله النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( اغْتَرِبُوا، لاَ تُضْوُوا ))

( من مجمع الأمثال )

أيْ لا تضعفوا، لأن الأقارب إذا تزاوجوا ؛ الضعف في البنية يكرَّس، بينما إذا تباعدوا، إذا تباعد الزوجان الأقوى يغلب الأضعف، لذلك إذا شئنا جيلاً قويَّ البُنْيَة، نجيباً، ذكياً فليكن الزواج من الأباعد، فنجابة الولد ضمانٌ لسلامة جسمه من الأمراض السارية، والعاهات الوراثية، وتوسيعاً لدائرة التعارف، وتمتيناً للروابط الاجتماعية، قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا تنكحوا القرابة، فإن الولد يُخلق ضاوياً ))

( من تخريج أحاديث الإحياء )

ضعيفاً، هزيلاً، فيه أمراضٌ كثيرة..

(( اغْتَرِبُوا، لاَ تُضْوُوا ))

( من مجمع الأمثال )

هذا عاملٌ ثالث، عامل الدين، وعامل الشرف والأصالة، وعامل الابتعاد والاغتراب في الزواج.

اختيار الأبكار:

بقي كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( تفضيل الأبكار ))

لأن المرأة الأيِّم لها زوجٌ سابق، وللزوج السابق أقرباء، وهناك خصومات ومشكلات كثيرةٌ جداً، فالنبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: 

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا، وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ ؟ قَالَ: فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا، تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا ))

(صحيح البخاري)

فهي أرادت بهذا المثل أن تبرز للنبي عليه الصلاة والسلام فضلها على بقية زوجاته، شأن كل امرأةٍ تَغار على زوجها.
عَن عُتْبَة بْنِ عُوَيْمِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ، فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا ـ أي لهنَّ كلامٌ طيبٌ مع أزواجهن ـ وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا ـ أي يلدن، هذه أكثر احتمالاً في الولادة من غيرها ـ وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ ))

[ ابن ماجه]

أربع صفاتٍ تتميز بها البِكر عن الثيب ؛ أعذب أفواهاً، أي لها كلامٌ طيبٌ مع زوجها، هذا تفسير الحديث، كلامها كالعسل، وأنتق أرحاماً، وأقل خباً ـ أي خبثاً ـ وأرضى باليسير.
شيءٌ آخر، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: 

(( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ ))

[ النسائي، أبو داود]

الولود الودود، أي أجمل ما في المرأة ودُّها لزوجها، والتي تقسو عليه في الكلام، وتُهمل حاجاته هذه امرأةٌ لا ترضي أي زوج، مقياس النبي عليه الصلاة والسلام " الولود الودود "، هذا الكلام موجهٌ إلى كل شابٍ أعزب، وإلى كل أبٍ عنده فتياتٍ للزواج، أو إلى كل أبٍ عنده شبابٍ للزواج، هذه مقاييس الزواج.
أيها الإخوة المؤمنون... حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
والحمد لله رب العالمين 

* * *

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُق العظيم، اللهمَّ صل وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

ثمن غضّ البصر:

أيها الإخوة المؤمنون... أما المتزوجون فالله سبحانه وتعالى شرع في كتابه ما يُسَمَّى بِحُكْمِ غض البصر، فقال الله تعالى:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾

(سورة النور: من آية " 30 " )

الثمن الأول: الوفاق الزوجي:

كأن الله جعل ثمن الوفاق الزوجي، والسعادة الزوجية، جعل ثمن هذا غض البصر، فمن غضَّ بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوةً في قلبه إلى يوم يلقاه، هذا الثمن الأول.

الثمن الثاني: الرضا بقسمة الله في الزوجة:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾

(سورة النساء )

إذاً هذه الآية الكريمة: 

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

( سورة البقرة )

هذا الذي يرضى بقسمة الله له، والزوجة من قِسمة الله له، هذا الذي يرضى يكتشف النواحي الإيجابية، من علامات الأذكياء، من علامات الموفَّقين في حياتهم، من علامات أولئك الرجال الناجحين أنهم يكتشفون النواحي الإيجابية في زوجاتهم، فإذا نظرت إلى النواقص فأنت أشقى الأزواج، أما إذا نظرت إلى الميّزات والفضائل وتغاضيت عن النواقص فأنت أسعد الأزواج، ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَا يَفْرَكْ ـ أي لا يكره ـ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))

[ مسلم ]

اكتب على ورقة الميزات، واكتب المَثالب، فإذا رجحت فهي صفقةٌ رابحة.

الثمن الثالث: الاستقامة ثمة المودة:

شيء آخر، كلَّما حَسَّنت صلتك بالله عزَّ وجل، وكلما استقمت على أمره، وكلما أقمت الشرع في بيتك، خَلَقَ الله لك المودة بينك وبين زوجك، هذه تُخِلَق خلقاً، والدليل:

 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ﴾

مَن فاعل جَعَل ؟ الله سبحانه وتعالى: 

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

(سورة الروم: من آية " 21 " )

فإذا ائتمرت بأمر الله، وانتهيت عما عنه نهى في بيتك، تولَّى الله في عليائه هذا الوفاق الزوجي، تولى الله في عليائه هذا الوفاق الزوجي. وإذا بُنِيَ الزواج على معصية الله، إذا أرضيت الزوجة وعصيت الله، إذا استحييت من الناس ولم تستحِ من الله، إذا تساهلت في أوامر الدين، إذا تساهلت في خروج زوجتك بشكلٍ لا يرضي الله عزَّ وجل، عندئذٍ تُخْلَق المشكلات في البيت خَلْقَاً، عندئذٍ يتولى الشيطان التفريق بينهما، يتولى الشيطان الخلاف الزوجي، والشقاق الزوجي، والمُشاحنات، والكراهية، والبغْضاء، والسُباب، والشتائم، والكلام الكبير، ويدفع الصغار ثمن كل هذا، لذلك إذا بني الزواج على طاعة الله تولّى الله التوفيق بين الزوجين، وإذا بني على معصية الله تولى الشيطان التفريق بينهما، وفي القرآن الكريم آية تبثُّ الطمأنينة في كل زوج والبشرى. قوله تعالى: 

﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾

(سورة الأنبياء: من آية " 90 " )

إذاً الله سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يُصلح لك زوجك، مِن هنا قال أحد الأئمة، وأظنه الإمام الشعراني، قال: " إنني أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي ".

 

الدعاء

اللهمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك.
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها مَعاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خَير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واقبل توبتنا، وفكَّ أسرنا، وأحسن خلاصنا، وبلِّغنا مما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا، مولانا رب العالمين.
اللهم هَب لنا من أزواجنا وذرِّياتنا قرَّة أعين، واجعلنا للمتقين إماما يا أرحم الراحمين.
اللهم يا أكرم الأكرمين أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، و أعزَّ المسلمين، وخذ بيد ولاتهم في مشارق الأرض ومغاربها إلى ما تحب وترضى، إنه على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور