وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة الزمر - تفسير الآيتان 71 - 72 الزمر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

 أيُّها الإخوة الكرام ؛ الآياتُ الأخيرة من سورة الزمر وهي قوله تعالى :

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 معنى :

﴿ زُمَراً ﴾

 الزناةُ زمرةٌ ، والشَّاذون زمرةٌ ، وأكِلوا الربا زمرةٌ ، والكذَّابون زمرةٌ ، والمحتالون زمرة ، والقتلةُ زمرة ، والمجرمون زمرة ، والمستغلُّون زمرة .
 كلُّ عمل فيه إيذاءٌ للبشر يُعدُّ عملا شرِّيرا يُجمع أصحابُه زمرةً واحدةً .

(( الخلقُ كلُّهم عيالُ الله تعالى ، فأحبُّهم إلى الله عز وجل أنفعُهم لعياله ))

[ أخرجه أبو يعلى والحارث في مسنده ]

 قال تعالى :

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 الذين كفروا هم الذين كذَّبوا و أعرضوا ، فإعراضُهم كفرٌ و تكذيبُهم كفرٌ هناك من يكذِّب و يعرض و هناك من لا يكذَّب ولكنَّه يعرض فإعراضُه سببُ كفرِه .
 أيها الإخوةُ في آية أخرى يقول الله تعالى :

﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة التغابن الآية : 1 ]

 قال بعض العلماء : سبَّح أي نزَّهَ ومجّد وخضعَ ، وأضاف بعضُهم أن الخضوعَ علامةُ التسبيح والتمجيد ، فمن لم يخضع لم يسبِّح ولم يمجِّد ، فالإيمانُ علامتُه الخضوعُ ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[سورة فصلت الآية : 30 ]

 علامةُ صحَّة إيمانهم استقامتُهم ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ﴾

[سورة فصلت الآية : 33 ]

 علامةُ إخلاص الدعوةِ العملُ الصالحُ ، قال تعالى :

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 الضيفُ الكبيرُ تُفتَح له الأبوابُ قبل أن يأتي ، أما المسجونُ يصل إلى باب السجن بعد أن يصل يُفتَح له البابُ و يُدفَع إلى داخله دفعًا ، قال تعالى

﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 لا أعتقد شعورا يرُدُّ النفسَ كشعور الندم ، قال تعالى :

﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 من " للتبعيض " أي من بني جلدتكم ، من البشر ، و لولا أن الرسلَ تجري عليهم كلُّ خصائص البشر لما كانوا سادةَ البشرِ ، والرسولُ بشرٌ يجوع و يعطش ويغضب ويرضى ويشتهي ، لكنَّه انتصر على بشريته وحلَّق إلى مقامٍ رفيعٍ ، قال تعالى :

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 و رسلُ الله عز وجل حجَجٌ على بني البشر ، قال تعالى :

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 يقول الواحدُ ، أنا لا أعمل هذا العملَ ، لستُ نبِيًّا ، ولم يعلم أن اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، قال تعالى :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة هود الآية : 112 ]

 أيها الإخوةُ الكرامُ ؛ هناك في اللغة بحثٌ اسمه " التفضيل" لا يُفضَّل من فعلٍ غيرِ قابلٍ للتفاوتِ ، أنت لا تقلْ : فلانٌ أموتُ من فلان ، لأن الموتَ حالةٌ واحدةٌ ، أما تقول : فلان أغنى من فلان ، وفلان أكبر وأطول وأعلم ، تستخدم اسمَ التفضيلِ للأفعال القابلة للتفاوتِ ، أما اسمُ التفضيل من فعلٍ غيرِ قابلٍ للتفاوتِ لا يُصاغُ منه اسمُ التفضيل ، الاستقامةُ غيرُ قابلةٍ للتفاوت ، وهي حدِّيةٌ ، أما عدم الاستقامة فنسبيَّةٌ ، واحد يزني بعينيه ، واحد بلسانه وواحد بيده واحد بفرجه ، والكلُّ زنا ، ولكنه متفاوِتٌ ، الانحراف حدِّي ، أما المستقيم فحالةٌ واحدةٌ ، يستوي في استقامته القرشُ مع المليون ، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( إنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))

[أخرجه مسلم والترمذي]

 قال تعالى :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة هود الآية : 112 ]

 و الحقنةُ التي يأخذها أعلى طبيب في العالم يجب أن يعقِّمها كما يعقِّمها أصغرُ ممَرِّضٍ في العالم ، فالنبيُّ له عند الله مقامٌ كبيرٌ جدًّا ، أما الله عز وجل أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، قال تعالى :

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 الله عز وجل أرسل الرسلَ وبعث الأنبياء ووزَّع دعاةً في الأرضِ ، كلُّ هؤلاء لنشر الحقِّ ، ولإقامة الحجَّة على الإنسانِ ، أرسل الرسلَ و بعث أنبياءَ ووزَّع دعاةً في شتَّى بقاع الأرض ، هؤلاء ينوبون عن الأنبياء في تبليغ الناس الحقَّ ، هؤلاء حججٌ لله على خلقه ، قال تعالى :

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 الآياتُ أنواعٌ :
 - الآياتُ الكونية .
 - الآيات التكوينية .
 - الآيات القرآنية .
 الكونية خلقُ السماوات والأرض .
 التكوينية أفعالُ الله عز وجل .
 القرآنية كلامه .
 على كلُّ هذه الآياتُ تشير إلى الله ، و إلى وجوده وإله وحدانيته وإلى كماله ، قال تعالى :

﴿ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 هذا اليومُ الذي لا مندوحةَ منه ، سمَّاه الله الواقعةَ والطَّامَّةَ والحاقَّةَ ويومَ الفصل ، يوم الدين ، يوم الجزاء ، يوم القيامة ، قال تعالى :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِي * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾

[ سورة الحاقة الآيات : 19-24 ]

 وقال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي * يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ﴾

[ سورة الحاقة الآيات : 25-32 ]

 قال تعالى

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 قوانينُ الله تعالى انطبقتْ على هؤلاء الذين ضلوا و أضلوا فاستحقوا العذاب .
 هذا الموقف العظيمُ الذي يُعدُّ الذكيُّ والعاقلُ والفائزُ من ينجو في هذه الساعةِ ، الغنيُّ في ثانية واحدة يصيرُ خبرًا ، قُطِعتْ سيارتُه لتُخرَج جُثَّتُه البطولة عندما تلقى اللهَ عز وجل ، و أن تنجوَ في ذلك اليومِ ، قال تعالى

﴿ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 72 ]

 أيُّ تكبُّرٍ هذا ، تكبَّروا عن معرفة الله ليس عندك وقتٌ لتعرف الله عز وجل و تحضر مجلسَ العلم ، و لا أن تعرف آخرتَك و لا إلى أين أنت سائرٌ ، أما أن يتابع مسلسلا إلى الساعة الواحدة ليلا ، قال تعالى

﴿ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 72 ]

 تكبروا عن معرفة اللهِ و عن طاعته و عن قبول منهجه ، يفعل كلَّ شيءٍ وهو يحسب أنه يحسن صنعا ، قال تعالى :

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 أيها الإخوة الكرام ؛ يقال : دقيقةُ الألم ساعةٌ ، وساعةُ اللذَة دقيقةٌ ، والإنسانُ أحيانا يُمضي عشرَ ساعات وهو لا يشعر ، إذا كان مع أحبابه في مكان جميل ويأكل أطيبَ الطعام في مرحٍ و سرور ، أما حينما يؤلمه سِنُّه يقول : مضتْ عليَّ ليلةٌ مثل السنةِ ، هذا في الدنيا ، وهذا القرآن كلام من ؟ فإذا كان الإنسانُ شاكًا في كلام الله فليُعِدْ بناءَ إيمانه إذا كان ممكنًا أن يكون هذا الكلامُ غيرَ صحيحٍ فليؤمِنْ بالله و أسمائه الحسنى و بكلامه و قرآنه .
 أيها الإخوةُ الكرام ؛ خبرٌ في الجريدة أربع أسطرٍ يُنزِّل سعرَ السيارةِ مائتي ألف ، الناسُ يصدِّقون تصريحاتِ أولي الأمرِ ، وخالقُ الكونِ لا تصدِّقه ، فكيف لو أن الإنسانَ يقرأ كلام الله ، هذا مصير الكافر ، إلى النار و إلى أبد الآبدين ، لذلك قال أحدُ العلماء عندما قرأ حديثا استغنى به عن كلِّ حديثٍ ، قال فيه علمُ الأولِّين و الآخرين ، و قال : اِتَّقِ النارَ بقدر صبرك عليها ، و اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها ، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها ، و اتقِ اللهَ بقدر حاجتك إليه " لأنه كلُّ مخلوقٍ ، قال تعالى :

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 71 ]

 غدًا إن شاء الله نتحدّث عن آيات المتقين ، قال تعالى

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾

[ سورة الزمر الآية : 73 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور