وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة الزمر - تفسير الآيتان 73 - 74 الدنيا دارُ ابتلاءٍ لا دارُ استواءٍ.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، البارحة الآياتُ كانت حول أهلِ النار الذين يُساقون إلى النار زمرا بحسب معاصيهم، و اليومَ، قال تعالى:

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)﴾

(سورة الزمر)

 أيضا الذين دعوا إلى الله و الذين رعوا الأيتامَ و الذين تصدَّقوا بأموالهم و الذين أصلحوا بين الناس و الذين أدَّوا العباداتِ أداءً متقَنا، و الذين جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله، أنواعُ الخيرِ لا تُعدُّ و لا تُحصَى بعضُهم قال: الطرائِقُ إلى الخالق بعددِ أنفاس الخلائقِ، وكلُّ إنسانٍ بإمكانه أن يصل إلى الجنَّة من بابٍ، فالأمومة الصحيحةُ، و هي الأم التي ربَّت أولادها و بناتها و اعتنتْ بهم و أحسنتْ رعايةَ زوجها تدخل الجنةَ، و أبٌ اعتنى بأولاده و ربَّاهم تربيةً صحيحةً و زوَّجهم و اعتنى بهم يدخل الجنةَ، و البنُ البارُ لوالديه يدخل الجنَّةَ، و الإنسان الذي عمل عملا متقنا أخلص فيه إتقانه و نصح المسلمين، و لم يقسُ عليهم يدخل الجنةَ، و أصحابُ الحرفِ و التجارات مع الصدِّقين يوم القيامة، فلا يتوهَّم الواحدُ أنه حتى يطلع المنبرَ، أو يصير عالما، هذا أحد فروع الدين، فكلُّ إنسان باختصاصه و مهنته و تجارته و صناعته و الزوجة المثالية، و في الحديث

:(( أيما امرأة ماتت و زوجُها عنها راضٍ دخلت الجنةَ.))"

 اِعلمي أيتها المرأةَ و أعلِمي من وراءك أن حسنَ تبعُّل المرأة زوجَها يعدل الجهاد في سبيل الله، و قد ورد في الحديث الشريف: قابل اللهَ في برِّهما..." فيمكن أن تلقى اللهَ عز وجل و ليس لك عمل إلا برُّ الوالدين، و الزوجة و الأب و الأم،ضمنَ البيتِ كلُّها مداخلُ للجنة دخلتَ إلى عملك، و عملك مشروعٌ و سلكتَ به الطرقَ المشروعةَ، و ما كذبتَ و لا دلَّستَ و لا غششْت و لا احتكرتَ و لا أوهمتَ، و أردتَ به كفايةَ نفسك و أهلك و خدمة المسلمين، و لم يشغلْك عن الصلاة و لا عن الصيام و لا عن طلب العلم، هذا العملُ ينقلِب إلى عبادةٍ، فكيفما تحرَكتَ يمكن أن تجعل من عملك في بيتك و أن تضع اللُّقمةَ في فم زوجتك هي لك صدقةٌ، و أن تدخل على أولادك الفرحَ، و أن تعودَ مريضا و أعنتَ ضعيفا، و أفرغت من دلوك في دلو المستسقِي و أعطيت دورَك لإنسانٍ كبيرٍ في السنِّ، قال تعالى:

 

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾

 

(سورة الزمر)

 هناك من يتقي اللهَ و يجتنب المعاصي، وهناك من يتقي سخطَ الله و هناك من يتقي سخطَ الله، و هناك من يتقي معصيته، قال تعالى:

 

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾

 

(سورة الزمر)

 الذين عملوا بفكرهم بمؤلفات نشر بها الحقَّ، إنسان بنى مسجدا، و إنسان حافظ على سلامة قلبه و لم يكن في قلبه غلٌّ، كلُّ هذه الأعمال مقبولةٌ عند الله، قال تعالى:

 

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾

 

(سورة الزمر)

فُتِحت لهم من قبل تكريما لهم.
 ذكرتُ لكم البارحةَ أن الضيوف الكبارَ هناك تهيئةٌ لهم، يأتي الضيفُ إلى المطار و يدخل قاعة الشرف وهي مهيَّأةٌ و المركبة جاهزة و القصرُ جاهزٌ و كلُّ شيءٍ جاهزٌ قبل أن يأتي، أما المجرمون فيُساقون إلى السجنِ و في الطريق يُضرَبون و يقفون و يُفتَح لهم بابُ السجن بعد أن يصلوا، قال تعالى:

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾

(سورة الزمر)

 فالله تعالى سمَّاها دارَ السلامِ ليس فيها مشاكلُ كالدنيا، حتى على المستقيمين في الدنيا تلحقهم المشاكلُ، مشكل الهرم والمرض و الشيخوخة..، إن هذه الدنيا دارُ ابتلاءٍ لا دارُ استواءٍ منزلُ ترحٍ لا منزلُ فرحٍ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء و لم يحزن لشقاء، أما الجنّةُ دارُ سلامٍ، لا كبَر و لا شيب شعرٍ، شبابٌ دائمٌ و لا مرض و لا حزن و لا فقر و لا قلق ولا خوف و لا قهر و لا زلزال، أكبر ثلاث شركات في اليابان دمَّرتها الزلازلُ، و فيها حوادث السير، و الإيدز، خمس و ثلاثون مليون مصابًا، الله تعالى سمَّى الجنَّة دار السلام، قال تعالى:

 

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾

 

(سورة الزمر)

 انتهت المشاكلُ،قال تعالى:

﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)﴾

(سورة الزمر)

 إلى أبد الآبدين، فهل تُضَيَّعُ الجنَّةٌ من أجل عشر سنوات في الدنيا ؟‍! حتى لا يتزوج الإنسانُ و يشتري سيارة و بيتًا كم يلزمه من السنين ؟ معقول أن يضيِّع الجنَّةَ كلَّها من أجل هذه السنوات المعدودة ؟
قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾

 

(سورة الزمر)

 وعدُ الله كبيرٌ، و الله تعالى قال:

 

﴿أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)﴾

 

[سورة الفيل]

 أنت لم تر، و لكنَّ اللهَ ينتظر منك أن تنزِّلَ خبرَه منزلةَ الرؤيةِ لمصداقيته، فالله عز وجل وعَدَ، قال تعالى:

 

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾

 

[سورة القصص]

 قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾

 

(سورة الزمر)

 و قال تعالى:

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8﴾

 

[سورة التحريم]

 قال تعالى:

 

﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾

 

(سورة الزمر)

 أيَّةُ أرض ؟ قال بعضهم: لو لم نكنْ في الأرضِ و عرفنا ربَّنا و أطعناه لما دخلنا الجنَّةَ، و كيف الطبيب يأخذ يوميا خمسين آلاف ليرة لولا السنوات التي أمضاها في الجامعة، و السهر في الليالي، قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾

 

(سورة الزمر)

 و لولا أن جئنا إلى الدنيا، كانت فيها الشهوات و المنهج و الكون يدلُّ على الله، و الإنسانُ أُعطِيَ حرِّيةَ الاختيار، و لولا نظام الدنيا ؛ كونٌ مسخَّرٌ للإنسانِ تسخير تعريف و تسخير تكريم، عقلٌ يدلُك على الله و فطرةٌ تدلُّك على خطأك، وحرِّية اختيار تثمِّن عملك، منهجٌ يُعدٌّ ميزانا على الميزان، لولا هذه الأشياء في الدنيا لما كنا في الجنة، كما لو أن الإنسانَ تمتَّع بأعلى دخلٍ بدراسته الجامعية، و لولا الجامعة التي درس فيها ما كان في هذا الدخلِ قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)﴾

 

(سورة الزمر)

 الآن نحن في المدرسةِ، وضعُنا مع ربِّنا يقرِّرُ مصيرَنا في الجنةِ، نحن في زمنٍ المؤمنُ يوم القيامة لا يندم إلا على شيءٍ وهو ساعةٌ مرَّتْ لم يذكر اللهَ فيها، هذا الوقتُ محسوبٌ علينا، كيف الواحد إذا كان في النُّزهة ـ السيران ـ ثلاث أو أربع ساعات مرتاح يفعل ما يشاءُ، أما لو كان في الامتحان فالوقتُ محسوبٌ عليه، وهو وقتٌ مصيري، ينبني عليه نجاحُه، وهل معقول أن ينظِّف الواحد في الامتحان ساعته و يشتغل بها على حساب امتحانه، الوقتُ ثمين جدا، و كلُّ دقيقة لها معنى، فوقت الامتحان وقتٌ خطيرٌ و مصيري، و أنت في الدنيا في امتحان، و الإنسانُ بضعةُ أيام كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه.
الآيةُ الكريمةُ، قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)﴾

 

(سورة الزمر)

 قال تعالى:

 

﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ﴾

 

(سورة الزمر)

 الآن الخلائقُ كلُّها علاقتُها مع الله ملخَّصةٌ في كلمةٍ واحدةٍ قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)﴾

 

(سورة الزمر)

 كلُّ ما في الكونِ من زلازل ومن فيضانات و حروب و أمراض و فقر و من نزاعات و قهر و اجتياح، كلُّ المآسي، الخلائق تقول:

 

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)﴾

 

(سورة الزمر)

 من هنا قال الإمام الغزالي: ليس في الإمكان أبدعُ مما كان " و لو كُشف الغطاءُ لأصبتم الواقعَ، يقول سيدُنا عليٌّ: و اللهِ لو كُشِف الغطاءُ ما ازددتٌ يقينا، و لو علمتُ أن غدا أجلي ما قدرتُ أن أزيد في عملي "
 أيها الإخوة الكرام، فإذا أدخل الإنسانُ الآخرةَ في حساباته اليومية يختلف وضعُه كلِّيا، يركل الدنيا بقدمه إذا كان فيها شبهةٌ، و يقبل مائة ليرة حلالا، يضيِّع الساعات في خدمة الخلق، لأنه محسوب عند الله تعالى، و إذا الإنسان ما آمن بالآخرة فله وضعٌ، و إذا آمن بالآخر و فله وضعٌ ثانٍ.
 آخرُ مثلٍ ؛ أحدُ إخواننا يصلِّح المحركات، يفتح المحرك يجد فيه عطلا بسيطا يصلِّحه و لا يكلِّف شيئا، و لكنه يأخذ عليه خمسة آلاف، و بعد أن تاب إلى الله يأتيه المحرِّك مثل الأول عطلُه بسيطٌ يصلِّحه، ثم يأخذ عليه خمسة و عشرون ليرة، واللهِ أيها الإخوة قال لي أحدهم: أرجعتُ عشرين مليون ليرة لورثةٍ لا علم لهم بهذا المبلغ، تُوُفِي الأبُ في حادث و ترك هذا المبلغ عند هذا الشخص، تعرف اللهَ تصير أمينا صادقا كلُّ الأخلاق العالية تأتي من معرفة الله و من طاعة الله تعالى و من الخوف من حسابه.
أحدُ الفلاسفة الأجانب يقول: لا يمكن أن تكون الأخلاقُ دون أن تؤمن أنَّ لهذا الكون إلها يعلم و سيحاسب، حينما تؤمن أنَّ اللهَ يعلم و سيحاسب تستقيم

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور