وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة التوبة - تفسير الآيتان 25-26 ، الإفقار لله تعالى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
 أيها الأخوة الكرام:
 الآية الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون من سورة التوبة وهي قوله تعالى:

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ﴾

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾

 يعني لما لم ينصركم، لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين.
 ورد في الحديث الشريف:

((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر يا رسول الله ما هو الشيء الذي هو أكبر من الذنب ؟ قال عليه الصلاة والسلام: العجب !!! العجب !!! ))

 الإنسان إذا أعجبته نفسه، استغنه عن ربه، وكان إعجابه لنفسه حجاباً فيما بينه وبين الله عز وجل.

 

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾

 سابقاً مئات المرات الله نصركم، لما هنا لم ينصركم، قال: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. سنأخذ آية مقابلها.

 

 

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

(سورة آل عمران: 123 )

 معنى أذلة يعني مفتقرين إلى الله، متذللين له، تشعرون بالعبودية له، تتبرئون من حولكم قوتكم.
 هاتان الآيتان، والله الذي لا إله إلا هو، ما من مؤمنٌ إلا ويمتحن في اليوم الواحد عشرات المرات بهاذين الامتحانين، المؤمن بين بدرٍ وحنين، في بدرٍ أفتقر إلى الله، فتولى الله أمره، ونصره وفي حنين، أعجبته كثرته، فتخلى الله عنه.
 طيب أيعقل أن يتخلى الله عن أصحاب رسول الله ! وهم الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله، وكان فيهم رسول الله، إذا كان أصحاب رسول الله الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم في الجهاد في سبيل الله وحينما أعجبوا بكثرتهم في حنين، تخلى الله عنهم، فمن نحن، إذا أعجبنا بأنفسنا.
 هذا الكلام أيها الأخوة، يعني، أنه في كل موقف تقفه، إذا قلت الله وأنا لا شئ، اللهم إني تبرئت من حولي وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك، يا ذا القوة المتين، تولى الله أمرك، وإذا كان الله معك فمن عليك، أما إذا قلت أنا، خبرتي، مالي، علمي، خبرات متراكمة، تفوق في الدراسة، أنا أبن فلان، أنا حجمي المالي كذا لمجرد أن تقول أنا يتخلى الله عنك، ولمجرد أن تقول الله وأنا لا شئ يتولى الله أمرك، فأنت في اليوم الواحد، بين امتحانين، إن افتقرت إلى الله تولى الله أمرك، وإن أعتززت بنفسك، تخلى الله عنك.
 لذلك إذا أقدمت على عمل، طبيب سيجري عملية جراحية مدرس سيلقي درس، إذا قال: اللهم أني تبرئت من حولي وقوتي وعلمي والتجئت إلى حولك وقوتك وعلمك، يا ذا القوة المتين، تجد التوفيق العجيب، وما في واحد من أخوانا الكرام، إلا يعرف أيام توفق توفيق عجيب، يكون في قبله في افتقار إلى الله عز وجل خائف، أيام رغم ذكائه، رغم خبرته، رغم ماله، يرتكب حماقة، ما بعدها حماقة، كيف أرتكب هذه الحماقة ؟ لأن الله تخلى عنه، لأن الله إذا أراد إنفاذ أمرٍ، سلب من كل ذي لب لبه، بسحبلك خبرتك وذكائك ومالك، بتلاقي أعمال كلها حمقاء، وأنت ذكي وقوي.
 لذلك أنت دائماً بين حالتين، حالة التولي وحالة التخلي، تولي وتخلي، إن قلت أنا تخلي، ولو كان رسول الله معك، الصحابة الكرام معهم رسول الله.
 ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين.

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 فإذاً بدر وحنين، في حياة كل مؤمن في اليوم عشرات المرات عشرات المرات، أنا بقلك استعملت خبرتي في هذه الصفقة، بتفلس منها، يا جبار بتربح منها، إذا قلت يا جبار بتربح، إذا قلت أنا خبراتي متراكمة، أنا بنقي البضائع الرائجة، ما بتنباع معك هذه البضائع.
 أخ حدثني بياع أقمشة في سوق الحميدية، هل آتي لعنده زبون من حماه، أشترى، أشترى، أشترى، قصة من سنة الخمس والخمسين أشترى شيء بخمسين ألف، يعني حق بناية، في عند صفة قماش أجمل صفة، قال له بدي هي، قال له والله هي منباعة، قال له إذا ما بتعطيني إياها ما بدي كل الصفقة، أشاور مع صانعه قال له سيدي بيعوا إياها، مادام وقف البيعة على هي دبرها، قل له أخي راحت، بحكي لي التاجر، قال لي: والله أربعين سنة، ما انباعت الصفقة معي بعدين قسمها مربعات، لف فيها الأقمشة، أن هو شافه هي أحل شيء بدو يبيع ويربح منها، وإذا ما أستلمها بلغي الصفقة كلها، قل لي أربعين سنة ما كان تنباع معنا، من جرد إلى جرد إلى جرد، صار في تحدي لأنه، قال هي أربح فيها، الله تخلى عنه، قل لي والله ما صرفنها إلا قطع مربعة، صررنا فيها الأقمشة، هي أجمل صفة.
 بس تقول أنا، بس تعتد برأيك، بس تعتد بعلمك، بخبرتك بخبرتك التجارية، بذكائك، بمالك، بأسرتك، بصحتك، بيجي التخلي بس تقول يا رب، أنا لا شيء، أنا الفقير وأنت الغني، أنا الجاهل وأنت العالم، أنا الضعيف وأنت القوي، بتلاقي الله عز وجل أعطاك قوى لا محدودة، عطاك دعم، عطاك توفيق، عطاك نصر عطاك سداد في الرأي، طلاقه في اللسان، موقف حكيم، كل حكمتك وكل ذكائك، وكل التوفيق، بسسبب افتقارك إلى الله.
 أخوانا الكرام:
 هل الآيتين خلهن ببالكم.

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت. قبل أن تعقد صفقة، قبل أن تقدم مرافعة أمام القاضي، قبل أن تلقي درس، قبل أن تمسك بمريض.
 في طبيب نسائي، تألق اسمه إلى درجة مذهلة، صار الطبيب الأول، شعر أنه هو أول طبيب بالبلد، يجري عملية ولادة، صار في محاولة لقطع أربطة الجنين، قطع الرحم وقطع الأمعاء، ولولا أن أخذ المريضة للإسعاف الفوري، لسحبت منه الشهادة.
 بتلاقي بيرتكب المعتد بنفسه، حماقة ما بعدها حماقة، إن كان في التجارة، إن كان في الصناعة، إن كان في الزراعة، إن كان في العمل الحر، أم إذا كان في توكل،وفي إنابة، وفي افتقار، وفي عبودية، وفي تذلل.
 المؤمن أيها الأخوة، عزيز النفس كثير، بس مع الله متذلل أهل الدنيا، مستكبر على الله عز وجل، وأمام القوي مثل القط بتلاقي مثل الحيوان المتذلل أمام القوي، أما أمام ربه، مستعلي، استكبرت عليهم أنفسهم.
 فنحن درسنا البليغ، عنا آيتين، بدر وحنين، بدر افتقروا ! الله نصرهم، حنين ماذا قالوا ؟ الصحابة أطهر من الملائكة، باعوا أنفسهم ما قالوا: إلا لن نغلب اليوم من قلة، ولعلهم قالوا هذا بأنفسهم فاستحقوا أن يتخل الله عنهم، وهم صحابة رسول الله، نحنا مين نحنا مين معنا نحنا، فإذا الواحد منا قال أنا.
 لذلك قالوا أربع كلمات مهلكات: أنا !! ونحن !! ولي !! وعندي !! قال الشيطان.

 

﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾

 فأهلكه الله، ونحن، قوم بلقيس.

 

 

﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾

 

(سورة النمل: 33 )

 فأهلكهم الله، ولي قالها فرعون.

 

﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾

 

( سورة الزخرف: 51)

 فدمره الله، وعندي قالها قارون.

 

﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾

 

(سورة القصص: 78 )

 فأربع كلمات مهلكات، أنا ونحن، ولي، وعندي.
 الافتقار في معه توفيق، في معه دعم، في معه تسديد، في معه ترشيد، في معه تنوير، في معه نصر، في معه حفظ، في معه تأيد، والاعتداد في معه تخلي، لذلك، من أتكل على نفسه أوكل الله إياها، والإنسان ضعيف، بالله قوي، بنفسه ضعيف، فالإنسان إخوان الكرام قبل كل عمل، أفتقر إلى الله، بس بإخلاص، بحضور قلب يا ربي ليس لي إلا أنت، أنا ضعيف فقوي في رضاك ضعفي، أنا ذليلٌ فأعزني، أنا جاهلٌ فعلمني، أنا مفتقر فأغنني، هكذا المؤمن، ما في أحل من التذلل إلى الله، رفعة، وما في أحل من أن تكون عزيزاً على الناس، لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير، من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثي دينه، من جلس إلى غني أتمسكن له يا سيدي ما في شغل ما في كذا فتضعضع له تمسكن له، ذهب ثلثي دينه، ملك الملوك إذا وهب، قال الشاعر: لا تسألن عن السبب، لا، أنا بقول موهيك.

 

ملك الملوك إذا وهب  قم فسئلن عن السبب
الله يعطي من يـشاء  فقف على حد الأدب
***

 يلي عطاه بيعطيك، أطلب من الله، الحسن البصري قيل له بما نلت هذا المقام، قال باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي

 

 

لا تسألن بنـــــي آدم حاجة  وسل الذي أبوابــــــه لا تغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله  وبـني آدم حـين يـسأل يـغضب
***

 

والحمد لله رب العالمين.

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.

تحميل النص

إخفاء الصور