وضع داكن
18-04-2024
Logo
موضوعات علمية من الخطب - الموضوع : 111 - البيان واللغة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأميناللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

ما هي الوسيلة التي من الله بها على الإنسان للتعبير عن أفكاره ومشاعره وعلاقاته مع الناس ؟


أيها الأخوة المؤمنون, يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾

[سورة الرحمن الآية: 1-4]

هذه اللغة وهذا البيان ميزةٌ يمتاز بها الإنسان، هذا تكريمٌ كرم الله به الإنسان، فالطفل مثلاً يبكي، يا ترى أهو جائع؟ أهو محصور؟ أهو بحالةٍ غير نظيفة؟ ما سبب بكائه؟ أهو يشعر بالحر؟ أهو خائف؟ إنه يبكي, تعبيرٌ مبهم لا يوضِّح الحقيقة إذا لم يتحقق .
الهرة تموء، والذئب يعوي، والكلب ينبُح، والفرس تصهل، والحمام لها هديل، والضفادع لها نقيق، والحمار له نهيق، والعصافير لها زقزقة، أعطى الله سبحانه وتعالى هذه الحيوانات التي خلقها، أعطاها صوتاً واحداً، تعبِّر به عن بعض الحاجات الأساسية، ولا تستطيع هذه الحيوانات، أن تعبِّر عن أدقِّ الرغبات، ولا عن أدقِّ المشاعر، ولا عن أدقِّ الحاجات، إنها أصواتٌ مبهمة .

لكن الله كرم الإنسان بهذه اللغة، إنه يلفظ ثمانية وعشرين حرفاً, تتألف الكلمات من هذه الحروف، ولو أن هذه الحروف شُكِّلت بشكلٍ أو بآخر, لكان بإمكانها أن تؤلِّف ما لا حصر له من الكلمات، يحوي قاموس لسان العرب وحده ما يزيد عن مئة ألف مادة، والمادة تحتوي من عشرة إلى عشرين كلمة، أي مليونين كلمة في لسان العرب، ونحن لا نستعمل أكثر من أربعمئة كلمة من كل هذا القاموس الطويل .فيا أيها الإخوة المؤمنون, ما سرُّ اللغة؟ أن حروفاً تأتلف فتصبح كلمات، والكلمات بعضها أفعال، وبعضها أسماء، بعضها أدوات، بعضها مرفوعات، بعضها منصوبات، تأتي الجمل من ائتلاف الكلمات، تأتي المعاني التفصيلية، يعبِّر الإنسان باللغة عن مشاعره، يعبِّر عن أفكاره، يعبِّر عن أدق الحالات .

تنوع المفردات في اللغة :

ففي اللغة العربية مثلا ً: نظر إلى الشيء يعني رأى، وفيها حمْلَق، وفيها بحْلَق، وفيها حدَّق، وفيها نظر شزراً، وفيها شخَص، وفيها رنا، وفيها لاح، وفيها لمح، وفيها استشرف، وفيها استشفَّ، وفيها حدَّج، كلُّ هذه الكلمات تؤدِّي معانٍ دقيقةٍ جداً لحالات النظر، فإذا نظرت إلى إنسان, وأنت تحبُّه، فأنت تحدِّجه، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم))

إذا نظرت إلى الشيء وتلمَّسته بيديك، تقول: استشفَّه، فإذا ظهر الشيء ثم اختفى، يقال: لاح الشيء، فإذا نظرت ثم أعرضت، تقول: لمحت، فرقٌ دقيقٌ بين لاح، وبين لمح، وبين استشرف، وبين استشف، وبين حدَّج، وبين حملق، إذا حملقت في الشيء، ظهر احمرار باطن جفنك، وإذا حدَّقت بالشيء، اتسعت حدقة عينك, قال تعالى:

﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾

[سورة الرحمن الآية: 1-4]

يعبَّر عن حالات النظر الدقيقة المتنوعة بخمسين فعل, أما الطفل يبكي، والهرة تموء ، والكلب يعوي، والحمار ينهق، والفرس تصهل، والغراب ينعِق صوتٌ واحد، يعبِّر به عن حاجاته الأساسية من دون أن تعرف المقصود الدقيق من هذه الحاجة . 

إليكم تفسير هذه الآية :

فيا أيها الأخوة المؤمنون, وقف بعض علماء التفسير عند هذه الآية العظيمة:

﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾

[سورة الرحمن الآية: 1-4]

جاء تعليم القرآن قبل خلق الإنسان، وجاء تعليم البيان بعد خلق الإنسان، فهل هذا الترتيب ترتيباً زمني؟ أيعقل أن يُعلَّم الإنسان القرآن قبل أن يخلق؟ هذا ترتيبٌ رُتبيّ، لا ترتيبٌ زمني يعني حياة الإنسان لا معنى لها، ولا جدوى منها من دون منهج يسير عليه، إن وجود المنهج مقدمٌ على وجود الإنسان، إن وجود القرآن الكريم أخطر من وجود الإنسان، لذلك يقول الله عزَّ وجل:

﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾

[سورة الرحمن الآية: 1-4]

لماذا علمه البيان؟ ليتعلَّم القرآن، لماذا يتعلم القرآن؟ ليعرف الحلال من الحرام، لماذا يجب أن يعرف الحلال من الحرام؟ ليهتدي إلى رب الأكوان، ولماذا يهتدي إلى رب الأكوان؟ لينعم بالجنان .
إذا قرأتم هذه الآية، تذكَّروا عظيم فضل الرحمن, قال تعالى:

﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾

[سورة الرحمن الآية: 1-4]

تفتح كتاباً فتقرأ به، إنك تقرأ ما كتبه عالمٌ قبل ألفي عام، وإنك تكتب، وإنك تستمع > فهذه اللغة التي كَّرم الله بها الإنسان يستعملها مشافهةً، ويستعملها قراءةً صامتة، ويستعملها كتابةً، إن تراث البشرية ينقل من جيلٍ إلى جيل عن طريق اللغة، لهذا كانت أول آيةٍ في كتاب الله:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾

[سورة العلق الآية: 1-5]

هذه هي اللغة التي بها ترقى، بها تعرف كتاب الله، بها تتعلم، بها تُعلم، بها تسجِّل، بها تقرأ .

المطلوب من المسلم :

فيا أيها الأخوة المؤمنون, يقول سيدنا عمر رضي الله عنه:

((تعلموا العربية فإنها من الدين))

أي جزءٌ من دينك أن تتعلَّم هذه اللغة، لغة القرآن، ولغة النبي العدنان، ولغة أهل الجنّة.
فهذه اللغة الدقيقة التي اختارها الله لتكون لغة القرآن، ألا ينبغي أن نتعلَّمها, ونحن العرب, هي لُغتنا .
أيها الأخوة المؤمنون, يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الزمر الآية: 9]

﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾

[سورة طه الآية: 114]

تحميل النص

إخفاء الصور