وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة التوبة - تفسير الآية 74 ، الكفر بعد الإيمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
 أيها الأخوة:
 في سورة التوبة، آيةٌ رقمها، أربعةٌ وسبعون، وهي قوله تعالى:

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(74)﴾

 هذه الآية: لا نعرف منهم الذين قالوا ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، ولا في أية مناسبةٍ قالوا وكيف كفروا بعد إسلامهم، أسلموا ثم كفروا، هذه الآيات وهي قلةٌ في القرآن الكريم، لا تفهم إلا بأسباب النزول.
 لهذه الآية قصةٌ غريبة، هذه القصة هي أن رجلاً صحابياً توفي في معركةٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف طفلاً صغيراً، اسمه عُمير بن سعد، أم هذا الطفل الصغير الأرملة تزوجت رجلاً ثرياً في المدينة، هذا الرجل الثري، صاحب رسول الله، وأسلم.
 حينما كان النبي عليه الصلاة والسلام، يغزو مع أصحابه كان لا يخبرهم بوجهته، من باب أخذ الحيطة، فالحرب خدعة، إلا أنه حينما توجه بهم إلى تبوك، في أيام الصيف الحارة، لأن الشقة بعيدة، ولأن العدو كثير العَدد والعُدد، فالأول مرةٍ النبي صلى الله عليه وسلم، يصرح لأصحابه بوجهته ليستعدوا، وبدأ أصحابه يستعدون.
 امرأة باعت فراشها، وقدمت ثمنه للنبي عليه الصلاة والسلام الذي تنام عليه.
 سيدنا عثمان جاء بجراب، فيه ألف دينارٍ ذهباً وقدمه للنبي عليه الصلاة والسلام.
 سيدنا عبد الرحمن بن عوف، حمل على عاتقه مائتي وقيةٍ من الذهب، وألقاها بين يدي النبي الكريم.
 يعني ما من واحدٍ من الصحابة، إلا وقدم كل شيء.
 هذا الغلام يرى عمه زوج أمه، قاعد لا يتحرك، لا يستعد لا يقدم، لا يبذل مع أنه غنيٌ كبير، فأراد أن يستثير همته، كيف استثار همته ؟ بدأ يحدثه عن أصحاب النبي كيف يقدمون، اليوم يا عمي جاء سيدنا عثمان وفعل كذا، اليوم جاء ابن عوف وفعل كذا اليوم رجل باع فراشه، ضاق به ذرعاً ! وقال له:
 قال إن كان محمدٌ صادقاً فيما يقول، مما يدعيه من النبوة فنحن شرٌ من الحمر.
 سعد بن عُمير، لما سمع هذا الكلام من عمه، كان في رأسه عقلٌ وطار، هذا كفر، إن سكت خان الله ورسوله، وإن تكلم ولي نعمته، يعني الجلاس عمه أكرمه إكراماً ما بعده إكرام، وقع هذا الطفل الصغير في صراعٍ شديد، إن هو تكلم يعني كأنه سبب لعمه وولي نعمته شراً كبيراً، وإن هو سكت خان الله ورسوله، هذا غلامٌ صغير، اسمعوا ماذا قال لعمه.
 التفت عمير إلى الجلاس، اسمه الجلاس عمه قال والله يا جلاس: ما كان على ظهر الأرض، أحدٌ بعد محمد بن عبد الله أحب إليّ منك، ما على ظهر الأرض، أحدٌ بعد محمد بن عبد الله أحب إليّ منك، فأنت آثر الناس عندي، وأجلهم يداً عليّ ولقد قلت مقالة إن ذكرتها فضحتك، وإن أخفيتها خنتُ أمانتي وأهلكت نفسي وديني وقد عزمتُ أن أمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قلت فكن على بينةٍ من أمرك.
 أنا لا أعمل بالخفاء من وراء ظهرك، أنا إن سكت فقد خنت الله ورسوله، وإن تكلمت فضحتك، أنا سأذهب إلى النبي، وسأذكر له ما قلت، لأنه أنت محسوب صحابي، عما تقول لو كان محمداً صادقاً فيما يقول، فنحن شرٌ من الحمر، معناه غير صادق عندك أنت النبي الكريم استدعاه، فجاء الجلاس فحيى رسول الله طبعاً وجلس بين يديه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: مقالةٌ سمعتها منك، سمعها منك عُمير بن سعد، وذكر له ما قال، قال كذب عليّ يا رسول الله، وافترى، فو الله ما تفوهت بشيءٍ من ذلك، كذاب هذا وأخذ الصحابةُ ينقلون أبصارهم، بين الجلاس وبين فتاه عُمير وكأنهم يقولون، هل من واحدٍ أشدُ لؤماً من هذا الغلام، ولي نعمته وأكرمه، وضمه إلى أسرته، وأعطاه، ومع كل ذلك يفعل به كذا وقال آخرون: إنه غلامٌ نشأ في طاعة الله، وقسمات وجهه تدل على أنه صادق، شي بحير، صحابي يقول هذا كذاب يا رسول الله، أنا معقول أحكي هذا الكلام، والطفل بريء، والتفت النبي صلوات الله عليه، إلى عُمير فرأى وجهه قد احتقن بالدم، والدموع على خديه تنحدر انحدارا، فتساقطت الدموع على خديه، وقال هذا الغلام الصغير: اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلم به.
أنا كذبوني، اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به، فانبرى الجلاس وقال: إنما ذكرته لك يا رسول الله، هو الحق، وإن شئت تحالفنا بين يديك، هذا كذاب هذا، وإني أحلف بالله أني ما قلت شيئاً مما نقله لك عُمير، فما إن انتهى من حلفه، وأخذت العيون تنتقل منه إلى عُمير، حتى غشيت رسول الله السكينة، فعرف الصحابة أنه الوحي، فالزموا أماكنهم، وسكنت جوارحهم، ولاذوا بالصمت وتعلقت أبصارهم بالنبي عليه الصلاة والسلام، وهنا ظهر الخوف والوجل على الجلاس، وبدى التلهف والتشوف على عُمير، وظل الجميع كذلك حتى سُريّ عن رسول الله فتلى قوله عز وجل:

 

﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾

 إلى قوله تعالى:

 

 

﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً﴾

 

 فارتعد الجلاس من هول ما سمع، وكاد ينعقد لسانه من الجزع، ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال يا رسول الله: بل أتوب بل أتوب يا رسول الله ! صدق عُمير، وكنت من الكاذبين، إسئل الله أن يقبل توبتي، جعلت فداك يا رسول الله، وهنا توجه النبي عليه الصلاة والسلام، إلى الفتى عُمير بن سعد، فإن دموع الفرح الآن دموع من نوع ثاني، هلق تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان، فمد النبي يده الشريفة، إلى أذنه وأمسكها برفق، بلطف، وقال: وفت أذنك يا غلام ما سمعت وصدقك ربك.
 عاد الجلاس إلى حضيرة الإسلام، أما الشي الغريب، ماذا تتوقعون ؟ أنه الجلاس يسئ له لأنه فضحه، ونزل به قرآن، إلى يوم القيامة، الذي حصل خلاف ما تتوقعون، عرف الصحابة صلاح حاله صلاح حال الجلاس، مما كان يغدقه على عُمير من درٍ بعد هذه الحادثة، ضاعف إكرامه له، وكان كلما ذكر عُمير، يقول الجلاس: جزاه الله عني خيراً، فقد أنقذني الله من الكفر، وأعتقى رقبتي من النار على يدي هذا الطفل الصغير.
 وبعد: هذه سورة من سور أبناء المؤمنين، طفل صغير، يقف موقف رائع، في ذكاء، في عقل، في حكمة، ويجعل توبة هذا العم المحسن على يد هذا الطفل الصغير، هي تفسير الآية.
 الآية الرابعة والسبعين:

﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾

 إذا واحد قال ليش الصلاة: كفر، كَفر، إذا كان أنكر شيء بالقرآن أو بالسنة الثابتة، كَفر، في كلام كفر، بقلك الله عز وجل: يطعمي الحلاوة يلي ماله أضراس، هي كلمة كفر هي، معناها الله ليس حكيم، معناها ليس حكيم أنت الحكيم، هذا ما يستاهل يعطيه، هذا يستاهل ما يعطيه، انتبهوا يا أخوان في كلمات كلها كُفر، إذا قال لك واحد، أخي الدنيا مد وجزر، معناها ما في مصائب، الله ما دخله بالموضوع، إذا في رخاء، أو في شدة، في فقر أو غنى، الدهر يعني، بقلك الدنيا مد وجزر، الدهر يومان يومٌ لك ويوم عليك، هذا كلام كله خلاف القرآن، كُفر الكلام.
 من جلس إلى كاهنٍ فصدقه فقد كفر، أيام بالسيران تجي منجمة احكي لنا، وين ماشي كفر، كفرت وأنت لا تدري، من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر، من جلس إلى ساحرٍ فلم يصدقه، لتسلية فقط لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ولا دعاء أربعين يوماً.

﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾

 نقموا صار غني، الدين ما عاد يعجبه، بدو اختلاط، بدو سفر، بدو شهواته، بدو أجهزة لهو بالبيت، قال:

 

﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)﴾

 هي تفسير الآية، هذه الآية لا تفهم إلا بأسباب النزول، وهذا سبب نزولها .

 

 

الحمد لله رب العالمين.

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.

تحميل النص

إخفاء الصور