وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 17 - سورة التوبة - تفسير الآيتان 117 -118 ، تربية الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد:
 فقد قال الله عز وجل: في الآية السابعة عشرة بعد المائة من سورة التوبة:

﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) ﴾

 ذكرت في الدرس الماضي، الأسباب التي من أجلها نزلت هذه الآية، وهي أن ثلاثةً من أصحاب رسول الله، هم:
 كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي. تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لهم عذر ‍‍، فلما صدقوه، ولم يكذبوا كما كذب المنافقون، الله سبحانه وتعالى أراد أن يعالجهم، وأن يربيهم تربيةً حاسمة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم.
 فقال كعب بن مالك: نتابع القصة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، أيها الثلاثة، أي نحن الثلاثة، من بين من تخلف.
 الذين كذبوا لم ينهى عن كلامهم، خارج العناية، خارج التربية لكن الذين صدقوا، ولم يكن لهم عذرٌ في التخلف، الله سبحانه وتعالى تولى تربيتهم.
 إذاً: ماذا يستنبط ؟ الإنسان حينما يكون صادقاً، والله سبحانه وتعالى يريد أن يطهره، ويرقيه، يتولى تربيته، فالإنسان إذا الله تولى تربيته هذه نعمةٌ كبرى، إذا أحب الله عبداً عجل له بالعقوبة عاتبه في منامه، أما هذا الذي يعص، ولا يعاقب، ولا يحاسب، ولا يربى، ولا يؤدب، فهذه علامة خطيرةٌ جداً.
 قال فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، الأرض لم تعد الأرض التي يعرفها، البيت الذي يسكنه تنكر له، الطريق الذي يمشي بها تنكرت له، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشد القوم، كان شاباً وأجلدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، فلا أحد يكلمني، عزلة، مقاطعة محاصرة، وأطوف بالأسواق، فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم وأقول في نفسي، أسلم عليه، أقول السلام عليك يا رسول الله، ينظر إلي فأقول في نفسي، أحرك شفتيه برد السلام عليّ أم لا، ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا ألتفت نحوه أعرض عني، الدواء مر دائماً، هو دواء لكنه مر، حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين، مشيت حتى تسورت حائط أبي قتاده وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد عليّ السلام، فقلت له يا أبى قتاده، أنشدك الله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله، قال فسكت، قال فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فقال الله ورسوله أعلم.
 تنكر لهؤلاء الثلاثة، كل أصحاب رسول الله، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، ما كلمه، ولا رد عليه السلام.
 قال ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار، فبين أنا أمشي بسوق المدينة، إذ بنبطي، من أنباط الشام ممن قدم بطعامه يبيعه بالمدينة، يقول من يدل على كعب بن مالك، غريب فطفق الناس يشيرون له إلي، هذا كعب بن مالك، حتى جاء فدفع إلي بكتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً، كان يقرأ.
 فإذا فيه، أما بعد:
 فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، وأن الله لم يجعلك بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، صاحبك محمد، قد جفاك، وأنت لست بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك صاحبك محمد قد جفاك وأنت لست بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك.
 قال: فقلت حين قرأته، وهذا أيضاً من البلاء، هذا زاده ألماً قال فتيممت به التنور فجسرته، حرقه، حرق الكتاب، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، ويقول:
 يأمرك رسول الله أن تعتزل امرأتك، الدواء أرتفع مستواه حتى زوجته، عليك أن تعتزلها، فقلت أطلقها، قال لا، أطلقها أو ماذا أفعل، قال بل اعتزلها ولا تقربها، فقط.
 قال: وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، قال ك فقلت لامرأتي ألحق بأهلك فكوني عندهم، حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء يعني في نعمة أيها الأخوة ما حد يعرفها، أن إنسان بعيش بمجتمع محبوب معزز مكرم يسلموا عليه يحترموا يسهروا معه يأنسوا، إذا كان مرض بزوره، هذه من نعمة الله العظمة، إنسان عايش بمجتمع له مكانه، شوف هذا الدواء كم هو مر، حتى امرأته أمرت أن تعتزله.
 فجاءت امرأة هلال ابن أمية، رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله: إن هلالاً شيخ ضعيف، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال لا، ولكن لا يقربنك، قالت وإنه والله ما به من حركة إلى شئ، وإنه والله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
 قال: فقال لي بعض أهلي، لو استأذنت رسول الله في امرأتك مثل ما هلال ساوه، فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه.
 قال: فقلت لا والله، لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما يقول فيها، إذا استأذنته، وأنا رجل شاب.
 قال: فلبثنا عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا، خمسين يوم مقاطعة، وعشرة أيام أخيرة، زوجته ضمت إلى هذه المقاطعة.
 قال: ثم صليت صلاة الفجر، صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا.

 

﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾

 على الحال التي ذكر الله تعالى منا، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صارخاً، أوفى على جبل سلع، يقول بأعلى صوته، أبشر يا كعب ابن مالك.
 قال فخررت ساجداً وعرفت أنه قد جاء الفرج من الله عز وجل بالتوبة علينا، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني أخبرنا بتوبة الله علينا، حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي يبشرون، وركض إليّ رجلٌ، وسعى ساعٍ وأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت له ثوبي فكسوته إياه لهذه البشرة، والله لا أملك يومئذ ثوباً غيره، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاني الناس فوجاً فوجاً، يهنؤ نني بتوبة الله، هي التهنئة الحقيقة، يقولون ليهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جالس في المسجد، والناس حوله، فقام إليّ طلحت بن عبد الله يهرول حتى صافحني وهنئني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، قال فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يبرق كالبدر، من فرحه، النبي كالأب فرح له بهذه التوبة، قال يا كعب أبشر بخير مر عليك منذ ولدتك أمك قلت أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله، بدو يطمئن، يعني إجراء داخلي أم من الله، قال لا من الله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، حتى يعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه، قلت يا رسول الله، أن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقةً لله عز وجل، قال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت يا رسول الله، إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي، ألا أحدث صدقاً ما بقيت، قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين ابتلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كذبةً منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي، وإني لأرجو أن يحفظني الله عز وجل فيما بقيت.
 في سؤال الآن، القصة كلها أساسها الصدق، الصادق الله بنجي، ويتولاه ويربيه، هؤلاء الثلاثة تخلفوا، طيب ماذا فعل النبي حتى يتوب الله عليهم ؟ الآية:

 

﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾

 ماذا فعل النبي من الذنب حتى يتوب الله عليه ؟ وماذا فعل أصحابه من الذنب الذين كانوا معه في تبوك حتى يتوب الله عليهم ؟ قال بعض العلماء، لكرامة الإنسان على الله، أراد الله عز وجل، أن يجبر هؤلاء المتخلفين، فجمع بين توبة الله عليهم، وتوبته على النبي وأصحابه، شملهم كلهم:

 

﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾

 

﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾

 هي الآية تعلمنا كيف أن الله سبحانه وتعالى، رحم هؤلاء التائبين وجمع توبتهم مع توبة الله على النبي صلى الله عليه وسلم.
إخوانا الكرام: هذه القصة محورها الصدق، كن صادقاً مع الله، الصدق منجاة، والكذب مهواة، إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة ومازال الرجل يصدق، ويصدق حتى يكب عند الله صديقاً.

 

والحمد لله رب العالمين

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.

تحميل النص

إخفاء الصور