وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة يونس - تفسير الآيتان 57-58 ، ما الذي يفرحك ؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الرسالة التي أنزلها الله على النبي موعظة وشفاء لما في الصدور :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الآية السابعة والخمسون من سورة يونس ، وهي قوله تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾

[سورة يونس]

 موعظة ، وشفاء ، وهدى ، ورحمة ، الله عز وجل وصف هذه الرسالة التي أنزلها على النبي صلى الله عليه وسلم بأنها موعظة وشفاء لما في الصدور ، وهدى لعقل الإنسان ، ورحمة لنفسه . موطن الشاهد :

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾

  هذا مقياس دقيق جداً ، اسأل نفسك دائماً ما الذي يفرحك ؟ ما الذي يدخل على قلبك السرور ؟ الله عز وجل ينتظر من المؤمن أن يفرح بالهدى ، أن يفرح برحمة الله ، أن يفرح بموعظة بليغة اتعظ بها ، أن يفرح بشفاء لما في صدره من أمراض ، فإذا اعظ بموعظةٍ وشفي صدره من كل حقدٍ ، أو حسٍد ، أو كبرٍ ، أو عجبٍ ، أو أنانيةٍ ، أو انحرافٍ ، أو استعلاءٍ ، هي الأمراض المهلكة ، الأمراض التي تؤدي بصاحبها إلى النار .
 فالإنسان إذا اتعظ بموعظةٍ ربانية ، وشفي صدره من كل مرض نفسي ، واستنار عقله ثم انغمس في سعادةٍ ، سيتمتع بأربعة أشياء ، جاءته موعظةٌ فاتعظ ، وكان القرآن له شفاءً فشفي به ، واستنار عقله ، ثم انغمس في رحمة الله .

فرح الدنيا مؤقت وفرح الآخرة دائم :

 الله عز وجل قال :

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

  يجوز إنسان يكون له أرض مهملة ، يرسمون إلى جانبها شارعاً ، يقال لك : تضاعفت مئة ضعف ، يقول لك : أنا لا أعطي فرحتي لأحد ، أنا أرقص من الفرح ، أو أنه تمكن أن يصل إلى وكالة حصرية ، بضاعة مطلوبة ، وهو الوكيل حصراً ، أو ممكن أن يشتري بيتاً يصير ثمنه أربعين مليوناً ، كان ثمنه مئتي ألف ، أو أنه تزوج امرأة غنية أخذ كل المال ، مثلاً ، أنا أعطي نماذج من فرح الإنسان .
 الله عز وجل يقول :

﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

  يمكن أن يأتيك ابن يصير وزيراً ، ابن يصير أكبر طبيب قلب بالقطر ، تقول : هذا ابني ، أنت فرح فيه ، فرح بابنك ، فرح بابنتك ، فرح بصهرك ، فرح ببيتك الواسع ، فرح بتجارتك العريضة ، لكن ربنا عز وجل في هذه الآية ينتظر من عبده المؤمن لا أن يفرح بالدنيا لأنها منقطعة ، لأنها زائلة ، لأنها تنتهي بالموت ، لأن الموت ينهيها ، ينتظر من عبده المؤمن أن يفرح بالآخرة ، يفرح أن يتعظ ، أن يشفى من كل مرض ، أن يستنير عقله ، أن يرحمه الله بسعادةٍ لا توصف . قال :

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

  لذلك خذ القاعدة : قل لي ما يفرحك أقل لك من أنت ، ما الذي يفرحك ؟ أن تأخذ أم أن تعطي ؟ أن تحسن أم أن تسيء ؟ أن يقدر الله على يدك عملاً صالحاً أم أن يعطيك مالاً وفيراً ؟ ما الذي يفرحك مجلس علم أم مجالس طرب وكيف ؟ تجلس ببيتك مع أهلك وأولادك آخذ راحتك ، مزح ، ضحك ، تتابع برامج لا ترضي الله عز وجل ، عندما تقعد ببيت من بيوت الله ، تتعلم كتاب الله ، ما الذي يفرحك ؟ قل لي ماذا يفرحك أقل لك من أنت ، لكن الله ينتظر منك أن تفرح بفضله ، أن تفرح بعملٍ صالح ، أن تفرح بفهمك لكتاب الله ، أن تفرح بخدمة الخلق، أن تفرح أن توفق لهداية الناس ، الله ينتظر منك أن تفرح بعمل يعود عليك خيره بالآخرة ، هناك أعمال في الدنيا ضخمة ، لكن كل خيرها يعود بالدنيا ، انظر هذه المستشفى كلها لي ، خير إن شاء الله ، ستمئة ألف كل يوم ، لكنها تنتهي بالموت ، تصبح ليست لك .

على المؤمن أن يفرح بعمل يعود خيره عليه في الآخرة لا في الدنيا :

 الله عز وجل ينتظر من عبده المؤمن أن يفرح بعمل يعود خيره عليه في الآخرة لا في الدنيا ، لأن الدنيا يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب ، المال أعطاه لقارون ولا يحبه ، كنوز قارون لا يستطيع عصبة من الرجال أن يحملوا مفاتيحه .

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) ﴾

[سورة القصص]

 الآن إذا عندي صندوق من الحديد كم وزن مفتاحه ؟ حوالي مئة غرام ، هذا الصندوق نضع به خمسة ملايين ، أما إذا كان ذهباً فأكثر ، وإذا كان دولارات كل دولار بخمسين ليرة ، نضع فيه مئة مليون دولار ، ما وزن المفتاح ؟ مئة غرام .

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) ﴾

[سورة القصص]

 وهو لا يحبه ، أعطى المال لسيدنا ابن عوف وهو يحبه ، قال : ماذا افعل إن كنت أنفق مئة في الصباح فيأتي الله ألفاً في المساء ؟ سمع أن هناك من يقول : والله لتدخلن الجنة حبواً ، قال : والله لأدخلنها خبباً ، سيدنا عثمان ألف ناقة محملة ، والله لا أبالغ في مقياس اليوم ألف شاحنة ، ألف شاحنة ! أحياناً تركب لحلب تجد مجموعة شاحنات ، حسب النظام الجديد ( كنفير ) تمل منهم ، أخي كم واحدة ؟ حوالي مئة شاحنة ، تمشي تمشي تمشي ولا ينتهون ، ألف ناقة محملة بالبضائع ، سيدنا عثمان قال : هي لله ، لله كلها .

﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

 إن فرحت ببيت هذا بيت مؤقت ، اقرأ النعوات ، وسيشيع إلى مثواه الأخير .
 مرة دخلت إلى عزاء شخص ، كان بيته يأخذ العقل ، أين صاحبه ؟ باب صغير ، معناه بيت مؤقت ، مثواه الأخير ، بستان يترك ، زوجة تترك ، مال يترك ، مكتب يترك .

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

  افرح إذا عرفت الله ، افرح إذا فهمت كلام الله ، افرح إذا جوارحك منضبطة بالشرع ، افرح إذا غضضت بصرك ، افرح إذا صنت أذنك عن الحرام ، افرح إذا يدك بالخير ، افرح إذا أجمل مكان عندك هو الجامع ، افرح إذا كنت طالب علم ، افرح إذا كنت على شيء من العلم ، افرح إذا عقلك مستنير ، افرح إذا كان عملك مستقيماً ، افرح إذا كان بيتك مسلماً ، افرح إذا كان لك زوجة محجبة ، صالحة ، حافظة لكتاب الله ، افرح إذا عندك بنت مستورة زوجت من شاب مؤمن ، هذه فرحة فعلاً ، أما إذا فرحت بالدنيا فالدنيا زائلة .

الإنسان إما أن يجمع للدنيا أو أن يعمل للآخرة :

 لذلك ملخص درسنا اليوم : قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت ، الله عز وجل يقول :

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

 افرح بهذا ، لو فرضنا تقريباً : إذا أب عنده ابن بالثالث الثانوي ، وكل طموحه أن يكون طبيباً ، قال لأبيه : لعبت ثلاث مرات بالطاولة وفي المرات الثلاثة فزت على رفيقي ، ما قولك بابا ؟ يا ترى إذا جمع مئتين وخمس وعشرين درجة دخل فيهن كلية الطب أليس هذا أفضل ؟ أهله سيفرحون بالعلامات طبعاً وليس بلعب الطاولة .
 النقطة الدقيقة قال :

﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58(﴾

  الإنسان عندما يتجاوز رزقه ، أكله مؤمّن ، بيته مرتب ، بناته مرتبات ، كل شيء مرتب ، ينشأ عنده رغبة جامحة للجمع ، هذا أخي بيته بثلاثمئة مليون ، وهذا بمئتين ، وهذا بمئة ، عندما تؤمّن بيتك ، وسيارتك ، وأولادك ، ودخلك ، لا يوجد عندك أية مشكلة ، يصبح عندك رغبة جامحة للجمع ، الله عبر عنها تعبيراً دقيقاً ، ما قال : مما يكسبون ، مما يرزقون ، لا !! مما يجمعون ، هناك حد للمال ، خط أحمر ، دونه المال بخدمتك ، من فوق الخط الأحمر أنت بخدمته ، خادم له ، لذلك ورد في الحديث القدسي :

(( عبدي خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن ، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، عبدي لي عليك فريضة ، ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي ، إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد ، وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ))

 وهو خير مما يجمعون ، فالموازنة الآن ، الإنسان عندما يؤمن بيته ، سيارته ، أولاده، زوجته ، وتجارته ، بقي عنده شيئان ، إما أن يجمع للدنيا ، وإما أن يعمل للآخرة ، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة ، من بعد الأربعين ، لا يليق بالإنسان أن يعمل للدنيا ، اعمل للآخرة ، هذا وقت خطير ، وأنت محاسب على الدقيقة ، على اليوم ، على الساعة .
لذلك أيها الأخوة الآية دقيقة جداً :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾

 موعظة ،

﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى﴾

 هدى لعقولكم ،

﴿وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾

  شاب قال له رفيقه : إلى أين أنت ذاهب ؟ قال له : أنا ذاهب لأشرب على روح أبي، يسكر على روح أبيه ، الإنسان عندما يخلف مالاً لأولاده ، لا يعلمهم ، ينفقون هذا المال في معصية الله ، ترفرف روحه فوق النعش تقول : يا أهلي يا ولدي ، لا تلعبن بكم الدنيا كم لعبت بي ، جمعت المال مما حلّ وحرم ، فأنفقته في حله وفي غير حله ، فالهناء لكم والتبعة عليّ .

تحميل النص

إخفاء الصور