وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة هود - تفسير الآيات 119-123 ، القصة في القرآن - عبادة الله والتوكل عليه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

استخدام الأسلوب القصصي في التربية و التوجيه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الآيات الأخيرة ولا سيما الآية العشرون بعد المئة ، والآية الثالثة والعشرون بعد المئة من سورة هود ، وهي قوله تعالى :

﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾

[سورة هود]

 أيها الأخوة ؛ هذه الآية أولاً تدل على أن أنجع وسيلة في التربية القصة ، القصة الواقعية ، والقصة المتعلقة بالبطولات والإيجابيات ، قد تقرأ قصةً لكاتب معاصر ، يصور لك فيها الإنسان في أحط مستوياته ، في نوازعه الدنيا ، في مشاعره الرخيصة ، في دناءته ، يصور لك المجتمع في تفككه ، يقول لك : هذه قصة واقعية ، تماماً كمن ينقب في القمامة ، ماذا سيجد ؟ كل شيء يدعو إلى الاشمئزاز .
 لكن إذا رويت للناس قصص الصلحاء ، الصالحين ، الأبطال القادة ، الفاتحين ، المؤمنين ، الصادقين ، الصّدّقين ، هؤلاء يرفعون في نفسك معنويات عالية .

﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾

[سورة هود]

 أنت كأب إذا أردت أن توجه أبناءك التوجيه الصحيح ، احرص على أن تسمعهم قصةً واقعيةً ترتبط فيها النتيجة بالمقدمة ، أن هذا الإنسان فعل كذا وهذه هي النتيجة ، اغتصب أموال الناس بالباطل دمر الله أمواله ، استقام على أمر الله أكرمه الله ، كلما ربط المقدمة بالنتيجة ربطاً منطقياً ، وكان هناك عدالة ورحمة ، تكون هذه القصة أسعد في نفس المستمع ، لذلك كأب، وكمرب ، وكمعلم ، وكداعية ، يجب أن تستخدم الأسلوب التربوي الذي استخدمه القرآن الكريم مع النبي ، أراد الله سبحانه وتعالى أن يثبت قلب النبي ماذا قال له ؟

﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾

[سورة هود]

 فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يثبت فؤاده بقصص الأنبياء ، والصالحين ، فنحن من باب أولى أننا إذا قرأنا قصة النبي عليه الصلاة والسلام تزكو نفوسنا ، وتشرئب أعناقنا إلى هذا المقام الرفيع .

ضرورة معرفة الرسول لأنه قدوة لنا :

 لذلك أيها الأخوة ؛ تعد هذه الآية أحد الأدلة الكافية على أن تحتفل بعيد مولد النبي عليه الصلاة والسلام :

﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) ﴾

[سورة هود]

 أي ماذا فعلت إذا جمعت الناس في بيتك وأسمعتهم شيئاً من شمائل النبي وأخلاقه وسيرته ومواقفه ثم أطعمتهم الطعام ؟ هذا الاحتفال عند هذا الحد لا شيء عليه أبداً ، بل هو محض طاعة الله عز وجل ، محض الائتمار بأمر الله ، محض الانسجام مع توجيهات الله عز وجل ، ماذا قال عز وجل :

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)﴾

[سورة المؤمنون]

 حض على أن نعرف رسولنا لأنه قدوة لنا .

الأسلوب التربوي أنجع أسلوب في تعليم الأبناء والدعوة إلى الله :

 شيء آخر :

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾

[سورة سبأ]

 اسمعوا الآية :

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾

[سورة سبأ]

 أن تفعلوا هذا الشيء .

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾

[سورة سبأ]

 أي أنت مفروض عليك كمسلم أن تتفحص هذا الدين ، تقرأ القرآن ، تقرأ السنة ، تدلي برأيك بهذا الدين ، إما أنه حق تتبناه ، أو فيه أخطاء ترفضه ، أما ليس لك علاقة لا سلباً ولا إيجاباً فهذا موقف فيه غباء .
 إنسان جاءته رسالة أيها الأخوة بربكم ماذا تحكمون عليه لو أنه مزقها قبل أن يقرأها؟ اقرأها وبعد ذلك مزقها ، فالإنسان له حق أن يرفض شيئاً قبل أن يطلع عليه ؟

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) ﴾

[سورة سبأ]

 إذاً ممكن أن يكون الأسلوب التربوي أنجع أسلوب في تعليم الأبناء ، وفي تعليم الكبار ، وفي الدعوة إلى الله ، وفي إرشاد الناس ، وفي تربية الطلاب ، يقوم به المعلم ، والأب ، والمربي ، والداعية ، والخطيب ، وأي إنسان آخر .
 القصة شيء ثمين ، ببساطة لأنها حقيقة مع البرهان عليها ، لو حدثتنا بالمثل المجردة ، ماذا يقال لك ؟ أخي هذه كلها مثاليات ، أما إذا جئت بقصة فيها بطولة ، هي مثالية لكنها واقعة ، هذا ما يسمى بالمثالية الواقعية ، هذه الآية الأولى .

الأمر كله بيد الله عز وجل :

 الآية الأخيرة :

﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[سورة هود]

 وهذه الآية من أدق الآيات في كتاب الله .

﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123(﴾

[سورة هود]

 أي ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن أمرك كله بيده ، لو أن أمرك بيد غير الله عز وجل كيف يأمرك أن تعبده ؟ معك الحجة ، يا رب أنا أريد أن أعبد فلاناً لأنه مصيري بيده ، حياتي بيده ، رزقي بيده ، إذا غضب عليّ يقطع رزقي ، إذا غضب عليّ يقتلني ، كيف أعبدك يا رب وحدك ؟ لكن الله طمأنك .

﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[سورة هود]

 ولو قال لك : إليه يرجع الأمر أي كل الأمر ، لكن كل توكيد .

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

 المعنى واضح كله ، كل أنواع الأمر ، أمر صحتك ، أمر أعدائك ، أمر أقوى منك ، أمر أضعف منك ، أمر دخلك ، رزقك ، أمر من حولك ، من فوقك ، من دونك .

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

 ولو أن الله ملكك إلى أحد خلقه لا يستحق أن يعبد ، ولو أن الله ملكك إلى أحد خلقه ، قال لك :

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

  لذلك الإنسان لا يرتاح حتى يوحد ، إذا وحد علاقته مع جهة واحدة ، اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها ، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها .

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾

[سورة هود]

 ضع هذه الحقيقة بذهنك ، ربنا عز وجل عندما يجعل أمرك بيد غير ذاته ، كيف يقول لك : اعبدني يا عبدي ؟ الله قال لك :

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 إذاً نحن نعبده لأننا بيده ، ولأننا بقبضته ، ولأن أمرنا كله بيده ، ولأن مصيرنا إليه ، ولأننا راجعون إليه ، ولأن حياتنا بيده ، وأعضاءنا بيده ، وحواسنا بيده ، وعقلنا بيده ، وزوجتنا بيده ، وأولادنا بيده، ورزقنا بيده ، ونجاحنا في الدنيا بيده ، وإخفاقنا بيده ، هو المعز وهو المذل ، وهو الرافع وهو الخافض ، وهو القابض وهو الباسط ، وهو بكل شيء عليم .

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

  كلما واجهت مشكلة في قضية شخص أقوى منك يهددك ، طريق مسدود ، تذكر هذه الآية :

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

  إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ﴾

[سورة الحجرات]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور