وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 01 - سورة فصلت - تفسير الآية 8 الإيمان مقرون بالعمَل الصالح.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه  وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل في سورة فصِّلت في الآية الثامنة، وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)﴾

[سورة فصلت]

 أوَّلاً آمنوا وعملوا الصالحات ؛ هاتان الكلمتان معًا في أكثر مِن مائتي مرَّة في القرآن الكريم يُقاسُ عليه قوله تعالى:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

 

[سورة فصلت]

 ويُقاسُ عليها قوله تعالى:

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾

 

[سورة فصلت]

 ما مِن آيةٍ في القرآن الكريم أشارتْ إلى الإيمان إلا قرَنَتْ معه العمَل الصالح ؛ لأنَّ الإيمان بِلا عمَل كالشَّجر بلا ثَمَر، فلو أنَّ هذه الشَّمس الساطِعة نظَرْتَ إليها وفكَّرتَ ملِيًّا ثمَّ قلتَ الشَّمسُ ساطعة ؛ أنت ماذا فَعَلْتَ ؟ إن قلتَ ساطِعَة فهي كذلك، وإن قلتَ: هي ليْسَت ساطِعَة فهي ساطِعة، فلا نفْيُكَ يُؤَثِّرُ في سُطوعها، ولا إثْباتُكَ يُضيف إلى سُطوعها، فإذا قلتَ أنت آمنْتَ بالله، فالله تعالى موجود، وإنْ قلتَ: الله عظيم فالله موجود وقوِيّ، أما إن لم تُغَيِّر موقفَك ولم تتحرَّك نحوه، وما طبَّقْتَ منهَجَهُ، فالله تعالى قال:

 

﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1)﴾

 

[سورة التغابن]

 التَّسبيح كما يفهَمُهُ عامَّة الناس هو أن تقول: سبحان الله أما بالمعنى الدّقيق التَّسبيح أن تُنَزِّه الله عن كلِّ ما لا يليق به، والمعنى الثاني أن تُمَجِّدَهُ، وأن تصِفَهُ بالكمالات التي تليق به، والمعنى الثالث أن تخْضَعَ له، فإن لم تَخضَع له فتنْزيهُكَ باطل، وتوحيدُكَ باطل.
 أردتُ مِن هذه المُلاحظة أنَّ كلّ شُعور إيماني إذا لم يُرافِقْهُ عمل، فهذا الشُّعور لا يُقَدِّم ولا يؤخِّر، أُضيفُ على ذلك قَول إبليس، فإبليس ماذا قال ؟ قال تعالى عنه:

 

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾

 

[سورة ص]

 فهو آمنَ بالله تعالى ربًّا، وآمنَ به عزيزًا، ويقول الله تعالى:

 

﴿إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ(54)﴾

 

[سورة التوبة]

 دقِّقوا ؛ هم عند الله تعالى كافرون، يُصَلُّون بِكَسَل، ويُنْفِقون بِكُرْه فالقضِيَّة أخطر مِن أن تقول: أنا مؤمن، فإبليس وآمن، وهذا فرعون عند الغرق قال: آمنتُ بالذي آمنت به بنو إسرائيل، لذا النُّقطة الحرِجَة ليس أن تقول: الله موجود، قال تعالى:

 

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ(38)﴾

 

[سورة الزمر]

 فالصَّحابة الكِرام لأنَّهم فعَلوا وِفق ما اعْتَقَدوا ارْتَقَوا ولأنَّنا أفكارُنا في واد، والسُّلوك في وادِي آخر، مرَّةً كنتُ في مصيف، مسْجِد مُزْدَحِم بالمُصَلِّين بِيَوم جمعة، انتَهَت الخُطبة، خرجَ منه المُصَلُّون، فإذا بِواحِد مُتَّجِهٌ نحو مركبتي، وبِمَركبَتِهِ إنسانة مُتَفَلِّتة ! فلو قدَّرنا أنَّها زوجتُهُ لكان هذا مشكلة، ولو قدَّرنا أنَّها أختهُ لكانت هذه مشكلة كذلك ! فَمُشكلة المسلمين اليوم هي الانْفِصال، انْفِصال بين العقيدة والسُّلوك، فاليوم لا تَجِدُ فرْقًا بين المسلم وغير المسلم بالتَّعامُل اليومي، هناك كذب، وغِشّ وخِداع، وتَفَلُّت، واخْتِلاط، وكسْب حرام، وتَجِدُهُ يُصَلِّي، ويولِمُ ويَحُجّ، ويعْتَمِر، مائتا آية لم يُذْكِر فيها الإيمان إلا اقْتَرَن معه العمل الصالح !
الله تعالى في آيات رائِعَة ؛ الدِّينُ كلُّه كلمتان، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي(25)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 الدِّين توحيد وعِبادة وكلاهما شرْطٌ لازِمٌ غير كافٍ، فمثلاً أسطوانة الغاز ورأس الغاز كلاهما شرط لازِمٌ غير كاف، فالرَّأس لا يشتغل من دون أُسطوانة ولا الأسطوانة من دون الغاز، لذا مَن يقول: أنا عملي طيِّب ولا يؤمن فهذا لا يستفيد شيئًا، وتَجِدُ إنسانًا مُستقيمًا استِقامةً ليْسَت إليه ولكن لِمَصالِحِه، مثل أوروبا ؛ الساذِج من المسلمين تجدُه يقول: هؤلاء الكفار لا يكذبون ولا يغشُّون وكلمتهم كلمة، ومواعيدهم دقيقة، لكن نقول: لو تضاربَتْ مصالِحُهم مع دعواهم يضربوه ما هم عليه عرْض الحائِط !!، خمسمائة ألف طِفل عراقي ميِّت جوعًا !! وُحوش بِكُلّ معنى الكلمة، فنحن لا نريد العبادة التي مِن ورائِها المصالح، نحن نريد عبادة لله تعالى، فالذي يستقيم مِن أجل تحقيق مصالِح شَخصِيَّة، فهذا يعْبُدُ ذاتَهُ، أما الإيمان بالله فهو السَّير على منهَجِهِ مع عِبادَتِهِ، لذا قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

 

[ورة فصلت]

 ويقول الله تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[سورة فصلت]

 فالقبول يستلزم القول والعمل، فهاتان الآيتان مِن أرْوَع الآيات، لذا نحن مُشكِلة مشاكلنا الانْفصال ؛ انْفصال القول عن العمل، هل تُصَدِّقون أنَّ إنسانًا يعيش مِن مَسْبح مُخْتَلَط، نساء كاسيات عاريات، ثمَّ تَجِدُهُ يعمل مَولِد حُبًّا في رسوله الله !! نحن بِوادٍ ودينُنَا بِواد، نحن بِحاجة لى الالْتِزام حتَّى يرفع الله عنَّا الغضب، مليار ومائتان مليون ليْسَت كلمتنا هي العليا، لأنَّ الله تعالى قال:

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾

 

[ورة مريم]

 والله لو علمنا آيةً مِن كتاب الله تعالى وطبَّقناها لكانت خير لنا من قراءة القرآن وفهمه ! قال له: عِظني ولا تُطِل قال تعالى:

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

 

[سورة الزلزلة]

 تجد مليون مشكلة بين الدُّعاة ؛ صوفي وسلفي...والله عز وجل ربَّما لا يعترف بِنا جميعًا فالله عز وجل يحبّ العمل والصِّدق، والإنسان الذي يقرأ القرآن ويُطَبِّقُهُ ولم يأتِ ذِكْر الإيمان إلا مع العمل، ولم يأتِ ذِكر الدَّعوة إلا مع العمل الصالح، وحيثما فصَلنا الإيمان عن العمَل فقَدْنا قيمة هذه الدِّين، وأصْبحنا في مؤخِّرة الشُّعوب، وإيَّاك أن تقول: عمَّ الفساد !! أنت عليك نفْسَكَ وأهلَكَ ؛ بيتُكَ وعَمَلَك، لذا من تعلَّم العِلم لِيُجادِل به العلماء ويُماري به السُّفهاء، أو لِيَصْرِفَ وُجوه الناس إليه فلْيتجهَّز إلى النار.
أيُّها الإخوة، العِلم وسيلة وليْسَت غايَة، تتعلَّم مِن أجل أن تعمَل، راجِع نفْسَكَ وبيتَكَ وزوْجَتَك، وبيْعَكَ، ومعاملاتِكَ، طبِّق وستَرَى ثِمار الدِّين يانِعَة، حتَّى يتجلّى الله على قلبِكَ، ويرْفَعَ مقامَكَ، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)﴾

 

[ورة فصلت]

 الإيمان والعمل فأنت إن عمِلْتَ صالحًا ولم تؤمن فأنت لك الدُّنيا، قال تعالى:

 

﴿وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ(200)﴾

 

[سورة البقرة]

 شأنهم كشأنِ الأجانب، فالغرب مُسْتَعِدُّون أن يُدَمِّروا ملايين الشُّعوب مِن أجل مصالح صغيرة ؛ العقل في سبيل المصلحة، أما المؤمن فهو إنسانٌ آخر، يؤمن بالله ويعْبُدُه، وله الدنيا والآخرة، وهناك إنسان، وحيوان وشيْطان، فإذا اسْتَخدم الإنسان عقلهُ لِمَصلَحَتهِ فهو شيطان، وإذا عطّل عقلهُ فضاعَت عليه الدنيا والآخرة فهذا حيوان، أما إذا أعْمَلَ عقلَهُ وأطاع ربَّهُ أصْبَحَ إنسانًا، ونعوذ بالله أن نكون مِن الصِّنفين غير الإنسان.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور