وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة غافر - تفسير الآية 60 الدعاء هو العبادة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه  وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:

﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾

[سورة غافر]

 أدَقُّ ما في الآية أنَّ الله سبحانه وتعالى لو قال: يستكبرون عن دُعائي، كان سياق الكلام يقتضيه ! فلماذا بدَّل كلمة دُعائي بِعِبادتي ؟ فُهِمَ أنَّ الدُّعاء هو العِبادة، فأصْل العبادة أنَّك مُفْتَقِرٌ إلى الله، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾

 

[سورة المعارج]

 فالإنسان مُفتَقِر، والإنسان ضَعيف، فذا دعا الله عز وجل صار غَنِيًّا، وقَوِيًّا، وطائِعًا، فأصْلُ الدِّين أن تعترف بِفَقْرِكَ، وأن تدْعُوَ ربَّك والعلماء قالوا: ما أمر الله عِبادَهُ بالدُّعاء إلا لِيَسْتجيب لهم، إذْ لا يُعْقَل أن نطْرح مُسابقة أو مُناقصة أو مُزايَدَة، ولا نُنَفِّذ، فالإنسان يستحي أن يفْعَلَ هذا فَكَيف بِخالِقِ الكون، فربُّنا عز وجل يقول لك: اُدْعوني، فالحقيقة المرَّة أن المسلمين كثيرين جدًّا موضوع الدُّعاء ليس داخِلاً في حِساباتِهم، لأنّ التَّفكير أصْبَحَ شِرْكي ووثَني، فالذي في قلبِهِ الشِّرْك لا يُصَدِّق أنَّ كلماتٍ معدودة تُغَيِّر واقِع، وتُبَدِّل تركيب جِسْم، وكلمات تُحْدِث شِفاء، ورِزْق، وكلمات تُحْدِثُ تَيْسير، فالقَضِيَّة أنَّ المسلمين اليوم لا يعبئون بالدُّعاء، وهناك أُناسٌ يُغالون بالدُّعاء، لأنَّ الله عز وجل قال:

 

﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)﴾

 

[سورة الأعراف]

 مَن هو المُعتَدي ؟ هو الذي يعْتَدي على أخيه الإنسان، ويقول يا رب ؛ انصُرني، ووفِّقني فكأنَّ الله عز وجل يقول لِهَؤلاء ؛ إنَّني لا أُحِبُّكم لأنَّكم مُعْتَدون فلذلك لا أسْتجيب، فهذا أحدُ العلماء الكبار واسْمُهُ إبراهيم الأدْهم، قيل له: يا إبراهيم: ما لنا ندْعو، ولا يسْتجيب الله لنا ؟ فقال: لأنَّكم تسْعَون لجنَّة وعملكم ليس كذلك، وتقولون: نخاف النار، وعملكم يُخالفُ ذلك، وكلُّكم دَعْواكم لا تُصَدِّقُها أعمالكم، فأوَّل فئة من الغُلات الذين أنكروا فضْل الدُّعاء ؛ إمَّا إنكارًا لفْظِيًّا أو إنكارًا ضِمْنِيًّا، والفئة الثانِيَة عظَّمَتْ الدُّعاء لِدَرجة أنَّها لم تتحدَّث عن شُروطِهِ ! قال تعالى:

 

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)﴾

 

[سورة البقرة]

 فأنت إن آمنْتَ بالله، وأنَّهُ على كلّ شيءٍ قدير، واسْتَجَبْتَ لأمْرِهِ، ونَهْيِهِ فالآن أصْبَحتَ مُسْتَجاب الدَّعوَة ودَعَوْتَهُ مُخْلِصًا، فَشُروطُ الدُّعاء ثلاثة أن تؤمِنَ بالله، وأن تسْتجيب له، وأن تُخْلِصَ له، فإذا آمنْتَ، واسْتَجَبْتَ وأخْلَصْتَ أصْبحت مُستجابة الدَّعوة، إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى ترغيبًا لِعِبادِهِ المؤمنين كي يُقْبِلوا عليه اسْتثنى مِن هذه الشُّروط المُضْطرّ، قال تعالى: أمَّن يُجيب المضْطرَّ إذا دعاه، فأيُّ مُضْطرّ بِأيِّ وَضْع، وبأيِّ عقيدة، وبأيِّ سُلوك، فإذا كنتَ مُضْطرًّا وقلتَ يا ربّ ليس لي سِواك، قال الله لك: لبَّيْكَ يا عبدي، فالمُضْطرّ مُستثنى، وغير المُضْطرّ عليه أن يؤْمِن ويستجيب ويُخْلِص، والنبي الكريم يقول اسْتِنباطًا من هذه الآية:

 

﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾

 

[سورة غافر]

 قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) قَالَ الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَقَرَأَ ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) إِلَى قَوْلِهِ ( دَاخِرِينَ ) * ))

 

[ رواه الترمذي ]

 بل إنَّ بعض العلماء يرى أنَّ الصَّلاة الدائِمَة هي الدُّعاء، فإذا الإنسان مسَكَ كاتب الأذكار للنَّووي يجِدُ فيه دعاء مَن دَخَلَ بيتهُ، ودُعاء مَن خرجَ مِن بيتِهِ، ودُعاء إذا آوى إلى فراشِهِ، ودُعاء إذا جلس لى الطَّعام، ودُعاء إذا انتهى من الطَّعام، ودُعاء إذا دَخَل الخلاء وخرج منها، ودعاء إتيان الأهل، فمعنى هذا أنَّك مع الله دائِمًا، كيف نُفَسِّر أنَّ هؤلاء على صلاتِهِم دائِمون ؟ لعلَّ المعنى أنَّهم يُؤَدُّون الصلوات على أوقاتها كما قال لي أحدهم، فقلتُ له هذا المعنى مُقْتَبَس من قوله تعالى:

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(9)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 فالمُحافظة على الصلاة أن تُؤَدِّيَها في وقتِها، وأن تُتِمَّ رُكوعها وسُجوده وأن تخْشَعَ، أما الدَّوام على الصلاة هو الدُّعاء المُسْتَمِرّ.
هناك أمر ثانٍ بالدُّعاء، فالإنسان أحيانًا يَقِف أما خصْم، أو قاضي يدعو يا رب يا رب دون أن يحرِّك شَفَتاه، يدعو الله تعالى بِقَلْبِهِ، قال تعالى:

 

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا(3)قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4)﴾

 

[سورة مريم]

 أي ما دَعَوْتُكَ يا ربّ في حياتي مِن دُعاءٍ إلا اسْتَجَبْتَ لي، قال الشاعر:

 

وكُن عن هُمومك مُعْرِضَا  وكِلِ الهموم إلى القضا
وأبْشِر بِخَيرٍ عاجِـــلٍ  تنسى بِهِ ما قد مضـى
فلَرُبَّ أمْرٍ مُسْخِــــطٍ لك في عواقِبِه رضـا
ولرُبّما ضاق المضيــق  ولربَّما اتَّسَع الفضــا
الله يفعل ما يشــــاء  فلا تكن مُعْتَرِضـــا
الله عوَّدَكَ الجميــــل  فقِس على ما قد مضـى

 فعلى المرء أن يُعَوِّد نفسه دُعاء الله تعالى، في حالات الخصوم المخيفة والورطات الكبيرة، أو مرض مُخيف، أو خِصام زوْجي، أو دخْل قليل أو تِجارة راكِدَة، مشكلة في الصِّحة، ليس لنا إلا الله، ولا يُعْقَل أن تَجِدَ إنسانًا يُعَلِّق رجاءه بالله تعالى ثمَّ يخَيِّبُ الله في دعائِهِ ! قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ))

 

[ رواه البخاري ]

 قال تعالى:

 

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا(77)﴾

 

[سورة الفرقان]

 فأنتم إذا دَعَوتم الله فمعنى ذلك أنَّكم تعرفونه، وأنَّه الخالق، والمُسيِّر، والربّ، وهو على كلّ شيءٍ قدير، والمعطي المانع، فإذا علِمتُم انَّه تعالى موجود، ودَعَوْتُموه يَعْبأُ بكم ربِّي، وبالمناسبة أنت لا يمكِنُكَ أن تدعو إلا إنسانًا موقِنًا بِوُجودِهِ، ويسْمَعُكَ، ويُحِبُّكَ، وقادِرٌ على تلْبِيَة دَعوَتِك، فإذا دعا الإنسان الله عز وجل، فَمِن باب أولى أنَّهُ آمَنَ بِوُجودِهِ، وآمَنَ بِسَمعهِ وبِمَحَبَّتِهِ ورحمَتهِ، وبِقُدْرَتِهِ، فلذلك قال تعالى:

 

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا(77)﴾

 

[سورة الفرقان]

 فنحن إذا دَعَونا الله فقد عَبَدناه.
أردْتُ مِن هذا الدَّرس قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلَّم: الدُّعاء هو العبادة..." قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾

 

[سورة غافر]

 وقال عليه الصلاة والسلام: إنَّ الله يُحِبُّ المُلِحِّين في الدُّعاء..." وقال عليه الصلاة والسلام: إنَّ الله يحب من عبده أن يسأله شِسع نعلِهِ إذا انقطَع..." والدّعاء مخّ العبادة، وفي حالات نادِرة تدعو الله تعالى فلا يستجيب لك ؛ لأنَّ الحِكمة البالغة أن لا يسْتجيب لك، وأنت لا تعلم هذه الحِكمة أو أن يكون في الدُّعاء المستحيل أو الضَّرَر، فليس كلّ ما تدعوه تعالى يستجيب لك، وإن لم يستجِب لك كتبَ لك أجْر الدُّعاء، وادَّخَرَهُ لك في الآخرة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور