وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة فصلت - تفسير الآية 33 من لوازم صِدق الدَّعوة صلاحُ العَمَل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، آية البارحة قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

[ سورة فصلت ]

 وآية اليوم قوله تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 كما أنَّ علامة اسْتِقامة الإيمان اسْتِقامة الجوارِح، وكما أنَّ علامة صِحَّة الإيمان الاسْتِقامة على أمْر الله، ومِن لوازم الاسْتِقامة الطُّمأنينة للمستقبل وعدم النَّدم للماضي، كذلك الدَّعْوَةُ إلى الله تتذبْذَبُ بين أن تكون أتْفَهَ الأعمال، وبين أن تكون صَنْعة الأنبياء، فما مِن عَمَلٍ يَتَذَبْذَبُ بين التَّفاهة وبين الخطورة كالدَّعة إلى الله، فإذا دعا الإنسان إلى الله ولم يَكُن عملُهُ حسنًا، عملُهُ تافِهٌ جدًّا، ويسْتَحِقّ الازْدِراء والسُّخْريَة، لأنَّ الناس لا يتعلَّمون بآذانهم، ولكن يتعلَّمون بِعُيونِهم، قال تعالى:

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3)﴾

 

[ سورة الصف ]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 قبل أن تنْصَحَ الناس، عُدَّ للمليون ؛ هذا الذي تقولهُ هل تفْعَلُهُ، لذا هناك سؤالان خطيران ؛ لو أنَّك قلتَ شيئًا وفَعَلْتَ شيئًا، وأحْسَنَ الناس بِكَ الظَّن وقالوا: دَعْوتُهُ غير واقِيَّة، والدليل أنت لا تُطبِّق ما تقول ! هذا إن أحْسنوا بِكَ الظَّن ! وإن كانت الدَّعوة واقِعِيَّة ؛ كيفَ تَدعونا وأنت لا تُطَبِّق فلسْتَ أهلاً أن تكون داعِيَة إلى الله عز وجل، فهذه الآية:

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت ]

من لوازم صِدق الدَّعوة صلاحُ العَمَل، ومن إشارات كذِب الدَّعة و سوء العمل، فالأصْل صلاحُ العمل أو سوء العمل.
 الآن هناك فِكرة ثانِيَة ؛ وهي أنَّك إن كنتَ ذا عملٍ صالِحٍ، لو بقيتَ ساكِتًا ولو تنْطِق بِكَلمة، لَكُنْتَ أكبرُ داعِيَة، فالدَّعوة بالعمل أبْلَغُ من الدَّعوة بالقَول، لُغَة العَمَل أبْلَغُ من لُغة القول، وموقفٌ أخلاقيٌّ واحِد أفْضَلُ عند الله من ألف مُحاضرةٍ تُلقى ! آيتان خطيرتان، قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

[ سورة فصلت ]

 وقوله تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 قد تَعْمل صالحًا مِن أجل أن تجْتذِب إعْجابَ الناس، عملي الصالح هو الاسْتِسلام له، والطاعة له، وليس مِن أجل الدُّنيا، وبهذا يكون الإخلاص فهو يكون مخلِصًا بِهذه الدَّعوة.
قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 مستحيل أن يكون الصِّدق كالكذب، والاستقامة كالانحراف، والإخلاص كالخِيانة، والدَّناءة كالسُّموّ والانْغِماسُ في الملذَّات كالعِفَّة، والطَّمَعُ كالتَّعَفُّف ؛ مستحيل ! ومستحيلٌ أن يكون الأب الكامل كالأب السيئ، والابن البار، كالابن العاق، والزَّوجة الصالحة كالزَّوجة السيِّئة، فهما على طرفي نقيض، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 أحيانًا يقول أحدهم: أنا لا أُدخِّن حِفاظًا على صِحَّتي ! ولكن أحيانًا يُدعى إلى طعامٍ وفيه خَمْر فيقول: أنا معي قرْحة !! لماذا لا تقل: أنا مسْلم ؟! مرَّةً ذكر لي صديق كان بِبَلَد فجاءَتْ وزيرة لهذا البلد، وكان المستقبل لها الوزير المشابه لها وإلى جانِبِه كبار الموظَّفين، وأحد هؤلاء الموظَّفين كان مُلْتَزِمًا، والنبي قال: إنِّي لا أُصافحُ النِّساء، فلمَّا مدَّت يدَها لِتُصافِحَهُ امْتَنَع، وأشار لها على صَدرِهِ، فتألَّمَت أشَدَّ الألَم، وعدَّت هذا الموقف إهانةً لها، فلمّا انتهى الاسْتقبال: سألَت الوزير: لِمَ لمْ يُصافحْني ؟ هو الوزير غضِبَ منه غضبًا شديدًا، وعقابًا له: حرمَهُ نم مائِدَة الطَّعام، إلا أنَّها سألت عنه حين الغذاء ؛ أين فلان الذي لم يرِد مُصافحتي ؟! فقالتْ: أُريدُ أن أراه، وأصرَّتْ، فلمَّا طلبوه، قالتْ له: لِمَ لمْ تُصافِحْني ؟! فقال: إنَّني امرؤٌ مسلِم، وديني يأمرني أن لا أُصافِحَ المرأة الأجْنبيّة، وأنت امرأة أجْنبيَّة، فقالتْ له: لو أنَّ المسلمين أمثالك لَكُنَّا تحت حُكْمِكُم !! فإذا الواحد دُعِيَ إلى طعام فيه خمْر، لا تقلْ: أنا معي قرْحَة !! ولكن قُل: أنا مسْلِم، هذا الذي يُشَرِّفُكَ ويرْفَعُك، فلا تُفرِّغ الاسْتِقامة لِقَضايا صِحِيّة واجْتِماعيَّة، واتْرُكْها عبادة لله تعالى.
 سَمِعتُ عن خطيبٍ في الزَّبداني ؛ لمْ يبْقَ في المنطقة إنسان إلا وخرجَ في جنازَتِهِ ! شيءٌ غير معقول، فسألتُ عن السَّبب: فقيل لي: أنَّهُ كان لا يُسلِّم على كلِّ مَن أقامَ عُرْسًا مُخْتلطًا، حتَّى اسْتَطاع بِحَزْمِهِ أن يجعل الأعراس من دون اخْتِلاط !! لذا المُجاملَة الزائِدَة، وكلّ الناس خيرٌ وبركة هذا يُبْعِد الناس عن الإسلام، فأنت لكَ موقف تقول: لا، بملء فَمِك حكى لي قاضي أنَّه رفضَ حُكمًا لاتِّهام شخْصٍ وقال: لا أُوقِّعُ ولو قُطِّعْتُ إرْبًا إرْبًا !! وهذا قائِد طائرة قدَّم اسْتِقالتَهُ من أجل أنَّ الطائرة يُوزَّعُ فيها الخمْر وهو من كبار الطَّيارين، وقال: لا أركبُ طائرة فيها خمْر، ونحن في الجوّ تحت رحْمة الله، وكانوا بأمسِّ الحاجة له: فأعْطَوْهُ اسْتِثناء !! وبعد سنة عمَّمُوا البلاغ على كلّ الرحلات، فالإنسان إن لم يُضَحِّ، ولم يقدِّم موقف جريء لا يستطيع أن يقيم الشرْع، وبالمناسبة الإنسان إذا رأى أنَّه ينْتُج عن إنكار المنْكر فتْنة أكبر منه، فيجب أن لا يُنْكرهُ، قال تعالى:

 

﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(195)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 فإذا رأيْتُم شُحًّا مُطاعًا وإعْجاب كلّ ذي رأيٍ برأيِه،فلْزَم بيتَك، وأمْسِك لسانَك، وخُذ ما تعرفْ، ودَع ما تُنكِر، وعليك بِخاصَّة نفْسِك، فبناتك وأقرباؤك هم من خاصَّة نفسِك، لذا قُلْ: أنا أمْتَنِعُ عن هذا الشيء لأنِّي مسلِم، ولا أفعل هذا لأنِّي مسْلم ولا أدْفعُ هذا المبلغ لأنِّي مسلم، ولا تجْعل الإسلام عادات وتقاليد.
قال تعالى:

 

﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(195)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 إذا كان هناك ألف تصرُّف حسَن تُقابِل بها سيِّئة، فيجب أن تختار أحْسن المواقف، فلا بدّ أن تدْفع لا سيِّئة بالتي أحسن، لِدَرجة فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنَّه وليٌّ حميم قال تعالى

 

﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 مَن كان حظُّه من الله تعالى كبيرًا، الحظّ هنا النَّصيب، فالإنسان أثناء صلاته إذا كان أتأله بالله تعالى شديدًا ونال من الله كمالاً كبيرًا، فهذا يفْعلُ هذا، قال تعالى:

 

﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 فمن نصيبُهُ من الله تعالى كبيرًا بِسَبب إقْبالِه عليه هذا يستطيع أن يردّ على السيِّئة لا بالحسَنة بل بأفضل أنواع الحسنات، وهذا المؤمن، أما نحن نصلِّي ونحقِد، ونغشّ، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

 

[ سورة فصلت ]

تحميل النص

إخفاء الصور