وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة فصلت - تفسير الآية 37 الطريق لِمعرفة الله أن تنْظر في خلق الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة والثلاثون من سورة فصّلت، بعد الآيات التي قال الله فيها:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

[سورة فصلت]

 وبعد الآيات التي قال تعالى فيها:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[سورة فصلت]

الله جلَّ جلاله رسَمَ الطريق للإيمان به ومعرفَتِهِ ثمَّ لِطاعتِه، فقال تعالى:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

[سورة فصلت]

 أوَّلاً هذه الآية بيَّنَت أنَّ الطريق لِمعرفة الله أن تنْظر في خلق الله تعالى، لأنَّ الله عز وجل لا تُدركُهُ الأبصار، ولا الحوَاس، إنَّما يُعرُف بالعقل، والعقل لا يعْمَل إلا بِأَثَر، فالعَقل أداة اسْتِدلال،تحتاج إلى أثَرَ لِتَنْتَقِلَ منه إلى المؤثِّر، وتحتاج إلى كون لتَنْتقل به إلى المُكَوِّن، وتحتاج إلى نِظام لِتَعرف به المنظِّم، فالعقل يحتاج إلى أن ير تَسييرًا لِيَعرف المُسيِّر، ويحتاج لأن يرى شيئًا لِيعرف من خلقَهُ، ولذا ربُّنا عز وجل بعد آيات الإيمان والاسْتِقامة، وآيات الدَّعوة والصَّلاح رسَمَ الطريق إلى معرفَتِهِ.
قال تعالى:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

 

[سورة فصلت]

 مِن هذه تُفيدُ التَّبعيض، والحقيقة أنَّ الكون كلَّهُ يدلّ على الله تعالى، والكون في التَّعبير القرآني هو السماوات والأرض، فالسماوات والأرض كلّ ما يدلّ فيها إلهًا واحِدًا موجودًا كاملاً، ومن هذه للتَّبعيض، والآيات كما تعلمون آياتٌ قرآنيَّة، وآيات تكْوينيَّة، وآيات كَوْنِيَّة، فالله له خلْق وله أفعال ولخ كلام، فالقرآن آيته القرآنيَّة، والكون آياته الكونيَّة، والأفعال آياته التَّكوينيَّة، وقد تعرف الله من خلقه، ومن أفعاله، ومن كلامه، فَمِن آياته التَّكوينيَّة الليل والنهار، فالنُّقطة الدقيقة أنَّ الأرض تدور على مِحْور، ولو أنَّها لا تدور على مِحور لما كان هناك ليل ولا نهار، فإمَّا نهر سَرمدي أو ليل سَرمدي، فالنهار السرمدي ثلاثمائة وخمسين درجة فوق الصّفر، والليل السرمدي مائتان وسبعون تحت الصِّفْر فلولا هذه الدَورة لما كانت هناك حياة، فمن الذي أدار الأرض، والسؤال الثاني: لو أنّ الأرض تدور على مِحور مُوازي لِمُستوي دوران الأرض حول الشَّمس لما كانت هناك حياة، فمن الذي أبدع في هذا الخلْق، فالأرض تدور على محور عمودي على مستوى الدوران، فلو جعل الله المحور عمودي لما كانت الفصول الأربعة كذلك إما صيف أبدي أو شتاء أبدي لو كنَّ الله تعالى جعل المِحور مائِلاً، منها تكون الفصول الأربعة، فهذه من آياته، قال تعالى:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

 

[سورة فصلت]

 الفرق بين المسلمين، وغير المسلمين، فغير المسلمين عبدوا الشمس والقمر و، عبدوا البقر والحجر، وعبدوا النار والمرأة، فأحدهم كان يُعبدُ صَنَم في قبيلته، وكان أهلها يضعون له الطَّعام، وكان فُضوليّا فأراد أن يرى من الذي يأكل الطَّعام، فانتظَر يومًا، فإذا بِثُعبان يأتي ويأكل ذاك الطَّعام، وثمّ بال على الصَّنَم، فقال:
أربٌّ يبول الثعلبان برأسِهِ لقد زلَّ من بالت عليه الثعالبُ
 وعندها كفر بِعِبادة الأصنام، فالفرق بين المسلم، وغير المسلم، أنَّ المسلِم ينتقل من الكون إلى المُكَوِّن، ومن النِّعمة إلى المُنعِم، ومن البقرة البقرة إلى الذي خلقها، ومن الشَّمس والقمر إلى الذي كوَّنهما، ومن النِّظام إلى المنَظِّم، ومن التَّسيير إلى المُسيِّر، فهذا هو الفرق، فربّنا عز وجل يقول:

 

﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾

 

[سورة فصلت]

 فأنت قد تنْعُم بالأرض، والأرض مستقِرَّة، قال تعالى:

 

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)﴾

 

[سورة النمل]

 تجِدُ بناءً عمره مائة سنة، ولا يوجد فيه شقّ، ونحن قبل يومين هزَّت بنا زلزال خمسة فاصل ستَّة ومن فوق الستَّة مُدمِّر، فالله رحمنا، فالإنسان ما هي ضمانتُهُ إذا عصى الله عز وجل ؟ قال تعالى

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1)﴾

 

[سورة الحج]

فهذا الزِّلزال الذي جاء بنا ما تصْنيفُهُ في عِلم التَّوحيد ؟ هذا أسنه التَّلْويحُ بالعصى ‍‍! أيْ انتبِهوا أيُّها العباد، فأنتم إن ابتَعَدتم عن الله، وارتكبتم المعاصي يُدمِّرنا، لذا الآية الكريمة:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

[سورة فصلت]

 أوَّلاً العبادة عِلَّة وُجودنا، فنحن موجودين من أجل عبادة الله، وتصوَّر طالبًا ذهب إلى فرنسا لِتَحصيل شَهادة الدكتوراه ففعَلَ كلّ شيء إلا نيْل الشَّهادة، ذَهَب إلى المتنزَّهات والمتاحف، وإلى السينما ونسيَ السَّبب الوحيد الذي من أجله جاء فرنسا، فالإنسان يأتي إلى الدنيا فيَكْبر، ويتزوَّج ويُزوِّج أولاده ويُؤسِّس عملاً، ويشتري بيتًا، ويُسافر ويتصدَّر المجالس، ويتبجَّح ولكن ينسى عبادة الله عز وجل، فهذا الذي يأتي إلى الدنيا ويتزوَّج ويرْبح، إذا نسِيَ عبادة الله فقد نسِيَ مُهِمَّتَهُ الكبرى والعلَّة التي مِن أجلها جاء، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ(45)﴾

 

[سورة الشورى]

قال تعالى :

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)﴾

[سورة الكهف]

 وقال تعالى

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ(196)﴾

[سورة آل عمران]

 قال تعالى :

 

﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي(26)يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)﴾

 

[سورة الحاقة]

 فآية اليوم:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

 

 

[سورة فصلت]

 هناك معصيتان ؛ معصِية مَغلوبيَّة !! ومعْصِيَة كِبر، فالإنسان حينما يعْصي الله تعالى مَغلوبًا؛ هذا حالهُ أفضلُ ممَّن يعصي الله تعالى كِبرًا وعِنادًا ! فالذي يعصي غلبةً توبتُهُ سهلة ؛ يعرف الله ويعرف منهجه، والصلحة بِلَمْحة قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾

 

(سورة غافر)

 هذه آية اليوم:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)﴾

 

[سورة فصلت]

تحميل النص

إخفاء الصور