وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة الشورى - تفسير الآية 10 الحكم لله تعالى .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآية العاشرة من سورة الشورى، وهي قوله تعالى:

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)﴾

[سورة الشورى]

 الحقيقة ؛ في مِساحة الأفكار، ملْيار ومليار مَقولة ؛ بعضها خطا وبعضها صواب، والآخر حق، وبعضها باطل، وبعضها مُبالَغٌ به، وبعضها مُزوَّر، وبعضها مُقلَّل من قيمته، فالإنسان أمام رُكام لا أفكار والمَطروح في الساحة الفِكريّة مليار مليار مقولة ؛ جمود وتزمُّت، والْتِزام وإباحِيَّة، وتَجديد وعَصْرنة وعقْلنة !! فأنا كإنسان كيف أُميِّز بين هذه الأفكار ؟ قلتُ لكم: أنت كبائِع أقمِشَة أمام مائة ثوب، كلّ ثوب عليه رقم وقيل لك: هذه الأرقام غلط، فإذا اشْتَريتها على هذه الأرقام تكون مَغبون، أنت بِحاجة لى متر، وإلى مِقياس تكشِف صِحَّة هذه الأرقام أو خطأها، فنحن أهمّ شيء أن نمْلِكَ منْهجًا لِنُنَقِّي به، أنا كمُسلم ؛ يُطرح بالإعلان وبالنَّدَوات وبالخُطَب، وبالكُتب، كلّ يلقي سمَّه، فأنا في هذه المتاهة، وفي هذا الخِضَمّ ؛ كيف أهْتَدي إلى الحق، لا بدّ من منْهج تلقِّي هذه الآية أحدُ بنود منْهج التَّلقِّي قال تعالى:

 

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)﴾

 

(سورة الشورى)

 كلّ شيخ له دَعوة، وله أفكار، يا ترى كلام الشيخ صحيح أم باطل ؟ له مقْصد دنيوي ! هل هو صادِق مع نفْسِهِ أو كاذِب ؟ كيف أعرف الحقيقة ؟ وما هو المِقياس ؟ نحن يهمُّنا أن نكشِف بالقرآن الكريم مناهِج التَّلقِّي ؛ ما الذي أقْبلُهُ ؟ وما الذي أرفضهُ ؟
 مثلٌ آخر ؛ دَخَلتَ إلى غرفة فيها ألف قِطعة صَفراء لامعة ؛ قيل لك: مائة قطعة منها ذَهَب خالص عيار أربع وعشرون، وقطعة أخرى عيار واحد وعشرون، ومائة ثالثة عيار ثمانية عشرة، وقطعة أخرى عيار ستَّة عشر والخامسة إحدى عشر، والسادسة نحاسٌ مَطليّ ذهبًا، والأخيرة تنَك إلا أنَّ كل هذه المعادن صَفراء تلْمَع، فما الذي يحتاجه الإنسان كي يأخذ قطَع الذّهب الأعلى عيارًا ؟ لا بدّ مِن مقياس تفْحص به، فهذا هو الواقِع، هناك أفكار مَطروحة في المساجد، وفي الإعلام، وفي الكتب، أفكارٌ تُطرح ليل نهار، بعضها صحيح والآخر غلط، وبعضها باطل، وباطل فيها مكْر فأنت بِحاجة إلى منهج تلقِّي، وإلى مِقياس، فربُّنا عز وجل في آية أخرى يقول:

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)﴾

 

[سورة النساء]

 قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أولوا الأمْر هم الأمراء، والعلماء، فالعلماء يعلمون الأمر، والأمراء يُنفِّذون الأمر، وقال تعالى:

 

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)﴾

 

[سورة النساء]

 إلى الله تعالى بِكِتابِهِ، وإلى الرسول بِسُنَّتهِ، فنحن عندنا مِقياسَين صحيحيْن، قال عليه الصلاة والسلام:

 

((مَا إِنْ تَمَسَّكْتُم بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بعْدِي أَبَدًا كِتَاب الله وسُنَّتِي))

 

[ رواه مالك ]

 قال تعالى:

 

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)﴾

 

(سورة الشورى)

 يقول لك أحيانًا: يجب أن نُنَمِّي أنفسنا إذًا يجب اسْتقراض قرضًا ربَوِيًّا لإنشاء عمل جديد، لكنَّ الله تعالى يقول:

 

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)﴾

 

[سورة البقرة]

 نحن بِمَنْهج التَّلَقِّي الرّبا حرام، وبِمَنْهج التَّلَقِّي الاخْتِلاط حرام، والكذب حرام، والنِّفاق حرام، فلو أنَّه كان لك كمبيوتر، وتعطَّل، ولك جار خُضَري تُحبُّه كثيرًا، هل يمكن أن تعْطِيَه حاسوبكَ كي يصلِّحُهُ لك ؟‍‍!! فالمحبَّة والعطف والقرب موضوع ثاني لا علاقة له بإصلاح الحاسب فالله عز وجل قال:

 

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[سورة فاطر]

 من هو الخبير ؟ هو الله، فهذا هو كلام الله، وهذه تعليمات الصانِع وهذا كتالوك الإنسان، قال تعالى:

 

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)﴾

 

(سورة الشورى)

 اختلفنا في موضوع المرأة فَحُكْمُهُ إلى الله واختلفنا في موضوع كَسْب المال فَحُكْمُهُ إلى الله، واختلفنا حول موضوع الاخْتِلاط، فَحُكمُهُ إلى الله تعالى، واخْتلفنا في مواضيع كثيرة ؛ كلُّها حكمها إلى الله تعالى، فالله عز وجل قال:

 

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(15)﴾

 

[سورة الأحقاف]

 فيجب أن يكون عملُكَ صالحًا وِفْق مِقياس الله، ووفق سنَّة رسول الله فالذي يصِحُّ في منهج الله ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلَّم تأخذُهُ والذي لا يصِحُّ عنهما ترْكِلُهُ بِقَدَمِك، فأكثرُ الفتيات غير الملتزمات ما يدفعها لِتَغيير لِباسها ما في هذه الإعلانات، هل يُعْقَل من واحِدٍ يهودي أو نصراني في فرنسا يُصَمِّم ويفتح ما يشاء من لا ثِّياب، وأنا ألبسُهُ ؟؟ أليس لي منهج ؟ فنحن لمَّا نْعف بالمهَج، وفي فهْم كتاب الله، وفي فهْم سنَّة رسول الله يصبح لدينا مصادر تغذِيَة أخرى غير صحيحة.
على كُلٍّ هذه الآية أحَدُ بنود منْهَج التَّلَقِّي، قال تعالى:

 

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ﴾

 

(سورة الشورى)

قد تسْمع أنَّ دواءً صُنِعَ وظيفَتُهُ إطالة العُمْر ‍‍!! فأنت إن كان لك منْهج تعلم أنَّ آيةً قرآنيَّة ترفض هذا الكلام

﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ(34)﴾

[سورة الأعراف]

 وقد تسْمع أنَّ فلانًا الفلاني يعلَم الغيب !! فلك آية تبطل هذه المقولة قال تعالى:

 

﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(65)﴾

 

[سورة النمل]

 إذا الإنسان قرأ القرآن واسْتَوعَبَه وفهِمَه جيِّدًا أصبَحَ له ألف مِقياس ومِقياس، فأيَّة قصَّة، وأيُّ فِكْر، وأيُّ طرحٍ، أو مقالةٍ، أو ندْوةٍ أو خُطبة، تكلَّم ما شئْتَ فأنا معي مِقياس فإمَّا أن أقْبَلَ كلامك إن كان وِفق المِقياس، وإما أن أرْفُضَهُ إذا كان خلاف المقياس، فالحقيقة أنَّ الإنسان يمْلِكُ ميزانًا ؛ الخَطَر الكبير أن يكون هناك خلَلٌ بالميزان، أما أحيانًا يكون الميزان صحيح ولكن أنا الذي توهَّمْتُ أنَّ الميزان اثنان كيلو غرام، فهذا خطأ ولكن بالوزن، وهو لا قيمة له لأنَّه لا يتكرَّر ! فليس مِنّا مَن هو مَعْصوم ولكنَّ الخطأ الكبير أن يكون ميزان التَّلَقِّي عندك خطأ، لو فرضنا أنَّ واحدًا يُتْقن اللُّغة العربيَّة وقام أحدهم يتكلَّم أمامه، فهذا يكشف له أخطاءً لا تُغْتفر، أما إن كان أقلّ منه عِلْمًا يقول: لا يوجد أرْوَعَ منه !! فالاختِصاص يكْشف لك الخطأ، لذا العِبرة لا أن أكون وِعاءً لِمَعلومات، بل أن أكون ميزانًا لهذه المعلومات، وهذه هي الآية:

 

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)﴾

 

(سورة الشورى)

 من الذي حُكمُهُ إليه ؟ هو الله، وله الأسماء الحسنى، الصِّفات العليا، قال عليه الصلاة والسلام: لا يكن أحدكم إمَّعة..." وطِّنْ نفْسَكَ على أن تُحْسِنَ إذا أحْسَنَ الناس، وعلى أن تُحسن إذا أساء الناس، والشِّعر الجاهلي يقول:
وما أنا إلا من غزيَّة إن غَوَتْ غَوَيتُ وإن ترشُد غزيَّة أرشُد
فالمجتمع الآن مُتَفَلِّت، ومنْحرف، فلا بدّ أن يكون لك رأي واسْتِقلاليَّة عن البيئة الفاسدة، قال تعالى:

 

﴿وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا(16)﴾

 

[سورة الكهف]

 إمَّا أن يأوي الإنسان إلى بيت من بيوت الله ليتلقَّى العلم الصحيح، أو أن يأوي إلى بيتِهِ يعبُدُ الله، أما إن خاض في غمار الحياة التي فيها الفساد والباطل، والغلوّ، وفيها ما فيها، والإنسان سَيُحاسِب، فالإنسان لا يُعقل أن يُسلِّم نفسه لِطَبيب لا يعرفه ! من أجل عمليَّة فقط، طيِّب نم أجل دينك أليس الأولى أن تسل إن كان هذا العالم كلامه صحيح أم لا ؟ منضبط أو لا وإنَّ هذا العلم دين فانْظروا عمَّن تأخذوا دينكم، وخذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.

تحميل النص

إخفاء الصور