وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة الشورى - تفسير الآية 15 لا معنى للدَّعوة من دون استقامة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، من المظاهر المرَضِيَّة في حياة المسلمين ؛ أنَّ الإسلام صار فِكْرًا وثقافةً، أو ما يُسَمَّى في بعض المجتمعات إسلام صالونات مجلس نتحدَّث بالدِّين وبالإسلام وبِقِيَم الإسلام، والحركات الإسلاميّة في العالم، وما يُعانيه المسلمون، فهؤلاء الذين يتحدَّثون ويتصدَّقون ويُشقِّقون الأفكار، لو دَخلت إلى بيوتهم لا ترى استقامة لا في سلوكهم ولا في أهلهم ولا في بناتهم، ولا في أوقاتهم، فالإسلام انْفصَل عن الحياة إلى الفِكْر وأصبح هناك مُفكِّر إسلامي يُقيم نَدَوات وهو لا يُصَلِّي ! وقد يشْرب الخمر فهذه الظاهرة الخطيرة ؛ انفصال الإسلام، أصبح عندنا سلوك وفِكر، فالسُّلوك غير مُطبَّق، الآية الكريمة:

﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15﴾

[ سورة الشورى ]

 الدِّين فقط مهما تبحَّرت فيه، وتفنَّنْتَ في عرْضِهِ، ومهما تعمَّقت في دراسته، وطالَعْتَ، ومهما جمَّعت من الثقافات الإسلاميَّة، ومهما كان أفقُكَ واسِعًا الدِّين بالذات لا قيمة له إطلاقًا من دون الْتِزام، لذلك ربّنا عز وجل يقول:

 

﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15﴾

 

[ سورة الشورى ]

 إذا كان النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو سيِّد الخلق، وحبيب الحق قد أُمر أن يستقيم فكيف بنا نحن ؟! لذا لا معنى للدَّعوة من دون استقامة، ولا معنى للتَّعاون الإسلامي من دون استقامة، ولا معنى من اقتناء كتب إسلاميَّة من دون استقامة، ولا معنى من اقتناء أشرطة من دون استقامة، تقريبًا ؛ فكيف أنَّ التِّجارة فيها نشاطات كبيرة جدًّا، ومتنوّعة جدًّا، إلا أنَّ هذه النَّشاطات تنتهي بشيء واحِدٍ هو الرِّبح، فإن لم ترْبَح فلسْتَ تاجِرًا ! كلّ هذه النشاطات ؛ من مَحلّ وموقع المحلّ، وتَزيين المحل، والمحاسب والكمبيوتر، والمستودعات والتِّلكسات، وكذا إن لم تسْتقِم فلسْتَ مؤمنًا وهذا كلام دقيق، وفِّروا وقتكم يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ *))

 

(رواه البخاري)

 المؤمن الصادق يُراجِع حِساباته الدقيقة، ويُراجِع دَخْلهُ، وبيتهُ وبناته، وزوجته، وأوقات فراغِهِ، وأفراحِهِ، وأحزانِهِ، وعلاقاته، وذِمَمِهِ ودُيونِهِ وواجباته ؛ يراجعها كلّها فإن لم تنطبق على منهج الله فهناك تقْصير كبير، ومن هنا قال الله عز وجل:

 

﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15﴾

 

[ سورة الشورى ]

 فالرَّبط بينهما الدَّعوة والاستِقامة، فلو أنَّه دعا ولم يسْتقِم فَدَعوتُهُ ساقِطة، فالآن أيّ داعِيَة لو دعا ولم يسْتقم لا أحَدَ يعْبأ بِكَلامه إطلاقًا، ولا أحد يُفكِّر فيما يقول، والناس يتعلَّمون بأعْيُنِهم لا بِأُذونهم، ولأنّ لغة العمل أبْلغُ من لغة القَول، والله تعالى يقول

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3)﴾

 

[ سورة الصف ]

 المقْت أشدّ أنواع الكراهِيَّة، فأنت إذا أردْت أن تكون عند الله تعالى بِحالة المقْت فقُل شيئًا ولا تفْعلْهُ، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام:

 

((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْهم يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ قَالَ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت *))

 

[ رواه الترمذي ]

 هود يعني سورة هود، والذي شيَّبَهُ فيها قوله تعالى:

 

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)﴾

 

[ سورة هود ]

 وإيَّاك أيُّها الأخ الكريم أن تتوهَّم أنَّ هذا نبي !! إنَّ الله أمر المؤمنين بِما أمر به المرسلين، فأتن إن حضرْت الدروس، وأُعْجِبْتَ بِفلان، وأثَّر الداعية الفلاني في كلامك، كل هذا لا قيمة له إن لم تسْتقِم أنت، ومهما كنتَ مُستمِعًا أديبًا لا ينفعُكَ من الكلام إلا ما طبَّقت منه ومهما كان المتكَلِّمُ فصيحًا لا تنفعُهُ فصاحتُهُ إلا إن طبَّقَ ما يقول، فالمُتَكَلِّم يُحاسَب على مدى مِصداقيَّة ما يقول، والمستمع مُحاسب على مدى تطبيق ما يقول، فَمِن أجل أن تنالَ من الدِّين أعلى مردود اسْتَقِمْ، وكنتُ أقول دائِمًا: كلمة ألف مليون دولار لِمُواطِن عادي ؛ ماذا تعني ؟! فلو أنَّ واحِدًا لفظها وما معه قيمة خُبز ؛ ما قيمة هذا اللَّفظ ؟! فبين أن تلفظها وبين أن تمْلِكَها ؛ كم في المسافة ؟!! كبيرة جدًّا، فالمسافة نفسها، بين أن تدْعو إلى الله تعالى وأنت غير مستقيم، وبين أن تستقيم؛ إنَّك إن اسْتَقَمتَ قطَفْتَ ثِمار الدِّين، والحقيقة أنت تُعامِل خالق الكون، دقِّق بِصلاتك، والخشوع فيها، ودقِّق في معاملاتك التِّجاريَّة ؛ هل يوجد تدليس أو إيهام أو إخفاء عَيب أو احتِكار، دقِّق في بيتك هل بناتك يخرجن للشُّرفة من دون حِجاب أو سهرة لا تُرضي الله، أو حديث فيه غيبة، لا بدّ أن تُدقِّق، وأنت إن دقَّقت اتَّصَلْت بالله تعالى، فالذي يقوم للصلاة مُتكاسلاً، وهي من صفات المنافقين، قال تعالى:

 

﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا(142)﴾

 

[ سورة النساء ]

 لأنَّه غير مستقيم، ومحجوب عن الله تعالى، أما إن كان مستقيمًا وِفْق المنهَج، إذا قام للصلاة يرى كلّ السَّعادة في الصَّلاة، وهذا النبي عليه الصلاة والسلام: قال له:

 

(( عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا * ))

 

[ رواه أبو داود ]

 أما لسان معظم المسلمين: أرِحنا منها !! وفرق كبير بين أرِحنا بها، وبين أرِحنا منها، يقول لك: صلَّيْتُ العشاء وارْتَحْتُ !! فهذه الآية دقيقة، فلذلك كما قال تعالى:

 

﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15﴾

 

[ سورة الشورى ]

 دعوتك لا قيمة لها إن لم تسْتَقِم فالمستقيم كبير عند الناس، وعند زوْجتك وعند أولادك، فالزَّوجة إن لاحَظت صلاح زوْجها، ودقَّته في الكلام ويغضّ بصرَهُ تحْتَرِمُهُ، ويقضي سهْراته بالغيبة فإنَّ هذا الزّوْج يسقط من عين زوجته.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾

 

[ سورة الشورى ]

 بديل الاسْتِقامة هو اتِّباع الهَوَى فأنت بين أمرين إما أنَّك مستقيم على أمر الله، وإما أن تتَّبِعَ الهوى، وهذا مخالف لمنهج الله.
ثمَّ قال تعالى:

 

﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 المؤمن عملهُ كلُّه استقامة، ونُصْح، وتَطبيق لِمَنهج الله، ِدقٌ على خلاص على نصيحة على تواضُع، فالله عز وجل وصف المؤمن فقال:

 

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى(11)﴾

 

[ سورة الليل ]

 يبني حياته على العطاء، وهناك من يأخذ كلّ شيء فهذا ما أقرض الله عز وجل، قال تعالى

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(245)﴾

[ سورة البقرة ]

 قال تعالى:

 

﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾

 

[ سورة الشورى ]

 فالعدل حسَن ولكن في الأمراء أحْسن، والحياء حسَن ولكن في النِّساء أحْسَن، والورع حسن، ولكن في العلماء أحسن، والتوبة حسنة ولكن في الشباب أحْسن والصَّبر حسن، ولكن في الفقراء أحْسن، والسّخاء حسن ولكن في الأغنياء أحْسن، عبادة الغني السَّخاء، وعبادة الغني الصَّبر وعبادة المرأة الحياء، وعبادة العالم الورع، وعبادة الأمير العدل.
قال تعالى

 

﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 فإذا كان الإنسان له خصْم وهذا الخصم قويّ وعنيد، ورد بأقوال سيِّدنا علي: كفاك على عدوّك نصْرًا أنَّه في معْصيَة الله، وكفاك انْتِصارًا عليه أنَّك في طاعتِه ! فمهما كان خصْمك قويّ فأنت منتصر عليه لأنَّك مع الحق وفي طاعة الله.
 هدفنا الأوَّل التطبيق العملي، وهذا الذي نحْرص عليه ونُعوِّلُ عليه، وهو الذي يجْعلنا متألِّقي

تحميل النص

إخفاء الصور