وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة الشورى - تفسير الآيتان 49 - 50 الملكِيَّة المطلقة ملْكِيَّة خَلقٍ وتصرّف ومصير.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية التاسعة والأربعون من سورة الشورى، وهي قوله تعالى:

﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)﴾

[ سورة الشورى ]

 أوَّلاً: لله ملك السماوات والأرض، هذه الملكِيَّة المطلقة، ملْكِيَّة خَلقٍ وتصرّف، ومصير، وفقد تمْلِكُ ولا تنتفع، وقد تنتفع ولا تمْلك وأوضَح مثل أن تملك بيتًا ولا تنتفعُ به ؛ مؤجَّر قبل السَّبعين، أو لا تملكه وتنتفع به أو تملكه وتنتفع به، وقد يُسْتَملك، ومصيره ليس إليك إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى ملْكِيَّتُهُ لِخَلقِهِ ملْكِيَّة مطلقة ؛ مُلْكِيَّة خلق، ومُلْكِيَّة تصرّف، ومُلْكِيَّة مصير، فلا أحد يملِكُ بصرهُ ولا سمْعهُ ولا سُيولة دَمِهِ، ولا دسَّامات قلبهِ ولا انتِظام دماغه، ولا نملِكُ شيئًا، ونحن مالكون لِما ملَّكنا ربُّنا، والذين ملَّكنا إيَّاه يسْلبه منا في ثانية، فالله تعالى إذا أعطى أدْهش، وإذا أخذ أدْهش.
قال تعالى

 

﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ﴾

 

[ سورة الشورى ]

 الهِبة من دون مُقابل عَقْد الهِبَة ليس عقد عِوَض، وإنما عقد تَمليك من دون عِوَض، فالإنسان إذا أكرمه الله بِوَلَدٍ صالحٍ يجب أن يشكر الله شُكرًا لا حدود له لأنَّه هِبَةٌ مِن الله، قال تعالى:

 

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ(27)﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 النقطة أنَّك فيما أنت مُخيَّر به قد تُحْسِن أو تُسيء، وقد تفعلُ خيرًا أو شرًّا وقد تربح أو تخْسَر، فيما أنت مُكلَّف به ؛ أُمِرتَ بالصلاة فأنت تُصلِّي أو لا تُصَلِّي، وأُمِرت بالصِّدق قد تصدق أو لا تصدق، وأمرْت بأداء الأمانة تُؤدِّيها أو لا تؤدِّيها فيما أنت مُكَلَّف به تُحْسِن أو تُسيء، أما فيما أنت مُسيَّر به فهو لِصالِحِك، فَلِصالِحِ هذا الإنسان يهَبُهُ إناثًا، أو ذُكورًا، أو يهبه ذكورًا أو إناثًا أو يجعله عقيمًا والمؤمن راضٍ بما أعطاه الله، فهناك دائرة أنت فيها مُخيَّر، ودائرة أنت فيها مسيَّر، أن يهبك ذُكورًا نُجباء، أو إناثًا صالحات، أو ذُكورًا غير صالحين، أو إناثًا غير صالحات، هذا من حكمة الله ورحمته.
 قال بعض العلماء: قدَّم الأنثى على الذَّكر، تقديم تكريم لأنَّها ضعيفة وجاءت كلمة إناثًا مُنَكَّرة، والذّكور معرَّف، فالذَّكر يمشي سافِرًا ومعروفًا، ويقول: أنا فلان بن فلان، وينظر الناس إليه، أما المرأة فلا ينبغي ان تكون مَشْهورة، ولا ينبغي أن تكون معروفةً، ولا ينبغي أن تظْهر أمام الرِّجال، ولا أن تُخالِطَ الرِّجال، ولا أن يُشار إليها بالبنان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ما أكرمهنّ إلا كريم، وما أهانهنّ إلا لئيم..."، وقال عليه الصلاة والسلام: خيركم خيركم لأهله..." مِقياس الخَيْرِيَّة عند رسول الله داخل البيت أما خارج البيت فكلّ واحد يتجمَّل، وينتقي أحلى الكلمات ويبْتسم، ولطيف ولبق، فإذا دخل البيت فهو الوحش !! فالنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل بيته بسَّامًا ضَحَّاكًا، يقول عن النِّساء إنَّهنّ المؤنِسات الغاليات ! وحينما أمرنا ربُّنا أن نُعاشرهنّ بالمعروف، قال تعالى:

 

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19)﴾

 

[ سورة النساء ]

 فسَّر العلماء المعاشرة بالمعروف لا أن تمْتَنِعَ عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحْتَمِلَ الأذى منها، والذي يصْبر على زوْجته له أجر عظيم، وهو أحد أبواب الجنَّة، والمؤمن حينما يأتيه أولاد من زوْجته يضَع حظَّه تحت قَدَمِهِ من أجل أولاده، ومن أجل أن ينشأ الأولاد في بيتٍ مُنْسَجِم، وما كلّ بيتٍ يُبنى على الحبّ، فآلاف البيوت تُبْنى على المصْلحة، والنبي عليه الصلاة والسلام أجازَ لنا أن نكذب على زوجاتنا لا في صِغار الحاجيات، فهي إن سألتك ؛ هل تُحِبُّني ؟ لك أن تقول لها: نعم وأنت لا تُحِبُّها، فبعض الأزواج يفهمون أنَّ الكذب على الزَّوجة في أسعار الحاجيات، فما هذا الذي أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سألت السيّدة عائشة النبي عليه الصلاة والسلام: كيف حبُّك لي ؟ فقال: كَعُقْدة الحَبْل ! فكانت من حين لآخر تسأله: كيف العقْدة؟! يقول: على حالها !! فَمِن الحِكمة أن يؤكّد الزَّوج لِزوَجَتِهِ انَّهُ يُحِبُّها، ولو لم يكن يحبُّها، وأخطر شيءٍ في السَّعادة الزَّوجِيَّة أن تُشير إلى نقائِصِها في خَلْقِها

 

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ * ))

 

[ رواه الترمذي ]

 لا تُشِر إلى عُيوبٍ لا دَخل لها بها، ولا إلى عيوب ليْسَت من صُنعها ؛ هذا هو الزَّوج المؤمن وقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ * ))

 

(رواه البخاري )

 فلذلك قدَّم الإناث على الذُّكور تقديم تكريم، وكرّم الذُّكور على الإناث تكريم تعريف، والإناث جاءت نكرة للدَّلالة على أنّ المرأة لا بدّ أن تكون مُحَجَّبة فإن لم تكن مُحَجَّبة كانت مَحجوبة من الله تعالى، فالمرأة السافرة محجوبة عن الله تعالى.
قال تعالى:

 

﴿ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)﴾

 

[ سورة الشورى ]

 في دولة كبرى بآسيا فيها ملِك جعله الله تعالى عقيمًا، ما معنى ملك ؟ الأمور كلّها بيَدِهِ، وما استطاع أن يُنْجِب ولدًا من هذه الزَّوْجة، أما إذا كان الإنسان عندهُ ضَعف بالحُوَينات فالطبّ تقدَّم، وأمكن أن تُقيم طِفل أُنبوب، تزْرع الحُوَين بِرَحِمِ زوْجَتِك هذا مُباح وقد أقرَّه مجْمع الفقه الإسلامي، فهناك أزواج لا يُنجبون والعلم تقدَّم وبالإمكان أن ينجب عن طريق الأنابيب، ولا يفعل هذا ثمّ يُطَلِّق زوْجته لأنَّها لا تُنْجِب.
أما إذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودًّا وهو كظيم، مع أنّ المرأة لا علاقة لا بِجِنس المولود، هذا ما أكَّدَهُ العِلم، أن يكون المولود ذَكَرًا فهذا مِن حُوَين الرَّجل، أن يكون أنثى من حُوَين الرَّجل، لذا امرأة في الجاهليَّى قالت:

 

ما لأبي حمزة لا يأتينا  غضبان أن لا نلد البنين
والله ما هذا بأيدينــا  وإنما نعطي الذي يُعطينا

 فالمرأة لا علاقة لها بالموضوع، فهذا حلف بالله إن أنْجَبَت أنثى يُطلِّقُها علَّق الطلاق، فإذا بامرأتِه تنْجب توأمان أنثى !! فلم يقَعِ الطَّلاق !!! قال تعالى:

 

 

﴿إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35)﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 فالذي يكره البيت يأتيه الخير من ابنَتِهِ لا يعلمه إلا الله، لذلك لما جاءته عليه الصلاة والسلام فاطمة: ضمَّها وشمَّها وقال: ريْحانة أضُمُّها وعلى الله رزْقها..." والبنت غاليَة جدًّا، وكلّما هبط الإنسان مستواه الإنساني، وكان أقرب إلى الحُمق يتألَّم من البنت !
هل تُصَدِّق أنَّ هذه البنت التي في بيتِك ربَّما تكون سبَبًا في دُخولك الجنَّة ؛ هذا كلام رسول الله،

 

(( فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ بِنْتَانِ أَوْ أُخْتَانِ اتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُتْنَ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ ))

 

[ رواه أحمد ]

 فهل تتألَّم إن جاءتك بنات ؟

 

هم الأحبّة إن جاروا وإن عدلو ا وليس لي عنهم مَعدل ون عدلوا
والله وإن فتَّتوا في حبِّهم كبدي  باق على حبِّهم راضٍ بما فعلوا

 فالذَّكر والأنثى ؛ هذه هدايا من الله تعالى، قال تعالى:

 

 

﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)﴾

 

[ سورة الشورى ]

تحميل النص

إخفاء الصور