وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 12 - سورة الشورى - تفسير الآيات 39-41-43 المؤمن عزيز لأنّه سفير هذا الدِّين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، يقول تعالى:

﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)﴾

[سورة الشورى]

 فالذي ينتصر مِمَّن ظَلَمه ما عليه من مُساءلة، وما عليه من سبيل، لأنَّ المؤمن عزيز، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾

 

[سورة الشورى]

 والخنوع والهروب والاستِسلام والتَّقوْقُع والذلّ ليس من صفات المؤمنين، أحد الصحابة الكرام كان يمشي مُتبخْتِرًا أمام جيْش العدوّ، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله يكره هذه المِشْيَة إلا في هذا الموطن..." والتكبّر على المتكبِّر صدَقة، ويقول الإمام الشافعي: لا أسْمحُ لأحدٍ أن يتكبَّر عليَّ مرَّتَين، قال تعالى:

 

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا(148)﴾

 

[سورة النساء]

 فالمظلوم له أن يتكلَّم وهناك حديث يُعدُّ فيْصَلاً في العلاقات العامة، يقول عليه الصلاة والسلام: إنَّ الله يلوم على العجز..." فحينما تغلب قل: حسبي الله ونعم الوكيل، أما قبل أن تُغلب يجب أن تأخذ بالأسباب، وقبل أن تُغلَب يجب أن تسْع، وتُغطِّي كلّ ثغرة وأن تأخذ الأمور بِجِدِيَّة، فإذا غُلبْت لا سمَح الله فقل: حسبي الله ونعم الوكيل،وهذا هو حال المسلم، فالمُسلم يُمثِّل دين الله تعالى، ودين الله عظيم، والمؤمن عزيز، قال تعالى:

 

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ(8)﴾

 

(سورة المنافقون )

 ابتغوا الحوائِجَ بِعِزَّة الأنفس فإنّ الأمور تجري بمقادير، فلا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسَه، فالمؤمن عزيز لأنّه سفير هذا الدِّين.
فالله تعالى:

 

﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)﴾

 

[سورة الشورى]

 من ضربك في خدِّك الأيْمن فأدِر له الأيْسَر !! هذه عندنا غير مقبولة، أو أن تكيل له الصاع صاعين كذلك غير مقبولة، هذا ه والدِّين، وهذا هو المنطق، وهذا هو الكمال، أما حينما يغلبُ على ظنِّك أن عَفْوَك على أخيك يُصْلِحُهُ ينبغي أن تعْفُوَ عنه، قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)﴾

 

[سورة الشورى]

 الخلطاء هم الأزواج والأقرباء والجيران، أضَعكم الآن أمام اسْتِنباط قَطعي الذي يبْغي على خليطِهِ ليس مؤمنًا، طبعًا في بلاد معيَّنة ممنوع حمل السِّلاح فهل يمكن أن تذهب للمخفر وتُشْهر السِّلاح أمام رجال الأمْن ؟! مستحيل لأنَّك تعرف جزاء هذا العمل، والآية الكريمة:

 

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾

 

[ سورة ص ]

 فالمؤمن لا يبغي، وإذا بغى فليس مؤمنًا، كما قال عليه الصلاة والسلام: يطبع المؤمن على الخلال كلها...." فإذا خان وكذب فليس مؤمنًا قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)﴾

 

[سورة الشورى]

 أيها الإخوة، والله لو صلَّيْتُم ألف ركعةٍ في اليوم، وصُمْتُم الدَّهر كلّه، ثمَّ أكلْتُم حُقوق بعضِمك فأنتم لا تعرفون الله تعالى، لأنَّك لو طرْتَ في الهواء أو مشيْت على وجه الماء، ولم تكن عند الحلال والحرام، فأنت لسْتَ مؤمنًا، ولا تعرف الحلال والحرام، وترْكُ دانِقٍ من حرام، والدانق سدس الدِّرهم فتَرك هذا الدانق خير من ثمانين حجَّة بعد حجَّة الإسلام ! من مشكلات المسلمين الكبرى أنَّهم ضَغطوا الدِّين كلَّه إلى عبادات جَوفاء، لو أخذنا الحج، يحجّ أحدهم بالمال الحرام فإذا قال: لبَّيك اللهمّ لبَّيك، يناديه منادٍ في السَّماء أن لا لبَّيْك ولا سَعدَيك، وحجُّك مردود عليك ! ويصوم الإنسان عن الطَّعام والشّراب فإن لم تَصُم جوارحه عن المعاصي والآثام فهذا الصائم ليس له مِن صيامه إلا الجوع والعطش ! وينفق الإنسان ماله، وقد قال تعالى

﴿ قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ(53)﴾

[ سورة التوبة ]

 وكذا الصلاة قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)﴾

 

[ سورة العنكبوت ]

 فإن لم تنهكَ صلاته عن الفحشاء والمنكر ليسَت هذه الصلاة التي أرادها الله فالصَّحابة حينما فَهِموا الدِّين على أنَّه بناء أخلاقي فتحوا العالم، وحينما فهِمناه عبادات جوفاء ليس غير، فلا بيوتنا إسلاميَّة، ولا أعمالنا إسلاميَّة لا دخلنا إسلامي، ولا إنفاقنا، ولا أفراحنا وأتراحنا إسلاميّة، لكنَّنا نصلِّي ونصوم، ونحج ونزكي ليس غير، لما قال له حدِّثنا عن دينكم سيِدنا النجاشي لسيِّدنا جعفر ؛ قال له: أيها الملك كنَّا أهل جاهلية...." هذا هو الدِّين فنحن إن أردنا أن يرضى الله عنا، وأن نُعيد لهذا الدِّين مَجدهُ وإن أردنا أن نُجَدِّد هذا الدِّين كما وعدَ الله أن يُجدِّده على رأس كلّ مائة عام، فيجب أن نعود إلى ينابيعه الأصيلة ؛ إذًا كما قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)

 

[سورة الشورى]

 الآية التي تلفت النَّظَر:

 

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾

 

[سورة الشورى]

 الآية التي تلفت النَّظر أيضًا قوله تعالى:

 

﴿يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(17)﴾

 

[ سورة لقمان ]

 العلماء لهم لفْتة لطيفة، قالوا: حينما يأتي قضاء الله وقدرُه مُباشرةً فهذا يحتاج إلى صبْر، والصَّبر له أجر كبير، أما حينما يأتي قضاء الله على يد إنسان فكلَّما كنتَ مُوَحِّدًا لم يكن في قلبِكَ حِقْدٌ على هذا الإنسان، ورأيْت الواحد الدَّيان هو الذي سمَح له، ومكَّنه، فأن يأتيك قضاء الله وقدره على يد إنسان ؛ هذا يحتاج إلى إيمان مُضاعف، فلو أنّ واحِدًا وقع ابنه من الشرفة ؛ هذا قضاء وقدر، وما عليه إلا أن يصبر، أما حينما يدهس ابنه ويموت على يد سائق، فأنت أمامك إنسان يمْكن أن تصبّ حِقدك عليه فهنا التوحيد ضَروري، لعلَّه مخطئ فنُحاسبُهُ، ولكن لا نحقد عليه، ونأخذ حقَّنا، ونجعله يدفع الدِّيَّة، أما أن نرى أنَّه قتَل ابننا، فلا، هذا بيَدِ الله عز وجل، وهذا قضاء من الله تعالى وقدر، وهذا هو قوله تعالى

 

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾

 

[سورة الشورى]

 وهذا لمن عزم الأمور، أي يحتاج إلى إيمان كبير، هنا يجب أن تتمثّل قوله تعالى:

 

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾

 

[ سورة الأنفال ]

 وأن ترى الله قبل كل شيء، وفي كلّ شيء، ومع كل شيء، وهذا الذي يُلقي في قلبِكَ الطمأنينة والأمْن والرِّضا، وهذا الذي يمْنعُ عنك الحِقد والضَّغينة، لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾

 

[ورة الشورى]

 درسنا اليوم، إذا جاءتْك مشكلة، كأن يأتيك موظَّف تموين، كتب ضَبط شَهرين بِعَدرا، لا ينبغي أن تحقدَ عليه، وأن ترى أنَّ هذا قضاء من الله تعالى وقدر، وينبغي أن تُراجِع نفْسَك، كالذي ضُرِبَ بالعصا ؛ أيَحْقِدُ على العصا أم الضارب ؟! فإذا كان الضارب هو الله، وهو حكيم ورحيم، فكلّ الأشرار هم عِصِيّ بيَدِ الله تعالى، فإذا جاءك منهم أذَى فراجِع نفْسَك لأنَّ الله تعالى رحيم وحكيم وعادل، وقدير، وغني ولطيف، لذا ما من عثرة ولا اختلاج عرف ولا خدش عود إلا بما قدَّمت أيديكم وما يعفو الله أكثر فدرسنا اليوم ؛ قوله تعالى:

 

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾

 

[سورة الشورى]

 ذكر لي أحدهم قصّة وهو أن أحد الموظَّفين طردَه صاحب المعمل، هذا الموظَّف استطاع أن ينتقم منه، وأخبر الجهات الجمركيَّة عن مستودع فيه بضاعة غير نظاميَّة فجاءوا وكشفوا المخالفة، وغرَّموه بِمَبلغ كبير جدًّا تقريبًا ستُّ مائة ألف سنة السابع والأربعين، فصاحب المعمل حقدَ على هذا الموظَّف، وما كان منه إلا أن أطلقَ عليه النار فأرداه قتيلاً، فَحكموا عليه ثلاثون سنة سِجن !! فلو أنّ هذا الإنسان رأى أنّ الذي حدث له من الله تعالى لما فعل هذا، فهو من أجل أنّ توحيده ضعيفًا فعل الذي فعل، لذا هذه النقطة الدقيقة، وهي أنَّه إن جاءتْك مشاكل من بني البشر، فهم عِصِيٌّ بيَدِ الله تعالى، راجِع نفْسَك وحاسِب نفْسَك، ومن هنا قال الإمام الشعراني: أنا أعرف مقامي عند ربِّي من أخلاق زوجتي ! فإذا كنت مع الله كان الله معك، وانساقت زوجتك إليك، وأحد الصالحين يقول: أعرف مقامي عند ربِّي من دابَّتي !! قال تعالى:

 

﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾

 

[سورة الشورى]

 سألوا تايمورلانك: من أنت ؟ فقال: أنا غضب الربّ !! فلا يخافنّ العبد إلا ذنبه، ولا يرجونّ إلا ربَّه، ودقِّقوا في هذا الحديث القدسي: أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب العباد بيدي، فإن هم أطاعوني حوَّلتُ قلوب ملوكهم عليهم بالرحمة والرأفة، وإن العباد عصوني حوَّلت قلوب ملوكهم عليهم بالنقمة والسخطة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبِّ الملوك فإنّ صلاحهم بِصَلاحكم.
وقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم و...."

تحميل النص

إخفاء الصور