وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة الزخرف - تفسير الآية 72 العمل الصالح سببا لدخول الجنة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآية الثانية والسبعون من سورة الزخرف، وهي قوله تعالى:

﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)﴾

[ سورة الزخرف ]

 هذه الآية الكريمة لو جمعناها مع حديث شريف صحيح نقَعُ في إشكال يقول عليه الصلاة والسلام: لن يدخل أحد منكم الجنة بعَمله، قالوا: ولا أنت...يتغمَّدني " فكيف نُوَفِّق بين هذه الحديث الصحيح الذي يُؤكِّد أنَّ الإنسان لن يدخل الجنة بِعَمَلِهِ إنما يدخل الجنَّة بِرَحمة الله، وبين هذه الآية ومثيلاتها من الآيات التي تؤكِّد أنّ الجنَّة بالعمل، قال تعالى:

 

﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)﴾

 

 

[ سورة الزخرف ]

أضَعُ بين أيديكم مثَلَين يُوَضِّحان لكم طريقة التوفيق بين هذه الآية وهذا الحديث.
 لو أنَّ شابًا في مُقتبل العمر تُوفِّيَ والدُه، وليس بين يديه مال يُنفقه على نفسه لِيُتابِعَ دِراسته، فجاء عمُّه وقال: يا بن أخي، إن عاهَدْتني أن أدْرُس فأنا أُنفقُ عليك إلى آخر مرحلةٍ من مراحل الدِّراسة، ففي السَّنة الأولى نال الدرجة الأولى فتشَجَّع العمّ وأنفق عليه، وتابع هذا الشاب دراسته إلى أن دخل الجامعة، وكليَّة الطبّ، والعمّ دائمًا يُنفق، وابن الأخ يتفوّق، وأنهى دراسته، فأرسله العمّ إلى أمريكا فنال درجة البورد، وفتح عيادةً، ومرَّةً يجلسان معًا، ويتسامران فقال الطبيب: لولا فضْلك عليّ لما كنتُ في هذا المقام، ولولا إنفاقُك لما كنتُ بهذا المقام، فقال العمّ: ولولا اجتهادك لما نِلْت ما أنت عليه، فقد حِزْت هذا بالاجْتِهاد، فكلام العمّ صحيح، وكلام ابن العمّ صحيح ! فإذا قلنا إنَّ الجنَّة هي بِعَمَل الإنسان الله جلّ جلاله جعل مفتاح الجنَّة عمل الإنسان، أما الجنَّة فهي بِفَضل الله عز وجل، تمامًا لو قلتَ: أنا سأهَبكَ بيتًا ثمنهُ خمسون مليون، أنت عليك أن تُدِّم لي ثمن المفتاح، خمسة عشرة ليرة، ولن أُعْطِيَن البيت إلا بهذا المفتاح ! فالمفتاح لا يساوي قيمة البيت، إلا أنَّني أردتُ أن أجعل نظاما فهذا البيت أمْنحُهُ لمَن يُقدِّم لي ثمن المِفتاح.
 مثلٌ آخر، لو أنَّ أبًا وعد ابنهُ بِدَرَّاجةغاليَة جدًّا لِتَفوُّقِهِ، فلمَّا تلقَّى الابن نتيجة الدِّراسة إذا بِجَلائه امتياز، يتوجَّه مباشرةً إلى بائع الدرجات ويقول له: أعْطِني هذه الدراجة، وهذا هو الجلاء !! هل يعطيه البائع الدراجة ؟! هذه الدراجة لها ثمن يدفعُهُ الأب، ولكنّ الأب ربَطَ الدراجة بِالتَّفوُّق فالدَّراجة محظ فضْل من الأب، أما ثمنها تفوّق الابن، فإذا قلنا في أكثر آيات القرآن إنَّ الجنَّة بالعمل أيْ أنَّ الله جلّ جلاله لِيَكون عادلاً بين خلقه ولِيكون هناك تكافؤ فُرَص، واقتِسام للجنَّة بِحَسب العمل، قال تعالى:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(19)﴾

[ سورة الأحقاف ]

 جعل هذه الجنَّة ثمنها أو سبَبُها العمل الصالح أما هي محْض فضْل من الله عز وجل، عندها يقول عليه الصلاة والسلام: لا يدخل أحدكم الجنة بعمله..." فالعمل لا يكفي ان يكون ثَمن الجنّة ولكنّ الله تعالى جعل هذا العمل الصالح والمستقيم سببًا لدُخول الجنَّة، فالمفتاح ثمنها خمسة عشرة ليرة لا يكفي ثمنًا للبيت، لكن هذا المفتاح سبب لِدُخول البيت وليس ثمنًا، ونحن كلّ أعمالنا الصالحة، وكل استقامتنا، وكلّ ارتباطنا وصدقاتنا، وأداء العبادات، والمعاملات ؛ كلّ هذه الأعمال هي سبب لِدُخول الجنَّة وليْسَت ثمنًا لها لأنَّها لا تُقدَّر بِثَمَن، إنما هي مِنْحة من الله عز وجل، وفضْل منه ولذا قال علماء العقيدة: الجنّة مَحضُ فضْل، والنار محْض عَدلٍ، وعلماء النحو يقولون: هذه الباء هي باء السَّببِيَّة، قال تعالى:

 

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(32)﴾

 

[ سورة النحل ]

 بِسَبب عملكم، وليس تعويضًا عن عملكم لأنَّها أكبر بِكَثير، لذلك لو استقام الإنسان وقال: أنا أسْتَحِقّ الجنَّة ! فهذا كلام غلط، لأنَّك باستِقامتك قدَّمْت سبب الجنَّة وليس ثمنها، فثَمَنُ الجنَّة لا يُقدّر، أحد الصحابة الكرام اسمهُ زَيد الخير، وهو من الشخصيات النادرة في الجاهليَّة، وكان طويل القامة إلى درجة أنَّه إذا ركب فرسَهُ لامَستْ رِجلاه الأرض ! وكان صَبوح الوَجه، ومن أجمل خلق الله، وكان شُجاعًا وكريمًا...ولمَّا سَمِع بِدَعوة النبي عليه الصلاة والسلام قَدِم المدينة فدَخَل المدينة وقْت صلاة الجمعة، والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام مُنوِّهًا للحاضرين: أنا خير لكم من الجمل الأسود، وخير لكم من الذَّهب والفضَّة، وخير لكم مما تعبدون، تقدَّم منه بعد انتهاء الصلاة وعرَّفهُ بِنَفسهِ، وقال: أن زيد الخيل فقال عليه الصلاة والسلام: بل أنت زيد الخير ! وأخذهُ إلى بيته، وفي البيت قال له: يا زيد، ما وُصِف لي رجل فرأيتُهُ إلا رأيْتُه دون ما وُصِف إلا أنت يا زيد !! ولله درُّك أيُّ رجلٍ أنت ؟! فقال: أعْطِني ثلاث مائة فارس لأغْزُوَ بهم الروم ! فأعطاهُ النبي وِسادةً لِيَتَّكِأ عليها، فقال له: والله يا رسول الله لا أتكئ في حضْرتك، ثمَّ ودَّع النبي وسار إلى أهله، وفي الطريق وافتْهُ المنيَّة، وهو أقْصر عمر صحابي وافتْهُ المنيَّة !!! فالجنَّة ليسَت بعَمَلنا، ولكنَّها بِفَضْل الله تعالى، أما عملنا فهو سبب للجنَّة، وليس ثمنًا لها، لذا ورد عن الإمام جعفر رضي الله عنه أنَّه روى قدسيًا يقول الله عز وجل: اُدخلوا الجنَّة بِفَضلي، واقْتَسِموها بِأعمالكم، قال تعالى:

 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(19)﴾

 

[ سورة الأحقاف ]

 هناك درجات عالية، كما أنَّ هناك درجات منخفضة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: عُلُوّ الهمَّة من الإيمان..." الآية الكريمة:

 

﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 فالعمل سبب وليس ثمن، ولذا ورد في سورة يونس:

 

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108)﴾

 

[ سورة هود ]

 قال علماء التفسير: ليس هناك خر زج من الجنَّة، ولكن ينبغي أن لا يتوهَّم أهل الجنَّة وهم في الجنَّة أنَّهم دخلوها بِعَمَلهم، فأنت قد تشتري بيتًا بِثلاثة ملايين دون أن يُنقص لك صاحبهُ شيئًا، فأنت لا تشعر بالفضل من صاحب البيت إطلاقًا، أما في الجنَّة فالإنسان إن قال: هي بِعَملي ! لا، هي بِفضْل الله ورحمته، فالعمل سببًا لدخولنا الجنَّة وليس ثمنًا، فهذه الآية وهذا الحديث ينبغي أن نفهمهما فهمًا جيِّدًا، قال عليه الصلاة والسلام: لن يدخل الجنَّة.....يتغمَّدني الله برحمته ".

تحميل النص

إخفاء الصور