وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة الزخرف - تفسير الآيتان 83 - 84 خيارنَا مع الإيمان خِيار وقت.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، ربنا جلَّ جلاله هو الذي خلقنا، وأنزل علينا الكتاب وجعلهُ منْهجًا لنا، وجَعَل الكون كلَّه دالاًّ عليه ؛ على وُجودِهِ ووحْدانِيَّتِهِ وكمالِهِ، فلو تركنا وشأننا دون أن يُربِّيَنا، ففي الأعمِّ الأغلب يموت الناس كُفَّارًا، ولكنَّ الله ربُّ العالمين، بِمعنى أنَّنا إن ارْتَكَبنا خطأً يُحاسبنا، ويُرْشِدُنا، ويُقَرِّبُنا، ويحْمِلُنا على التَّوبة.
 أَضْربُ لكم مثلاً، لو أنَّ صاحب معمل أو مُؤسَّسة تِجاريَّة أراد أن يُعَيِّن مُوَظَّف، فهذا المُوَظَّف قد يُعَيِّنُهُ على شرْط التَّدريب، ستَّة أشْهر تدريب فإمَّا أن يقْبلَهُ ويُثَبِّتَهُ، وإمَّا أن يصْرِفَهُ، ومدير هذه المؤسَّسة لو كان ينْطوي على قلبٍ رحيم، وعلى حِرصٍ شديد على هذا الموظَّف، كلَّما أخْطأ أرْشَدَهُ إلى خطئِهِ، ودلَّهُ على الصَّواب، فإذا هذا الموظَّف يصْعد في خِبراتِهِ إلى أن يُرْضِيَ صاحِبَ المعمَل، والموقف الآخر كلَّما أخطأ نُسَجِّل عليه خطأَهُ، ولا نقول له شيئًا فإذا تراكَمَتْ أخطاؤُهُ نصْرِفُهُ مِن العَمَل، فالموقف الأوَّل هو موقف ترْبيَة، والموقف الثاني قمْص، لذا الكون يدُلُّ على الله، والأنبياء يدْعون إلى الله، والكتُب السماوِيَّة تُشير إلى عظمة الله، وانتهى الأمْر، ويَدَعنا ربُّنا وشأننا، وعِنْدئِذٍ يستسْلِم الإنسان لِشَهواتِهِ، وينْساق مع لذَّاته، وإلى أن يأتِيَ ملكُ الموت فإذا هو حاسِر.
قال تعالى:

﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(47)﴾

[سورة القصص]

 لولا أنَّ الله يؤدِّبُنا يرْشِدُنا ويُخيفنا أحيانًا، ويُضَيِّقُ علينا ويُقنِّنُ علينا رزْقنا، لما الْتَفَتنا إليه، و فهو تعالى ربُّنا، فالبديل أن تُلغى الأمراض ويُلغى الفقْر، وكلّ شيء متوافِر، والله عز وجل إذا قنَّن لا يُقَنِّن عن عَجْز، ولكن للتَّأديب، فالتَّقنين هو تقنين تأديب، لأنَّ ما مِن شيءٍ إلا وعند الله خزائِنُهُ، قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21)﴾

 

[سورة الحجر]

فلمَّا يفْهم الإنسان المُصيبة فهْمًا عميقًا وفَهْم ترَوي، وفَهم تأديبي يتفاعَل معها، ويستفيد منها.
 مرَّةً جاءني رجل، وقال لي بالحرف الواحِد: أنا كنتُ في فرنسا أدْرس وما مِن معْصِيَةٍ على الإطلاق تطر في بالِك إلا ارْتَكَبتُها، ومهما تكن شاذَّة إلا القتْل، وجئتُ إلى البلد، ونقلتُ ما في فرنسا مِن معاصي إلى بلدي ؛ بيتي فيه الاخْتِلاط والرَّقص والغناء والنوادي الليليَّة، وفجأةً الصورة التي أمامي بدأتْ تهتزّ، وفقدْتُ القُدرة على التَّوافق الحركي مِن أجل أن أمْسِك بالكأس أحاول الكثير حتَّى تأتي يدي مع الكأس، وإذا سِرْتُ فقَدْتُ التَّوازُن، ولا بدَّ مِن إنسانين يقوداني إلى هدفي، وفي الشام الْتَقَيتُ بِسَبعة عشر طبيبًا، ولم أسْتَفِد شيئًا، وعُدتُ إلى فرنسا، ودخَلتُ أرْقى مشْفى فيها، وأوَّل ما فَحَصوني على بِساط إلكتروني قالوا لي: هذا المرض نادِر جدًّا في العالم، نِسبة حُصولِهِ واحِد على ثلاثة عشرة مليون !! وقالوا لي كلامًا آلَمَني أشَدَّ الإيلام ؛ أنت ضَيفٌ فرنسا ذهابًا وإيَّابًا وإقامةً ونفقَةً !! قال لي: صِرتُ حقْل تجارب !! فهو يَهُمُّهم مُتابعة المرض مِن أجل الاسْتِفادة منه، والتَقى مع أعلى طبيب في العالم في هذا الاخْتِصاص، جاءوا به مِن بلدة أخرى بِطائرة، وبعد مُعالجات دامَتْ سِتَّة أشهر قال الطبيب: هذا المرض لا شِفاء له ! اِذْهَب إلى الهِند ومارِس رِياضة اليوكا فلعلَّكَ تنسى بِها مرضَك !! وهذه القِصَّة مِن فَمِهِ إلى أُذُني، فعاد هذا الأخ إلى الشام، فساقهُ أحدُ الأشخاص إلى درس مِن دروسِك، وأثناء الدَّرس خاطَب الله عز وجل، وقال له: يا ربّ إن شَفَيتني سأُصَلِّي ! لأنَّني ما صلَّيتُ بِحياتي ولا ركعة، ولا توضَّأْتُ ولا اغْتَسَلتُ ! فَحَضِرَ درسًا ثاني فألْهَمَني الله تعالى أن قلتُ في درسي: الله جلَّ جلاله، لا يُشارَط ولا يُجَرَّب ! فنوى هذا الأخ أن يُصَلِّي، فذَهَب إلى البيت، واسْتعان بِزَوجَتِهِ على أن يتوضَّأ، وصلَّى أوَّل ركعتين في حياتِهِ، وانْهَمَرَتْ دُموعِهِ بالبُكاء، ثمَّ فوجئ بعد ساعة أنَّ صورة للأشياء ثَبَتَتْ، فلمَّا وقفَ وقَعَ، وبعد ساعة ثانِيَة وُفِّق إلى تناوُل كأس الماء وإلى أن يمْشي وحْدهُ، والْتَزَم دُروس العِلم، وتاب إلى الله توبةً نصوحة، فهذا الذي آتاهُ الله ذكاءً وشَكلاً ووسامةً لو تركَهُ بلا مرض لماتَ وهو على الكُفر والعِصْيان، وهذه القِصَّة تتكرَّر ملايين المرَّات قال تعالى:

﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ(17)﴾

[سورة القلم]

 في نهاية هذه القِصَّة قال تعالى عن أوسَطِهم، قال تعالى:

 

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28)﴾

 

[سورة القلم]

 ربُّنا عز وجل يقول فيها:

 

﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(33)﴾

 

[سورة القلم]

 أي يا عبادي، كلُّ أنواع العذابات التي أسوقها لكم مِن هذا النَّوع التَّأديبي قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30)﴾

 

[سورة الشورى]

 الآية الثانِيَة، وهي قوله تعالى:

 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)﴾

 

[سورة السجدة]

 فآية اليوم إذا الإنسان أدخلهُ الله تعالى بالهُدى البياني، وما اسْتَجاب فأدْخَلَهُ بِمَرحلة التَّأديب التَّرْبَوي فما تاب، فأدْخلهُ بِمَرحلة التَّأديب الاسْتِدراجي فما شَكَر، لم يبْق إلا أن يقْصِمَهُ، فآيَةُ اليوم:

 

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)

 

[سورة الزخرف]

 هذه آية تَهديد، فالإنسان إذا ما اسْتَجاب لله تعالى، فالله جلَّ جلاله يقول: ذَرْهم، أما حينما يأتون سَيُصْعَقون قال تعالى:

 

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)﴾

 

[سورة الزخرف]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾

 

[سورة الزخرف]

 هو يُربِّينا وحينما تعتَقِدُ أنَّ جهةً غير الله تُديرُ أمْر العالم فهذا هو الكُفْر بِعَينِهِ، أو هذا هو الشِّرك بِعَيْنِهِ ؛ الشِّرك الجليّ ومن هذه القِصَّة التي ذَكَرتها لكم آلاف القِصص، بل إنَّ كلَّ ُمصيبةٍ يسوقها الله تعالى للإنسان هدفُها أن تأخذ بِيَدِهِ إلى الله، وأدَقُّ ما في الموضوع أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول في آيتَين تدَعان الإنسان في حَيْرة، قال تعالى:

 

﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(118)﴾

 

[سورة التوبة]

 وفي أخرى، قال تعالى:

 

﴿تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(89)﴾

 

[سورة آل عمران]

 يا ترى توبة الله ما معناها ؟ما معناها إذا جاءَت قبل توبة العبد ؟ وما معناها إذا جاءَت بعد توبة العبد ؟ العلماء قالوا: تاب عليهم لِيتوبوا ؛ أي ساق لهم مِن الشَّدائد ما حَمَلهم بها على التَّوبة، وألْجأهم إلى أن يتوبوا وضيَّقَ عليهم، أما الثانيَة تابوا فتاب عليهم أي تابوا فقَبِلَ توبتَهُم، وفرْقٌ بين أن يتوبوا فَيَقْبَلَ الله تعالى توبتَهم، وبين أن يسوق لهم مِن الشَّدائِد ما يحْملهم على التَّوبة، فآية اليوم:

 

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾

 

[سورة الزخرف]

 أصحاب المراكز القوِيَّة الذين معهم السِّلاح النَّوَوِي، والذين معهم أزرار هؤلاء عندهم من الأسلِحَة النَّوَوِيَّة ما يُدمِّرون بها الأرض خمسة مرَّات فغير المؤمن ينظر إلى هؤلاء، مع أنّ الله عز وجل يقول:

 

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(24)وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(25)﴾

 

[سورة يونس]

 آخر آية بالدَّرس، هناك آية تُحيِّر العُقول، قال تعالى:

 

﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ(53)﴾

 

[سورة الشورى]

 ما معنى صارَ ؟ تقول: صار الماء ثلجًا، فإذا قلنا إلى الله تصير الأمور، فَبِيَدِ مَن كانت حتَّى صارَت إليه ؟ فأهل الدنيا لا يرَوْنَ أنَّ الأمر بيَد الله، أما إذا توفَّاهم الله يوم القيامة أكثر كفَّار الناس يرى أنَّ الأمر بيَدِ الله، أما في الدنيا يراه بيَدِ زيدٍ أو عُبيْدٍ أو علاَّن أما في الآخرة يوَحِّد شاء أم أبى، وهذا توحيد لا قيمة له، فَفِرْعون ووحَّد قال تعالى:

 

﴿الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(91)﴾

 

[سورة يونس]

 فنحن خيارنَا مع الإيمان خِيار وقت، وليس خِيار قَبول أو رفض.

 

تحميل النص

إخفاء الصور