وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 52 - سورة النساء - تفسير الآيات116-118 ، الشرك وتغيير خلق الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الذنوب ثلاثة :

 أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني والخمسين من دروس سورة النساء ومع الآية السادسة عشرة بعد المئة وهي قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾

 أيها الأخوة، الذنوب ثلاثة؛ ذنب يغفر وهو ما كان بينك وبين الله، وذنب لا يترك وهو ما كان بينك وبين العباد، وذنب لا يغفر وهو الشرك.
 وحقيقة أن الذنب الذي لا يغفر هو الشرك أنك تتجه في الأصل لمن بيده مغفرة ذنبك، تتجه لمن بيده أن يرحمك، ولمن بيده أن يرزقك ويشفيك، فإذا اتجهت لغيره فلا رحمة ولا شفاء ولا رزق ولا مغفرة، معنى الآية: كيف يغفر لك ربك إذا اتجهت إلى غيره؟ كنت قد ضربت على هذا مثلاً: لو أن الإنسان في طريقه إلى مدينة ليقبض فيها مبلغاً ضخماً وركب القطار الموصل لهذه المدينة قد يقع بأخطار كثيرة في ركوب القطار، فقد يقطع بطاقة من الدرجة الأولى ويجلس في عربة من الدرجة الثالثة هذا خطأ! لكن القطار في طريقه إلى هذه المدينة وسيأخذ هذا المبلغ، قد يجلس مع أناس ليسوا على المستوى الذي يليق به فينزعج، لكن القطار في طريقه لهذه المدينة، قد يتلوى من الجوع ولا يعلم أن في القطار عربة فيها طعام يباع وهذا خطأ ثالث! لكن القطار في طريقه إلى المدينة، وقد يجلس في مقعد على عكس اتجاه القطار فيصاب بالدوار وهذا خطأ خامس، لكن القطار في طريقه إلى المدينة، هذه أخطاء مزعجة لكن الهدف الكبير تحقق ووصل إلى المدينة وقبض المبلغ الكبير، أما الخطأ الذي لا يغفر أن يركب قطاراً باتجاه آخر لا شيء! الهدف تلاشى!

 

الشرك هو الذنب الذي لا يُغفَر :

 هناك أخطاء وأنت في طريق الله عز وجل تُغفَر، وأخطاء وأنت في طريقك إلى الله يسامحك الله بها، يوجد أخطاء وأنت في الطريق إلى الله يكفر عنها، أما في خطأ مدمر هو أن تتجه لغير الله، لا شيء، أنت فقير وتتجه إلى فقير، أنت ضعيف وتتجه إلى ضعيف، أنت في قبضة الله وتتجه لمن هو في قبضة الله مثلك، لا شيء! فقضية عدم المغفرة ليس من نوع أن الله لا يحب أن يرحمك، لا، عدم المغفرة من نوع أنه كيف يغفر لك وأنت متجه إلى غيره؟ كيف تشفى وأنت معلق الأمل على غيره؟ كيف ترزق وأنت تتجه إلى الفقير؟ كيف تعلم وأنت تتجه إلى الجاهل؟

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾

 كل خطأ مع التوحيد مغفور، لكن كل صواب مع الشرك مدمر، الصواب أحياناً، لو ركبت قطاراً فخماً جداً لا يوجد مشكلة لكن باتجاه معاكس لهدفك، لا شيء!

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾

 أخواننا الكرام، أساس هذا الدين التوحيد، وما يرتكب الإنسان من معصية إلا بضعف توحيده، ولا يقع في النفاق إلا بضعف توحيده، ولا يجر إلى اليأس إلا بضعف توحيده، ولا يمتلئ قلبه رعباً ولا يقلق إلا بضعف توحيده، ولو أردنا أن نعدد الأمراض التي يعاني منها المسلمون وما أكثرها هي في الحقيقة ليست أمراضاً إنما هي أعراض لمرض واحد هو الشرك، ليس من باب التيئيس لكن من باب الواقع.

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف: 106 ]

قانون عند الله عز وجل أن الشرك يقترن بالرعب والإيمان يقترن بالأمن :

 هذا الذي يرتكب معصية من أجل أن تروج بضاعته أليس مشركاً؟ لا يرى أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، يرى أن الإعلان عن البضاعة بمعصية صارخة يجعلها رائجة هذا نوع من الشرك، هذا الذي يتاجر بمواد حرمها الله هذا نوع من الشرك، لو بحثت في حياة المسلمين لوجدت حياتهم ممتلئة بالشرك، والإنسان حينما يشرك يلقي في قلبه الخوف!

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 151]

 بسبب شركهم، أي شرك مؤداه الخوف والرعب، ولو كنت أقوى إنسان في الأرض يمتلئ القلب خوفاً، ولو كانت الدولة أقوى دولة في العالم يمتلئ قلب قيادتها رعباً، هذا قانون عند الله عز وجل؛ الشرك يقترن بالرعب، والإيمان يقترن بالأمن:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81-82 ]

 فالله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾

 أبسط مثل، أنك حينما تعلم أن قضيتك لا تحل إلا مع المدير العام فمن الغباء ومن الجهل ومن الحمق أن تتجه لحاجب عند أحد الموظفين وتبذل ماء وجهك أمامه وقضيتك لا تحل إلا بمن هو على رأس هذه الإدارة، فالذي يعقل يتجه لمن هو بيده الأمر.
 أيها الأخوة، النتائج التي يقطفها الإنسان من التوحيد لا تعد ولا تحصى أولها الأمن، علاقتك مع واحد بيده كل شيء إن أرضيته خضع لك كل شيء، إن أرضيته استجاب لك كل شيء، من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف من الله أخافه الله من كل شيء، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

 

أحد أكبر أسباب عذاب النفس أن تدعو مع الله إلهاً آخر :

 أيها الأخوة، أكاد أقول إن المشاعر المؤلمة مشاعر الضيق والقلق والحزن واليأس والإحباط وغيرها، إن هذه المشاعر المدمرة يمكن أن تعزى إلى الشرك، والشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، أو أن تبغض على عدل، تحب إنساناً ليس على ما ينبغي أن يكون لكنك منتفع منه هذا نوع من الشرك، أو تبغض إنساناً وقد أصدق لك نصيحة صادقة وهذا نوع من الشرك.
 أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء: 213]

 أحد أكبر أسباب عذاب النفس أن تدعو مع الله إلهاً آخر ذلك أن الإنسان لا يعلم، وإن علم لا يرحم، وإن أراد أن يرحم لا يستطيع، يقول لك: العين بصيرة واليد قصيرة لا يرحم! لكنك إذا اتجهت لله عز وجل بيده كل شيء.

((عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ.... لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ]

 لمجرد أن تؤمن أن الله بيده كل شيء، وبيده أقوى الأقوياء، وبيده أغنى الأغنياء وأنه عليم حكيم، هذه الفكرة وحدها تملأ القلب طمأنينة ورضى، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾

 حينما تتجه لغيره أنّى يغفر لك؟ وأنّى ترزق؟ وكيف تشفى؟ وكيف تعلم؟ هو مصدر العطاء والشفاء والسعادة والأمن، فإن اتجهت لغيره لا ترى شيئاً.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾

 ما سوى الشرك يُغفر، إن كان مع العباد لا بد أن تؤدي ما عليك أو يسامحونك، وإن كان الذنب بينك وبين الله فينبغي أن تقول: يا رب لقد تبت إليك، والله عز وجل يقول: وأنا عبدي قد قبلت.

 

من شاء المغفرة عمل في أسبابها :

 الحقيقة أن الله ما أمرك أن تستغفر إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تتوب إلا ليتوب عليك، وما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك، أمرك أن تدعوه كي يجيبك، أمرك أن تستغفره كي يغفر لك، أمرك أن تتوب إليك كي يتوب عليك.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَ دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾

 من شاء المغفرة عمل في أسبابها، النقطة الدقيقة: أنه في القرآن الكريم في آيات أعتقد أنها تزيد على ثمانية آيات:

﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة الأعراف: 153]

 أما أن تفهم المغفرة فهماً ساذجاً أن الله غفور رحيم، لكن إذا تبت إليه، وأصلحت بينك وبين الناس، وإذا عقدت العزم على أن لا تقع في الذنب مرة ثانية، أما لمجرد أنك لا تستغفر، أو تستغفر وليس في النفس عزيمة على ترك هذا الذنب، أو تستغفر ولا تصلح، معظم المسلمين يذهبون إلى الحج وهو فريضة ويتوهمون أن كل الذنوب التي على كاهلهم تغفر إذا أدوا فريضة الحج، هذا وهم كبير! يرجع الحاج من ذنوبه كيوم ولدته أمه في الذنوب التي بينه وبين الله فقط، أما التي بينه وبين العباد لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة، لذلك حينما يقف الحاج في عرفات يغفر الله له ويلقي في روعه أنه غفر له، وينطلق إلى الحج بشرط أنه تائب من كل ذنب، الذنوب التي بينه وبين العباد ينبغي أن تصحح وتسوى قبل أن يذهب إلى الحج، عندئذ يلقى في روع الحاج أن الله قد غفر له.

 

حقوق العباد مبنية على المشاححة بينما حقوق الله مبنية على المسامحة :

 أيها الأخوة، كدليل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟ قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟ قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ .))

[البخاري عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِي اللَّه عَنْهم]

 وهل تصدقون أن أعلى عطاء على الإطلاق أن تضحي بحياتك في سبيل الله، الشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدَّين لأنه حق متعلق بالعباد، وحقوق العباد مبنية على المشاححة، وبينما حقوق الله مبنية على المسامحة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾

 ذنب لا يغفر وهو الشرك، وذنب يغفر وهو ما كان بينك وبين الله، وذنب لا يترك وهو ما كان بينك وبين العباد، هذه حقيقة ينبغي أن تكون بين أيديكم.
 الآن يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾

 الحقيقة لو أنك أرسلت شيئاً إلى هدف وانحرفت الزاوية درجة واحدة، كلما تحرك هذا الشيء لهدفه ابتعد عن الهدف، لو أطلقت قذيفة بهدف وكان خط في إطلاقها زاوية، وكلما قطعت مسافة هذه القذيفة تبتعد عن الهدف، فالإنسان حينما ينطلق أن الأمر بيد فلان هذا خطأ، فكلما حاول أن يصل لهدفه ابتعد عنه، لذلك ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ومن ابتغى أمر بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى.

 

الضلال البعيد والضلال المبين :

 أنت حينما تريد شيئاً وتتوسل إليه بمعصية أو بترك واجب إنك تبتعد عن هدفك، الحقيقة يوجد ضلال بعيد وضلال مبين، قد تقرأ لوحة عرضها كعرض الطريق أن مكة من هنا، توجد لوحات على عرض الطريق عالية جداً لو أنك قرأت هذه اللوحة وسرت في طريق آخر فهذا اسمه ضلال مبين، الأمر واضح وضوح الشمس، ومع ذلك ضللت الطريق، لكن الضلال البعيد أن تتجه لغير هذا الهدف، وتبقى في الطريق مدة طويلة جداً، فإذا بك تنحرف عنه مثلاً ألف كيلو متر، هذا ضلال بعيد، فأنت حينما تنطلق في شؤون حياتك، في كسب رزقك، وتأسيس بيت، واختيار زوجة وعمل، حينما تنطلق من شرك المرأة الجميلة تسعدك ولو لم تكن ذات دين، هذا منطلق شركي بالأساس، فكلما سرت في المضي في هذا الزواج ابتعدت عن السعادة التي ترجوها، لأن النبي يقول:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.))

[البخاري عَنْ أبي هريرة]

 لن تسعدك لا في بيتك ولا خارج البيت، حينما تختار طريقة لكسب المال أساسها المعصية هذا شرك، فكلما أوغلت في هذا الطريق ازددت فقراً:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾

 حينما تبني منفعة على مضرة الآخرين لا تحقق أهدافك ولو كنت أذكى الأذكياء .

 

التوحيد قضية الدين :

 أيها الأخوة، قضية التوحيد قضية الدين، الدين كله توحيد، بل إن الأديان السماوية كلها توحيد.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

 فحوى دعوة الأنبياء جمعياً أنه لا إله إلا الله، ومشكلة العالم اليوم هو الشرك، أنهم يرون أن هذه الجهة القوية إن أرضيتها فأنت في الجنة، وإن أغضبتها فأنت في النار، وهذا الأعور الدجال ناره جنة وجنته نار، إن تمتعت بحمايته فإلى جهنم وبئس المصير، وإن أغضبته فأنت إلى الجنة، جنته نار وناره جنة، هذه مشكلة المسلمين من كل مستوياتهم قاعدة وقمة، حينما لا ترى الله ترى عبد الله، حينما ترى القوي وتظن أن كل راحتك بإرضائه ولو على حساب دينك فهذا أقبح أنواع الشرك.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً ﴾

 ابتعد عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء.

﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً﴾

 كان العرب في الجاهلية يتخذون أصنام الآلهة ولها أسماء بصيغة الأنثى:

﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً﴾

من أشد أنواع العقاب الإلهي للإنسان أن يلعنه ويبعده عن حضرته ورحمته :

 هذا الشيطان عتا عن أمر ربه وعصاه كبراً، وفرق كبير بين أن يعصي الإنسان ربه غلبة وبين أن يعصيه كبراً، الذي يعصيه غلبة يرجى له التوبة، أما الذي يعصيه كبراً هذا على درب الشيطان المريد الذي عتا عن أمر ربه، لعنه الله وأبعده، ومن أشد أنواع العقاب الإلهي للإنسان أن يلعنه ويبعده عن حضرته ورحمته وتوفيقه وعن مودته.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَل لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[سورة مريم: 96]

 لعنه الله وقال:

﴿لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾

 وقال تعالى:

﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ﴾

 وفي آية أخرى:

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

[ سورة الأعراف: 16]

 مادام العبد غارقاً في المعصية فالشيطان مستريح منه ويريحه، أما إذا أراد هذا العبد أن يسلك طريق الله عز وجل يأتيه الشيطان ليوسوس له:

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

[ سورة الأعراف: 16]

حينما يتوب الإنسان لله عز وجل يبدأ فعل الشيطان بالوسوسة :

 الشاب الغارق في المعاصي والآثام يتوهم أنه مرتاح لأنه يفعل كما يتمنى الشيطان، لا داعي لإزعاجه، أما حينما يتوب لله عز وجل يبدأ فعل الشيطان بالوسوسة.

﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف: 16]

 أحد ضلالات الشيطان أن يزين له العصرنة والتقدم والعلم وعصر الفضائيات والمعلوماتية والكمبيوتر والحرية والتفلت، لا يوجد قيود، يقول لك: هذه الأديان الإنسان اخترعها حينما كان يخاف من الطبيعة وعندما سيطر عليها فلا داعي لها.

﴿ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف: 16]

 التراث ‍قد يكون وثني، تراث! الخلفية تاريخية أيضاً، حينما تعتز بتراث وثني هذا من الضلال.

﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف: 16]

 يأتيه من باب الدين لم تصح صلاتك يدخله في الوسوسة في عباداته، قد يتعبه لدرجة غير معقولة إما في وضوئه أو في صلاته، يقول له: في الفاتحة أربع عشرة واحدة أنقصت واحدة فصلاتك مرفوضة!

﴿ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف: 16]

 الله عز وجل لا يغفر لك، يذكره بذنب قديم وبتقصير قديم يحجبه عن الله عز وجل.

﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾

[ سورة الأعراف: 16]

 وهي الآثام.

﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 17]

البيت الذي تؤدى فيه الصلاة وتقام فيه أوامر الله عز وجل بيت مرزوق :

 قال تعالى:

﴿ لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ﴾

 سأدخل في طعامهم وشرابهم، وأدخل في تجارتهم، وأوسوس لهم كسباً محرماً، لذلك إذا دخل الرجل لبيته ولم يسلم قال الشيطان لأخوانه: أدركتم المبيت في هذا البيت، في البيت خصومات ونزاعات وتسليم من قبل الزوج، فإذا جلس إلى الطعام ولم يسمي، قال الشيطان لأخوانه: أدركتم العشاء، طعام لا يكفي فإذا دخل ولم يسلم وجلس إلى الطعام ولم يسمي، قال الشيطان لأخوانه: أدركتم المبيت والعشاء في هذا البيت:

((..إذا لم يسلم أحدكم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء.))

[مسلم عن جابر بن عبد الله]

 ففي بيوت فيها شياطين وخصومات ومتاعب ومشاجرات وكيد وتباغض، بيت فيه شيطان، أما إذا أقيمت الصلاة في البيت فدخل الزوج وسلم على أهله، ودخلت الزوجة وسلمت على أولادها، كان هذا البيت محفوفاً بالرحمة، يقول الله عز وجل:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾

[سورة طه: 132]

 استنبط العلماء أن البيت الذي تؤدى فيه الصلاة وتقام فيه أوامر الله عز وجل بيت مرزوق.

 

الأماني بضاعة الحمقى وهي من الأخطاء المدمرة في الدنيا :

 قال تعالى:

﴿ لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً* وَلَأُضِلَّنَّهُمْ﴾

 عن طريق التوحيد يضلهم بالشرك، فلان مصيرك بيده أرضه ولو نفاقاً تفوز بالدنيا.

﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾

 يعيشون في الأماني، والأماني بضاعة الحمقى، يتصور بيت معين، أو قصر معين، أو مركبة معينة تجارة واسعة جداً، يعيش في الأماني، والأماني في الدنيا من الأخطاء المدمرة، يكون قد نسجت أكفانه وهو لا يدري، قد يعمل عملاً ليرتاح لعشرين سنة قادمة.
 والله ذكر لي أخ مشاريعه لعشرين سنة سأذهب وسأسافر وسآتي بثروة وسأعود وسأحال على المعاش وسأنشئ مركز تجاري ويكبر أولادي ويديرون هذا المحل، لكن قرأت نعوته في اليوم نفسه والله!!!

﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ ﴾

 هذه الآية إن شاء الله في درس قادم نقف عندها وقفة متأنية في محاولة لتغير خلق الله وأكثر ما تعاني منه البشرية اليوم تغيير خلق الله، أوضح مثل: نسهر طوال الليل وننام لساعة متأخرة، هذا من تغيير خلق الله، نظام الحياة على خلاف ما صممها الله عز وجل، لهذا الموضوع صلة في درس قادم إن شاء الله، تغير خلق الله حتى في طعامنا وشرابنا، وفي أنماط حياتنا، وفي كسب أموالنا، وفي اللحوم الذي نأكلها في تغيير لخلق الله عز وجل.

 

تغيير خلق الله هو تغيير في أصل التصميم الإلهي :

 قال تعالى:

﴿ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً*يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً*أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً ﴾

 لهذه الآيات إن شاء الله في الدرس القادم وقفة متأنية لأن هناك تفاصيل مدمرة في حياتنا سببها هذا الإنسان المتأله الذي يريد أن يغير خلق الله، وآخر صرعات هذا التغيير الاستنساخ!
 صمم الله الإنسان من ذكر وأنثى، أرادوه من دون ذكر أو من دون أنثى، هذا تغيير لخلق الله عز وجل، صمم الله البقر لتأكل حشيشاً نباتاً، فلما أطعموها طحين اللحم جنت! وما جنون البقر إلا من جنون البشر، هذه البلاد التي أطعمت البقر طحين اللحم اضطرت إلى أن تحرق ثلاث عشرة مليون بقرة، ثمنها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه! لأنها أطعمتها طحين اللحم وهي مصممة أن تأكل النبات، والآن هذه الأمراض المستشرية وارتفاع نسب الأورام الخبيثة إلى عشرة أضعاف سببها تغيير خلق الله عز وجل، ولو دققنا في طبيعة حياتنا لوجدنا خطأ في العصر لا عند الأفراد، الجو ملوث، والماء ملوث، والعلاقات ملوثة، والأسرة متفككة، والأولاد متفرقون، والحياة معقدة وصعبة وشاقة، وضغوط اجتماعية لا يعلمها إلا الله، هذا من تغير خلق الله عز وجل:

(( لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.))

[البخاري عن أبي هريرة]

 يلهث الناس وراء صرعات الغرب ولو دمروا حياتهم، الفتاة فسدت، والشاب فسد، العلم أصبح نفعياً فقط لا يوجد علم للعلم، العلم نفعي وهكذا إلى أن حصد الناس نتيجة أعمالهم شقاء على مستوى الفرد والمجتمع، هذا من تغير خلق الله عز وجل، نظام الأسرة فسد، اخترعوا أسرة أساسها رجلين أو امرأتين في مؤتمرات السكان، أرادوا أن يكون الإجهاض آمناً مباحاً مسموحاً به حتى في المستشفيات كي تتفلت الفتاة كما تريد، أرادوا أن يكون عقد الزواج عقداً بين شخصين لا بين ذكر وأنثى في مؤتمرات السكان، وهذه العولمة التي يتحدثون عنها، يريدون أن يعمموا إباحيتهم وانحرافهم وماديتهم وشهواتهم المنحطة على العالم كله.
 فيا أيها الأخوة، كلمة يغيرون خلق الله يغيرون أصل التصميم الإلهي، وهذا أكبر خطأ يعبر عنه بكلمة العولمة أي الحيونة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور