وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة الرعد - تفسير الآية 25 لوازم الدعوة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه ، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

الطرد من رحمة الله أكبر عِقابٍ يُعاقَب به الإنسان :

 أيها الأخوة المؤمنون ، الآية الخامسة والعشرون من سورة الرعد ، وهي قوله تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

 اللَّعْنُ هو الإبْعاد ، أكبر عِقابٍ يُعاقَب به الإنسان أن يطْردَهُ من رحْمتِه تعالى ، فَمَعنى أن يلْعَنَهُ أيْ يطْرُدَهُ فاللَّعْنُ هو الطَّرْد .
 قد يُعْطيك الله المال كما تشاء ، ويُعطيك القوَّة كما يشاء ، والجمال والذَّكاء والشَّأن ، ولكنْ يطردك من رحمتِهِ ، يا رب ! ماذا فَقَدَ مَن وَجَدَك ؟ وماذا وَجَدَ مَن فقَدَك ؟ والمصير : لهم سوء الدار ، ماذا يَفْعَلُ هؤلاء ؟ قال : ينقضون عهْد الله من بعد ميثاقِه .
 أحدهم قال لِصَديقِهِ وكان تاجِر عَمار : هل عندَكَ بيت ؟ فقال له : أنا لا أُؤجِّر ولكن أبيع ، فهذا الطالب قال له : والله إن أرَدْتَ البيت أُسَلِّمُهُ لك بعد أربعٍ وعِشرين ساعة ، وبعد إلْحاحٍ سلَّمَ هذا الأخ البيت - القِصَّة قديمة - سكَنَ هذا فيه ثماني سَنَوات ، فجاء زبون بِثَمانمئة ألف ؛ فدَقَّ بابهُ وقال له : أنت وَعَدْتني أنَ تخرج بعد أرْبَعٍ وعشرين ساعة ، وأنا أعْطيك ستَّة أشْهر ، فقال هذا الأخ : أنا قلتُ لك أربعًا وعشرين ساعة، فهذا لم يُصَدِّق كلامهُ ، وكذا الجيران ، سألوا عنه : أين هو ؟ قالوا : بالفندق ، باع أثاثهُ ، ذهب إليه وقال له : هذا البيت لك وسأبيعُك إياه بِسِعر يوم سَكَنْتَهُ ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال :

((ألا لا إيمان لِمَن لا أمانة له ، ولا دين لِمَن لا عهْد له . . . .))

[أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

المؤمن أخلاقي يصل ولا يقْطع :

 أنا قلتُ لكم : أزْمَتُنا أزْمة إسكان وليست أزمة سَكَن ، لا يوجد هناك ثِقَة ؛ قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

 أحْيانًا يطوف الإنسان حول الكعبة ويُعاهِد الله على ألا يعصِيَهُ ، فإذا وصل إلى الشام رَجَعَتْ حليمة إلى عادَتِها القديمة ، غِش بالبيع ، وأيمان كاذِبَة . قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

 شَخص عادي تائِه شارِد دخل المَسْجد فإذا بالناس يقولون له : ما لك والمَسْجِد ، ولمَ الصلاة ؟!! عندما كان تائِهًا لم يسأل عنه أحد فإذا تاب عارَضَتْ شياطين الإنس ؛ هذا موقف لا أخلاقي ، المؤمن يصل ولا يقْطع ، أما غيره فالطَّعْن والحسَد والتَفْنيد ، دِقَّة الآية :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

 الله أمَرَك بِوَصْل والِدَتِك ، تقول لك زوْجتُك : لا تَصِل أمَّك ! لماذا ؟ ألم يأمرني الله بِوَصْلِها ؟! والنبي سُئِل : مَن أعظم الرِّجال حقًّا على المرأة ؟ قال : زوْجُها ، فلمَّا سُئِل : مَن أعظم النِّساء حقًّا على الرجل ؟ قال : أمُّه ، ولم يقل زوْجتُهُ ، فَمَن منَعَك أن تصِل والِدَيك فلا تردّ عليه ، وأيُّ إنسانٍ أمَرَكَ أن توقِعَ بين الناس فهذا يقْطع ما أمر به أن يوصَل ، والنبي الكريم قال:

((ليس مِنَّا من فرَّق . . ))

الدعاة إلى الله صِنفان ؛ دُعاة إلى الله ودُعاةٌ إلى ذواتِهم :

 بالمناسبة أيها الأخوة الدعاة إلى الله صِنفان : دُعاة إلى الله ، ودُعاةٌ إلى ذواتِهم بِدَعوة مُغَلَّفَة إلى الله ، فَمِن لوازِم الدَّعوة إلى الذات الحسَد والتنافس والطَّعن وعدم الإنصاف ، ومِن لوازم الدعوة إلى الله الاتِّباع والتَّعاوُن والإنصاف والاعْتِراف بالفَضْل ، فينبغي أن يكون الدعاة يدًا واحِدة مُتَعاوِنين ومُتَفاهمين ، أما الطَّعْن والتَّجريح والتَّقليل مِن أهَمِيَّة الآخرين مِن أجل أن تبْرز وحْدَك فهذا ليس من الدِّين في شيء ، والآية دقيقة جدًا :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(25)﴾

[سورة الرعد]

 إما أنَّهُ عاهَدَ الله أو أشْهَدَ الله على شيء ، فإذا أشْهَدْتَهُ على شيء فينبغي أن تُنَفّذ العَهْد ، لذلك المؤمن يُنَفِّذ وَعْدَهُ ولو كان مُرًّا .

صفات المطرود من رحمة الله :

 ثمَّ قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(25)﴾

[سورة الرعد]

 فالله أمرَكَ بِوَصْل أقْرِبائِك وَصْل حِكم ، وأمرك بوصْل العلماء ، وحُضور مَجالس العِلْم، فَكُلّ مَن نهاك عن شيء أمَرَك الله به فتُطَبَّقُ عليه هذه الآية . قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

 فالماء مثلاً لو وَضَعْت فيه قطرة نفط أو غسَلْتَ فيه يدك أصبحَ فاسِدًا ، فالإفْساد إخْراج الشيء عن طبيعَتِهِ ، فالله عز وجل جَعَلَ المَوَدَّة والرحمة بين الزِّوْج وزَوْجته فيكفي أن تقول لأُخْتِك : جاء العيد ولم يُهْدِكِ شيئًا ‍‍! أهذا زَوج ؟! فأنت خَرَبْتَ بيْت أُخْتِك ، وأَفْسَدْتَ العلاقة بينها وبين زوْجِها ، وكلَّما أردت أن تُنقِص من أزواج أخواتك أو بناتك حتى تصبح العلاقة بينهم سيِّئَة فهذا مُفْسِد ، فالإفْساد إما علاقات أو إفْساد البيئة ، بنْتٌ طاهرة وتقِيَّة تُفْسِدُها قدَّم له صحناً فضائياً ، أحدهم تزوَّجَت ابنته وبعد الزواج قدَّم لها صحناً فضائياً فأصبَحتْ لا تعتني به ، وتسْهر للساعة الثانية ليلاً ، وكذا الحال مع زوجها .
فهذه ثلاث صِفات ؛ ينقضون عهْد الله من بعد ميثاقه ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصَل ، ويُفْسِدون في الأرض ، فلو كنت تَسكن في بيت ضَخم ، لماذا تقول لِغَيرِك : هل هذا بيت تسْكنهُ ؟! لماذا تَطعن بِبَيْت أخيك ؟! أو تقول لأختك : كيف يمكنك أن تعيشي مع زوْجك ؟ فهذا كيفما تحرَّك أفْسَد ، إما أن يُخبِّب امرأةً على زوْجِها ، أو عَبْدًا على مَوْلاه ، أو يُفْسِد العلاقات والأجوَاء ، أو يُلْقي بُذور الحسَد والعَدَاوَة والبَغْضاء ، لذا نَعوذ بالله أن نكون من المُفْسِدين . قال تعالى :

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)﴾

[سورة البقرة]

 هذا هو الإفساد .
 والشيء الثاني أن تقطعَ ما أمَرَ به الله أن يوصَل ، يجد أخاه الْتَزَم عند داعِيَة فيقول له : لا تلتزِم معه فهذا لا يعْرِف شيئًا ، لقد رأيتَهُ طوال حياته في الشَّهوات فما كلَّمْتهُ ، وحينما رأيْتَهُ أراد الالْتِزام أردْتَ أن تُعَكِّر عليه أجواء الدِّين !! كُنْ أداة جَمْعٍ لا أداة تَفْريق ، وأداة إصْلاح لا أداة إفْساد . فالأولى ينقضون عهْد الله من بعد ميثاقه ، والثانية يقطعون ما أمر الله به أن يوصَل ، والثالثة يُفْسِدون في الأرض .

عقاب المطرود من رحمة الله :

 اِسْمعِ العِقاب الآن قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

 مَلْعون ، ومَقطوع عن الله ، وقلبهُ مُتَصحِّر ، وإذا جالَسْتَهُ تضايَقْت ، كلُّهُ إساءة ونقد وكلام قاس وبذيء . قال تعالى عن هؤلاء :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

 فالقضِيَّة خطيرة جدًا ، أحد الصحابة قال : أو نُؤاخذ بما نقول ؟ قال : ويحك ...." قبل أن تتكلَّم الكلمة عُدَّ للمليون ، ولو بالإشارة فهذه غيبة :

((إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً . .))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 وقد قالت عائشة عن أختها صفِيَّة إنها قصيرة . . ." المياه السوداء بالبِحار تمشي خمسين كيلومتراً ، ومع ذلك البحر ماؤُهُ طويل ، هذِّب لِسانَك واضْبُطْهُ وإلا تهوي بِكَلامِك سبعين خريفًا ، فهذه ثلاث صِفات ؛ الأولى ينقضون عهْد الله من بعد ميثاقه ، والثانية يقطعون ما أمر الله به أن يوصَل ، والثالثة يُفْسِدون في الأرض ، قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)﴾

[سورة الرعد]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور