وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة ابراهيم - تفسير الآية 31 خطاب الله للمؤمنين بإقامة الصلاة والإنفاق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الكريمة الواحدة والثلاثون من سورة إبراهيم عليه السلام، وهي قوله تعالى:

﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)﴾

[ سورة إبراهيم ]

 عباد وعبيد ! ما الفرق بينهما ؟ كِلاهما جَمْع، فالعِباد جَمْع العَبْد الذي أتى الله طائعًا، وأتاهُ تَعَبُّدًا، وأتاهُ مَحَبَّة وطاعةً وشَوْقًا، أما أيّ مَخلوق ولو كان كافِرًا فهذا عَبْدٌ لله بِمَعنى أنّهُ في قَبْضَتِه ؛ يَفْعَل بِهِ ما يشاء، لذا جَمْعُ العَبْد الشارِد عبيد، وجَمْع العَبْد الطائِع عِباد، قال تعالى:

 

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا(63)﴾

 

[ سورة الفرقان ]

 وقال تعالى:

 

﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾

 

[ سورة فصلت ]

 ففَرْقٌ كبير بين العِباد والعبيد، والآية الكريمة:

 

﴿قُلْ لِعِبَادِيَ﴾

 وهذه الياء تَقول أنت: فلان شاميّ، وذاك حلبي ؛ هذه الياء إعرابُها ياء النِّسْبَة، شامي أي أنَّ هذا الإنسان مَنْسوب إلى الشام وعربي مَنسوب إلى العرب، والياء في عبادي هي من هذا النوع، هذا الإنسان نسَبَهُ الله تَشريفًا إلى ذاتِه، قد تَجِد مليون شرطي يحرس الملك لكنّ أحدهم يرافقهُ فَنَقُول عنه: شرطي المَلِك، وهناك بَوْنٌ شاسع بين هذا الشُّرطي المَنسوب، وبين الحراس، طبْعًا ولله المَثَل الأعلى قال تعالى:

 

 

﴿قُلْ لِعِبَادِيَ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 هؤلاء الذين نَسَبَهُم الله تعالى إلى ذاتِه تَشْريفًا لهم، لذا أيها الإنسان أنت مُشَرَّف ومُكَرَّم والمخلوق الأوّل إذا كان كلّ مَخلوق على الإطلاق يُسَبِّح الله، قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(44)﴾

 

[ سورة الإسراء ]

 وبعضهم تأوَّل هذه الآية تأويلاً ما أرادهُ الله، وهو أنّك إن نظرتَ إلى ورْدَةٍ أعْجَبَتْكَ رائِحتها ومنظرها تقول: سبحان الله! لا، ليس هذا المُراد، أفَيَليق بالإنسان الذي سُخِّرَت له السماوات والأرض، وكرَّمَهُ الله أعظم تَكريم، أيَليق بِهذا الإنسان أن يَغْفَلَ عن الله ؟ فإن كنتَ عَبْدًا لله وقد نسَبَك الله تعالى إلى ذاتِه نِسْبَةَ تَشْريف قال تعالى:

 

﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 لا خَير في دينٍ لا صلاة فيه والصلاة عماد الدِّين مَن أقامَها أقام الدِّين، ومَن هَدَمها هدَمَ الدِّين، وبين الرجل والكُفر تَرْك الصلاة، والصلاة نورٌ، وطَهور، ومِعراج المؤمن، وميزان فَمَن وفَّى اسْتَوْفى، وهي قرْب، وصِلَةٌ، ووعْيٌ وليس للرجل من صلاته إلا ما عقَلَ منها، وهي ذِكْر قال تعالى:

 

﴿وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(14)﴾

 

[ سورة طه ]

 وهناك خمسة أركان في الإسلام فالحج قد لا يُفْرض على الفقير، والصَّوم يسقط عن المُسافر والمريض، والزكاة تسقط عن الفقير، بقِيَت الشهادة وهي مرَّة واحِدَة، ما هو الفرض المُتَكَرِّر الذي لا يمكن أن يسقط بِحَال ؟ هي الصلاة، وقال بعضهم: الصلاة تأخذ مِن كل أركان الدِّين نَصيبًا، إذا تَوَجَّهْنا إلى الكعبة فهذا من فريضة الحج، وإذا تركنا الطعام والشراب فهذا من الصِّيام، وإذا اقْتَطَعنا من وقتنا وصلَّينا فهذا الوقت زكاة لنا، تأخذ الصلاة من الزكاة أنَّ الوَقْت الذي تصْرفه في الصلاة هو جزءٌ مِن رأس مالِكِ الذي قد تكْسِب به مالاً، وحينما تتَّجِهُ إلى الكعبة المُشَرَّفة لها من الحج نَصيب وحينما تمتَنِع عن الطعام والشراب والكلام في الصلاة فهذا معنى الصيام، لذا فيها معنى الصيام والحج والزكاة، وكأنَّ الصلاة وَحْدَها تَجْمع أركان الإسلام الخمسة، بل إنَّ الحج مِن أجل الصلاة، والصيام من أجل الصلاة، وإنّ الزكاة من أجل الصلاة، وإنّ التَّوحيد من أجل الصلاة، وإنّ الصلاة من أجل الصلاة، ومن هَدَمها فقد هدَمَ الدِّين قال تعالى:

 

﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25)﴾

 

[ سورة الحاقة ]

 وقال تعالى:

 

﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)﴾

 

[ سورة المدثر ]

 قال تعالى :

 

﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 لماذا لم يقل الله: قل لعبادي يُصَلُّوا ؟ كلمة يُقيم الصلاة، كالذي يريد أن يُقيم البناء لا بدّ لهُ من رخصة، لِعِظَم الصلاة لا بدّ أن تُقامَ قبل أن تُصَلي ! من الصبح إلى الظهر إذا كان هناك إطلاق بصَر لا تقل صلاة الظهر ! وكذا الكذب والأيْمان الكاذبَة، فإقامَة الصلاة أن تسْتَعِدَّ لها قبل أن تأتي، وتَسْتَعِدَّ لها بالاسْتِقامَة، وتهيئ نفْسَك بالطاعة والإحسان، أما أن تقضي يومك بالكذب والاحْتِيال وخمسين نظْرة باطلة، فالله تعالى ما قال لِيُصَلُّوا ولكن قال:

 

﴿لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾

 إقامة البناء تحتاج إلى تخطيط وبراءات ذِمَّة.
 ثمَّ قال تعالى:

 

 

﴿وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 أتاك العِلم أنْفِق العِلم، إن آتاك المال أَنْفِق المال، وآتاك سُلطة فكُن عادِلاً، والعَدل حسَن ولكن في الأمراء أحْسَن، والسَّخاء حسَن ولكن في الأغنياء أحْسَن، والحياء حَسَن ولكن في النِّساء أحْسَن، والتوبة حسنة ولكن في الشباب أحْسَن لذا عليك أن تُنْفِقَ مِمَّا أعْطاك الله، المال والعِلم والجاه، عَدْلُ ساعة يفضل أن تعبد الله ثمانين سنة !! لا يوجد إنسان على وَجْه الأرض لم يُؤتِهِ الله شيئًا، فإمَّا أن تكون مِمَّن آتاك الله قُدرات كلامِيَّة، وقدرات عِلْمِيَّة، وذاك قدرات مالِيَّة، وذاك قدرات اجْتِماعِيَّة، لا يوجد إنسان ليس له نصيب من حُدود الدنيا، فهذا النَّصيب زكاتُه أن تُنْفقهُ في سبيل الله ماذا قال تعالى لِقَارُون ؟:

 

﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77)﴾

 

[ سورة القصص ]

 أيها الإخوة حقيقة مهمَّة جدًا، فالمال حظّ مِن حُدود الدنيا، وكذا الذَّكاء والوَسَامَة، والجاه والصِحَّة، والسُّلْطة ؛ فهل تُسَمَّى هذه الحُظوظ نِعَم ؟ لا تُسَمَّى لا نِعَم ولا نِقَم !! هذه مَوْقوفَة على نَوع اسْتِخْدامِها، فالمال لا يُسَمَّى نِعمةً إلا على طريقة إنْفاقِهِ، فإذا أُنْفق في طاعة الله كان نِعْمَةً وإذا أُنْفِقَ في تأسيس مَلْهى انْقلب إلى نقمة، وكذا طلاقَة اللِّسان إذا أيَّدْت بهذه الطلاقَة الحق فالطَّلاقة هذه نِعْمة، أما إن أيَّدْت بها الباطل فَهِيَ نِقْمَة، والمرأة إن تَزَوَّجْتها وِفق شَرْع الله فَهِيَ نعمة، والدنيا كلُّها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، أما إذا خرجْت عن منهج الله تعالى في علاقتك معها صارَتْ المرأة نِقْمة، فالزَّوْجة نعْمة والسكرتيرة نقمة، فَحُظوظ الدنيا ليْسَت نِعَمًا وليسَتْ نِقَمًا إنَّما هي حُظوظ حِيادِيَّة مَوْقوفَة على نَوْع اسْتِخْدامِها ؛ إما أنَّها دَرَجات ترْقى بها، وإما دركات تهوي بها.
 قال تعالى :

 

﴿وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 يأتيك الشيطان ويقول لك: أنت تُنفق أمام الناس، لا يستطيع أن يقول لك الشيطان أنت مُرائي أو منافق، وكذا إن أنْفَقْتَ علانِيَةً وشَجَّعْتَ الآخرين فلا مانِع من هذا، قد يكون مشْروع بناء خيري تقول أنت: مِنِّي خمسين ألفًا، فقد يسْتحي الذين معك أو من كان سيُعطي خمسة آلاف، وحينها ينفقون أكثر، فأحيانًا الإنفاق المُعْلَن مُشَجِّع، والإنفاق السِّري مُؤَيِّد للإخلاص وأنت مُخَيَّر بين أن تنفق سرًا أو جهْرًا، لكن ينبغي لِمَن أنفق أن يكون هذا سِرًّا، أما إن كان مَشْروع خَيري أو مُؤسَّسة خَيْرِيَّة.
 قال تعالى:

 

﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 الخِلال جَمع خُلَّة ؛ وهي المودَّة، فلا واسِطَة، فأحيانًا الإنسان يكون في أشَدِّ الحاجة إلى المال ويتلوَّى من الجوع، وأحيانًا ليس معه العُمْلة المناسبة للبلد الأجنبي، لكن بالآخرة لا مال ولا بِضاعة تَشْتريها، لذلك حقوق العباد لا تسقط إلى في حالين ؛ بالأداء أو المُسامَحَة.
 فالشَّهيد يُغْفَر له كل شيء إلا الدَّيْن ! والوَهْم الشائع أنَّ الإنسان إذا حجَّ كبَّ كلّ ذُنوبِهِ ؛ فهذا فقط الذي بينك وبين الله، أما التي بينك وبين العباد فلا تسقط إلا بالأداء والمُسامَحَة، وتَرْك دانِقٍ من حرام خير من ثمانين حجَّة بعد الإسلام، اتَّق المحارِم تكن أعْبَد الناس، وأدِّ الحُقوق إلى العباد تكن أعْبد الناس، فلو صلَّيت ألف ركعة في اليوم وكنت مِمَّن أكل الحرام فأداء الحقوق لأهلها خير لك من هذه الصلاة، وهذه امرأة تُكثر من صلاتها وقيامها، غير أنَّها تؤذي جيرانها بِلِسَانِها، فهي في كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( ودخَلَت النار امرأة في هِرَّة حَبَسَتْها فلا هي أطْعَمَتْها ولا هي تَرَكَتْها !))

 فالأمور مه اله تعالى دقيقة، قال تعالى

 

 

﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

 فالقضايا التي في محاكم من غِشَ وتَزوير ؛هذه في الدنيا أما في الآخرة عَدْل مطلق، ولا يوجَد إعْفاء، إنَّما يوجد العَدْل.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور