وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة فاطر - تفسير الآية 5 الدنيا والشيطان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الخامسةُ من سورة فاطر، وهي قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾

(سورة فاطر)

 أوَّلاً ؛ إن وعد الله حق، أيْ واقعٌ لا محالةَ، لذلك ربنا تعالى يغبر عن المستقبل بالفعل المضارع، قال تعالى:

 

﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

 

(سورة النحل)

 و قال تعالى:

 

﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾

 

(سورة المائدة)

 و لم يحدث هذا بعدُ، فاستخدامُ الفعل الماضي مكان المستقبل هدفُه أن وعد الله حق، وعدنا بالجنة فالجنةُ حقٌّ، ووعد العصاةَ بالنار فالنارُ حقٌّ،

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾

 

(سورة فاطر)

 فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار و معنى "لا تغرنكم " أي لا ينبغي أن تبدوَ لكم الحياةُ الدنيا بحجمٍ أكبرَ من حجمها، و الإنسانُ أحيانا يتوهَّم أن المالَ كلُّ شيءٍ و أن المرأةَ كلُّ شيء، و أن المنصبَ كلُّ شيءٍ، و أن السياحة و السفرَ كلُّ شيء و كلما تقدَّم به العمُرُ قلَّتْ قيمةُ هذه الأشياء، يقول: المالُ كلُّ شيء و ليس كلَّ شيء، أما إذا شارف القبرَ، يقول لك: المالُ ليس بشيء، فالمشكلةُ أن الإنسانَ قد يكشف الحقيقة و لكن بعد فوات الأوان، و ما قيمة التعليم إذًا ؟ أن تعرف الحقيقة في الوقت المناسب، الإنسان حينما يستجيب لأمر الله، و اللهُ هو الخالق، أعطى كلَّ شيء حجمَه الحقيقي، قال تعالى:

 

﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾

 

(سورة الحديد)

﴿و قال تعالى:وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(20)﴾

(سورة الحديد)

 و قال تعالى

 

﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى﴾

 

(سورة النساء)

﴿و قال تعالى "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ(27)﴾

(سورة الرحمن)

 و النبيُّ الكريم يقول:

((الدنيا جيفة..." " الدنيا دار من لا دار له..))

 والدنيا ممرٌّ و ليست مقرًّا، هذا كلام الخبير، و الله هو الخبير و النبيُّ هو المبيِّنُ، فإذا كشف الإنسانُ الحقيقةَ بنفسه في الثمانين فليسعدنه من الوقت ما يستفيد منه، أما إذا عرفها بالثلاثين يتوازن، فربنا تعالى يقول:

 

﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾

 

(سورة فاطر)

 و الشابُ يحلم ببيتٍ و زوجة و سيارة ومنصب رفيع و شهادة عليا بعد حين هذه الأشياءُ تصغر و تصغر إلى أن تصبح في عين الإنسان و ليستْ بشيء، و الشيءُ الوحيد هو رحمة اللهِ تعالى، و طاعة الله قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 و الشيء الوحيد هو معرفة الله، فالإنسانُ الغافل لا يغترُّ بالدنيا.
 ذكرْتُ لكم قصَّةً عدَّة مراتٍ و هي تناسب المقامَ، كان هنالك رجل تُوفِيَ رحمه الله و كان صانعا في الحميدية، و عنده دُعابةٌ، كلما دخل المحلَّ جمع قمامته في علبةٍ، و يلُفُّها لفًّا أنيقا جدًّ بورق الهدايا و يضع عليها شريطا أحمرَ، و يضعها على الرصيف، يأت الإنسان المغفَّلُ و يظن أن فيها هديةً ثمينةً، يحملها و يمشي، و يلحقه هذا الرجلُ، بعدها يفكُّ له شريطها و بعده يفك الورقَ، و يفتح فيلقي القمامةَ في وجهه، خيبة أمل مُرَّة، فإذا علَّق الإنسانُ آمالا على شيء ثم يكتشف أنها ليست بشيء، و أحد الرجال من أهل الدنيا اشترى بيتا و كسر البلاطَ كلَّه، و السيراميك و الأبواب و كسى البيتَ من جديد اشتغل فيها سنتين، بعد انتهاء البيت بأسبوع واحد جاءته المنيَّةُ القصص في هذا كثيرة جدًّا، "

 

﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾

 

(سورة فاطر)

 أوقفني أحد الإخوة عند محلِّ المفروشات فجاءه زبونٌ يطلب غرفة النوم من الدرجة الأولى، كلفتْه ثلاثُ سنوات، واتصلا بعجها بهذا المشتري، فأخبره أهلُه انه مات، و أحدهم اشترى بيتا له إطلالةٌ جميلةٌ بعد عشرة أيام جاءه الأجلُ

 

﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾

 

(سورة فاطر)

 إياك أن تراها بحجم أكبرَ من حجمها، قال عليه الصلاة و السلام: من أصبح آمنا...بحذافرها " قال أحد الملوك لوزيره: من الملكُ؟ قال: أنت، قال: لا الملكُ رجلٌ لا نعرفه و لا يعرفنا، له بيتٌ يؤويه و زوجةُ ترضيه و دخلٌ يكفيه "
الآية دقيقة جدا، أحيانا يغترُّ الإنسانُ بالحياة الدنيا فيضَيِّع آخرتَه، "

 

﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾

 

(سورة فاطر)

 و الغرور هو الشيطان يقول لك " إن الله لا يدقِّق معك و الله غفور رحيم، والنبي يشفع لنا يوم القيامة، تماما كالطالب في أول العم الدراسي، قال له أحد الطلاب: أَعطِ للأستاذ هديةَ يعطيك الأسئلة ثم فوجِئَ في آخر السنة أن الأستاذَ نزيهٌ، رسب، لك قضيةٌ مع القاضي قال لك رجلٌ: بهديةٍ يحكم لك، فقدّ!َمت هديةً فرفضها و حكم ضدَّك الغرور هو الشيطانُ، وهو الذي يوهم الإنسانَ أن الله لا يحاسبك وأنه يفسِّر آيات القرآن الكريم تفسيرا ما أراده اللهُ، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53)﴾

 

[سورة الزمر]

 و قال تعالى

 

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ(50)﴾

 

(سورة الحجر)

﴿و قال تعالى فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾

(سورة الحجر)

 فهناك سؤال و حساب، و قاتل تعالى:

 

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

 

(سورة الزلزلة)

 أيها الإخوة الكرام، هذه الآية خطورتها من مُنْزَلَقَيْن، أوَل منزلق أن تبدوَ لك الحياةُ بحجم كبير فتسعى إليها على حساب آخرتك و دينك وعقيدتك، و المنزلق الثاني أن تصغِيَ إلى كلام الشيطان لأنه يصرفك عن الله و يمنِّيك، قال تعالى:

 

﴿وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا(64)﴾

 

(سورة الإسراء)

 فهنا عدُوَّان ؛ الدنيا و الشيطانُ، الدنيا إذا بدَتْ لك بحجم كبير فاستهوتْكَ و مِلْتَ إليها على حساب دينك و الشيطانُ يُشكِّكُك بِعدَالة الله يُطَمئِنُكَ طمأنينة ساذجة أساسها الوَهم المُريح، والنبي عليه الصلاة والسلام يُقال له: اِرْفَع ! فيقول: لا أرفع حتَّى تشْفَعَ لأمَّتي، فَيُقال له: اِرْفَع واشْفَع تُشَفَّع فيَكْفي أن تنْضَمَّ لأمَّتي النبي حتَّى تنالكَ شفاعته صلى الله عليه وسلَّم فالشَّفاعة حق وفيها آيات وأحاديث ولكنْ لها معنى آخر غير هذا المعنى الساذِج، قال تعالى:

 

﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ(19)﴾

 

(سورة الزمر)

 يا فاطمة بنت محمَّد يا عبَّاس عمَّ رسول الله أنْقِذا نفسيْكما من النار فأنا لا أُغني عنكما من الله شيئًا، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابِكم، مَن يبطئ به عمله لم يُسْرِع بِهِ نسَبُهُ إنَّ فلانة تذكر أنَّها تُكثر من صلاتها وصِيامِها وصَدَقَتِها غير أنَّها تؤذي جيرانها بِلِسانِها فقال: هي في النار ! فأنت في خطَرين وهي أن تبْدُوَ لك الدنيا بِحَجْم كبير تسْعى إليها على حِساب دينِكَ، أو أن تُصْغي إلى الشَّيطان الذي يصْرِفُكَ عن الدِّين ويَعِدُكَ ويُمَنِّيكَ وما يَعِدُكَ إلا غرورًا أو كذِبًا، فمثلاً البارحة كنت أقرأ لإنسان يعمل في الإعلان كان يقول: تعال إلى حيث النُّكْهَة، ويقصِد الدُّخان !! هذا الأخير مات بِسَرَطان في الرِّئتين وآخر كلمة قالها: كنت أكذِبُ عليكم !! فهذا هو الشَّيْطان يَعِدُهم ويُمَنِّيهم، فاليَهود قالت فيما قاله عنهم تعالى:

 

﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾

 

(سورة البقرة)

 فالمُسلمون المُقَصِّرون والتائِهون يُمَنُّون أنفسَهم بأشياء لن تقَع.
 إذًا لِنَحْذَر هذين الخَطَرَيْن ؛ أن تبدُوَ الدنيا بِحَجْم كبير، وأن نُصْغي إلى الشيطان الذي يوهِمَنا أنَّ الله تعالى لن يُحاسِبَنا، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾

 

(سورة فاطر)

تحميل النص

إخفاء الصور