وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة فاطر - تفسير الآية 14 الشرك.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، لأن الله سبحانه و تعالى شاءتْ حكمتُه أن يخلق الإنسانَ ضعيفا، وما خلقه ضعيفا إلا ليفتقر إلى الله، فإذا افتقر إليه سعد بافتقاره، و لو خلقه قويًّا لاستغنى بقوَّته، فإذا استغنى بقوَّته شقيَ باستغنائه، و الإنسانُ إن لم يعرف اللهَ وهو ضعيف توجَّه إلى البشر يدعوهم و يعلِّق عليهم الآمالَ، و يرجو ما عندهم و يخاف بطشه، هذا هو الشركُ، وهو أحدُ أكبر العذاب في الحياة، و الله تعالى يقول

﴿"فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[سورة الشعراء]

 لأن الإنسانَ لو أحبَّك قد لا يستطيع أن يستجيب لك، أحيانا الإنسانُ يكون معه مرضٌ عضالٌ لا يرحمه رغم وجود المال و الأولاد و الزوجة، فالإنسان ضعيف و ما عرف اللهَ القويَّ والتجأ إلى غير اللهِ يخيب أملُه و يحبط عملُه، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

 

[سورة فاطر]

 هذا إذا سمعك قد لا يستجيب، و إن لم يسمعك لا يستجيب من باب أولى، فتَصوَّرْ إنسانا واقعا في الشرك معلِّقا أملا على زيد، و معلقا رجاءً على عُبَيد، و الله تعالى يؤدِّب هذا الإنسان المشركَ بمشكلة لا تُحلُّ عند هؤلاء إطلاقا
أحد الناس ممن أعرف وهو من أهل الغنَى، قال مرةً كلمة كبيرة في مجلسٍ، قال ك المالُ يحلُّ كلَّ شيء، بعد مدَّةٍ، اُتُّهِم بتهمة هو منها بريءٌ، فمكث في السجن شهرين، و طوال هذه المدة كان يخاطب نفسه ؛ هل المال يحلُّ كلَّ شيء ؟ لا ؛ فلما قال إن المال يحل كلَّ شيء جعله إلها و اعتمد عليه، فخيَّب اللهُ ظنَّه، و دقِّق أيها الأخ ؛ أيُّ شيء تعتمد عليه و تنسى ربَّك من أجله، و أيُّ شيء تحطُّ عنده الرِّحالَ و يطمئنك من دون الله ؛ علاج هذا الإنسان المشرك الشركَ الخفيَ أن يخيِّب اللهُ آمالَه في الذي وضع آماله فيه، و أحيانا الإنسان يضع كلَّ آماله في ابنه، ويرسله إلى الخارج للدراسة فيتزوج و يقطع كلَّ المراسلات، و أحيانا يضع كلَّ آماله في زوجته فتتنكَّر له و تعامله أقسى معاملة، و أحيانا يضع آماله في ماله، و المال لا يحلب كلَّ المشاكل، فالله تعالى يقول:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

 

[سورة فاطر]

 فإذا معك رقم الهاتف و كنت في مكان ليس فيه هاتف ماذا تفعل ؟ أو الهاتف معطَّلٌ أو صاحب الهاتف مسافر، الإنسان أحيانا ينسى اللهَ تعالى و يعتمد على غيره، هذا هو الشرك الخفي، و النبيُّ عليه الصلاة و السلام قال:

((أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنما و لا حجرا و لكن شهوةٌ خفيةٌ و أعمال لغير الله ))

 أما بالمقابل ربُّنا عز وجل يقول:

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ(62)﴾

[سورة النمل]

 فإذا كنت مضطرا فالله معك، فقد كان مع سيدنا يونس في بطن الحوت، و هل يوجد مكانٌ أصعبَ من هذا المكان ؟ إنسان فوق سفينة يجد نفسه فجأةً في ثلاث ظلمات ؛ ظلمة بطن الحوت و ظلمة الليل و ظلمة البحر، و ينادي في بطن الحوت

 

﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 فأينما كنت في أطباق السماء أو في أعماق البحار، في الصحراء و في الطريق و في خلوتك و في جلوتك و في عملك و حيثما كنت فالله تعالى معك قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[سورة فاطر]

 أما الشركاء فلا يسمعون، و لو سمعوا لم يقدروا، تنتهي صلاحياتُه هنا، ثم قال تعالى:

 

﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

 

[سورة فاطر]

 قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾

 

[سورة إبراهيم]

 لا يكفي أنه لم يسمعك و لا يكفي أنه سمعك و ما استجاب، ولكن يقول لك يوم القيامة: أنت كنتَ واهما، و أنا بريء منك، هناك كتاب وقع في يدي و ما أُتيح لي أن أقرأه إلا قبل أسبوع عن الدخانِ و مؤلِّف الكتاب أحد علماء مصر الكبار، ذهب إلى أمريكا و نظر بأمِّ عينه و زار معامل الدخان المشهورة في أمريكا، فإذا بأوراق التبغ تنقع في الخمر ثلاثُ سنوات، وهذه النكهةُ التي يتحدَّثون عنها، هي نكهة الخمر، وهذه الدخينة التي تبقى مشتعلة من أولها إلى آخرها فيها كحول، هذا الإنسان ذهب إلى أمريكا و شاهد معامل الخمر كيف تعتِّق أوراق التبغ في براميل الخمر ثلاثَ سنوات، و ألَّف كتابا على غلافه مرسومٌ شابًا في ريعان الشباب، و هذا الإنسان دائما يظهر في الدعايات للدخان، فهذا الإنسان مات بسرطان الرئة، و قبل أن يموت قال ما يلي: كنتُ أكذب عليكم، الدخان قتلني، فلذلك قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[سورة فاطر]

 دقِّقْ فيما يلي ؛ أنت عندك جهازٌ معقَّدٌ ؛ كومبيوتر عطَّل و من حولك مائة شخص يحبونك، هذا تاجر و هذا خضري و هذا لحَّام، تتوجَّه إلى من ؟ إلى الشركة الصانعة، و إلى الوكالة و إلى الخبير، هل يُعقَل أن تصلِّح هذا الجهاز عند الخضري ؟! هذا يحتاج إلى خبير فإذا أنت جهاز كومبيوتر بسيط لا تسخو نفسُك أن تعطيَه لإنسان غير خبير، و أنت أعظم مخلوق في الأرض و الإنسان الأول المكلَّف تسلِّم نفسَك لإنسان آخر، تستنصحه و تسترشده و تأخذ برأيه و تطيعه، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[سورة الكهف]

 ملخَّص الآية ؛ ما سوى الله إن دعوته لا يسمعك، و إن سمعك لا يستجيب، و فضلا عن أنه لا يستجيب يكفر بك و يسخر منك يوم القيامة، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[سورة فاطر]

 و الخبيرُ هو اللهُ، و ليس هناك جهة أولى من أن تتَّبع تعليماتُها كالجهة الصانعة، فملخَّص الآية، لأنك بالأصل ضعيف، وهذا الضعف خَلقي و هو لحكمةٍ كبيرةٍ من أجل أن تلجأ إلى الله فتسعد بالتجائك له، فإن اتَّجهت إلى غير الله تعالى خاب ظنُّك، لأنه أو لا يسمعك، و لا يستجيبون و يسخرون منك يوم القيامة، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[سورة فاطر]

تحميل النص

إخفاء الصور