وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة فاطر - تفسير الآيات 18 - 23 الهداية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآيات التاسعة عشرة و العشرون و الواحدة والعشرون و الثانية و العشرون و الثالثة و العشرون من سورة فاطر وهي قوله تعالى:

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾

[سورة فاطر]

 تصوَّرْ أن إنسانا فاقدَ البصر، يمشي في طريق وعرة كلّها حفرٌ و أكمات و حشرات و حيوانات، و نسبةُ نجاته صفر، لأنه لا يرى هذا المثل ينسحب على إنسان مقطوع عن الله، أعمى، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)﴾

 

[سورة فاطر]

 لأنك كنت أعمى في الدنيا، قال تعالى:

 

﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)﴾

 

[سورة الحج]

 ففرق واسعٌ جدًّا بين إنسان له بصيرة و إنسان طُمِست بصيرتُه، قال تعالى:

 

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)﴾

 

[سورة فاطر]

 و المؤمن له هدايتان ؛ هداية دلالة و هداية استنارة، هداية الدلالة معه كتاب و سنَّة افعل و لا تفعلْ، هذا حلال و هذا حرام وهذا مكروه وهذا مستحبٌّ وهذا مندوب وهذا واجب وهذا مباح، و كم موضوع في الحياة الدنيا له خمسة أحكام، بين الفرضية و الندب و بين الإباحة و الكراهة و التحريم، فهذه هداية الدلالة، أنت اجلسْ في مجلس العلم هذا حرام وهذا حلال، وفي الزَّواج هذا حلال وهذا حرام، فالمُسْلم بِهذه الدَّلالة يسْتنير، فأنت إذا دَخَلتَ إلى مَخْبَر تَجِد قوارير مواد سامَّة ومواد خَطرة وفيتامينات، فهذه اللُّصاقات على هذه القارورات هي هِدايَة ولكنَّ هذه الهِداية هي هِدايَة دلالة، وكأنَّكَ أصْبَحْتَ بصيرًا، فأنت لا تَمْلِكُ القُدْرة على معرفة هذه المواد الكيماوِيَّة، ولكنّ هذه اللُّصاقات أرْشَدَتْكَ، فالزّواج حلال، والزِّنا حرام، والبيْع حلال والرِّبا حرام والصِّدق حلال والكذب حرام، فأوَّل هِدايَة هي هِدايَة دلالة، فالإنسان إذا قرأ القرآن وقرأ سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام، ثمّ قرأ كُتُبَ الفقْه يَستنْبِط منظومة أوامر ونواهي، أما حينما يتَّصِل بالله يُلْقي الله في قلبهِ نورًا، والدليل قوله تعالى

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(28)﴾

 

[سورة الحديد]

 فنحن عندنا هِداية دلالة وهِداية اسْتِنارَة، فَعَالِمُ الكيمياء من دون لُصاقة يقول لك: هذا زِئبق، وهذا صوديوم ؛ يعرف المواد مِن دون لُصاقات، فالإنسان إذا حضَر مجالِسَ العِلْم يعرف الحلال والحرام وإذا اتَّصل بالله عز وجل تَطْهُرُ نفْسُهُ وتصْفو نفْسُهُ ويُلقي في قلبِهِ نورًا، والدليل أنَّ الصَّحابة الكِرام يفْرحون بِما أُنْزِل إليهم لماذا يفْرَحون ؟‍ لأنَّ فِطْرتهم كانت مُصَدِّقةً لما أُنْزِل إليهم، توافُق الفِطْرة مع التَّنْزيل، وهناك دليل آخر وهو قوله تعالى:

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)﴾

[سورة الشمس]

 وقال تعالى:

 

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)﴾

 

[سورة فاطر]

 قِطْعَتا لَحْمٍ مِن خروفٍ واحِد، ومِن أصْلٍ واحِد، ومن مكانٍ واحِد فالأولى رائِحَتُها مِن مائة مِتْر، وتكاد تخْرج مِن جِلدِكَ مِن شِدَّة رائِحَتها، وقِطْعة لونُها وَرْدي، فالذي له مَجْلسُ عِلم، ويعرف الخَير مِن الشَّر والحق مِن الباطِل، وما ينبغي وما لا ينْبغي، وما يجوز وما لا يَجوز فهذا إنسان بصير.
 قال تعالى:

 

﴿وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)﴾

 

[سورة فاطر]

 النُّقْطة الدَّقيقة أنّ هذه العَيْن لو فَحَصْتها عند طَبيب العُيون، تَجِدُها مثلاً جيِّدة الرؤْيَة، ولكنَّ هذه العَين ما قيمتها مِن دون نورٍ ؟‍ صِفْر وكذا العَقل ؛ ما قيمته من دون وَحْي، فكما أنَّ النُّور ضَرورِيٌّ للعَين فالوَحي ضَرورِيّ لِعمَل العقْل فالذي يسْتَغني عن الوَحي يقَعُ في حماقات لا حُدود لها، وأكْبَر دليل المُجتمع الغربي، تَجِدُ في الأمراض والإيدْز، وتبادُل الزَّوجات، والمُخَدِّرات ‍‍!! لِذا لا يستوي النور والظُّلمات ؛ مؤمنٌ مُسْتَنير مُهْتدي بِهداية الله مع إنسان يسْرِق ويزْني ؛ هذا أعْمى، بلغني أنَّ سائِق تاكسي أوْقَفَتْهُ أحدُ الفتيات فقال لها: إلى أين ؟ فقالتْ له إلى حيثُ ما تريد ! فَفَهِمَ ما تُريد، ولمَّا قضى منها حاجَتَهُ أعْطَتْهُ ظَرْفَيْن فلمَّا فَتَحَ الأوَّل وَجَد خمسة آلاف دولار، وفي الثاني فيه رِسالة مَكتوبٌ فيها: مرْحبًا بِكَ في نادي الإيدْز، والمبْلَغ كان مُزَوَّرًا فَوَضَعوه في السِّجْن فهذا لو كان بصيرًا لرَكَلَها بِقَدَمِهِ ! فالظُّلمات هو الباطل، قال تعالى:

 

﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾

 

[سورة النور]

 أما النبي عليه الصلاة والسلام قال: تركتكم على بيْضاء نَقِيَّة ليلها كنهارها..." فأنت مع مَنْهَج يُفَسِّر لك حقيقة الكَون، وحقيقة الحياة وحقيقة الإنسان، مِن أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ تَفاصيل دقيقة وتَفسيرات حقيقيَّة، وما بعد الموت ؛ هذا كلُّهُ نور.
قال تعالى:

 

﴿وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)﴾

 

[سورة فاطر]

 هذا مَثَل نابِعٌ مِن بيئة الصّحراء فلو كنتَ جالسًا تحت أشِعَّة الشَّمس اللاهِبَة، وبين أن تَجْلس في ظِلّ ظليل، ونَسَماتٍ عليلة، ومِياه جارِيَةٍ أمامك ؛ فهل هُناك نِسْبَة بينهما ؟! فهكذا حالة المؤمن، كأنَّه في ظِلٍّ ظليل، وحالة الكافِر كأنَّه في لهَبٍ لا يسْتَمِرّ.
فأوَّل نقطة، فالإنسان المؤمن و غير المؤمن والأعمى و البصير، و النقطة الثانية الهدى الإلهي الواضح البيِّنُ النيِّرُ، و الدلالات البشرية ظلمات بعضها فوق بعض

 

﴿وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)﴾

 

[سورة فاطر]

 الواحد يرى أن المرأة تمشي في الحياة من ملهى إلى ملهى ثم يأتيه الأجل وهو في أسوأ حال، في عذاب جهنم إلى أبد الآبدين، هذا أعمى و البصير هو الذي في النور و في الظلِّ، بصر دلالة و بصر استنارة فالذي مع الحق في النور و في الظلِّ السعادة النفسية، قال هذا هو الحيُّ و الأعمى الذي في الظلمات و في الحرور هذا هو الميِّتُ:

 

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾

 

[سورة فاطر]

 معناها أن علامة الحياة أن تكون متفتِّح البصيرة و أن تكون على هدًى من الله و أن تكون في السعادة الأبدية، أوَّلًا أعمى البصيرة في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، وثانيا عقيدتُه و أفكاره ظلماتٌ، و الثالثة و في حرور البعد عن الله و في حرور الشهوة و في حرور الكآبة، قال هذا ميِّتٌ وهذا حيٌّ

 

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾

 

[سورة فاطر]

 هذه الحياة ذكرها الله تعالى في آية أخرى فقال تعالى:

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

 

[سورة فاطر]

 معنى الحياة، أوَّلا البصيرةُ تهتدي بنور الله و ثانيا معرفة الحق من الباطل و الحلال من الحرام، ثالثا أنت على عقيدة صحيحة، و رابعا أنت في سعادة، فالحياة حق و بصيرة و سعادة قال تعالى:

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

 

[سورة فاطر]

 هذه هي الحياة،قال تعالى: فإن لم يستجيبوا لك..يتبعون أهواءهم " عندئذٍ:"

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾

 أيُّ قبر هذا ؟ قبر الشهوات و الضلالات و قبر المبادئ الوضعية و الأنانية لما يكون الإنسان منقطعا عن الله

 

 

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)﴾

 

[سورة فاطر]

 الله يسمع من يشاء أن يسمع من الناس

 

﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)﴾

 

[سورة فاطر]

تحميل النص

إخفاء الصور