وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 9 - سورة فاطر - تفسير الآية 14 إذا أردتَ أن تكون أقوى الناسِ فتوكَّلْ على الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية الرابعة عشرة من سورة فاطر وهي قوله تعالى:

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

[ سور فاطر ]

 أنت إن أردتَ أن تدعوَ إنسانا في الدنيا تدعو من؟ تدعو مَن تؤمن بوجوده، أتدعو خيالاً ووهْمًا ؟ تدعو إنسانًا بلحمه أمامك، فلنم تدعوَ إنسانًا إلا إذا آمنتَ بوجوده، و الآنَ آمنتَ بوجوده، و لن تدعوَ إنساناً إلا إذا استمع إليك، الآنَ آمنتَ أنه موجودٌ و يسمعُ، و لن تدعوَ إنساناً إلا إذا أيقنتَ أنه أن يعاوِنك و يحبُّك، آمنتَ أنه موجود و يسمع و يحبُّك، لن تدعوَ إنسانا إلا إذا أيقنتَ أن قدرتَه كافيةٌ لحلِّ مشكلتك، إن كنتَ محتاجا إلى الموافقةِ للسفرِ فلن ترجوَ حاجبًا بل ترجو وزير الدائرةِ، فأنت إذا أردتَ أن تدعوَ مخلوقًا مثلَك، لن تدعوَ إلا من تؤمن بوجوده و من يستمع إليك و من يحبُّ أن يقضِيَ حاجتك ومن يقدرُ أن يقضيَ حاجتك، فكيف مع الله عز وجل؟
 أنت حينما تؤمن أن الله موجودٌ و أن الله سميعٌ بصيرٌ عليمٌ بما في الصدورِ، و أنه خلقَك ليرحمَك و أنه على كلِّ شيءٍ قديرٌ، فما الذي يمنعُك أن تدعوَ اللهَ؟ و إذا دعوتَه فأنت أقوى الناسِ، مثلًا ؛ دولةٌ قويَّةٌ جدًّا إذا كانت مع دولةٍ ضعيفةٍ، هذه الدولةُ الضعيفة أصبحتْ أقوى دولةٍ، أليس كذلك ؟ هذا مثلٌ أرضِي، ومهما كنتَ ضعيفَ الحيلة و مهما كنت مكتَّفَ اليدين و مهما كنت ضعيفَ الإمكاناتِ إذا كان الله معك فأنت أقوى الناسِ، لذلك بابُ الدعاءِ الذي حُرِمه كثيرٌ من المسلمين، لأنهم يرون فيما يبدو أن هناك مَن بفصاحةٍ ما بعدها فصاحةٌ و بصوتٍ مرتفعٍ ما بعده صوتٌ مرتفعٌ، وبطلاقةٍ ما بعدها طلاقةٌ، و ببلاغةٍ ما بعدها بلاغةٌ، و بدعاءٍ مأثورٍ ما بعده مأثورٌ، و مع ذلك لا يستجيبُ اللهُ لنا، ومعنى ذلك أن المانعَ منا، وأن الله تعالى يقول

 

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾

 

[ سورة غافر ]

 وما أمرنا بالدعاء إلا ليستجيبَ فمن الذي يمنع الدعاءَ مِن الإجابةِ الكسبُ الحرامُ، فإذا أردتَ أن تكون مستجابَ الدعوةِ أطِبْ مطعمَك يا سعدُ أطِبْ مطعمك تكنْ مستجابَ الدعوةِ، قال عليه الصلاة و السلام: يقول العبد يا رب يا رب و مطعمه حرام.."
 أكادُ أقول إن الاستقامةَ في معظمها في كسب الرزقِ، فإذا كان كسبُ رزقِك حلالا فدعاؤُك مستجابٌ، و إن كان دعاؤُك مستجابًا فأنت أقوى الناسِ، و الله تعالى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، هل هناك أصعبُ من ورَمٍ خبيثٍ ؟ الله عز وجل قادرٌ، و هناك الملايينُ من الحالات تراجعَ هذا الورمُ، مَن الذي يمنع الخليَّةَ أن تتراجعَ ؟ الله عز وجل، سيِّدنا يونسُ؛ هل هناك أصعبُ مِن أن يكون الإنسانُ في بطنِ الحوتِ ؟ و في ظلمةِ الليل و ظلمةِ البحر و ظلمة بطن الحوتِ، قال تعالى:

 

﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)﴾

 

[ سورة الأنبياء ]

 فأنت ليست لك طلباتٌ عند الله تعالى، لا تحتاج إلى بيتٍ ؟ و لا تحتاج إلى زوجة صالحةٍ ؟ و إلى رزقٍ موفورٍ يغطِّي نفقاتِك ؟ و إلى سمعةٍ طيِّبةٍ ؟ هذه حاجاتٌ أساسيةٌ للإنسان، سعادةٌ، و صحةٌ و عافيةٌ أطِبْ مطعمَك و ادْعُهُ، قال عليه الصلاة و السلام: إذا كان ثلثُ الليل الأخيرِ ينزل ربُّكم إلى السماءِ الدنيا، فيقول.... خالقُ الكون يقول لك اُدعُوني و أنا أنتظرك، أنتظر أن تتوب و تستغفرَ و تسألني حاجتَك
أيها الإخوةُ الكرام، الشيءُ بين أيديكم، و كلُّ واحدٍ منا له عملٌ يكون صادقًا فيه و لا يكذب أبدا و لو خاف، فكلمة الحقِّ لا تقطع رزقا و لا تقرِّب أجلًا، أظهِرْ للناس مَن هو المسلمُ، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58)﴾

 

[ سورة الذاريات ]

 وقال تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(40)﴾

 

[ سورة الروم ]

 فَكلمة الحقِّ لا تقطع رزقا و لا تقرِّب أجلًا، فنحتاج إلى إسلامٍ عملي و ليس إسلاما نظرِيًّا في الكتبِ، الإسلامُ مع الحياةِ، لا تغُشَّ أحدًا و لا تُخْفِ عيبًا يزيد رزقُك، أحد الإخوةِ من إخواننا يبيع قطعا للسياراتِ قال لي: عندي قطعةً منذ سنواتٍ، كلُّ سنةٍ أحوِّلها من جردٍ إلى آخرَ وقيمتها عشرون ألف ليرة، جاءَه مرَّةً زبونٌ ليأخذ هذه القطعةَ، و سأله الزبونُ هل هي أصليةٌ أم لا ؟ فوقع في حرجٍ شديدٍ، فقال له ليستْ أصليَّةً، فقال له: ناولْنِيها، كلمةٌ واحدةٌ، فالله عز وجل هو الرزَّاقُ فأطِبْ مطعمَك، و توكَّلْ على الله في الدعاءِ، لتكون مستجابَ الدعوةِ فأنت لا يُمكن أن تسألَ إنسانا إلا إذا آمنتَ به موجودا و يسمعك و يحبُّ أن يلبِّيَ حاجتَك، و يقدر أن يلبِّيَ حاجتك، أما إذا كان لا يستطيعُ قال تعالى:

 

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي(78)وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي(79)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي(80)وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81)وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ(82)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 وقال تعالى:

 

﴿ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ(62)﴾

 

[ سورة غافر ]

 فهل منكم من ليس له طلبٌ عند الله تعالى ؟ مستحيلٌ، أما إذا أشركتَ ـ لا سامح اللهُ ـ فتوجَّهتَ إلى المخلوقين، قال تعالى:

 

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 إذا توجَّهتَ إلى المخلوقين فاسمع الآيةَ، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[ سور فاطر ]

 فبيْنَ أن تتوكَّلَ على مخلوقٍ ضعيفٍ قد لا يحبُّك، و ربما يحبُّك و لا يستطيع أن يساعدك، و بيْنَ أن تتوكَّل على خالق الأكوان و ربِّ الأرض و السماوات، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[ سور فاطر ]

 أضربُ لكم مثلًا حادًّا، الدنيا شتاءٌ و أنت لابسٌ قميصا و فوقه كنزةٌ جديدةٌ، و أنت تحمل أغراضًا كثيرة، فقال لك طفلٌ: كم الساعة عمي ؟ طفلٌ صغيرٌ لا ترضى أن لا تجيبَه و تتجاهل سؤالَه و أنت إنسانٌ ضعيفٌ فكيف بربِّ الأكوان ؟ هو يقول لك:

 

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)﴾

 

[ سورة غافر ]

 ثم لا تدعوه و تدعو غيرَه، تبذلُ ماءَ وجهك أمام إنسانٍ، " من جلس إلى غنيٍّ فتَضَعْضَعَ له ذهب ثلُثا دينه "

 

لا تسألنَّ بني آدم حاجــةً  و سل الذي أبوابُه لا تُحجَـب
اللهُ يغضب إن تركتَ سؤالَه  و بني آدم حين يسأَل يغض

 الذي أكرم الناسَ هو يكرمك، و الذي أغنى يغنيك، أنا أريد أن تعقدَ صلحًا مع الله تعالى، و أن تعقد علاقةً متينةً مع الله، و أن تستجيب له، قال تعالى:

 

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)﴾

 

[ سورة الأنفال ]

 أن تستجيب له ثم تدعوه فأنت أقوى الناسِ، وإذا أردتَ أن تكون أقوى الناسِ فتوكَّلْ على الله، قال تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 أجملُ شيءٍ إنسانٌ عرف اللهَ عز وجل و بدأ يحاسب نفسَه، و مادام القلبُ حيٌّ ينبُضُ فكلُّ شيءٍ يُحلُّ، قال لي أحد الإخوة: عندي معملٌ للجرابات و كلُّ يومٍ أجد نقصًا في البضاعةِ، عيَّنتُ موظِّفا للمراقبةِ فلم نفلح في إيقاف ذلك السارق، بعد اثنا عشر سنة طرق بابي رجلٌ محترمٌ، قال له: كنتُ عندك موظَّفا من زمان و كنتُ أسرقك، و أريد أن أحاسبك الآن على ما أخذتُه منك، فقال له: قد سامحتُك و إذا أردتَ أن تشتغل فارجع عندي، فممكنٌ أن يخطِأَ الإنسانُ و يتوب و يصحِّح، و لأن حقوق العباد مبنيَّةٌ على المشاحَحَة لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحةِ، بينما حقوقُ الله تعالى مبنيةٌ على المسامحةِ، فإذا راجع الإنسانُ نفسَه و ما دام القلبُ ينبُضُ فكلُّ شيءٍ له حلٌّ، أما إذا انتهى الأجلُ و خُتِمَ العملُ سِيق الإنسانُ ليلقى جزاءَ عمله
فالآيةُ اليومَ الرابعة عشر، قال تعالى:

 

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[ سور فاطر ]

تحميل النص

إخفاء الصور