وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة طه - تفسير الآيات 9 - 15 ، استحقاق النجاة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

 

دخول أسماء الله الحسنى في أفعاله :


أيها الإخوة الكرام ؛  قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في سورة طه جاءت مفصلة ، وجاءت معالجة من زوايا عدة ، قال تعالى :

﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10)﴾

[  سورة طه  ]

هو أراد أن يقتبس من هذه النار قبساً ، قلنا في الدرس الماضي : كن لما لا ترجو  أرجى منك لما ترجو، فذهب ليأخذ قبساً من النار لأهله فناجاه الله عز وجل :

﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)﴾

[  سورة طه  ]

 أيها الإخوة ؛ الله جل جلاله يقول مرة : 

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾  

[ سورة يس  ]

ويقول :

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) ﴾

[  سورة الإنسان  ]

فمرة يتحدث الله عن ذاته بضمير الجمع ، ومرة يتحدث عن ذاته بضمير المفرد ، هنا إنني : 

﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)﴾

[  سورة طه  ]

إذا تحدث الله عن ذاته تحدث بضمير المفرد ، أما إذا تحدث عن أفعاله فيتحدث بضمير الجمع لأن أسمائه الحسنى كلها داخلة في أفعاله ، فأي فعل من أفعاله فيه رحمةٌ ، وفيه رأفةٌ ، وفيه عدلٌ ، وفيه قوةٌ ، وفيه قدرةٌ ، وفيه علمٌ ، وفيه تقديرٌ ، كل أسمائه الحسنى داخلة في أفعاله ، إلا أن خلقه جلّ جلاله قد يتبدى فيه اسم أوضح من اسم ، فإذا نظرت إلى الوردة الجميلة ، اسم الله الجميل أبرز ما فيها ، وإذا نظرت إلى بحر هائج فاسم الله الجبار أبرز ما فيه ، وإذا نظرت إلى بطش ربك للظالمين يتجلى اسم الجبار ، وإذا نظرت إلى الطفل الصغير وكيف يلتقم ثدي أمه إلى اسم الله الرحيم ، أفعاله ، كل أسمائه في أفعاله ، لكن كل فعل يتبدى فيه اسم أوضح من الاسم الآخر ، على كل إذا تحدث الله عن ذاته تحدث بضمير المفرد . ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ) أما إذا تحدث عن أفعاله فيتحدث بضمير الجمع .

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾

[   سورة يس  ]

هذه أول نقطة . 

 

التفسير الإشاري للقرآن الكريم :


النقطة الثانية : يوجد تفسير للقرآن إشاري ، نأخذ بعضه أحياناً . ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)) متى استحق هذا النبي العظيم أن يناجيه الله عز وجل ؟ لأنه بالوادي المقدس ، أي أنت إذا كنت بالوادي المقدس همومك نبيلة ، همك أن تعرف الله ، همك أن تطيعه ، همك أن تتقرب إليه ، همك أن تنشئ أولادك التنشئة الإسلامية الطيبة ، همك أن تحجب أخواتك البنات ، همك أن تزوجهن من أزواج صالحين ، همك أن ينتشر الحق ، همك أن يهتدي الناس ، همك أن يقيم الناس الإسلام في بيوتهم ، إذا كانت هذه همومك فأنت بالوادي المقدس ، أما همك جمع الدرهم والدينار ، همك أن تبني مكاناً جميلاً كي تقضي فيه عطلة الأسبوع ، همك أن تجمع أكبر قدر من المال ، همك أن تقتنص أكبر قدر من الشهوات ، هذا الوادي ليس مقدساً ، الإنسان لينظر بأي واد هو ، هل هو بالوادي المقدس ؟ أهدافه نبيلة ، نواياه عالية ، عمله مستقيم ، يحب الحق ، يحب أهل الحق ، يحب الله ورسوله ، يحب أن يعطي أم أن يأخذ ؟ يحب أن يرحم أم أن يقسُو ؟ ما الذي يحبه ؟ لذلك لا تستحق أن تتلقى من الله تجلياً إلا إذا كنت بالوادي المقدس ، لا تستطيع أن تتلقى من الله رحمة إلا إذا كنت بالوادي المقدس ، ليقذف النور في قلبك فترى به الحق حقاً والباطل باطلاً لا يمكن ذلك إلا إذا كنت بالوادي المقدس ، لا تستحق أن يرفع الله ذكرك إلا إذا كنت بالوادي المقدس ، كن بالوادي المقدس وانتظر كل خير ، وانتظر كل عطاء ، قل لي ما الذي يقلقك أقل لك من أنت ، قل لي ما الذي تسعى إليه أقل لك من أنت ، قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت ، هل تفرح بالأخذ أم بالعطاء ؟ هل تفرح بطاعة الله أم بجمع الدرهم والدينار ؟ فلذلك الوادي المقدس ، المعنى الإشاري ، أنا لا أفسر الآن أنا أشير إلى بعض المعاني هذه يسمونها : خواطر إيمانية ، أما فاخلع نعليك .

وما مقصودهم جـنات عــدن             ولا الحور الحسان ولا الخياما

سوى نظر الحبيب فذا مناهم            وهـــــــذا مطلب القوم الـــكرامـــــا

***

العباد ثلاثة : العبيد والتجار والأحرار ، العبيد يعبدون الله خوفاً من نارهم ، والتجار يعبدونه طمعاً في جنته ، والأحرار عرفوا أن لهم رباً يستحق العبادة فأطاعوه .

الإنسان حينما يتخلى عن حظوظ الدنيا وقال بعضهم وعن حظوظ الآخرة ، ويرجو وجه ربه الكريم ، هذه فاخلع نعليك . ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)) هذا معنى إشاري ، وحينما يصل الإنسان إلى جنة ربه ، قال تعالى : 

﴿ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) ﴾

[ سورة الرحمن  ]

من دونهما ، أي يوجد مرتبة بالجنة ، الجنتان دونهما ، أي جنتين ؟ جنة الدنيا ، وجنة الآخرة .

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن  ]

جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، وفوق الجنتين جنة القرب من الله عز وجل ، ورضوان من الله خير .

 

أكبر عقاب يعاقب به الإنسان يوم القيامة أن يحجب عن الله سبحانه وتعالى :


لذلك قال : المؤمنون الصادقون يوم القيامة ينظرون إلى وجه ربهم الكريم فيغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة ، قال النبي اقرأ قوله تعالى إذا شئتم . 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) ﴾

[ سورة القيامة  ]

 وأكبر عقاب يعاقب به الإنسان يوم القيامة .

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾

[ سورة المطففين  ]

أي إذا كان الابن حساساً ، عنده محبة لوالده ، الأب قال له : اخرج ولا تكلمني ، يمكن لا ينام الليل إذا عنده حساسية بالغة ، فأكبر عقاب يعاقب به الإنسان يوم القيامة أن يحجب عن الله سبحانه وتعالى ، لا يكلمه ، ولا ينظر إليه ، ولا يزكيه يوم القيامة ، هذه الآية وردت في آل عمران . 

﴿  إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)﴾

[ سورة آل عمران  ]


من عرف الله زهد فيما سواه :


 أيها الأخوة ؛ قال بعض العارفين بالله : 

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي  رأوه لما وليت عنا لغيرنــــــــا

***

هذا الذي يقدم على المعاصي ، والملذات ، والنساء ، والخمور ، لو سألتموه وأجابكم بصراحة لماذا تقبل على هذه الأشياء ؟ يقول : طلباً للذة ، لو علم أن في القرب من الله سعادة لا تعدلها سعادة ، أنا مضطر لأن أضرب الأمثال ، لو إنسان دعي إلى وليمة فاخرة جداً ، العصير ، الحساء ، الفتات ، المقبلات ، اللحوم ، الخضراوات ، الفواكه ، الحلويات ، القهوة ، الشاي ، بعدما أكل من كل لون عاد إلى البيت وجد في الطريق بائع فلافل ، هل يتمنى أن يقف ليشتري شطيرة ؟

 من عرف الله زهد فيما سواه ، فالإنسان عندما لا يعرف الله عز وجل يعجب بكل شيء ، ويتعلق بكل شيء ، ويتمنى كل شيء ، أما إذا عرف الله عز وجل فيزهد بكل شيء ، من عرف الله زهد فيما سواه ، أما قل لي عن شخص زهد في الدنيا قبل أن يعرف الله ، مستحيل ، مستحيل ، هي روحه ، هي دمه ، هي لحمه ، فالزهد في الدنيا صعبٌ جداً إن لم تذق طعم القرب ، أما إذا ذقت طعم القرب ، كما قال بعض العارفين ، لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف ، أي يوجد بقلب المؤمن من السعادة والله الذي لا إله إلا هو ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم .

 

المؤمن أسعد الناس :


 إذاً : ماذا حصل لهذا النبي الكريم لما الله ناجاه .( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)) .

إخواننا الكرام ؛ الأشياء التي يتصف بها الأنبياء أشياء ثمينة جداً ، ولكن أطمئنكم أن لكل مؤمنٍ من هذه الأوصاف نصيب ، ولكن على قدر الإيمان ، وقدر الإحسان ، وقدر المحبة ، أي إذا الله عز وجل ناجى سيدنا موسى ، المؤمن أحياناً يتجلى الله على قلبه تجلياً ينسيه الحياة كلها ، أحياناً يغمسه في سعادة لا تستطيع سياط الجلادين اللذعة ، ولا سبائك الذهب اللامعة أن تصرفه عنها ، أحياناً يقول لك المؤمن وهو صادق : أنا أسعد الناس .

 مرة قال لي شخص كلمة لولا أنه اتبعها بكلمة لانتقده ، كان في الحج فلما عاد ذهبت إليه كي أهنئه بالعودة ، قال لي : ليس في الأرض من هو أسعد مني ، ثم قال ، إلا أن يكون أتقى مني .

فعلاً المؤمن الصادق لا يكذب ، ولا يبالغ ، يقول لك : أنا أسعد الناس ، هو أقل من الناس ، قد يكون دخله محدوداً ، يوجد عنده خمسون علة بجسمه ، يجوز ، بيته وسطاً ، هو سعيد بالله عز وجل لأن الله عز وجل إذا أعطى أدهش ، لو حجبت عنه الدنيا بأكملها هو أسعد الناس ، وإذا حجب الله رحمته عن العبد لو أعطاه الدنيا بأكملها هو أشقى الناس .

لذلك لما سيدنا موسى ناجى ربه ، وناجاه الله عز وجل ونادى .

﴿  فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)﴾

[    سورة طه  ]

أي إذا كان ربنا اختار سيدنا موسى ، المؤمن أحياناً يوظفه عنده بوظيفة ، ييسر له عملاً في سبيله ، يجري الخير على يده ، ينطقه بالحق ، أحياناً يعطيه مالاً يعطي منه الفقراء ، هذا وظيفة عند الله عز وجل ، يلهمه ببناء المساجد ، يلهمه بالدعوة إلى الله ، يلهمه الأمر بالمعروف ، يلهمه خدمة الناس ، أيضاً هذه وظيفة ، نحن نطلب الشيء الواقعي كمؤمنين ، إذا أنت أخلصت لله عز وجل وأقبلت عليه اتجهت إليه ، قد يجري على يديك الخير ، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك . 

﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[  سورة طه  ]

 

علاقة الإنسان مع الله فقط :


والله أيها الإخوة ؛ يوجد كلمات يقولها العوام ، والله الذي لا إله إلا هو هي تعبر عن الحقيقة أشد التعبير ، يقول لك : لا يوجد إلا الله ، لا يوجد أقوياء ، ولا أغنياء ، ولا ظُلام ، لا يوجد إلا الله ، كن له كما يريد يكن لك كما تريد ، كن له كما يريد ولا تعلمه بما يصلحك ، أي لا تكلف خاطرك وتقول له ماذا تريد ، هو يعرف ماذا تريد ، عبدي كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .

﴿  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[  سورة طه  ]

لا يوجد رافع ، ولا خافض ، ولا معط ، ولا مانع ، ولا معز ، ولا مذل ، ولا قابض ، ولا باسط ، ولا فعال في الكون إلا الله ، لذلك : 

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[   سورة الشعراء  ]

لا تعذب نفسك لا يوجد إلا الله ، والمثل أعيده آلاف المرات ، معك معاملة سفر تحتاج إلى موافقة على السفر ، دخلت إلى دائرة فيها ثلاثة طوابق ، في كل طابق مئة موظف ، لكن عندك علم اليقين أن واحداً هو المدير العام في هذه الدائرة هو وحده الذي يوافق لك على السفر، هل تبذل ماء وجهك أمام غيره ؟ هل تترجى أحداً ؟ مستحيل ، ما دام هناك شخص يوافق ، والباقي لا علاقة لهم ، المؤمن في الدنيا يعلم أن أمره كله بيد الله ، رزقه ، حياته ، صحته ، زوجته ، أولاده ، زبائنه ، تجارته ، وظيفته ، رؤسائه ، مرؤوسيه ، كلهم بيد الله ، علاقته مع واحد ، المؤمن عمله مريح جداً ، عنده حساب واحد ليس ألف حساب بالدفتر ، حساب واحد يعامل الله ويستريح . 

 

تأخير العقاب وتأخير الجزاء يرفع الإنسان عند الله :


( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ) ربنا لخص لنا الدين كله ، كلمات الدين كله ملخصة بالآية التالية : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ) موقفك ، ( فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) أطعني واقبض الثمن بالصلاة ، أطعني في كل حياتك واقبض الثمن في الصلاة . 

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) ﴾

[  سورة طه  ]

أما الناس في غفلة عنها .( أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) ) أما أكاد أخفيها فتحتاج إلى درس كامل ، كيف الله كاد يخفيها ، هنا الاختيار لو أننا مثلاً قلنا لأحدهم إن شربت هذا الماء ضربنا عنقك ، ورأى أمامه شخصاً شرب فقطعت رأسه ، يشرب ؟ لم يعد مخيراً صار مضطراً ، أما الله عز وجل فقد جعل الجزاء آجلاً ، تستطيع أن تعصي ، تفعل ما تشاء ، وترتكب الموبقات والمعاصي ، تكسب مالاً حراماً ، تمشي بالعرض ، وتقول : لا يوجد أقوى مني ، والحبل مرخى ، أما في لحظة من اللحظات يشد الحبل فجأة فتقع في قبضة الله ، أي : ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ) تأخير العقاب ، وتأخير الجزاء ، هو الذي يرفعك عند الله ، أما لو كان الجزاء أمامك فتطيع ولا أجر لك ، لم تعد تحتاج لمحبة لله ، ولا لطاعة لله ، أما الله فقد جعل الشهوات أمامك ، و الطاعات أمامك ، والجواب : الجزاء بعيد ، لأن الجزاء بعيد صار هناك اختيار ، صار ابتلاء ، صار امتحان ، من يختار الشيء البعيد على القريب معناها فكر . ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ) لكن ( أَكَادُ أُخْفِيهَا ) أكاد أخفيها بتأخير الثواب والعقاب ، حتى الإنسان يمتحن ، كي يأخذ أبعاده كلها ، بالمناسبة تطيع الله عز وجل إلى أمد طويل ، ودخلك هو هو ، وبيتك هو هو ، والمشاكل هي هي ، حتى الله يمتحنك ، أنت عبد التوفيق أم عبد الله ؟ إذا استقام الإنسان الله يغنيه ، عبد الغنى أم عبد الغني ؟ عبد الغني فهناك امتحان وممكن الإنسان يعصي ، يكفر ، يلحد ، يزني ، ويشرب الخمر ، ويفعل الموبقات كلها ، ومثل البغل ، لا يعاني من شيء ، تخطيط قلبه جيد ، كله جيد ، يقول : أين الله ؟ ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ) انتظر ( لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)) إن شاء الله الدرس القادم نقف عند هذه الآية وقفة متأنية .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور