وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة طه - تفسير الآيات 49-54 ، العقيدة الصحيحة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
 اللهم.. لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
 اللهم.. علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين...
 أيها الأخوة الكرام:
 لازلنا في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون وفي الدرس الماضي كان الحديث عن قوله تعالى:

﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾

 وقد ذكرت لكم أن الكون كله بسماواته وأرضه، بنباتاته بحيواناته، بأسماكه، بأطياره، بطعامنا وشرابنا، بأنفسنا وأولادنا ينطق بتوضيح هذه الآية:

 

﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)﴾

 هذه الآية تنقلنا إلى موضوع في العقيدة دقيق جداً، ألا وهو أن في حياة الإنسان:
 دائرة المحسوسات...
 ودائـرة المعقولات...
 ودائـرة المغيبـــات...
 المحسوسات: أداة معرفتها الحواس الخمس.
 المـعـقـولات: أداة معرفتها العقل.
 والمـغـيـبـات: أداة معرفتها الخبر الصــادق.
 أكبر خطأ يرتكبه الإنسان حينما ينقل قضية من دائرة إلى دائرة.
 المعتزلة لماذا انحرفوا في عقيدتهم ؟ لأنهم نقلوا دائرة المغيبات إلى دائرة المعقولات، فجعلوا كل شيءٍ خاضعٍ للعقل، وجعلوا العقل هو الحكم على كل شيء.
 وأخطأ أناس آخرون حينما عطلوا عقلهم ونقلوا ما في دائرة المعقولات إلى دائرة المغيبات.
 أيها الأخوة الكرام:
 الشيء إذا ظهرت عينه وأثاره سبيل معرفته الحواس الخمس هذا أسمه اليقين الحسي.
 أما الشيء الذي غابت عينه وبقيت آثاره سبيل معرفته العقل.
 بعقلك تصل إلى الله، لأن كل ما في الكون يدل عليه وبعقلك تصل إلى أن هذا القرآن كلامه من خلال إعجازه، وبعقلك تصل إلى أن هذا الذي جاء بالقرآن والذي بينه هو النبي عليه الصلاة والسلام، لذلك علماء العقيدة قالوا:
 لا يقبل الإيمان تقليداً، لو قبل الإيمان تقليداً، لكان كل الفرق الضالة عند الله معذورة، ماذا يقول أحد أتباع الفرق الضالة يا رب:

 

 

﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)﴾

 

( سورة الزخرف: 22 )

 لذلك ما كان في دائرة العقل لا يقبل تصديقه، لا يقبل إلا بحثاً ودراسة، وتفكراً، وتأملاً، لأن الإيمان لا يمكن أن يكون تقليداً، لو كان تقليداً لكان أي مبتدع قال لأتباعه شيئاً عليهم أن يصدقوه.
 كلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية وأمر عليها أنصارياً ذا دعابة، هذا الأنصاري أمر بإضرام ناراً عظيمة قال اقتحموها، لأصحابه، وقف أصحاب النبي فريقين، فريق قال كيف نقتحمها ؟‍‍ وقد آمنا بالله فراراً منها، وفريق قال نقتحمها لأن طاعة الأمير من طاعة رسول الله عليه الصلاة والسلام فلما بلغ النبي ذلك قال:

((والله لو اقتحمتموها لا زلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف.))

 العقل لا يعطل أبداً، وإذا عدتم حوسب صاحبه أشد الحساب فالذي في دائرة المعقولات لا بد من التفكر فيه.

﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾

 هذه ضمن دائرة المعقولات، أما المغيبات ؛ ما المغيبات ؟ ذات الله عز وجل.
 قال عليه الصلاة والسلام:

((تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.))

 لأن الإنسان الحادث لا يستطيع أن يحيط بالقديم الأزلي الأبدي شيء مستحيل، هذا العقل أخوانا الكرام ميزان حساس جداً لكن مخصص لبقالية يزن من خمسة إلى عشرة كيلو غرام، أي من خمسين غرام إلى عشرة كيلو غرام، فإذا أردت أن تزين به مركبتك حطمته.
 فلذلك دائرة المعقولات تصل به إلى الله، وإلى أن هذا القرآن كلامه، وإلى أن الذي جاء بالقرآن نبيه، أما المغيبات فذات الله عز وجل، الآيات المتعلقة بذات الله عز وجل في القرآن الكريم، السلف الصالح فوضوا تفسيرها إلى الله والخلف أولوها تأويلاً يليق بكمال الله أما الذين عطلوها فقد ضلوا وأضلوا، والذين جسدوها ضلوا وأضلوا.
 الدائرة الثلاثة دائرة الإخباريات، ليس لك إلا الخبر الصادق قضية ذات الله، قضية الماضي السحيق.

 

﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)﴾

 ما قال له فكر، لا، قــال:

 

 

﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾

 هذه قضية الإخباريات، الله أخبرنا عن الماضي السحيق وعن المستقبل البعيد، وعن حال أهل الجنة، وعن الجن، والملائكة وعن كل شيء مغيب عنا فنحنا دائماً في بالعقيدة عنا ثلاثة موضوعات.
 محسـوسات: الحواس.
 معـقـولات: العقل.
 مغيبــــــات: الخبر الصادق.
 الشيء ظهر عينه وآثاره محسوس.
 والذي غابت عينه وبقيت آثاره، كالكهرباء، العقل، يا ترى في الآن بالجامع كهرباء، طبعاً في، الدليل ؟ الصوت، تكبير الصوت وتألق المصباح، هذا الدليل دليل قطعي.
 أما الشيء الذي غاب عنا جميعاً، غابت عينه وغابت آثاره هذا ما في طريق إلا الحواس لأن عينه غابت، ولا العقل لأن آثاره غابت، هذا هو القسم الثلاث وهو القسم السمعي أو الإخباري الذي سبيله الخبر الصادق.
 أرجو الأخوة الكرام أن أية قضية في الدين يجب أن تصنف بادئ ذي بدئ في أحد الدوائر الثلاث فإذا كانت من نوع المغيبات عليك أن تؤمن بها تصديقاً، وإن كانت من المعقولات عليك أن تؤمن بها تحقيقاً، وإن كانت من المحسوسات ينبغي أن تؤمن بها مشاهدة وإحساساً، قال:

 

 

﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)﴾

 بعض العلماء بنوايا خبيثة جداً أرادوا أن يضربوا الدين في العصور الوسطى، فابتدعوا نظرية دارون، وأن الإنسان أصله قرد.
 من باب الطرفة أنا أؤمن بهذه النظرية لكنها معكوسة، كان إنسان فمسخ قرداً الآن، الآن الإنسان مادي، لئيم، خسيس، دنيء وصولي، يضرب بالقيم بعرض الطريق، كان إنسان ذا قيم، فصار قرداً ذا شهوات دنيئة، ليس هذا الموضوع.
 هؤلاء الذين زعموا أن الإنسان أصله قرد، هناك آية في القرآن الكريم ترد على كل من استخدم عقله في المغيبات.
 العقل في المعقولات، والخبر في المغيبات، والحواس في المحسوسات.
 المغيبات لا يجوز أن يسلط العقل عليها، هو عاجز، العقل يحتاج إلى أثر مادي، العقل يحتاج إلى أثر يعرف المؤثر، إلى كون يعرف المكون، إلى نظام يعرف المنظم، إلى تربية يعرف المربي إلى شيء في علم يعرف العالم، العقل لا بد له من أثر، إذا ألغيت الأثر نقلت القضية إلى الإخباريات، فربنا سبحانه وتعالى قال:

 

 

﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾

 

( سورة الكهف: 51 )

 يعني واحد لو فرضنا اشترى محل بالثلاثينات، وبالأربعينات أزوج، وبالخمسينات جاب ولد، الولد كبر، قاعد بجلسة، قال له والله أنا هذا المحل أخذته بزماني بخمس آلاف، فروغ، قال له غير صحيح بابا، قال له أنت متى ولدت أنت، أنا لما أخذت المحل أنا ما كنت مزوج، أنت لم تكن في عالم الأحياء.
 يعني لما الإنسان بدو يتنطح ويحكي على الماضي السحيق وكأنه يشاهده شو هذا، هذا كذاب، الله عز وجل قال:

 

﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾

 فكل شيء بالماضي السحيق، الله جل جلاله يحدثنا عنه الحديث الصادق وكل شيء في المستقبل البعيد في الجنة والنار، وعالم الملائكة، وعالم الجن والحوض، والصراط، والصحف، وما إلى ذلك، هذا كله خبر صادق.
 لذلك أكبر مغالطة تقع بين المسلم وبين خصمه إذا تناقشا، يقل له هات لي، قال له في دليل، الجنة ما لها دليل، دليلها الخبر الصادق، إن لم تكن مؤمناً بالمتكلم ما لها دليل.
 يعني أنا فتت لغرفة لقيت فيها ثريا، وطقم كنبات، وسجادة هذا كل شيء أدركه بعقلي، لقيت رجل، دخل صاحب البيت استقبلني بحرارة، ولباسه أنيق، وضيف ضيافة جيدة، حكمت على عقله أن له عقل راجح وعنده حكمة، أما في غرفة جنبنا بابها مغلق، مهما كنت عبقرياً، مهما كنت ذكياً لا أعرف ما فيها، مهما كان الواحد، لو معه بورد، شوف هون ما بيعرف، أما لو صاحب البيت صادق عندك تقول له شو في بالغرفة التي تلينا، بقلك غرفة نوم، الغرفة التي لا تراها لا لها آثار، ولا في بلور تشوف شو فيها، ما في غير الخبر الصادق والتي أمامك بالحواس، تصرفات الشخص تحكم على عقله وحكمته وذكائه من تصرفاته.
 فنحنا في عنا قضية، قبل أن تناقش أي قضية بالدين، لا تسمح لنفسك تسلط عقلك على قضية غيبة، كما أنه لا تسمح لنفسك أن تصدق قضية عقلية، القضايا العقلية يجب أن تتحقق منها بعقلك والقضايا الغيبة يجب أن تؤمن بها لأن الذي تكلم بها صادق وهو الله سبحانه وتعالى، هذا الكلام من قوله تعالى:

 

 

﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)﴾

 أما أنتم بماذا تفكرون ؟ قال:

 

 

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً﴾

 لو ما في تربة، لو أرضنا كلها صخرية، كيف نأكل ؟ لو ما في ينابيع، ما قيمة هذه البلدة بلا نبع الفيجة ؟ لا شيء، كل ثانية خمسة وثلاثين متر مكعب بالثانية، إلى أين تصل حدود هذا النبع ؟ إلى حمص، وإلى نصف البادية، وتحت نصف لبنان، لبنان فوق حوض هذا النبع، والبادية فوق حوض هذا النبع، وإلى حمص ويعطينا كل ثانية من خمسة وثلاثين إلى ستة عشر، إلى خمسة عشر في أيام الشح الشديد، إلى ثلث متر مكعب، خمسة ملايين إنسان يشربون من هذا النبع

 

 

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً﴾

 

 يعني مهدة، فيها ماء فيها تربة، فيها نباتات، فيها أسماك فيها أطيار، فيها معادن، فيها أشباه معادن.

﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً﴾

 هي لها معنيان:
 أول معنى، في وديان، في طرق، في اختناقات، في قناة السويس، في قناة بناما، في باب المندب، في خليج، الله جعل بين البحار مضايق، وجعل بين الجبال وديان، وفي معنى أوسع من المعنى هذا.
 يعني لو أن الإنسان يطول شعر الإنسان، بعيش من وراء طول شعر الإنسان مليون إنسان، يمرض الإنسان يعيش من وراء مرض الإنسان مليون إنسان، ما بدو أطباء، كليات الطب وجامعات ودراسات، كم إنسان عايش من مرض الإنسان، كم إنسان عايش من الحر، مكيفات، مرطبات، جليد، وأشياء ملطفة، كم إنسان عايش من البرد مدافىء، و حرامات، و كنزات، كم إنسان عايش من طيش الشباب، بكسروا السيارات، الابن طايش بعمل حادث، بجي المصلح بعيش الله برزقه من طيش الأولاد، كم إنسان عايش من الجهل، كم معلم في بالعالم.
 الله عز وجل جعل بالأرض سبلاً للرزق، سبل، تأتي ذبابة بقلك ذبابة بيضاء، تشغل ثمانية آلاف مهندس، تطعم مائة ألف أسرة هي الذبابة هي تفسد المحصول بدك مهندس زارعي، بدك مبيد حشري بدك بخاخة، بدك هوندا تركب، بدك فواتير، بدك تروح تجي، هي مائة ألف أسرة عايش من وراء ذبابة، ما لنا حاسين نحنا، إنسان جاهل لازم يتعلم، كم إنسان عايش من التعليم، كم إنسان عايش من الطب، كم إنسان عايش من الحر، كم إنسان عايش من البرد الإنسان جاء عاري الجسد ما عليه ثياب، كم إنسان عايش من اللباس القطن، والصوف، والمنسوجات، والغزل، والنسيج، والصباغ والخياطة، كم إنسان عايش.

 

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)﴾

 أنت أحصي ظاهرة النبات، في نبات أثاث خشب، في نبات طعام، في نبات صباغ، في نبات دواء، في نبات للزينة، في نبات إسفنج، في نبات فللين في نبات مسابح، في نبات ليف، في نبات مساويك، في نبات نكاشات أسنان خلة، في نباتات أدوية، في خشب زان للأثاث، في خشب كندي للنوافذ، لأنه الكندي يتحمل برد ورطوبة في خشب من أجل الصناعة لين الكبريت، في خشب من أجل الأساسات المنزل أساسه خشب، بالمرجة، خشب، خاص بالأساسات على الماء يتمدد، مائة نوع خشب.
إذا الإنسان فكر في هذه الآيات وصل إلى الله.
 مخلص الدرس:
 المحسوسات نــــؤمــن بها بحواسنا...
 المعقولات نــــؤمــن بها بـعـقـولـنـا...
 المغيبات نؤمن بها بالخبر الصادق...
 وأخطر ما في الدين أن تنقل قضية من الإخباريات إلى المعقولات أو تعكسها، تقع في ضلال مبين.

 

 

والحمد لله رب العالمين

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور