وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الأنبياء - تفسير الآية 16 الحق عكس الباطل وهو الشيء الدائم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، الآية السادسة عشرة من سورة الأنبياء وهي قوله تعالى:

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)﴾

[سورة الأنبياء]

 لو أردنا أن نستكمل الموضوع، هناك آيات أخرى تقول:

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ(85)﴾

 

[سورة الحجر]

 هناك آية تثبت، وهاتان الآيتان تنفيان، قال تعالى: ما خلقناهما إلا بالحق فماذا تعني كلمة الحق و كلمة الباطل و كلمة اللعب؟
 أيها الأخوة، الله سبحانه وتعالى نفى أن يكون خلق السماوات و الأرض لاعبين، و اللعب أيُّ عمل لا جدوى منه ينتهي بانتهائه، أي عمل غير هادف يُمضَى به الوقت، فالله سبحانه وتعالى أجلُّ و أسمى و أعظم من أن يكون خلقه لعبا، نأتي إلى الدنيا كما تشاهدون ونتعب تعبا شديدا إلى أن نقف على أرجلنا و بعد حين يأتي ملَك الموت، وهناك غنيٌّ و هناك فقير و هناك قويٌّ وهناك ضعيف و هناك صحيح وهناك سقيم و هناك ذكيٌّ وهناك غبيٌّ و هناك ظالم و مظلوم ويأتي الموت و ينتهي كل شيء !! هذا لعب، إذا انتهت الحياة الدنيا و لا شيء بعد الدنيا فهذا عين اللعب، الإنسان يكاد ينفجر من الطعام والشراب و التخمة و إنسان يتمنى أن يأكل لقمة لحم في السنة، إنسان مسحور وإنسان ساحر و تنتهي الحياة و ينتهي كل شيء، هذا لعب، قال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 فإذا انتهت الدنيا هكذا وليس هناك تسوية حسابات و لا لي هناك إنصافا للمظلوم و لا محاسبة القوي و لا مكافئة المحسن و لا معاقبة المسيء فهذا لعب، قال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 ثم قال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ(27)﴾

 

[سورة ص]

 و قبل أن نصل إلى كلمة الحق، الله سبحانه و تعالى تفى أن يكون خلق السماوات و الأرض بالباطل، و ما هو الشيء الباطل ؟ هو الشيء الزائل، ولو أقمنا جدارا بلا أصول، هذا الجدار سيقع، لأنه بُنِيَ على أسس غير صحيحة، لكن الله سبحانه وتعالى ما خلق السماوات و الأرض وما بينهما باطلا، فخلق الكون ليبقى، أما نهاية العالم فستُحوِّله من حال إلى حال، و خلق الإنسان ليبقى، قال تعالى:

 

﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)﴾

 

[سورة الزخرف]

 فالباطل هو الشيء الزائل، فلو فرضنا أنه صدر تشريع غير مدروس لا شك أنه بعد حين يُلغَى، فأي مشروع مرتجَلٍ غير مدروس بعد حين يُلغى لأن الواقع أثبت فساده و بطلانه، إذا من معاني الحق أنه عكس الباطل وهو الشيء الدائم، فأنت أيها الإنسان خُلقت بالحق ومعناه أنه لن تفنى إلى أبد الآبدين، وما الموت؟ هو انفصال النفس عن الجسد، فكنتَ في عالم و دخلتَ في عالم، كنت في نظام و انتقلت إلى نظام، كانت نفسك داخل جسمك فصار جسمك مرتكزا لنفسك، أما لك حياة بعد الموت، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169)﴾

 

[سورة آل عمران]

 القبر أيها الأخوة يتسع للمؤمن حتى يكون مدَّ البصر، و حتى يصبح روضة من رياض الجنة و يضيق بالكافر حتى تختلف أضلاعه و يكون قطعة من النار قال تعالى مؤَكِّدا عذاب البرزخ:

 

﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(46)﴾

 

[سورة غافر]

 إذا كيف نفهم الحق ؟ نفهم الحق بالمعنى الباطل لأن الله عز وجل نفى أن يكون خلق السماوات و الأرض باطلا و اثبت أنهما خُلقتا بالحق، فالحق عكس الباطل، الباطل هو الشيء الزائل، قال تعالى:

 

﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)﴾

 

[سورة الإسراء]

 فالباطل الاعتقادي لو عاش سبعين سنة فبعدئذ يتهافت و يندثر و يصبح في الوحل، فالفكر الباطل يزهق و العمل الباطل يزهق، و زهوق اسم مفعول وهو صيغة مبالغة اسم الفاعل، أي كثير الزهوق، فالإنسان وُجد ليبقى، فحينما قال تعالى:

﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾

[سورة الأنعام]

 أي خلق الكون ليبقى، و لكنه يتطور من حال إلى حال، هذا المعنى الأول، والمعنى الثاني،

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 العب هو الشيء العابث غير الهادف، فالحق عكس اللعب فإذا خُلق الإنسان بالحق فخُلق ليبقى و لهدف كبير، فإذا عرفت أن نفسك لا تموت و لكنها تذوق الموت، وفرق كبير بين أن يقول الله

﴿:كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾

[سورة آل عمران]

 و بين أن يقول كل نفس ميِّتة، قال تعالى:

 

﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)﴾

 

[سورة الزخرف]

 فإما جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفد عذابها، هذا بالحق وهو عكس الباطل، أما بالحق عكس اللعب أنت خُلقت لهدف ثمين كبير و جليل قال تعالى:

 

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(33)﴾

 

[سورة الأحقاف]

 أيعييني رغيف أسوقه إليك، لي عليك فريضة و لك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك رزقك، و عزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلِّطنَّ عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك و لا أبتلي، وكنت عندي مذموما، أنت تريد و أنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد و إن لم تسلمني فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد، خلقتُ السماوات و الأرض من أجلك فلا تتعب و خلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك، فكلمات وجدت في القرآن خلق السماوات و الأرض بالحق، أي خلق السماوات و الأرض لهدف كبير، قال تعالى:

 

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)﴾

 

[سورة هود]

 خلقهم ليرحمهم و ليسعدهم و ليعطيهم، ثم إنه خلقهم ليكونوا إلى أبد الآبدين في جنة نعيم أو في نار الجحيم.
 فمعنى الحق، الشيء الثابت والهادف، أحيانا يُنشَأ في المعرض جناح من قماش لأنه أنشأ ليُهدم بعد أسبوعين أما رئاسة الوزارة فمن حجر لأنه بُنيَ ليبقى لا ليُهدم، فالكون خُلق ليبقى، و الكون مخلوق لهدف كبير، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72)﴾

 

[سورة الأحزاب]

 فلذلك ما لم تعرف هذا الهدف الكبير الذي خُلقت من أجله فأنت غي ضلال مبين و ضياع و تيه و عمى ما لم يعرف ذلك الهدف الكبير الذي خُلق الإنسان من أجله، والله سبحانه وتعالى خلق التراب للنبات وخلق النبات للحيوان و خلق الحيوان للإنسان و خلق الإنسان لله عز وجل، لذلك أيها الأخ الكريم لا يليق بك أن تكون لغير الله و لا يليق بك أن تزوِّر طاقاتك و فكرك وبيانك و عقلك و خبرتك لغير الله، لذلك قال تعالى:

 

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾

 

[سورة التوبة]

 فهو بيع قطعي لا خيار فيه، ولما علم المؤمنون أن الشاري هو الله و أن الثمن هو الجنة باعوا بيعة الرضوان من دون ثبوت خيار، لأنهم رأوا أنهم مغبونون أشد الغبن إذا باعوا أنفسهم و أموالهم لغير الله.
 هذه الآية ترد في القرآن عشرات المرات، بل لعلها ترد المئات المرات، قال تعالى:

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ(27)﴾

[سورة ص]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ(85)﴾

 

[سورة الحجر]

 و قال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 فالحق خلاف اللعب و خلاف الباطل، والباطل هو الشيء الزائل و اللعب هو العمل العابث، و الإنسان من هذا الكون خُلق ليبقى و خُلق لهدف كبير، وأحد أركان الهدى أن تعرف الهدف الذي جئت من أجله
 آخر شيء في الدرس، إنسان سافر إلى بلد، وهناك سؤال كبير ؛ لماذا أنا في هذا البلد ؟ إن كنت طالبا تتحرك نحو المعاهد و الجامعات و إن كنت تاجرا فنحو المعامل و المؤسسات و إن كنت سائحا فنحو المقاصف و المتنزهات، فلا تصح الحركة إلا إذا عُرف الهدف، دققوا في هذه الكلمة، لا تصح الحركة إلا إذا عُرف الهدف، و أنت في الدنيا لا تصح حركتك ولا نشاطك و لازواجك ولا بيعك ولا شراؤك إلا إذا عرفت لماذا أنت في الدنيا، قال تعالى:

 

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾

 

[سورة الكهف]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور