وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 01 - سورة المؤمنون - تفسير الآية 1 الإيمان مراتب ، علمية وأخلاقية وجمالية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، الآية الأولى من سورة المؤمنون، والمؤمنون على الحكاية، لأنها في اللغة سورة المؤمنين، لكن المؤمنون اسم سورة يبقى على حاله، و إذا قلنا سورة المؤمنون و حتى لا يُتوهم أننا أخطأنا، نقول على الحكاية، فالآية الأولى قال تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

[سورة المؤمنون]

 أوَّلا ؛ نقول: نجح فلان وقد نجح فلان إذا رأيت اسمه بعينك في قائمة الناجحين، ف "قد" حرف تحقيق، و "أفلح " من الفلاح وهو النجاح والتفوق و الفوز، فالله عز وجل يقرر في هذه الآية أن الذي يفلح و ينجح و الذي يتفوق ويسعد هو المصلي، فإذا كان تصورك للتفوق غير ما في كتاب الله فهذه مشكلة كبيرة جدا، فإذا تصور أحدنا أن النجاح في حيازة المال، و الله يقول:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 هذا هو الضلال البعيد، و إذا توهمت أن الفلاح في الانغماس في الملذات فهذا هو الضلال المبين، البطولة أن تأتي مفاهيمك و تصوراتك و مقاييسك عن الفلاح مطابقة لما في كتاب الله عز وجل، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به.))

 هذه قضية خطيرة، تصوُّرك للفلاح ما هو ؟ أن تمتلك المال الكثير ؟ أم أن تكون في منصب رفيع ؟ أم يكون حولك أتباع كثيرون ؟ أم تكون لك أجمل زوجة في الأرض؟ أو أن تكون ذا مكانة اجتماعية رفيعة ؟ فكيف تفهم التفوق ؟ و كيف تفهم الفوز؟ و كيف تفهم النجاح و الفلاح ؟ عُد إلى كتاب الله خالق الكون هو الخبير، قال تعالى:

 

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

[سورة فاطر]

 ليس هناك إنسان في الدنيا عنده حاسوب تعطَّل فذهب إلى جاره بائع الخضر ليصلحه، لا لابد لك من خبير في هذا الجهاز، قال تعالى:

 

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾

 

(سورة فاطر)

 و خبرة الله قديمة، بينما خبرة الإنسان محدثة، و الدليل ؛ انظُر إلى سيارة صُنِعت عام (1912)و إلى أخرى عام (1995) ترى المسافة شاسعة جدا، معنى ذلك أن خبرة الإنسان تنمو، أنا سمعتُ أن أول قطار صُنع في بريطانيا أُمِر صاحب القطار أن يوظِّف شخصا يمشي أمامه ليحذر الناس، كم سرعته ؟ أقل من ثلاثة كيلومتر، هكذا كانت الآلات في أول عهدها، الآن 360كيلو في الساعة للقطار، فما معنى هذا الفارق الكبير ؟ الخبرة تُكتسب و هي محدثة، أما خبرة الله عز وجل فقديمة هل طرأ على الإنسان تغيير ؟ كل البشر من خلق واحد و من كمال واحد معنى ذلك أن خبرة الله قديمة، لم يطرأ على الإنسان أي تعديل في خلق الإنسان، لذلك هناك من ينتقد كلمة " الزائدة الدودية " يعني ان الله خلقها زائدة !! هي جهاز دفاع لذلك الطبيب المسلم يسميها "الذائدة " ذاد بمعنى دافع، فإذا أردت أن تقول: فلان التهبت زائدته الدودية، و إلا تقع في خطأ كبير، فليس ثمة شيء زائد، شركة سيارات هل تضع شيئا زائدا في السيارة ؟ قال تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

[سورة المؤمنون]

 الله عز وجل يقرر وهو الخبير قال تعالى:

 

﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14)﴾

 

[سورة الملك]

 أن الفالح هو المؤمن ولو كان فقيرا ضعيفا مستضعفا، وأن الخاسر هو الكافر و لو كان غنيا قويًّا، و كفى بالمرء علما أن يخشى الله و كفى به جهلا أن يعصيه، الذي معه أعلى شهادة و يعصي الله مدموغ بالجهل وواحد حاجب يصلي الأوقات الخمس و يغض بصره و دخله حلال هذا مدموغ بالذكاء مع أنه أميٌّ، وهناك حديث مُخيف، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:

 

(( كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ قَالَ و قَالَ مَسْرُوقٌ الْمَرْءُ حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَجَالِسُ يَخْلُو فِيهَا فَيَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهَا ))

 

[رواه الدارمي]

 عَنْ مَسْرُوقٍ:

 

(( قَالَ كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ قَالَ و قَالَ مَسْرُوقٌ الْمَرْءُ حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَجَالِسُ يَخْلُو فِيهَا فَيَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهَا ))

 

[رواه الدارمي]

 لذلك فرقوا بين العقل و الذكاء، فما كل ذكي عاقل، لكن كل عاقل ذكي فالإنسان لو كانت معه أعلى الشهادات و كان زانيا أو شارب خمر، هذا غير عاقل رغم ذكائه في اختصاصه، فالعقل يتعلق بالكليات و الذكاء يتعلق بالجزئيات.
 الله تعالى يقرر أنْ يا عبادي الفلاح كل الفلاح والنجاح كل النجاح و الفوز كل الفوز و التفوق كل التفوق أن تكون مؤمنا، فمتى آمنتَ ؟ هل هناك في عالم الماديات أن رجلا نام ثم استيقظ فوجد معه دكتوراه !! إيمان و جنة عرضها السماوات و الأرض و ما عندك وقت لحضور مجلس العلم، ولا ملتحق بجامع تأخذ العلم منه، و لستَ حريصا على فهم كتاب الله الذي هو منهج الحياة و لا فهم سنة رسول الله التي هي بيان لكتاب الله، متى آمنتَ إذا ؟! هذا إيمان تقليدي لا يقدِّم ولا يؤخِّر، بل هو إيمان إبليسي، لأنَّ الله قال عن إبليس:

﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾

[سورة ص]

 فربنا عز وجل قال:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 أيها الأخوة: الإيمان مراتب، مرتبة علمية و مرتبة أخلاقية و مرتبة جمالية، فإذا قلتَ أنَ فلانا مؤمن أي معه اختصاص في العلم و اختصاص في الأخلاق و اختصاص في الجمال، أذواقه عالية جدا وعلمه عالٍ وأخلاقه عالية، قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 الإيمان يحتاج إلى بذل جهد مثلا ؛ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل "))

 أحد العلماء الكبار وهو الجنيد يقول: ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء و ليس الولي الذي يطير في الهواء فالطائر يطير و السمكة تمشي ولكن الولي كل الولي هو الذي تجده عند الحلال و الحرام .
 إخواننا الكرام، الدين لا يظهر في المسجد، فكلنا في المسجد، الدين يظهر في الأسواق في البيع و الشراء، في غض البصر وفي تحرير الدخل في صحة الإنفاق، في الأمر بالمعروف وفي تربية الأولاد، وفي ضبط الزوجة وضبط البنات، أن تكون مع المؤمنين لا مع أهل الدنيا، هذا هو الإيمان، قال النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب و صدقه العمل "))

 يقول عليه الصلاة والسلام عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ:

 

(( يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ إِذًا يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا ))

 

[رواه البخاري]

 قال تعالى:

 

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19)﴾

 

[سورة محمد]

 فكلمة الإيمان كبيرة جدا، وتقريبا لأذهانكم كلمة " دكتور" التي يُرمَز لها حرف "د" التي كلَّفته دراسة خمسة وثلاثين سنة، هذا بمقياس أهل الدنيا بمقياس أهل الإيمان كلمة " "مؤمن" يعني لا يمكن أن يأكل الحرام و لا يمكن أن يكذب لا يخون و لا يعصي الله عن علم، إلا بجهالة ثم يتوب هذا هو المؤمن، فكلمة مؤمن مرتبة أخلاقية ؛ المؤمن لا يغدر و لا يغش ولا يكذب، ومرتبة علمية، فالمؤمن يعرف موقعه من الحياة، ويعرف لماذا خلقه الله، وما مهمته في الدنيا، ما الهدف البعيد الذي يسعى إليه و لماذا يتزوج، ولماذا يعمل، فله فهم عميق للحياة، والكافر سطحي المؤمن مرتبة جمالية، لا يقعد للغناء والنساء كاسيات عاريات والكؤوس تُدار، هذا مكان للمتفلتين، تختار مكانا هادئا و جميلا تسبح الله عز وجل لا يرى الناس أهلك و لا يرى أهلُك الناس، هذا هو الذوق، فالمؤمن مرتبة جمالية و مرتبة علمية و مرتبة أخلاقية، قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 أنت متى آمنتَ ؟ هل لك مجلس علم تحضره ؟ هل عرفت كتاب الله ؟ و هل وقفت على أحاديث رسول الله ؟ وهل تتبعت أخبار الصحابة ؟ هذا العلم لذلك الله تعالى يقول:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 والذي عنده الملايين لم يفلح لأنه سيتركها، أكبر غني في العالم مات في يخت مع عاهرة في البحر، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)﴾

 

[سورة القصص]

 و قال تعالى:

 

﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6)إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7)الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8)وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي(9)وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ(10)الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ(11)فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12)فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13)إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾

 

[سورة الفجر]

 ما أفلحوا، و ما أفلح من ملك الأرض لأنه سيموت، قال تعالى:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)﴾

[سورة الرحمن]

والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر  و العمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
كل ابن أنثى و إن طالت سلامته  يوما على آلة حدباء محمول
فإذا حملتَ إلى القبور جــنازة  فاعلم بأنك بعدها محــمول
***

فكل ذكائنا و عقلنا يجب أن يتجه إلى ساعة لقائنا مع ربنا .

وا خجلتي من عتاب ربــي  ذا قال لي أسرفت يا فـــلان
إلى متى أنت بالمعــاصـي  تسير مرخى لك العنـــــان
عندي لك الصلح وهو بـري  وعندك السيف والســـــان
ترضى بأن تنقضي الليـالي  وما انقضت حربكُ العــوان
فاســتحِ من كتاب كريم يحصي بها العقل و اللسان  واسـتـح من شيبة تراهـا فـي النار مسجونة تـهان
***

 أيها الأخوة الكرام، قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 هذه الآية واردة فيما أعتقد أربع مرات في القرآن كله، قال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14)﴾

 

[سورة الأعلى]

 و قال تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)﴾

[سورة الشمس]

 وقال تعالى:

 

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾

 

[سورة المؤمنون]

 فعند الله تعالى إذا آمن الواحد و اتصل به و زكى نفسه فهو العالم و الذكي و المفلح و الذي رضي الله عنه، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾

 

[سورة الكهف]

 لذلك:

 

رجـــل يدري بـأنه يــــدري  فذاك عـالم فاتــــبـعــوه
ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري  فهذا جاهل فعلمــــــــوه
ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري  فهـذا شيــطان فاحــــذروه
***

 

تحميل النص

إخفاء الصور