وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 05 - سورة النور - تفسير الآية 32 حاوِل أن تُساهِم أن تُزَوِّج شابًّا ولو بالقليل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، فالآية الثانيةُ و الثلاثون والتي بعدها من سورة النور و هي قوله تعالى :

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾

[سورة النور]

 أوَّلاً، فعلُ الأمر يقتضي الوجوبَ في القرآن الكريم، و يشبهه الفعل المضارعُ المقترِنُ بلام الأمرِ كقوله تعالى:

 

﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾

 

[سورة الطلاق]

 هذه لام الأمرِ، و إن كان الفعلُ مضارعا ولكن معناه الأمرُ، فكلُّ أمرٍ في كتاب الله يقتضي الوجوبَ، و لكنَّ علماءَ الأصول قالوا: هناك أمرُ وجوبِ وهناك أمرُ ندبٍ وهناك أمر إباحةٍ و هناك أمرُ تهديدٍ، أمرُ التهديد كقوله تعالى:

 

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

 

[سورة الكهف]

 فهل من المعقولِ أن الله عز وجل يأمرُنا بالكفرِ؟! هو يهدِّدُنا إذا كفرنا، و المعنى ؛ إِفعلْ وانظُر ماذا سيكون، فهذا أمر تهديدٍ و هناك أمر إباحةٍ قال تعالى:

 

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ﴾

 

[سورة البقرة]

 فإذا الواحدُ استيقظ و ما أكلَ هل يُؤثمُ ؟ لا، لأنه أمر إباحةٍ، و أمر الندبِ هذا الأمر، و أمر الوجوب قال تعالى:

 

﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾

 

[سورة المجادلة]

 قال تعالى:

 

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾

 

[سورة النور]

 أي زوِّجوا، وهذه الواو للجماعة، فالأمر مُوَجَّهٌ لمجموع الأمَّةِ، و أيُّ أمر موَجَّه لمجموع الأمة هو موجَّه حكمًا إلى أولي الأمر و إلى أولياء الأمور، فأيُّ إنسانٍ تولَّى أمرًا من أكبرِ واجباته تزويج الشباب و الشابات لأنه فيما يبدوا لنا تزويج الشاب هي تلبيةٌ لحاجة أودعها الله فيه، أما على مستوى الأمنة فهو بناء أمَّةٍ، و الأمةُ إمَّا إنها تتقدَّم و ترقى عن طريقِ وحْداتٍ أُسريَّةٍ و إمَّا أنها تنهارُ و تتهاوى عن طريق الزنا، فنحن و إن لبّيْنا رغبةَ شابٍ في الزواج لكنْ في الحقيقة نبني أُمةً، و أهدافُ الزواج بعيدةٌ جدًّا، اُنظُرْ إلى شابٍ أخذ هندسةً وكلُّ الطرقِ أمامه مسدودةٌ ووازعُه الديني ضعيفٌ زلَّتْ قدمُه في الزنا فانتهى نهائيًّا، أمَّا إذا كان تعاونٌ و زوَّجناه فصارتْ له زوجةٌ و أنفق عليها و صار عملُه متقَنًا، و صار له دخلٌ وأتى إلى البيتِ بالطعام و الشراب و اللباس أسعدَ زوجتَه و سعد هو و أنجب الأولادَ، فبناء الأمة يبدأ من إنشاء الأسرِ، فلذلك الآنَ أعظم عمل هو تزويجُ الشباب، كنتُ قبل يومين أو ثلاثة أقرأ كتابًا لفت نظري دعوة زواج بُعِثَتْ لابني، و بطاقة الدعوةِ معها إيصالٌ مبلغ من المال مكتوبٌ اسمي عليه: هذا عِوض أن نبعث لك هديةً دفعنا لبناء ثانوية شرعية بدوما هذا الإيصالَ وكتبوا أنه إذا ترغب دفع أكثر، على مدخل مكان الدعوة فيه لجان مع الإيصال و دفعنا و الحمد لله، دخلنا للعرس و انتهت الحفلةُ، جمعوا التبرُّعاتِ أحدهم قال: عليَّ نصف مليون لتزويج الشباب و الثاني مائة ألف، قلتُ: هذا عقد قران مبارك بدأ بإيصالٍ و دفع استثنائي وجمع مليوني ليرة، فإذا كان عقلاءُ الأمة ما فكَّروا في تزويج الشبابِ فسيحِلُّ السفاحَ محلَّ النكاحِ، فإذا ما انتبهنا و عاونَّا، قريةٌ من قرى غوطة دمشق أنا أكبِرُها كثيرًا اجتمع عقلاؤها و قالوا: أعلى مهر هو خاتم وساعة فقط،
 سيِّدُنا شعيبٌ قال:

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾

[سورة القصص]

 هذا توجيه لنا، فنحن الآن أيها الأخوة كما ترون الفتنَ في الطريق مشتعلةً، الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها " ونحن في عصْر الفساد والنِّساء الكاسِيات العارِيات، فلا عَمَلَ أجلّ مِن أن تُؤَمِّن لِشَابٍّ بيْتًا، وإذا كان الواحِدُ مَيْسور المال، وكان عندهُ بنات، وأمَّنَ لِكُلّ بِنت بيتًا صغيرًا بمائة متْر فقد تَجدُ البنْت شابًا بِأعلى مُسْتوى ولا بيْتَ له، فهذا عَمَلٌ عظيم وأنا لا أرى مِن عملٍ أعظم عند الله مِن تَحْصين الشَّباب والشَّابات بالزَّواج الشَّرعي، قلتُ لأحدهم: ألا تسْتطيع أن تُؤَمِّن بنايَةً تبْنيها بأرخَص المستلزَمات، وتُزَوِّج فيها الشَّباب، فالله تعالى قال:

 

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾

 

[سورة النور]

 فلمَّا يَجِدُ الشاب غرفةً ومنافِعَها يسْتطيع أن يتزوَّج، فهذا أعظم عمَل فالذي عنده شباب وبنات، فلا بدّ أن يكون عَمَلَهُ الأوَّل تَزْويج الشَّباب والفتيات، لأنّ هناك فِكرة تقول: أنا كنتُ عصامِيًّا، ولا بدَّ أن أجْعَلَ ابني عِصامِيًّا ‍‍!! والله أعرف أُناسًا باعوا بُيوتَهم واشْتروا أربعة بيوت خارِج الشام، لِكي يُزَوِّجوا أبناءهم ؛ أنا هذا أَعُدُّه بطلاً، لأنَّ الشاب إذا زنى وكان الأب مَيْسورًا لَعُوتِبَ الأب، ويوم القيامة يقول: يا رب، لا أدخُل النار حتَّى يدْخل أبي !! أعرفُ رجلاً عنده أثنى عشرة بِنايَة، وابنُهُ يتمنى بيتًا يسْكُنُه لِكَي يتزوَّج ! مُدَّعِيًّا أن يسْلُكَ الابن ما سَلَكَهُ الأب !!! بيت متواضِع وأثاث مُتواضِع،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ))

 

[رواه الترمذي]

 والآية أكبر دليل، أوَّلاً الأمر مُوَجَّه لأولي الأمر فكلّ مسؤول بالوزارة عليه أن يحفظ النَّفقات المُتَعَلِّقة بالزَّواج، وتيْسير البُيوت، وأنا أعرف واحد بِدَارِيَّا عمَّر عمارات كبيرة ورفض بيعَها ولكن تأجيرها للشَّباب المُسلِم، فنحن نريد بِناء مُجْتَمَع عن طريق تسْهيل الزَّواج، وهذا أعظم عمل.
 فالآية الأولى:

 

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾

 

[سورة النور]

 الفقْر ليس عَيْبًا ولكن وِسام شرَف للإنسان المُستقيم، وبالجامع الصغير أثنى عشرة حديثًا تبدأ بِحَقّ الأب على ابنهِ، وحق الجار على جارهِ ولكنَّ حديثًا واحِدًا إذا قرأْتَهُ يقْشَعِرُّ جلْدك ؛ حق المسلم على الله أن يُعينهُ إذا طلبَ العفاف، وما شَكَى أحدٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم ضيقَ ذات يَدهِ إلا قال له: اِذْهَب فتَزَوَّج، وقال عليه الصلاة والسلام:

((مَن تَرَكَ الزواج خيفة العيلة فليس مِنَّا ))

 الله تعالى هو الذي يُغْنيه، واحْذَر أن تقول: ليس معه ! فهذا رجلٌ غنيّ تَقَدَّم لِخِطْبة ابنِهِ رجل مهندس فقال الأب: هذا معاشُهُ لا يكْفي يَوْمَين !! وبقُدْرة القادِر جل وعلا، أفلسَ هذا الغنيّ وتوسَّل لأحد الناس كي يتقدّم ذاك المُهندِس لِخِطبة ابنِهِ، وأغنى الله ذاك المهندس وأصبَحَ العمّ يشْتغل عند زوْج ابنَتِهِ !! والأمر الإلهي:

 

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾

 

[سورة النور]

 ولو رأيتَ كيف أغنى الله أُناسًا كانوا فقراء تَدْهَش فالله تعالى إذا أعطى أدْهَش، وإذا حاسَب فتَّش، وأذْكُرُ أنَّني زرْتُ واحِدًا في مَحَلِّه بدويلعة فإذا به يأكل علبة سرْدين من دون صَحن، ونائِم على طاولة التَّفصيل، وقال لي: عندي بيت ألف متْر مساحته، وحدائِق وثلاثة سيارات، فالله إذا أعطى أدْهش، فهذا أحدُ الأخوة تبرَّع لِجَمْعِيَّة خيْرِيَّة بِسِتَّة ملايين بيوت فأقام له أهل الجَمْعِيَّة حفلاً تَكْريمِيًّا، وأثنى عليه الجلوس، أما أحدهم فكان نبيهًا وقال: نحن عندنا سبعمائة أُسْرة مُنْتَفِعَة بهذه الجَمْعِيَّة، وكان مِن المُمْكِن أن يكون المُحْسن هذا أحدُ المُنْتَفِعين ولكن شاء الله أن يُعطي ولا يأخذ، فكما أنَّ الله تعالى أعْطاك يُمْكِن أن يترُكَكَ تأخذ، فالذي أعْطاهُ الله وأنفقَ لا بدّ أن يذوبَ خجلاً منه تعالى وهذا مِن فضْل الله عليك.
 إحدى الأُسَر كانت تأكل فجاء أحد الطرقاء للباب، فَهَمَّتْ الزَّوْجة أن تُعْطِيَهُ بعض الدَّجاج فَعَنَّفَها وقال لها: اُطرُديهِ ! بعد حينٍ ساءَت العلاقات فطَلَّقها، وتزوَّجَت مع إنسانٍ آخر، وفي أحد الأيام كانت جالسَةً معه وهي تأكل الدَّجاج فطَرَقَ الطارِق الباب: فإذا بها تضْطرب ! فقال لها: لمَ اضْطَرَبْت ؟ فقالتْ: إنَّهُ زوْجي الأوَّل ! فقال لها: أَو َتَدْرين مَن أنا ؟ أنا السائِلُ الأوَّل !!! فالله تعالى كبير، وقد يُفْقرك بِثانِيَة، وقد يُغنيك بِثانِيَة، فالإنسان يكون بحبوحة إذا كان في طاعة الله عز وجل.
 المُلَخَّص قوله تعالى:

 

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾

 

[سورة النور]

 حاوِل أن تُساهِم أن تُزَوِّج شابًّا ولو بمائة ليرة، ولو بِقليل مِن الأثاث، ولو بِبَرَّاد، كي يُلغى السِّفاح ويَحِلَّ محلَّهُ النِّكاح.

 

تحميل النص

إخفاء الصور