وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة النور - تفسير الآيات 36 - 38 في كل مكان يجب أن يكون هنالك بيت لله تعالى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، فالآية السادسة والثلاثون من سورة النور وهي قوله تعالى:

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)﴾

(سورة النور)

 أوَّلاً ؛ في بيوتٍ، هذه الكلمة جاءَتْ جمْعًا ونَكِرةً، فالتَّنكير للتَّعظيم والجمْعُ للتَّعَدُّد، ينبغي أن يكون في كلّ مكانٍ بيتٌ لله عز وجل، وحاجة الناس إلى الدِّين كَحَاجتِهم إلى الهواء، فلو أنَّنا أنشأنا مُجمَّعًا سَكَنِيًّا فأوَّل شيءٍ ؛ يحتاجُ هؤلاء الذين قَطَنوا هذا المُجَمَّع إلى بائِعٍ يبيعُهم الحاجات الأساسيَّة، وإلى قصَّاب، وإلى بقَّال، وإلى طبيب، وإلى مُسْتَوصَف وإلى مَدرسة..إلخ ؛ هذه حاجات دُنْيَوِيَّة، وإنَّ أشَدَّ حاجةٍ للإنسان وهو في الدنيا مكانٌ يتعرَّفُ فيه إلى الله عز وجل، لذا أوَّلُ شيءٍ فعلهُ النبي عليه الصلاة والسلام حينما هاجَر إلى المدينة أنشأ مسْجِدًا، وقبل بيْتِهِ الشَّخْصي، وكان ضَيْفًا في بيت سيِّدنا أبي أيوبٍ الأنصاري، أقامَ ضيْفًا وأنْشأ مسْجِدًا، لذلك قال تعالى:

 

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)﴾

 

(سورة النور)

 يجب أن يكون في كلّ مكانٍ بيتٌ من بيوت الله، والمسْجِدُ أيُّها الأخوة له أخْطرُ دَوْرٍ في المُجْتمَعِ الإسلامي، وفي مجْتمع الانْحِطاط والتَّبعْثر والتَّخلُّف والتَّشرْذُم، وضَعف الإيمان بَقِيَ المسْجِد لإقامة الشَّعائِر التَّعَبُّدِيَّة، مع أنَّ مُهِمَّة المسْجِد أخْطر بِكَثير مِن أن يُصَلَّى فيه، وأقلّ مُهِمَّة للمسْجِد أن يُصَلَّى فيه والدليل قوله عليه الصلاة والسلام:

((ما جلسَ قومٌ في بيتٍ من بيوت الله...))

 فهذه إشارة إلى أنَّ أخْطر مُهِمَّةٍ هي تعليم كتاب الله، وأن يعْرف الإنسان مُهِمَّتَهُ في الحياة، وسِرَّ وُجودِهِ، وغايَةَ وُجودِهِ، وأن يتعرَّف إلى الله وإلى رسولهِ، وإلى منْهَج ربِّه، وإلى القرآن الكريم، وإلى سيرة أصْحابِهِ، وهذه مُهِمَّةُ المسْجِد، والكلمة جاءَتْ جمْعًا ؛ لتأكيد تعَدُّد بيوت الله تعالى، وثانِيًا تَنكير والتَّنكير للتَّعظيم قال تعالى:

 

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32)﴾

 

[سورة الحج]

 وقد كانت بِعَهْد النبي صلى الله عليه وسلَّم امرأة بأدْنى الدَّرجات الاجْتِماعِيَّة، كانت تَقُمُّ المسْجِد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه:

 

(( أَنَّ أَسْوَدَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَالُوا مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا آذَنْتُمُونِي فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ قَالَ فَحَقَرُوا شَأْنَهُ قَالَ فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ))

 

[رواه البخاري]

 فالصَّحابة رأَوْا مِن ضآلةِ شأنِها، وقلَّة قيمَتِها لا تستأهِل أن يُخْبر بها النبي عليه الصلاة والسلام، حينها توجَّه النبي عليه الصلاة والسلام إلى قبْرِها ودعا لها، فأيُّ إنسانٍ يُقَدِّم خدْمةً لِبَيت الله يعتبر مِمَّن ساهم في بيوت الله تعالى، كأن يُكَبِّر الصوت والإضاءة، والتَّكييف، فالله تعالى:

 

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ(18)﴾

 

[سورة التوبة]

 مَن يَعْمُرها بِناءً، ومَن يعْمُرها بأداء الصلاة فيها، إقامة الدُّروس فيها، والمُجتمع الإسلامي أُسْرة، فهذا قدَّم مالهُ، وذاك قدَّم عِلْمَهُ، وهذا قدَّم قوَّته، والآخر سَعْيَهُ، قال تعالى:

 

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾

 

(سورة النور)

 لم يقُل تُبنى ! يجب أن يكون بناء المسْجِدِ عاليًا لِيتناسَب مع عظمة الله تعالى، قال تعالى:

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا(18)﴾

[سورة الجن]

 لا يصْلُحُ المسْجِد لِذِكر أيِّ موضوع غير ذِكْر الله، لا لأشْخاص ولا لأفكارٍ مُعاصِرة، لا للدِّفاع ولا للهُجوم، فهذا مِنْبر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وهذا المنبر له قُدْسيَّة كبيرة، وأيُّ إنسانٍ صَعِدَ المنْبر هو نائبٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في إبلاغ العِلم، فلا ينبغي أن يدْعُوَ مع الله إلهًا آخر، دَعُوا الدنيا لأهْل الدنيا، والمصالِحَ للطُّرُقات أما بيتُ الله ففيه دَعْوَةٌ خالصَةٌ إلى الله عز وجل.
 قال تعالى:

 

﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)﴾

 

(سورة النور)

 فهل المعنى أن تقول سبحان الله سبحان الله ؟ نعم هذا مُمْكِن، ولكنَّ الأعمق مِن هذا أن تذْكُر فضْل الله تعالى، وأن تتحدَّث عن أسْمائِهِ الحُسْنى، وعن صِفاتِهِ الفُضْلى، وعن رحْمَتِهِ، وقُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ وكلامِهِ وعن كمال رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن صحابته عليه الصلاة والسلام، وعن منْهَجِهِ الدقيق، ومواقف أصحابِهِ البُطوليَّة.
 قال تعالى:

 

﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)﴾

 

(سورة النور)

 هل تعني كلمة رِجال في القرآن أنَّهُ ذَكَر ؟! لا فَكَلِمَة رجل أكبر مِن أن تعني ذَكَرًا، بل البَطَل، ما نوعُ رُجولَتِهِم ؟ أنَّهم لا تُلْهيهِم تِجارَةٌ ولا بيْعٌ عن ذِكْر الله تعالى، وإقامة الصلاة وإيتاء الزَّكاة، فهذا عرف مُهِمَّتَهُ في الحياة، ولا شيءَ مهما كان عَظيمًا يَشْغَلُهُ عن ذِكْر الله.
 وكلمة تُلْهيهِم هِيَ مِن اللَّهْو، واللَّهو أن تنْصَرِفَ إلى الخسيس عن النَّفيس وأن تشْتَغِلَ بالقُشور، وتَدَع اللُّبّ، وأن تشْتَغِلَ بالأصداف وتدع اللآلئ وأن تشْتغل بالدنيا وتَدَعَ الآخرة، فالإنسان يعْمَلُ في الدنيا، ويُؤَسِّسُ عملاً ومحلاًّ تِجارِيًّا، ويُؤَسِّس معملاً ومزْرَعَةً، ويتوظَّف وينال شَهادة عليا، فهذا كُلُّهُ مُباحٌ مِن دون أن تشْغَلَك هذه النَّشاطات عن ذِكْر الله تعالى، وهذه هِيَ البُطولة، فما لله تعالى لله، وما لِعَبْدِ الله لِعَبْد الله فالصَّلواتُ تُؤدَّى في المسْجِد، ودُروس العِلْم يحْضُرها المؤمن ويُبَرْمِجُ حياتَهُ عليها، فكثير مِن الناس يُبَرْمِجُ حياتَهُ على الدنيا، وإن كان له فائِضٌ من الوقت يحضر مجلسَ عِلمٍ ! الأصْل أن تطْلبَ العِلْم، وأن تتعرَّف إلى الله، وتُؤَدِّي العِبادات، وهذا هو معنى قوله تعالى:

 

﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)﴾

 

(سورة النور)

 فالله تعالى ما قال: ولا شراء، وإنَّما قال: ولا بيْعٌ، فالبيْعُ مُحَبَّب وفيه رِبْحٌ، أما الشِّراء ففيه الدّفْعُ ! عَطَفَ الخاصّ على العام، عن ذِكْر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزَّكاة يخافون يوْمًا تتقلَّبُ فيه القلوب والأبصار وهذا اليوم الذي وعَدَ الله فيه عبادَهُ، قال تعالى:

 

﴿إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1)لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2)خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3)﴾

 

[سورة الواقعة]

 فالإنسان يكون في الأوْج ويصبحُ بالحضيض وبالعكس.
 أيها الأخوة، قال تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(9)﴾

[سورة المنافقون]

 لا يُمكِنُ أن تلتهي بالخسيس عن النَّفيس، النَّفيسُ هو معرفةُ الله تعالى ومعرفةُ منهَجِهِ، والتَّقرُّب إليه بالطاعة، والخسيس هي الدنيا، والدنيا جيفةٌ طُلاَّبُها كلابها، والدنيا دارُ مَن لا دارَ له، ولها يسْعى مَن لا عقْلَ له، إنَّ الدنيا عرَضٌ حاضِر، يأكل منه البرّ والفاجِر، والآخرة وعْدٌ صادِق، يحْكُمُ فيهِ ملِكٌ عادِل، وإنَّ الله يُعطي الصِّحة والمال والذّكاء والجمال للكثيرين مِن خلْقِهِ، ولكِنَّهُ يُعطي السَّكينة بِقَدَرٍ لأصْفِيائِهِ المؤمنين.
 قال تعالى:

 

﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)﴾

 

(سورة النور)

 هذا الوقْتُ الذي تقْتَطِعُهُ مِن وقْتِكَ الثَّمين لأداء الصَّلوات في المسْجِد، ولِحُضور مجْلسِ العِلم، هذا وقْتٌ سمَّاهُ العلماء ؛ زكاة الوقْت، فكما أنَّ المال تُؤدَّى زكاتُهُ فيَحْفَظُ الله لك بقِيَّة المال من التّلَف، وقْتُكَ إذا أدَّيْتَ زكاتَهُ بِحُضور مجالسِ العِلم يحْفظ الله لك بقيَّة الوقت من التَّلَف، فقد ترتَفِعُ حرارة ابْنِكَ مِن طبيب لآخر إلى مُحَلِّل ومُصَوِّر، وتضعُ أثنى عشر ألفًا، وفي النِّهاية يُقال لك: الأمر على ما يُرام، فَكُلّ إنسان أدَّى زكاة وقْتِهِ بأداء العِبادات بإتْقان، وطلب العِلْم الشَّرعي، فإنَّ الله تعالى يحْفظ له بقيَّة وقْتِهِ، قال تعالى:

 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾

 

[سورة الليل]

 هذا قانون التَّيْسير والتَّعْسير، لذا كلام العوام مِن أنَّ فلانًا محظوظٌ ذاك يَدُهُ خضْراء، هذا كلام لا أصل له، فالتَّيْسير والتَّعْسير لهما قانون فالذي يُؤَدِّي زكاة وقْتِهِ يطرحُ الله له البرَكَة في وقْتِهِ، ويقوم بأعمال تُكَلِّفُ الساعات الطِّوال بِساعة واحِدَة ! فمن صلَّى الصلاة بِوَقْتِها باركَ الله له بِوَقْتِهِ.
 فقوله تعالى:

 

﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾

 

(سورة النور)

 هذه الآية مُتَعَلِّقَة بالوقت فهذا الإمام أبو حنيفة أحَدُ أسباب طلبِهِ العِلم هو اطِّلاعُهُ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مفادُهُ أنَّهُ من طلبَ العِلْم تكفَّل الله له بِرِزْقِهِ ! فأنت لن تَجِدَ تحت الوِسادة ألف ليْرة، ولكنَّ الله تعالى يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ جُهْدُهُ قليل ومرْدودُهُ كبير، فهذا هو معنى تكفَّل الله له بِرِزْقِهِ، فطالبُ العِلْم مرْزوق، ومن سلك طريقًا يلْتَمسُ فيه عِلْمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنَّة، وإنَّ الملائكة لتضَعُ أجْنِحَتها لِطالبِ العِلْم رضًى بِما يصْنَعُ، فالذي يُؤَكِّدُ إنسانِيَّتَكَ طلبُ العِلْم، ولا يوجد إنسانٌ يؤْثر جانب الله إلا ويُعطيه الله الدنيا والآخرة، من آثَرَ دُنياه على آخرتِه خسرهما معًا، ومن آثر آخرتَهُ على دُنياه ربِحَهُما معًا.
فالقصْد أن يغْتَنِمَ الإنسان وقْتَهُ في معرفة ربِّه ومنهجه تعالى، ومعرفة نبيِّهِ صلى الله عليه وسلَّم، وما سرُّ وُجودِهِ ؟ وغايَةُ وُجودِهِ، وكيف يبيع ويشْتري ؟ وكيف يُربِّي أولاده ؟ وكيف يُزَوِّج ؟ فالناس يقعون في الحرام والظُّلم، والمصائب تأتيهم من كلّ جانب مِن جهْلهم بالله تعالى وبالتالي بِخروجِهم عن منهَج الله، وبالتالي تَحَمُّلهم العِقاب الإلهي، لذا لا بدّ مِن طلب العلم على كل مسْلم، وهذا مهما كان اخْتِصاصُك، ووظيفتُك قال تعالى:

 

﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾

 

(سورة النور)

 أوحى ربُّك إلى الدنيا أنَّهُ مَن خَدَمَني فاخْدُميه ومن خَدَمَكِ فاسْتَخدميه وما أحبَّ عبدٌ الدنيا إلا انفرط منها بِثَلاث ؛ شُغْلٍ عناه، وأملٍ لا يُدْرِكُ مُنتَهاهُ وفقْرٍ لا يبْلُغُ غِناه ! وإنَّ أسْعَدَ الناس في الدنيا أرْغَبُهم عنها، وأشْقاهُم فيها أرغَبُهم فيها ! خُذْ مِن الدنيا ما شئْت وخُذ مِن قَدَرِها همًّا، فَحَجْمُ الهُموم يتناسَب مع حجْم الدنيا، وقد يموت الإنسان بالسَّكْتة القلبيَّة من جرَّاء الدنيا.

 

تحميل النص

إخفاء الصور