وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة النور - تفسير الأية 39 شُعور خَيْبَة الأمَل مِن أشَدِّ المشاعرِ إيلامًا بالنَّفْس.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، فالآية التاسعة والثلاثون من سورة النور وهي قوله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

[سورة النور]

 شُعور خَيْبَة الأمَل مِن أشَدِّ المشاعرِ إيلامًا بالنَّفْس ! فالتاجِر يبْذُل الجُهد سَنَواتٍ مُضْنِيَة في البيْعِ والشِّراء، وتَحْصيل الثَّمَن، وتسْليم البِضاعة ثمَّ تكْتَشِفُ أنَّكَ خاسِرٌ فيها ! فهذه الجُهود انْتَهَتْ إلى خسارة.
 تشْتري محلاً تِجارِيًّا بِأعلى مبْلَغٍ، لِتُقيمَ فيه مَشْروعًا حَيَوِيًّا، ثمَّ هذا المَشْروع لا ينْجَح، بنَيْتَهًُ على مُعْطَياتٍ أُلْغِيَتْ ! في بعض شركات السِّياحة لها مواقف في حِمص، المحلّ أصْبح ثمنُهُ ثلاثون مليونًا فجْأةً تحوَّل وأصْبَحَ ثَمَنُهُ خمسة ملايين !! خَيْبَةُ الأمل مُؤْلِمَة جِدًّا، تضَعُ ثقَتَكَ بإنسانٍ ثمَّ تَجِدُهُ نصَّابًا ! تُؤَسِّسُ مشْروعا ليس له جَدْوى اقتصادية إطلاقًا تشْتري بيتًا فإذا بِهَنْدَسَتِهِ خاطِئة !! وتشتري أرضًا بأعلى سِعْر فإذا هي مُسْتَمْلَكَة ! أنا الآن أضْرِبُ لكم أمثلةً من خيْبات الأمَل، قد تُعَلِّق أمَلَكَ بابِنِكَ فإذا به يُسافِر ولا يُهاتِفْكَ ! ويتزوَّج أجْنَبِيَّة ويسْتَقِرّ هناك، ولا هاتف ولا رسالة !! وتُعَلِّق آمالا على زوجة فإذا بِكَ تراها مُنْحازَةٌ إلى غيْرِكَ ! مشاعِرُ خَيْبَةِ الأمَل لا توصَف، فالله عز وجل وصَفَ عَمَل الكافِر، وما سَيُصيبُهُ مِن خَيْبة أمَل كسَرابٍ ؛ كإنسانٍ يمْشي في الصَّحراء وهو في حالةِ عطشٍ قاتِلَة، لمَحَ بِرْكة ماء، فأشْرق في نفْسِهِن نورٌ مِن الأمَل، فلمَّا وصل إلى البرْكة لم يَجِدْها ماءً ولكنَّها سرابٌ ! لذلك الإنسان في الدنيا وهو في مُقْتَبَلِ حياتِهِ يرى أنَّ المال هو كلَّ شيء، وبعدَ حينٍ يرى أنَّ المال شيئًا، وليس كلّ شيءٍ، فَقُبَيْلَ الموت لن يراهُ شيئًا، وفي مُقْتَبَلِ حياتِهِ يرى أنَّ المرأة كلَّ شيءٍ، وبعد حينٍ يراها شيئًا وليس كلَّ شيءٍ فَقُبَيْلَ الموت لن يراها شيئًا ! فالله عز وجل يُبَيِّن لنا ؛ أنَّهُ قبل أن نصِلَ إلى هذه التَّجربة المُرَّة، فَمِن العَقل أن تصِلَ إلى الشيء قبل أن تصل إليه ! فالطبيب يقول لك: الدُّخان يُسَبِّبُ جَلْطةً ؛ هذا كلام، فإذا كان هناك عَقْلٌ راجِحٌ أقْبلُ هذا الكلام، وأسْتجيبُ له، وإن لم يكن هناك عقْل راجِح حينما يأتي المرض العُضال أتأكَّدُ مِن كلام الطبيب ولكن قبل فوات الأوان ! من هو العاقِل ؟ هو الذي لا ينْدم، ومن هو الجاهل؟ الذي لا يسْتَخْدمُ عقْلَهُ، هاك مثلٌ بسيطٌ، بعتَ بيتَك بعملة أجنبيةٍ و معك في جيبك جهاز لكشف زيف هذه العملة أو صحتها، قبضتَ الثمنَ كاملًا و عددْتَه بالتمام و ما خطرَ ببالك أن تستخدم الجهازَ فإذا العملة كلُّها مزوَّرة فذهب البيت سدًى و أنت محاسب قانونيًا، ومعك جهاز تستخدمه في ثانية أليس هذا يستدعي أشدَّ الندم، الآية دقيقةٌ جدًّا، قاتل تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾

 

[سورة النور]

 يا ربي أنا أنجزْتُ مشروعًا حضاريًا مثل مُجمَّع سياحيٍّ ـ مسابح و ملاعب و نادي ليلي ـ و يوم القيامة ماذا عملتَ ؟ماذا فعلتَ في الدنيا ؟ كنتَ سببَ الفساد و سبب فساد الأسر و انحراف الشباب و انغماس الفتيات في الملذاتِ المحرمة و ضياع الشرف و الكرامة، مشروع حضاري ‍قال تعالى:

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 أيها الأخوة الكرام ؛ ألصقُ شيءٍ فيك هو عملك، كل شيءٍ يزول بعد الموت و يبقى العمل، و القبر صندوق العمل، واسألْ دائمًا ما عملي ؟ يا بشر لا صدقة و لا جهاد فبِمَ تلقى اللهَ إذًا، فإذا كان عملُ الإنسانِ محرَّمًا أو بضاعته محرمةٌ أو طريق التعامل محرم فلْيَصْحَ قبل فوات الأوان، لأن الله قال:

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 يا ربي تركتُ لأولادي الملايين و لكنِّي لم أُربِّيهم، ليس هذا هو العملُ، أنفقوا هذا المالَ في المعاصي فكل ذلك في صحيفة الأب، يا ربي لا أدخل النارَ حتى أُدخِل أبي، هو سببُ شقائنا و ما علَّمنا و لا وجّ‍هنا، سؤالٌ كبيرٌ ؛ ما عملُك؟ هل لك عمل ؟ هل ربَّيْت أولادك ؟ و هل دخلُك حلالٌ ؟ و تجارتك مشروعة؟

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 يا ربي أنشأنا مستشفى من أعلى مستوى، ولكنَّ الفاتورة مدهشة، فليس عملا خيريًا،

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 يا ر بي أنشأنا معهدًا مختلطًا حضاريًا، فكم من علاقة شائكةٍ بين الذكر و الأنثى في هذا المعهد؟! الذي أسَّسه هو السبب،

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 يا ربي أقمتُ تجارةً واسعةً من أجل الترفيه على الناس، استوردَ الأفلامَ و وزَّعها و لاقتْ رواجًا كبيرا،

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 هنا ك الآلاف من الأمثلة عمل يبدو للناس عظيما،

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 الكافر أنبأنا اللهُ أنه سوف يلقى هذا الجزاءَ، سوف يجد عمله الذي عمله في الدنيا و الذي يبتغي به الرفعةَ عند الناسِ و الثروةَ و الانغماس في الملذَّاتِ المحرمة، هذا العمل قال تعالى:

 

﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾

 

[سورة النور]

 ما فائدةُ الدينِ ؟ الله الخبيرُ بيَّن لك في أولِ حياتك، هذا الشيءُ هكذا حجمُه، و الدنيا جيفةٌ و طلَّابها كلابٌ، و لو أن الدنيا تعدل عند الله.."
 يا دنيا طلَّقتُكِ بالثلاث،غُرِّي غيرِي، شأنُكِ حقيرٌ و أمدُكِ قصيرٌ، هكذا قال سيدُنا عليٌّ، فلذلك الإنسانُ يسأل هذا السؤالَ وهو أخطرُ سؤالٍ ؛ ما العملُ الذي أُقدِّمه للهِ عند الموتِ ؟ الذي ربَّى أولادَه تربيةً دينيةً هذا العملُ يلقى اللهَ به و يستحِقُّ به دخولَ الجنةِ، فالأُبُوَّةُ الصالحةُ تكفي لدخول الجنةِ و البُنُوَّة الصالحةُ تكفي، و أن تختار حرفةً مشروعةً و أن تسلكَ بها الطرقَ المشروعةَ و أن تكفيَ نفسَك بها و أن تعينَ المسلمينَ على دنياهم، هذا العمل تدخل به الجنةَ، وإن طلَبْتَ العِلْم وعَلَّمْتَهُ تدْخل به الجنَّة، ونحن سؤالنا اليوم: ما العَمَل الذي يُؤَهِّلُني لِدُخول الجنَّة ؟ الإنسان لا يكون مُسْتَهْلك، فَيُمكن للإنسان أن يُمْضِيَ الوقت رتيبًا ؛ أكلنا وشَرِبنا، ولبِسنا، وتاجَرنا، وتنزَّهْنا إلى أن يأتي الموت ! لا تَكُن مُسْتَهْلكًا، واجْلِس مع نفْسِكَ جلْسة تتأمَّل كيف ألقى الله، وبأيِّ عملٍ ألقى الله، عبْدي بَعَثْتُكَ إلى الدنيا، وأقَمْت فيها ثلاثًا وثمانين عامًا، الآن جِئْتنا ماذا فَعَلتَ ؟ خمسون سنة وهو يَدْعو إلى الإلْحاد، فجاء ملك الموت ! ماذا فَعَلْتَ في الدنيا ؟ أكَّدْتَ للناس أنَّ الكون دون خالِق، والدِّينُ أفْيون الشُّعوب، فالواحِد عليه أنْ يرى ما العَمَل الذي ينْبغي أن يفْعلَهُ ؟ هناك عمل فِكري هَّدام، وآخر بنَّاء، وعمل مادِّي خيري، وآخر شرِّي وعمل فيه إفساد ذات البيْن، دخل عليَّ رجل فقال لي مُتَفلْسِفًا: أنا عملي اسْمُهُ دَرْسِ ورْك ‍! العمل القَذِر !!
 لذلك هذه الآية درسٌ بليغ، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾

 

[سورة النور]

 السَّراب ظاهرة فيزيائية معْروفة، فانْعِكاسات الشَّمس على الأرض تُشَكِّل مُسَطَّح مُضيء قال تعالى:

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾

 

[سورة النور]

 إذا الواحِد وجد قنبلة أليس من الحِكمة أن يدْعو خبيرًا ؟ أم يتعرَّف لِحالهِ ؟ فالإنسان إذا أخذ كلام الخبير أفضل من أن يُجَرِّب بنفْسِهِ، فالعالم يأخذ كلام الخبير، ويسْتفيدُ منه، وأما الجاهِل فيَخْتبِرُ الأمر بِنَفْسِهِ فيكون هو الضَّحِيَّة.

 

تحميل النص

إخفاء الصور