وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة النور - تفسير الآية 62 المجتمع الإسلامي مُجتَمَع مُترابِط.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام، فالآية الثانية والسِّتون من سورة النور وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)﴾

[سورة النور]

 ماذا نفْهم من هذه الآية ؟ إنَّما المؤمنون ؛ فالمؤمن الحق هو الذي يفْعَلُ كذا وكذا، وإن لم يفعل كذا وكذا فليس مؤمنًا كامِلَ الإيمان، ونسْتنبط من هذه الآية أنَّ المجتمع الإسلامي مُجتَمَع مُترابِط، فاسْتِماع دون تَقديم أيّ خِدْمة لِجَماعة المؤمنين، ليس هذا هو الإيمان، قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

 

[سورة النور]

 مِن لوَازِم الإيمان بالله ورسوله أنَّهم إذا كانوا معه على أمْرٍ ذو شأنٍ كَغَزْوةٍ أو معركة، سوف يقْتَحِم، ويُعَدُّ لها، قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾

 

[سورة النور]

 خُروج الإنسان يحْتاج إلى تنسيق مع رسول الله، ولعلَّ هذا الإنسان لهُ مُهِمَّة خطيرة جدًّا، والنبي عليه الصلاة والسلام سَيُكَلِّفُهُ بِها، فإذا خرَجَ مِن دون أن يستأذِن فقد أفْسَد خِطَطَ النَّبي، هناك معنى، وهناك ما خلْفَ المعنى، أو ما بين السُّطور، أو الروح العامَّة للآية تُشير إلى أنَّ المُجْتمَعَ الإسلامي مُجْتَمَعٌ مُتَعاوِن، وكلّ واحِد يُقَدِّم للمَجْموع مِن اخْتِصاصهِ وقُدُراتِهِ ما يتناسَب مع حاجة المجموع، فليس المقْصود الاسْتِئذان، ولكنَّ المقصود أنَّ المجتَمَع مُتعاوِن، فكلٌّ منهم يُعين أخاه والمجتَمَع الإسلامي إذا كان مُتَرابِطًا، ومُتَعاوِنًا، ومُتبادِل، فالله جلَّ جلاله يقول في الحديث القُدسي:
 عن معاذ بن جبل قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))

 

[رواه أحمد]

 فلو أنَّ إنسانًا مثلاً يُتْقِنُ الكهرباء ووجَدَ أنَّ الجامِع يحْتاج إلى إصْلاح، فعرَضَ خدماتِهِ، أما الذي لا علاقة له بالمسلمين، ولا يُقَدِّم ولا يؤخِّر، فهذا اسْمُهُ تعليم، أما التربيَة ففيها التَّعاوُن، وتعارُف.
 هذه الآية خاصَّة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأصْحابِهِ، ولكن ماذا نسْتفيد منها نحن كَمُجْتَمَعٍ مسْلِمٍ ؟ نسْتفيد في التَّعاوُن، فأنت إذا كنت في مجْتَمع المسلمين لا بدَّ أن تهْتَمَّ بِأحوال الناس وبِمُشْكِلاتِهم وحاجاتِهم، فهذا التَّعاوُن، فالواحِد من المجموع، والمجموع من الواحِد، قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾

 

[سورة المؤمنون]

 هذه الأداة أداة قصْر، فما بعدها مَقصورٌ عليها قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾

 

[سورة النور]

 عدمُ الانْتِماء، والتَّحَرُّر مِن كلّ قَيد، وعدم بَذْل أيِّ شيء، ليس هذا هو الإيمان، فالإيمان عطَاء، وبِمُجَرَّد أن يسْتقرَّ الإيمان في النَّفْس يُعَبِّرُ عن ذاتِهِ بِحَرَكَةٍ نحو خِدْمة الآخرين، فالذي يسْتَمِع بإصْغاء، وليس فيه فائِدَة، ومن دون أن يُقَدِّم أو يُؤخِّر فالإنسان إذا كان طبيبًا أو صاحِب مخْبر، لا بدّ أن يُقَدِّم المُساعدة لِهؤلاء الفقراء، تشْعُر بِسَعادة كبيرة وهذا دهَّن المسْجِد، وذاك راعى إخوانَهُ وذاك جرَّاح يُقيم عملِيَّات جِراحِيَّة، أنا الآن أضرب الأمثلة، فالله تعالى قال:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾

 

[سورة النور]

 وأكثر ما نحْتاج إليه نحن اليوم تَزْويج الشَّباب، فتاجِر العمار إذا كان عندهُ بيوت لم تُفْتَح بعدُ ؛ لك أن تُخَصِّص بيتًا للفقراء للأجرة، فالعِبرة أن تعْمل شيئًا لله بِحَياتِك، طبّ أو هنْدسة أو مُحاماة أو مُدَرِّس أو تاجِر أو صانع، أنا ضربتُ هذه الأمثلة كي تعلمَ أنَّك مع المؤمنين وأنَّك واحِدٌ منهم، وكلُّنا لك، وأنت لنا، فالأصل إعانة المؤمنين، والعوام لهم لطيفة فيقولون المركب إذا لم يكن فيه شيء لله يغْرق ‍! فالله تعالى قال:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

 

[سورة النور]

 فالنبي عليه الصلاة والسلام انْتقل إلى الرفيق الأعلى وأصحابه الآن في البرزخ وفي روضات الجنَّات إن شاء الله تعالى.
أعرف امرأة أُصيبَتْ بِمَرضٍ عُضال ثمَّ شفاها الله سبحانه وتعالى وهي في مرضِها نذَرت أن تخْدم المسلمين، ماذا فعلتْ ؟ لم تكن تملكُ شيئًا فأصْبَحَتْ تطْبُخ للفقراء، والمبْلغ الذي تأخذُهُ تُقَدِّمه لإجْراء عمليَّات جِراحِيَّة، فهذه المرأة لا تمْلُك إلا أن تطْبخ، فالإنسان إذا نوى أن يُقيمَ العمَل الصالِح هناك ألف عمل صالِح، وأجْدادُنا تفنَّنوا في العمل الصالِح. أيها الأخوة، الإنسان الخالي من العمل الصالِح لا يمْلكُ شيئًا، فإن قلتَ الشمس ساطِعة ! فأنت إن قلتَ ساطِعَةً أم لا، فأنت لم تُقَدِّم ولم تُؤخِّر ! أما بالعمل الصالة ترقى وتَجِدُهُ في القبر، والقبر صُندوق العمل.
 مِحْور الآية اليوم، إذا كلّ أخ منَحَ من اخْتِصاصِهِ لله تعالى، ومنحه للمؤمنين الفقراء، يكون قد ساهَمَ في تحقيق هذه الآية، و حينها يفْرح المسلمون، وحينها يحْفظنا الله.
 آيتنا اليوم لها منْطوق ومَفهوم، فَمَنطوقها مَفهوم، وهو أنَّ الله تعالى وجَّه الصحابة أن لا يُغادِروا مُجْتَمَعهم إلا بإذْن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أما مَفهوم الآية هو التَّعاوُن والتعارف والتبادل، ووجَبَتْ محبَّة الله للمُتحابِّين فيه، وقد حضرتُ عِدَّة عُقود قِران، فما قُدِّمَت الهدايا، وإنَّما جُعِلَت للفقراء، وإنشاء المعاهِد الشَّرْعِيَّة، ونحن نتمنَّى أن تُلْغى الهدايا وتُقَدَّم لِفُقراء المسلمين، وبالمقابِل تجد أعراس ثَمَن الزُّهور فقط يُكَلِّف ما يتزوَّج به عشرون شابًّا ! وكلَّما بخل الأغنياء، وقل التَّدَيُّن كثر النَّهب والاغْتِصاب، لذلك الأغنياء أوْصِيائي، والفقراء عِيالي، فَمَن منَعَ مالي لِعِيالي أذَقْتُهُ عذابي ولا أُبالي، وقِوامُ الدِّين والدنيا أربعة رِجال: عالِمٌ مُستعملٌ علْمهُ، وجاهِل لا يستنكِف أن يتعلَّم، وغَنِيّ لا يبْخل بِمالِهِ وفقير لا يبيعُ آخرته بِدُنياه، فإذا ضيَّع العالم عِلْمَهُ اسْتَنْكَف الجاهِلُ أن يتعلَّم، وإذا بَخِل الغنيُّ بِمالهِ باع الفقير آخرتَهُ بِدُنيا غيْره، فآيتنا فيها مفهوم ومنْطوق، قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

 

[سورة النور]

 والله أيها الأخوة، زارني أخٌ دكتور معه ثلاثة بورْدات، فقال لي: أيُّ عَمَلِيَّة اسْتِئصال لا بدَّ من طبيبَيْن أو ثلاثة، فزارني أخ مهندِس وقال لي: بنتي معها اسْتِئصال كِلْية والطبيب يقول اليوم تُجْرى العَمَلِيَّة ! فقلتُ له: سأُرْشِدُكَ عند طبيب مُختصّ ولا تأخذها عند الطبيب المُقَرَّر، فلما ذَهَب عند الطبيب المختصّ الذي أرْشَدْتُهُ إليه قال له: ابْنَتُكَ لا تحتاج إلى عَمَلِيَّة بل كِليَتُها سَتعْمَل بعد شَهْر ! وبعد بِثمانِيَة عشر يومًا قال لي هذا المهندس: اشْتَغَلَتْ كِليَةُ ابْنتي! فلذلك هذا الطبيب ما فعَلَ إلا أنَّهُ قدَّم نصيحةً، والْتَغَتْ العَمَلِيَّة الجِراحِيَّة، وربِحَت البنت كِلْيَتَها، وفي أحد المرَّات قال لي أخ: إذا اشْتَرَيْتَ برَّادًا فلا تُنَيِّمْهُ إذا أخَذْتَهُ إلى البيت بل اجْعَلْهُ واقفًا، لأنَّ إذا أوْصلتَهُ بالكهرباء في البيت يحْترق المُحَرِّك ! فوجَدتُ أحد الأخوة وقد اشترى برَّادًا فقلتُ له لا تجْعلهُ مائلاً لأنَّ المُحرِّك يحْترق، وإذا أخذْتَهُ للبيت دَعْهُ يرتاح ثماني ساعات، فالحياة للتَّعاوُن، وتقديم نصائِح لِوَجه الله تعالى.

 

تحميل النص

إخفاء الصور