وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة يوسف - تفسير الآيتان 22 - 23 العِلْم علاقة بين مُتَغَيِّرَيْن .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، ففي قوله تعالى الآية الواحدة والعشرين من سورة يوسف عليه السلام:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)﴾

[ سورة يوسف ]

 العِلْمُ مَعْروف ؛ وهو أن تَكْشِفَ العلاقة القَطْعِيَّة بين ظاهِرَتَيْن، وأن تَقْطَعَ بين هذه العلاقة، وأن تُطابِقَ الواقِع، وأن يكون عليها دليل وهذا هو العِلْم.
 فلو داخل الشكّ أصْبحَت وَهْمًا، أو شكًّا أو ظنَّا، فالوَهْم ثلاثون بالمائة والشَّك خمسون بالمائة، أما الظنّ سبعون بالمائة، أما العلاقة مَقْطوع بِصِحَّتِها أي مائة بالمائة، وهذه اسمُها اليقينِيَّات، قال تعالى:

﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5)لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ(7)ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ(8)﴾

[ سورة التكاثر ]

 فالجَهَلة والعوام دائِمًا يتعاملون بالأوْهام وبالخُرافات، وبالدَّجَل، وبِكُلِّ شيءٍ بعيد عن الواقِع، وعلامة العِلْم مُطابَقَتُهُ للواقِع، وهذه مِن تعاريفِهِ الموجَزَة ؛ وَصْفٌ مُطابِقٌ للواقِع ومعه الدليل، فإذا خلى العِلْم من الدليل أصْبَحَ تَقْليدًا، والتَّقْليد غير مَقْبول في الدِّين، فلو قُبِلَ التَّقْليد في الدِّين لكانتْ كُلّ الفِرَق الضالَّة عند الله مَقْبولة لأنَّها قلَّدَتْ مَن دعاها إلى الله تعالى بِهذه الطريقة ‍! فالأتْباع ما ذَنْبُهُم ؟ دُعُوا إلى هذه الطريقَة فصَدَّقوا !! أما العِلْم ؛ الوَصْفُ المُطابِقُ للواقِع مع الدليل، وإذا خلى العِلْم من مُطابَقَتِهِ للواقِع كان جَهْلاً ويا أيها الأخوة، هناك مَن يتوهَّم أنَّ الجَهْل هو مَن لا يعْلَم ! الجاهل مَن بِحَوْزَتِهِ مَعْلومات ولكنَّها غلَط، فهؤلاء يقولون: الاخْتِلاط يُهَذِّب النُّفوس، والإسْراف في الشَّهْوَة يُعَدِّلُها !!

فلا تَروا بالمعاصي كَسْر شَهْوَتِها  إنَّ الطعام يُقَوِّي شَهْوَن النَّهِم
***

 واسْتِثْمار المال بِطَريقَة ربَوِيَّة تُنَمِّيه ! فالجاهل هو الذي اعْتَقَد بِمُعْتَقَدات يرفُضها الواقِع، أما الذي لا يَعْلم هو الأمِيّ.
 فأصْبَحَ العِلْم علاقة بين مُتَغَيِّرَيْن ؛ مَقْطوعٌ بِصِحَّتِها، فلا مجال أن تقول: لعلَّ، أو بالمائة تسعين..قال تعالى:

﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5)لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ(7)ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ(8)﴾

[ سورة التكاثر ]

 وقال تعالى:

﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)﴾

[ سورة البقرة ]

 وقال تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ(15)﴾

[ سورة الحجرات ]

 لذا يجب أن تتعامَل مع اليقينِيَّات، هذه أوَّل نُقْطة.
 النُّقْطة الثانية ؛ أن تكون مع الأدِلَّة، وإنَّما الطاعة في مَعْروف، فلا تقْبل شيئًا من دون دليل، ولا ترفض شيئًا من دون دليل، لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا أرسل سَرِيَّةً وأمَّر عليها أنْصارِيًّا ذا دُعابَة وأمر بإبرام نارٍ وقال: اقْتَحِموها، فقال أصحاب النبي: كيف نَقْتَحِمُها وقد آمَنَّا بالله فرارًا منها ؟! قال بعضهم: بل نَقْتَحِمُها لأنَّ طاعة الأمير هي طاعة رسول الله ! فاخْتَلفوا، فعَرَضوا أمْرهم على النبي صلى الله عليه وسلَّم، فقال:

((والله لو اقْتَحَمْتُموها لازِلْتُم فيها، إنَّما الطاعة في مَعْروف ! ))

 فلا تَقْبَل شيئًا دون دليل، ولا ترفض شيئًا من دون دليل وهناك دليل نَقْلي، وآخر عَقْلي، وآخر واقِعي وفِطْري، فإذا اجْتَمَعت هذه الأدِلَّة كلُّها كان هذا هو الحق.
 مَن هو السَّعيد ؟ الذي مَجْموع اعْتِقاداتِه وتَصَوُّراتِه مُطابقة للواقع والفِطْرة والعَقْل والنَّقْل، لذلك أعْظمُ شيءٍ يُعْطيكَهُ الله أن تكون عالِمًا لأنَّ العِلْمَ يُؤَكِّدُ إنْسانِيَّتَك، فأنت إنسان لأنَّك تَعْلَم، فإن لم تكن كذلك فأنت تُشبِه بعض المَخلوقات في الوظائف الحَيَوِيَّة وهي ليْست من بني البشر ! طعام وشراب وإفْراز ودوران ودم وعضلات وأعْصاب ونوم وعمل واسْتِمْتاع وجِماع، فهذا كُلُّه تقوم به الحيوانات، فأنتَ إنْ رَفَضْتَ العِلْمَ رَفَضْتَ إنْسانِيَّتَك ووُجودَك، لذلك رُتْبةُ العِلْم أعلى الرُّتَب قال تعالى

 

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 العلماء قالوا: الحُكْم هو التَّصرُّف الحكيم، وهو سُلوك، أما العِلْم فَهُوَ حقائق، فالحقائق التي في ذِهْنِكَ يُعَبَّرُ عنها بِسُلوك حكيم، فالحكيم هو الذي يقول القَوْل المناسب في الوقت المناسب مع الشَّخْص المناسب والذي يُعْطي العطاء المناسب في الوقت المناسب، مع الرجل المناسب، أعلى درَجَة تُمْنَحها أن تكون حكيمًا، فالحكيم يُغَيِّر الأمْر من السيئ إلى الأحْسن والحكيم يُجْلب المال، والأَحْمَق يُبَدِّدُهُ، والحكيم يعيشُ سعيدًا في بيتِه ويكْسب رِزْقه الحلال، والحكيم يتعرَّف إلى الله تعالى، ويَحْيى سعيدًا ويموتُ سعيدًا.
 فيا أيها الأخوة، قد أعطى الله المال لِمَن لا يُحِب، قال تعالى:

﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)﴾

[ سورة القصص ]

 فالواحِد إذا أعْطِيَ المال لم يكن هذا دليل الحب من الله، فقد يكون كذلك وقد يكون لا ! فالمال ليس دليلاً، ولا مِقْياسًا إنَّما يعْتبِرُ الدليل أنَّه تعرَّف على الله تعالى، وأعانه على طاعتِهِ، وكذا المُلْم فقد أعْطاه لِفِرْعَون، وأعْطاه لِسُلَيْمان، وكذا ذو القَرْنَيْن فَفِرْعَون قال عنه تعالى:

﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ(38)﴾

[ سورة القصص ]

 وقال تعالى عنه:

﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى(24)﴾

[ سورة النازعات ]

 لكنَّ المِقْياس كما قال تعالى:

 

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 لذا هنيئًا لِكُلِّ مؤمن نصيبهُ من الله كنَصيبِ الأنبياء، مِن النَّوْع نفْسِه أما بالدَّرجة فلا ؛ الأنبياء أنبياء، لكنْ أعْطاكَ شيئًا مِن العِلْم والحِكْمَة وساعة الأُفُق، وشيئًا مِن إدراك الحقائق، والبصيرة، والتَّصرُّف الحَسَن ؛ هذا مِن نِعَم الله الكُبرى، فَسَيِّدُنا يوسف امْتَنَّ عليه الله بالعِلْم والحِكمة، فما السَّبب ؟ لِمَ لمْ يُعْط غَيْرَهُ ؟ هل عطاء الله تعالى مُقَنَّن أم غير مُقَنَّن ؟ هل يُعْطي تعالى دون قواعِد ؟ الحقيقة أنَّ العطاء مُقَنَّن والدليل الآية:

 

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 لا تظنّ المسألة تاريخ، وأنَّ هذا نبيٌّ فعل به الله تعالى هكذا ! لا، هذا قانون، هذا القرآن ليس تاريخًا إنَّه قوانين، قال تعالى:

 

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 كُلّ واحِد مُحْسِن نُؤتيه حُكْمًا وعِلْمًا، فالشيء إذا عرف ثمنُه انتهى، أما هناك أشياء مُسْتحيل أن تصِلَ إليها، أما هناك أشياء يُمكن أن تصِل إليها، هل يُمكن أن تحْمِل الأرض؟! وأن تصِل إلى الشَّمْس ؟:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(14)﴾

[ سورة القصص ]

 قال تعالى:

﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(56)﴾

[ سورة الأعراف ]

 إنَّ رحمة الله قريب من المحسنين، وقال تعالى:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ(18)﴾

[ سورة السجدة ]

 أكثرُ شيء أُركِّزُ عليه أنَّ الله تعالى لمَّا قصَّ هذا القصص ما أرادهُ تاريخًا، لذلك أحْيانًا تتساءَل: يا رب، لماذا تُغْفل أسماء الشَّخْصِيَّات ؟ وأسماء الأمْكِنَة ؟ والأزمان ؟ القِصص القرآنِيَّة أكثرُها مُجْمَلَة ! مَن هو ذو القرْنَيْن ؟ وبأيِّ زمان ؟ وبأيِّ مكان ؟  إذا أردْتَ أن تصِل إلى لا تفاصيل القصص والجُزئِيَّات، وإلى التواريخ والأمكِنَة والأزْمِنة، أنت بِهذا تُفْسِدُ على الله تعالى حِكْمَتَهُ، فهو تعالى ما أرادها قِصَصًا، إنَّما أرادها حقائق مُتَجَدِّدَة، فالله تعالى ما أراد ذا القَرنين أن يكون تاريخًا إنَّما نموذَجًا مُتَكَرِّرًا، فلو كُنْتَ رئيس دائرة فقد يكون هذا طريقًا إلى الجنَّة والإنصاف والعَدْل، فإيَّاك أن تتوهَّم أنّ المناصب العالِيَة تتناقض مع الدِّين، المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف لأنَّه كلَّما ازْدادَت القوَّة ازْدادَتْ دائرة الخَدَمات.
 إذًا أنت إذا أردْتَ التَّفاصيل بِهذا تُفْسِدُ على الله تعالى حِكْمَتَهُ، سيِّدُنا يوسف انتقل إلى رحْمة الله، وهو في مرْتبةٍ عالِيَةٍ جدًا، لا يرْفَعُنا مدْحُنا له، ولا يخْدش من قَدْرِهِ إذا لم نفْهم ماذا فَعَل، نحن المُعَوَّلُ علينا ! يا ترى هل همَّ بها ؟ لا، ما همَّ بها، إنَّما همَّ بِدَفْعِها، هَمُّهُ غير همِّها، وهناك رأي آخر، وهو أنَّه لو لم يكن في قلبِهِ نور لَهَمَّ بها فيَجِب عليك أن تُنَزِّه الأنبياء، وأنَّ مقامهم عالٍ جدًا، وأنَّه لو همَّ بها لما كان نَبِيًّا، فالواحِد إذا بدأ أوَّل خطواتِهِ بالمَعْصِيَة سَقَط، ولو ندِمَ.
 قال تعالى:

 

﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ﴾

 

[ سورة يوسف ]

 الإغْلاق شيء، والتَّغْليق شيء آخر، يُمْكن أن تُغلق كلّ الأبواب لكنَّ باب السَّماء مَفْتوح، الله يراك حينها خشَعَ قلبُه وابْتعد عنها.
 ثمَّ قال تعالى:

 

﴿ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 أي هُيِّئْتُ لك قال تعالى:

 

﴿رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

 

[ سورة يوسف ]

 أيُّها الأخوة الكرام، هناك مَعْنى فاسِد وخطير فَبَعْضُ إخواننا الدُّعاة عن طيبِ قَصْدٍ يتداولونه، ألا وهو قوله تعالى:

 

﴿رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

 

[ سورة يوسف ]

 ربِّي أي سيِّدي، وهو زَوْجُكي، فهو الذي أحْسَن مَثْواي، فعلى هذا المعنى ما الذي منَعَهُ من الزِّنا ؟ هو إحْسانُ سيِّدِها، فلو لو لم يكن مُحْسِنًا لزنى بِها، وهو معنى فاسِد، ولكن معنى ربِّي هو الله تعالى أحْسن مَثْواي، فالمعنى الأوّل لا يُمْكن أن يُقْبَل، فالزَّوْج سواء كان مُحْسِنًا أو غير مُحْسِن لا يُمْكن أن يُقْدِم يوسف على هذا العمل الخبيث، فلذلك إنَّه ربي أي الله أحْسنَ مَثْواي فكَيْف أحْصيهِ ؟ وقد أكْرمني.
 ولمَّا ربُّنا قال:

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(2)﴾

[ سورة النور ]

 قدَّم الزانِيَة على الزاني لأنَّها السَّبب في الزنا ؛ لأنَّها هي المُغْرِيَة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))

 

[ رواه الترمذي ]

 لذلك الخلوَة حرام، وهي مُقَدِّمات الزنا.
 غير مُتَزَوِّج، والتي دَعَتْهُ إلى الزِّنا ليس من صالِحِها أن يكشف الخبَر عنها، والأمر الآخر أنَّها زوْجة ملِك، وحَتْمًا هي جميلة لأنَّ المُلوك يَنْتَقوا زوْجات جميلات، وهو غريب، والأبواب مُغَلَّقة، وهو رَيْعان شبابه، وهي ذات مَنْصِب وجمال، إلا أنَّهُ اسْتحْضر عظمة الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾

 

[ سورة يوسف ]

 والإنسان يرْقى بالشَّهْوة مرَّتَين: ترْقى بها مرَّةً صابِرًا، وأخْرى شاكِرًا لا يوجد شَهْوة أوْدَعَها الله فينا ثمّ حرمنَا منها، إنَّما رسَم قناةً نظيفة لهذه الشَّهوات ؛ النِّساء بالزَّواج، والمال بالعَمَل، والعلوّ في الأرض بالعمل الصالح وخِدْمة الناس، وهناك شُهْرَة إيجابِيَّة وأُخرى سلبيَّة فهناك مَن يشْتهر بالجريمة، وهناك من يشْتهر بالعمل الصالح، وإن شاء الله تعالى نُتابع الحديث عن هذا النبي العظيم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور