وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 17 - سورة يوسف - تفسير الآيات 81 - 86 الإيمان لا يكون إلا بالصبر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، لازلنا في سورة يوسف عليه السلام، قال تعالى:

﴿ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾

[ سورة يوسف ]

 الصبر الجميل أيها الأخوة نتيجة لِمَعرفة الله عز وجل، ونتيجة طبيعِيَّة لِمَن يؤمن بأنَّ الله تعالى إذا أراد شيئًا وقَع، وإذا وَقَعَ الشيء أراده الله
 الصبر الجميل هي نتيجة طبيعِيَّة لإيمان المؤمن بِهذه الحقيقة التي هي أصْل في العقيدة، وإذا أراد الله شيئًا أن يكون كان، وإذا رأيْتَ شيئًا قد وَقَع فقد أراده الله، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُمكن أن يكون في مُلْكِهِ إلا ما يُريدُهُ، ولا يكون في مُلْكِهِ شيء لا يُريدُهُ، ومن ألوهِيَّتِهِ أن إذا أراد أن يقع شيء وقع، الخيرة فيما اخْتارَهُ الله، ولكنَّ إرادة الله مُتَعَلِّقَة بالحِكمة المطلقة، والحكمة المطلقة أيْ أنّ الله تعالى مُنَزَّهُ أن يفْعَلَ فِعْلاً غير حكيم لِعِلَّةِ الجَهْل أو الضَّغْط أو الإغْراء، فالإنسان يرتكب حماقة بِسَبب ضَغْط ؛ يقول لك: جاءني ضَغْط فوق طاقتي، وهو غير قانِعٍ، أو أغْراه شيء أو جذَبَهُ فارْتَكَب حماقَةً، أو كان جاهِلاً في موضوع ما فارْتَكَب حماقة، فالعَمَل المنافي للحكمة أساسه الإغراء أو الضَّغْط أو الجَهْل، وذات الله سبحانه وتعالى مُنَزَّهة عن كلّ هذا، فأفْعال الله أنَّ كل شيء وَقَع أراده الله، وكل شيء أراده الله وَقَع، وإرادة الله مُتَعَلِّقَة بالحِكْمة المطلقة، وحِكْمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
 أيها الأخوة، حقيقة من أخْطر الحقائق، الشرّ المطلق لا وُجود له بالكون ‍، أي الشرّ لأجْل الشرّ، فيُمْكن لإنسان أن يُخَدِّر إنسانًا ويفتح له بطْنه ويخرجه الزائدة ؛ فهذا شرّ لكنَّهُ نِسْبي، وهدفُهُ نبيل، وهو إزالة الالْتِهاب، إذًا يجب علينا أن نعْتَقِد أنَّ الشر المطلق لا وُجود له بالكون وأيُّ إنسان يعتقد خِلاف هذا، فإنَّه يرتكب الكفر بكمال الله عز وجل ولكن هناك الشر النِّسبي، فهو عندنا نسبي أما عند الله تعالى فهو مُعالجة.
 هذا المعنى إذا ترخَّس في نفْس المؤمن، يصبر، وأنّ ما وقع أراده الله، وهذه الإرادة مُقَدَّسة، فهي رحيمة وعادِلَة وخير، تجد إنسانًا لأتْفَه سبب يسبُّ الدِّين، وهذا مِن جهْلِهِ، أما المؤمن إذا جاءَتْهُ أصعب المصائب تجده يقول: حسبِيَ الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله، يرى يد الله تعمل في الخفاء، وتعْمل فوق أيدي الناس، فالمؤمن الكامل لا يرى أنَّ أفعال العباد إلا تعْبيرًا عن مشيئة الله عز وجل، فالواحد إذا تلقَّى الضربَة بالعصا، فهل يغضب ويحقد العصاة ؟‍‍‍‍! هذه عصاة، وإذا كان الضارب حكيم وعليم وخبير، هذا يعني أنَّ الغلط منه !! تعالى الله، لذا المؤمن لما يتلقى مشكلة أو ضربة يقول لك: فعل هذا معي بِمَشيئة الله، والله تعالى حكيم وعليم ورحيم، لهذا ورد في الحديث الشريف: ما من عثرة ولا اخْتلاج عرق، ولا خدْش عود إلا بِما قدَّمت أيديكم، وما يَعْفو الله أكثر، والمصائب مصائب قَصْم، فالمصائب رفْع للمؤمنين، قال تعالى:

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ(155)﴾

[ سورة البقرة ]

 صَبْرُكَ بِقدْر إيمانك، ومعرفتك بكمال الله، ولا إله إلا الله، فالله هو معطي والقابض، وهو الفعَّال، والمانِع، والمحيي والمُمِيت، وهو المعزّ والمُذِلّ، هناك حديث غريب:

((الصبر هو الإيمان..))

 فأنت لا تصْبر إلا إذا علمْت أنّ الإيمان فيه صبر وحكمة ورحمة، أما ضعيف الإيمان، فيرى الواحد جوعان، ويُصلي، وذلك لا يصلي وسينفجر أكلاً ! ما هذا ؟ هذه نَظْرة قاصرة، قال تعالى:

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾

[ سورة الأنعام ]

 إذًا كلمة فَصَبْر جميل، هذه كلمة ولكنَّها مُحَصِّلَة إيمان كبير جِدًّا وأنت كُلَّما ارْتقى إيمانك تتلقى الأشياء المُزْعِجَة بِصَبْر جميل، وهذا فِعْلُ الحبيب، فهذا الذي تُحِبُّه هذا قرارُهُ، والذي تَعْبُدُه وترْجوه هذه إرادتُهُ.
قال تعالى:

 

﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 لذلك قال العلماء: مرض ابْيِضاض العَيْن سببُهُ نفْسي، والآن يكاد يُجْمِع الطب على أنَّ معظم الأمراض تعود في أسبابها الرئيسة إلى الصَّدَمات النَّفْسِيَّة، بل إنّ مرَضَ السَّرطان الذي هو المرض الخبيث المسْتعصي، في أحْدَث التَّحليلات الدقيقة له ؛ أنَّه مادام النُّمو العَشْوائي للخلايا بِسَبب ضْعف جِهاز المناعة، وجهاز المناعة هو الضابط لِنُموّ الخلايا، وهو يضْعف أثناء الصَّدمات النَّفْسِيَّة، معنى ذلك أنَّ التوحيد هو الصِّحة، فإذا أرَدْت الصِحَّة، فما دام جِهاز المناعة سليم ؛ معنى ذلك أنَّ الأجهزة كلَّها سليمة، هناك آلام عَضْمِيَّة أسبابها صَدَمات نَفْسِيَّة وحتَّى عضليَّة، فهذه الصَّدمات وراء القرْحة، والهضْم والْتِهاب المعِدَة والأمعاء، ومرض السُّكَر، وضغط الدم، فلو أحْصَيْتَ الأمراض لرأيْتَ أنَّ معظم الأمراض أسبابها شِدَّة نَفْسِيَّة، والإنسان يرْتاح بالتوحيد، وما تعلَّمَت العبيد أفضل من التوحيد.
 قال تعالى:

 

﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 قال: يُعاب مَن يشْكو الرحيم إلى الذي لا يرْحَم، والعلماء قالوا: مَن شكى إلى مؤمن فكأنَّما شكى إلى الله، ومَن اشْتكى إلى كافر فكأنَّما اشْتكى على الله، فأنت لو شَكَوْتَ همَّك لإنسان غير ملتزم رأْسًا يقول لك: قلنا لك دَعْك من هذا الدِّين السَّميك !! وأنت مُتَزَمِّت، وأنت تعيش بِعَصْر آخر، أما لو شَكَوْتَ لمؤمنٍ يُصَبِّرُك، ويَهْتمُّ لك، فإيَّاك أن تشْكو همَّك لكافر، لأنَّك تُضيف للمُصيبة مصيبَةً أخرى، والدعاء النبوي الشريف: اللهم إنا نعوذ بك من عُضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السَّلْب بعد العطاء، والأفضل أن لا يشْكو الإنسان همَّه لأحد بل يدعه لله تعالى.
 قال تعالى:

 

﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 فأنت تكبر عند اله تعالى إذا جاءَتْكَ مُصيبَة وما تكَلَّمْتَ لأحدٍ، قال له: يا إبراهيم، هل لك من الله حاجة ؟ سيَحْرَقونه في النار، علمُهُ بِحالي يُغني عن سؤالي، فإذا كان الأمر مع المؤمن لك أن تشتكي له أما مع غيره فلا، قال تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(200)﴾

[ سورة آل عمران ]

 هناك من يفْضح كل سرّ المُشتكي، فأكْمَل مِن أن تشْكو لِمؤمن أو كافر أن تشكو إلى الله تعالى وعلمه بِحالك يُغني عن سؤالك، وإذا كنت في كل حال معي فعن حمْل زادي أنا في غِنى، وكن لي كما أريد أكن لك كما تريد، ولا تعلمني بِما يُصلِحُك، وإذا سلَّمْتَ لي فيما أريد كَفَيْتُكَ ما تُريد، وإن لم تُسَلِّم لي فيما أريد أتْعَبْتُكَ فيما تريد ثمَّ لا يكون إلا ما أريد.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور