وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 18 - سورة يوسف - تفسير الآيات 88 - 94 الصبر ثلاثة عن الشهوة والطاعة وقضاء الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، لازلنا في سورة يوسف عليه السلام، قال تعالى:

﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)﴾

[ سورة يوسف ]

 الآن وصَلَت العقدة إلى نهايتها، وسوف تُحَلُّ هذه العقدة بكلمة من هذا النبي الكريم، قال تعالى:

 

﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 صُعِقوا ! أين يوسف ؟ يوسف ماتَ مِن زمنٍ طويل ! أيُّ يوسف ؟! قال تعالى: قالوا

 

﴿قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 القصَّة كلُّها تكْمُنُ في هذه الآية:

 

﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 وهذه الآية يجب أن يقولها كل مؤمن، يتَّق أن يعْصِيَ الله ويصبر عن ثلاثة أشياء: يصْبر عن الشَّهوة، ويصبر على الطاعة، ويصبر على قضاء الله، فعلى الشَّهوة ؛ امرأة جميلة بالطريق فأنت لك أن تنظر ولا قانون في الأرض يمنعُك أن تنظر،و لكنَّه تخشى الله وتقول: يا رب، إنّ أخافك.
 والصبر على الطاعة ؛ أن تُصَلِيَ الفجْر في جماعة، وأن تؤدِّي زكاة مالك، وتحجّ، وتصوم رمضان وتُؤدِّي الحقوق، وأن تكون أمينًا وأن تقول كلمة الحق، وتتراجع عن الخطأ، وتقول: أخْطأْتَ أصابَت امرأة وأخطأ عمر، فهناك من يُكابِر، تصْبر عن مَبْلغ ضَخْم يحلُّ كل مشكلاتك لكنَّه من الحرام، يمكن أن تشتري به بيتًا ومركبة.
 وأن تصبر على قضاء الله، خالق الكون هذه مشيئتُهُ، شاء لك أن تكون من أصْحاب الدَّخْل المحدود، وشاء لك أن لا تنجب أولاد، أو أن لا تنجب الإناث، أو أن لا تنجب إطْلاقًا، أن يكون في حياتك شيء مزعج، قال تعالى

 

﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 يتَّقِ غضبه بِطاعته، والشِّرْك بالتَّوْحيد، والكُفْر بالإيمان، والمصائب بالانْسِجام، وأجْرك مَحفوظ، والله تعالى قال:

﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾

[ سورة المزمل ]

 كل عصْر له ظروفه ومُغرياتِهِ، وضُغوطِه، فالله عز وجل يعْرف كم بدَلْتَ وكم صَبَرتَ وتجشَّمْتَ، وكم كان هناك خِيارات كثيرة واخْتَرْتَ ما يُرضي الله تعالى، وكيف ترَكْتَ المغريات، والله يُقَدِّر كلّ شيء، إنسان له والدة في البيت مُتَقَدِّمة بالسِنّ، وتحتاج إلى عناية كبيرة، فهو يستطيع أن يصْبر، أو أن لا يصْبر ؛ أثنى عشرة سنة وهو يعامل أمَّه معاملة جيِّدة، أحد الأيام غضب فسبَّ وشَتَم وقال لها: اذْهبي عند أهْلك، فبَكَت وجاء أخوه وأخذَها، ففي اليوم التالي ماتَتْ !
 وأعرف رجل محسِن كان يرْعى امرأة مُحْسِنة مُقْعَدة، فانتقل إلى مكان آخر بعيد عما كان عليه، فأهْله انْزعَجوا لهذا، وقد أصْبح عمره ثمانون سنة، فلمَّا ضجروا، قالوا له: آتِ بها إلى عندنا، وأفْردوا له غرفة، وبعد جمعة ماتت.
 وأحدهم صاحب مطعم كان يبيع اللحم والخمر، فحجَّ وتاب وألغى المشروب، وبعد ستَّة أشهر رجع إلى المَشروب، وبعد سبعة عشرة يومًا مات ! قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 وذكر لي أخٌ محامي أنا أحْتَرِمُهُ كثيرًا، فجاء رجل وقال له: القضِيَّة الفلانيَّة، فقال المُحامي: هذه لا تحْتاج إلى قضِيَّة إنَّما هي مَشْمولة بِقانون العَفْو، تُقَدِّم اسْتِدْعاء، فرأى مُحامٍ آخر فقال له هذا المحامي: إنَّ المحامي الذي ذَهَبْت إليه لا يفْهم شيء ! فقلتُ له: والله لقد علَّقْت وِسام شرَف، فالمال الحرام يَتْلَفُ ويُتْلِفُ صاحبه.
 قصْدُنا من هذه السورة، قوله تعالى:

 

﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 أنت بِحاجة للنتيجة والعاقبة، مَن يضْحَكُ آخِرًا يضْحك كثيرًا، ومن يضْحك أوَّلاً يبكي كثيرًا، قال تعالى:

﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِي(108)إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(109)فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ(110)إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ(111)﴾

[ سورة المؤمنون ]

 وهناك آية ثانية وهي قوله تعالى:

﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)﴾

[ سورة المطففين ]

 كل البطولة هي من يضْحكُ آخرًا قال تعالى:

﴿وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ(31)﴾

[ سورة المطففين ]

 أما المؤمن ينقلب إلى أهله مسْرورًا، فالقضِيَّة قَضِيَّة تفكير ؛ إما أن تستعجِل طيِّبات الدنيا ويشقى إلى أبد الآبدين، وإما أن يصبر عن الشهوة وعلى الطاعة، وعلى قدر الله، والعاقبة الله، وهذا هو التاريخ أمامكم، فأين أبو جهْل ؟ وأين كُفَّار مكَّة وقريش ؟ قال تعالى:

﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(46)﴾

[ سورة غافر ]

 وأين الصَّحابة ؟ في أعلى عِلِيِّين.
 مركز الثِّقل في هذه الآية، قال تعالى:

 

﴿قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 المؤمن يعْفو، سفينة شامخة في البحر بحيث قال لهم كما قال تعالى:

 

﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 العَفْوُ ؛ تعريفُهُ الدقيق: أن يأتي إنسان ويُبالِغ في إيذائِك، وأنت ضعيف، ثمّ يقعُ في قبْضَتِك، ويمكنُك أن تسْحقَهُ، وأن تُحَطِّمَهُ، أو تُدَمِّر حياته ؛ هذا العَفْو، فلن تكون عَفُوًّا إلا إذا كنتَ ضعيفًا، النبي عليه الصلاة والسلام بفتح مكَّة كان قادِرًا على أن يقضي على كفار قريش، قال: ما تظنُّون أنِّي فاعِلٌ بكم، فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذْهبوا فأنتم الطُّلقاء.
 منزلة العَفْو لا يعرفهَا إلا من ذاقها ؛ أن تكون مضْطهدًا وأن ينصرك الله على خصْمك وأن تعْفُوَ، والأبلَغ أن تُحْسِنَ إليه وتُقَرِّبَهُ، لذا المسلمون فَتَحوا العالم بِأخلاقِهِم، هذا كلام غير مَعْقول إطْلاقًا، وفي الدرس القادم نصل إلى قوله تعالى:

 

﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)﴾

 

[ سورة يوسف ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور