وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 19 - سورة يوسف - تفسير الآيات 94 - 100 التخاطر النفسي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الأخوة الكرام، لازلنا في سورة يوسف عليه السلام، قال تعالى:

﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)﴾

 حينما كنَّا في الجامعة، وفي كليَّة التربية كان لنا أستاذ من كبار علماء النَّفْس، حدَّثنا عن هذه الحقيقة النَّفْسِيَّة التي اسْمُها التَّخاطر النَّفْسي، امرأة في ميلانو بإيطاليا وهي في المطبخ رأَتْ ابنها الذي في فرنسا أنَّ سيارةً دحستْه رأيَ العَين، وبعد أربعة أيام جاء النَّعْش مع تَقْرير مُفَصَّل يُفَصِّل اللَّحظة التي رأتْ فيها ابنها، وقد سمَّى العلماء هذه الظاهرة التَّخاطر النَّفْسي وهذه حقيقة يصْعُب تفْسيرُها، أحْيانًا الحقيقة نافذة وسارِيَة إلا أنّ تفْسيرها صَعْب، لمَّا سيِّدُنا عمر وهو على المنبر قطع الخُطبة وقال: يا سارِيَة الجبل الجَبَل، سارِيَة أحد قوَّادِهِ في بلاد الفرس، وكان وراء الجبل كمين، فسيِّدُنا عمر رأى رأْيَ العَيْن قائِدَهُ وأمامه الجبل ووراءه الكمين، فقال: يا سارِيَة الجبل الجَبَل ‍! فقيل لِسَارِيَة بعد أن عاد: هل سَمِعْتَ صَوْت أمير المؤمنين ؟ فقال: سمِعْتُ صَوْت أمير المؤمنين يُحذِّرني الجبَل ‍! هذه أرْقى من الفاكس.
 فهذه الآية:

 

﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾

 

[ سورة يوسف ]

 النَّفْس البَشَرِيَّة كَقُرْص الشَّمْس لها إشْعاع، فالأمّ أحياناً من شِدَّة عَطْفِها على أولادِها قبل أن تنام تزورهم واحِدٍ بِنَفْسِها، واحد بالسعودِية والآخر بالخليج العربي فالنَّفْس الإنسانِيَّة إذا أحبَّتْ توسَّعَت، فالجنَّة الأمر واضِحٌ فيها، فأحد المؤمنين بالجنَّة تذَكَّر صديقًا له كان كافِرًا، قال: إنَّه كان لي قريب فاطَّلَع فرآه في سواء الجحيم، فأنت في الجنَّة كلُّكَ أعْيُن، فأيُّ خاطِرٍ يخْطر في بالك تراهُ أمامك، فسيِّدُنا يعقوب كما قال تعالى:

 

﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 قالوا له: هذه كُلّها هواجس، وقوله تعالى تُفَنِّدون أي نقل أقْوالَهُ، فنَّد أقواله أي أظْهر عُيوبها وأخْطاءَها، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((بادروا بالأعمال الصالحة فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا ؟..أو هرمًا مُفَنِّدًا ))

 فالهرَم يكْشف عُيوب الإنسان، تضْعف ذاكرته وبصره، قال تعالى:

 

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(70)﴾

 

[ سورة النحل ]

 ومن تعلَّم القرآن متَّعَهُ الله بِعَقْلِهِ حتَّى يموت، ومن أدى الصلوات الخمس وطلب العلم له من الله ضمانة ؛ متَّعَهُ الله بعقله حتى يموت الْتقَيْت بأحد العلماء بالمغرب حسين مخلوف عاش أبوه مائة وثلاثين عامًا مُتَمَتِّعًا بالصِّحَة، وكان لنا أخٌ من أخوة كذا كان عمر أبيه ! والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

((خيركم من طال عمره وحسن عمله...))

 تمتُّع الإنسان بِصِحَّتِهِ أسبابها الاسْتِقامة بالشَّباب، قالوا له: يا سيِّدي ما هذه الصِحَّة ؟ فقال: حفظْناها في الصِّغَر فَحَفِظَها الله لنا في الكِبَر، ومن عاشَ تَقِيًّا عاش قَوِيًّا.
 لي أحد الأقرباء مرض ففي أوَّل الأسبوع عِنايَة فائِقَة، ثمَّ في الثاني قلَّت، وهكذا في الثالث إلى أن أصْبحوا يقولون: نسأل الله تعالى أن يُخفِّف عنك ‍! تخَلُّوا عنه، وأحلى موتة ثلاثة أيام كما مات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لذا الاستِقامة بالشباب ضروريَّة حتَّى يُكافئك الله تعالى بِخَريف عمر طيِّب، وبكل المكانة، والملكات العَقْلِيَّة.
 قال تعالى :

﴿قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً﴾

[ سورة يوسف ]

 قرأتُ مقالَةً علْمِيَّة عن الموضوع أنَّ ابْيِضاض العَيْن مرضٌ يُصيب العَيْن وليس له أسباب عُضْوِيَّة بل نَفْسِيَّة، وأنا أقول لكم مرَّة ثانِيَة لا يوجد مرض إلا وسببُهُ الصَّدْمة النَّفْسِيَّة ؛ القرْحة وضغْط الدم، والاحْتِشاء، فالتَّوْحيد وظيفتُهُ التَّخْفيف صلتُكَ مع السميع البصير القدير الرحيم الرؤوف الغنيّ المُجيب، هذا هو التَّوحيد، وإذا لم تُوَحِّد فَمُشْكِلَتُكَ مُشْكِلَة، والإيمان هو التَّوْحيد وما تعلَّمَت العبيد أفضل من التوحيد.
 قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 والمؤمن يعْلم من الله ما يعلمون، تجدهم يقولون: إنَّ أمريكا بيَدِها كلّ شيء ونحن انتَهَيْنا، والماسونِيَّة و...حتَّى تَيْأَس، لا فإنَّ الله تعالى مَوجود لذا على الإنسان أن لا يَيْأَس فهذا من الكفر.
 قال تعالى:

 

﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾

 

[ سورة يوسف ]

 لماذا قال: سوف أسْتغفر لكم ؟ العلماء استَنْبَطوا من سوفَ أشياء دقيقة ؛ قال:لأنّ هناك أوقات فضيلة، مثل السَّحر، ويوم الجمعة فلا عَبْد يسأل الله فيها إلا أجابَهُ وكذا حينما تقَعُ عيْنُك على الكعبة، وعند الملتزم، وعرفات هو يوم الإجابة وكذا السعي والطواف ؛ هذه أمْكِنَة، وفي الثلث الأخير، وعند نزول الرب تعالى هل طالب حاجةٍ فأقْضِيَها له ؟ فهو أراد أنَّه ينتظر الوقت المناسب للاستِغفار.
 قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 لذلك مطار مصر مَكتوب: اُدْخلوا مصر إن شاء الله آمِنِين، والنبي خرج قال: اللهمّ إنِّي خرجْتُ من أحبِّ البلاد إليك-مكَّة- لذا فيها جمال.
 قال تعالى:

 

﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً﴾

 

[ سورة يوسف ]

 هذا ليس سُجود العبادة والمحبَّة، فالكلمة بالقرآن الكريم لها عِدَّة معاني أوْضَح مثل على هذا كلمة أوْحى، قال تعالى:

﴿إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)﴾

[ سورة الزلزلة ]

 الوحي إلى الجماد أمْر، وقال تعالى:

﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68)﴾

[ سورة النحل ]

 الوحي إلى الحيوانات غريزة، وقال تعالى:

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾

[ سورة القصص ]

 هذا إلْهام وقال تعالى:

﴿َوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾

[ سورة يوسف ]

 أي رِسالة.
 قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾

 

[ سورة يوسف ]

 الله عز وجل حليم ويسْتوْعِب الناس كلَّهم، فانْظُر ما فعل أخوة يوسف به، ودخل إلى السِّجن، وخرج منه، وكيف كان بِمِصْر غلامًا ؟ رأتْهُ جارِيَة وقد كان عَبْدًا بِقَصر العزيز ثمَّ أصْبح ملِكًا، فقالتْ: سبحان مَن جعل العبيد مُلوكًا بِطاعَتِه، قال تعالى:

 

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 وهذه الآية نُعيدُها إن شاء الله في الدرس القادم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور