وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة الشعراء - تفسير الآيات 124 - 127- 180 ، قصة قوم عاد.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، لازِلنا في سورة الشعراء، وفي هذه السورة عددٌ مِن قصص الأنبياء، واليوم الحديث عن قَوم عاد التي كذَّبَت المرسلين قال تعالى:

﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)﴾

[ سورة الشعراء ]

 نَقِفُ عند هذه الآية:

 

﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 يا تُرى هل في القرآن الكريم آيات تدلُّنا على من ينبغي أن نتَّبِعَهُ ؟! هل في القرآن الكريم آيات تُعطينا علامات للدُّعاة الصادِقين ؟ هناك عِدَّة آيات، ينبغي أن نهتدي بها، لأنَّ هذا العلْم دين فانْظُروا عَمَّن تأخُذوا دينكم، ويا ابن عُمَر، دينَكَ دينَكَ، إنَّهُ لحْمُكَ ودمُك، خُذ عن الذين اسْتقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا.
 الآية الأولى:

 

﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 كلمة أجْر نَكِرة، والنَّكرَة تُفيد الشُّمول، أيْ أيُّ أجْرٍ ؛ قليل أو كبير جليل أو حقيرٍ، قريب أو بعيد، مادِّي أو غير مادِي، وما أسْألكم عليه مِن أجر، مِنْ هذه في اللُّغة العربِيَّة تُفيد اسْتِغْراق النَّوع، أي لو عرَضَ عليك أحدهم أن تكون شريكَهُ في مَشْروع، قلتَ له: ما معي مالٌ ‍‍! فأنت نَفَيْتَ المال الكافي لِهذا المَشْروع، مَطلوب منك مليون ومعك خمسمائة ألف، أما إذا قلتَ له: ما معي مِن مالٍ، فهذا يعني ليس عندك ولو ليرة واحِدَة ! مِن تُفيد اسْتِغراق أفراد النَّوع، فالله عز وجل قال:

 

﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 لا صغيرٍ ولا كبير، ولا سمْعة ومَدْح، ولا مال، إطْلاقًا قال تعالى:

 

﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 الآية الثانِيَة: قال تعالى:

 

﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)﴾

 

[ سورة يس ]

 أيْنما وُجِدَ المال والجاه، وإحْداث في الدِّين ما ليس فيه، وأينما وُجِدَت المَطامِع ؛ اِبْتَعِد عن هذا ! وكُلَّما وَجَدْتَ نزاهَة خالِيَة مِن كل أجر فاقْتَرِب من هؤلاء،

 

﴿ قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21) ﴾

 

[ سورة يس ]

 فهذه علامَة.
العلامة الثانِيَة: قال تعالى:

 

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 علامة أولى العِلْم أنَّهم يشْهَدون لك عدالَةَ الله تعالى، أما لو قال لك أحدهم: الله عز وجل خلَقَهُ كافِرًا قبل أن يخلق، وأجْبَرَهُ على الكُفْر ثمَّ وضَعَهُ في النار إلى أبد الآبِدين، هذا كلامٌ غير مُقْنِع،:

 

﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 أين قوله تعالى:

 

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8)﴾

 

[ سورة الزلزلة ]

 وأين قوله تعالى:

 

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا(77)﴾

 

[ سورة النِّساء ]

 وقوله تعالى:

 

﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(17)﴾

 

[ سورة غافر ]

 وقوله تعالى:

 

﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(9)﴾

 

[ سورة الروم ]

 وقال تعالى:

﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ(101)﴾

[ سورة هود ]

 أين قوله تعالى:

﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾

[ سورة هود ]

 فلو أنَّ نجارًا صنَعَ من الخشي بابًا للمرحاض، وآخر لغرفة النوم فهل تقول له لماذا ؟! هذا غير مُقْنِع ! لأنّه هو صاحب الملكيَّة، فالعلامة الثانِيَة ؛ ينبغي أنْ يشْهَدَ لك عدالةَ الله عز وجل.
 العلامة الثالثة: قال تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(39)﴾

 

[ سورة الأحزاب ]

 فهذا الذي يُبَلِّغ رِسالاتِ الله فرَضًا لو أنَّهُ خَشِيَ غير الله، مِن لَوَازِم أنَّه يخْشى غير الله أنْ يسْكُتَ عن الحق إرْضاءً له، وأن أن ينطق بالباطل تَقَرُّبًا منه، فإذا سَكَتَ عن الحق، ونطَقَ بالباطِل، ماذا بَقِيَ من رِسالَة الله ؟‍‍! لِذا هذه الصِّفَة سمَّاها علماء اللُّغَة والبلاغة: صِفَة مُترابِطَة مع المَوْصوف ترابُطًا وُجودِيًّا، فأنت قد تقول هذه الطائرة كبيرة، والأرض كبيرة، وكذا الباخِرة كبيرة، وقد تقول هذه الطائرة فَخْمَة، والبيت كذلك فَخْمٌ، فهذه الكلمات صِفات مُشْتَرَكَة أما هناك في الطائرة صِفَة لو أُلْغِيَت لأُلْغِيَت الطائِرَة، نقول: هذه الطائرة تطير فالطَّيَران للطائرة ؛ صِفَة مُترابِطَة مع المَوْصوف ترابُطًا وُجودِيًّا، قال تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(39)﴾

 

[ سورة الأحزاب ]

 لهم مليون صِفَة لكِنَّ الله سبحانه وتعالى مِن بينِ كُلِّ هذه الصِّفات اخْتار صِفَة واحِدَة، يَخْشَونه ولا يخشَوْن أحدًا سِواه، فَمَن خَشِى غير الله، وسكَتَ عن الحق إرْضاءً لِمَن خَشِيَهُ، وتَكَلَّم بالباطل إرْضاءً لِمَن خَشِيَهُ، ماذا بَقِيَ من التبليغ ؟! فهذه هي الصِّفة الثالثة.
 الصِّفة الرابِعَة: قال تعالى:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(108)﴾

 

[ سورة يوسف ]

 معه دليل وبُرهان وحُجَّة وتَعْليم، فَدينُ الله أجلُّ وأعْظَم مِن أن تفْرِضَهُ فرْضًا، والحق لا يَخشى البحْث، وليس معي حُجَّة، بيِّن الدليل واسْمَع له وأعْطيهِ الجوَاب، فالذي يتَّبِعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم معه دليل ؛ دليل عَقلي ودليل نَقْلي وفطري وواقِعِي، وإن لم تَجْتَمِعِ الأدِلَّة كلُّها في موضوع واحِد، فهذا دليل على بطولة الموضوع، لا يُمْكِن للحقيقة الصِّرْفة أن يتخلَّى عنها دليل، عَقلي ودليل نَقْلي وفطري وواقِعِي، أربعة أدِلَّة يجب أن تتوافق، قال تعالى:

 

﴿أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ﴾

 

[ سورة يوسف ]

 الدليل الخامِس: قال تعالى:

 

﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)﴾

 

[ سورة هود ]

 فالإنسان غير المُستقيم ليس مع رسول الله، وهذا مهما كان فصيح اللِّسان، رَكْعَتان مِن وَرِع خير مِن ألف ركعة مِن مُخَلِّط، ومَن لم يكن له ورَعُ يَصُدُّه عن مَعْصِيَة الله إذا خلا لم يعْبأ الله بِشَيْءٍ من عمَلِه، وتَركُ دانِقٍ من حرام، خير من ثمانين بعد حجَّة الإسلام، والله لأنْ أمْشِيَ مع أخي في حاجَته، خير من صِيامِ شَهْر واعتِكافي في مسْجدي هذا ! فالعلامة الخامِسَة هي الاسْتِقامة، وقبلها الدليل والتَّعْليل والحُجَّة والبرهان، ولا بدّ مِن دليل عَقلي ودليل نَقْلي وفطري وواقِعِي، والذي قبل هذا أن لا يَخْشى إلا الله، فإذا خشيَ غير الله سَقَطَتْ دَعْوَتُهُ والذي قبلها أن يسْألك أجْرًا بِكُلّ أنواعِهِ.
 قال تعالى:

 

﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124)﴾

 

[ سورة البقرة ]

 حينما تُنَفِّذ أمْر الله بالتَّمام والكمال يسْمَحُ الله لك أن تكون إمامًا للناس والآية السابعة:

 

﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ(73)﴾

 

[ سورة الأنبياء ]

 هناك ابْتِلاء كذلك، الابْتِلاء بالصَّبْر والشُّكْر، والابْتِلاء بالشُّكْر وبِتَطْبيق الحق مائة بالمائة، والاسْتِقامة على أمْر الله، والدليل والتَّعْليل والتَّنَزُّه عن الأغراض الدُّنْيَوِيَّة، هذه العلامات التي أشار القرآن إليها لِتَكون علامة مَن يجب أن تُصْغِيَ له، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[ سورة الكهف ]

 بالمُقابل:

 

﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)﴾

 

[ سورة لقمان ]

 العلماء قالوا: لك آباءٌ ثلاثة ؛ أبٌ أنْجَبَك، وأبٌ زوَّجَك، وأبٌ دلَّك على الله، فالأب الذي أنجَبَك ينتهي فضْلُهُ عند الموت، والأب الذي زوَّجَك ينتهي فضْله عند الطلاق أو الموت، لكنَّ الذي دلَّكَ على الله يسْتَمِرُّ فضْلُهُ إلى الجنَّة إن أكرَمَنا الله بها.
 قال تعالى :

 

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 الإنسان قد يطْلب أجْرا مادِّيا، مثلاً: لو معك شيك بِقيمة ؟ألف مليون دولار، وظَنَنْت أنَّ هذه ورَقَة عادِيَّة، وأجْرَيت على هذه الورَقة عمَلِيَّات حِسابيَّة، ثمّ تبيَّن لك أنَّ هذا شيكًا بقيمة كذا وكذا ! ما الذي تشعر به ؟! تصْطَدِم.

 

تحميل النص

إخفاء الصور