وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة الشعراء - تفسير الآيات 141 - 152 ، قصة قوم ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، لا زِلنا مع قصَّة قوم ثمودَ ومع نبيِّهم سيِّدِنا صالحٍ وقفْنا البارحةَ عند قوله تعالى:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(152)﴾

[سورة الشعراء]

 اليومَ نقف عند قوله تعالى في هذه القصة، "

 

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ(151)﴾

 

[سورة الشعراء]

 و التركيزُ في هذا الدرس على قوله:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 أيها الإخوةُ، الإنسانُ إذا خطَّطَ لمستقبلِه على حساب الآخرين خرج عن منهج الله، وبنَى مجدَه على أنقاض الآخرِين و بنى غِناه على إفقارهم و بنى عِزَّه على ذُلِّهم و بنى ثروتَه على اغتصابِ أموال الناس و خطَّطَ لحياةٍ هنيئَةٍ وَديعَةٍ ناعمة فيها تَرَفٌ و نعيمٌ و بهجةٌ، إذا سارَ الأمرُ على ما خطَّط يكون هذا الدين باطلاً، فأين الله ؟ "

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 الإنسانُ إذا أكل مال إخوتِه بعد موت أبيه و لم يعطِهم شيئا و أفقرَهم و تمتَّع وحدَه بالمال وبنى وعمَّر و اشترى وزخرفَ و زيَّن و حاول أن ينغمسَ في نعيم مستمِر، وهو يظنُّ أن الأمرَ يستمِرُّ إلى ما لا نهايةَ الجوابُ ؛ أين الله ؟ هذا الأعرابيَّ البدويُّ الذي سأله عمرُ: بِعنِي هذه الشاةَ و خذْ ثمنَها قال: ليسَتْ لي، قال: قل لصاحبك: ماتت أو أكلها الذئب، قال: واللهِ إني لأشدُّ حاجةً إلى ثمنها، و لو قلتُ لصاحبها ماتتْ أو أكلها الذئبُ لصَدَّقني، فإني عنده صادقٌ أمينٌ و لكنْ أين الله ؟
 و مرَّةٌ قال لي طالبٌ: لي خالٌ صاحبُ دارِ سينما ودخلَ عليه وهو يبكي، أُصيبَ بمرض السرطان في دمِهِ في مُقتبَل العُمُر ـ خمسةٌ و أربعون سنة ـفقال لابن أخيه: جمعتُ هذه الثروةَ منْ أجل أن أعيشَ مُتَمَتِّعًا بها، و إن المرضَ أفسدَ عليَّ خطَّتي، قال تعالى:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 فمن استقامَ على أمر اللهِ خطُّه البيانيُّ صاعدٌ، لكنْ هذا الذي اعتدى و أخذ ما ليس له و لم يَعْبَأ بالحرام و لا الحلالِ، أكل أموالَ الناس بالباطلِ وحقَّقَ بالغِّشِ أرباحا طائلةً، وفي كلِّ مصلحةٍ له فيها غشٌّ، و ممكنٌ من الغشِّ أن تحقِّق ثروةً كبيرةً جدًّا، فإذا بنى الإنسانُ ثروتَه على الغش و الخداع و الكذبِ و الاغتصابِ و الاحتيالِ ـ بيتٌ و مزرعةٌ و معملٌ و مكتبٌ و مَركباتٌ ـ إذا نجحَتْ خُطَّتُه إلى ما لا نهايةَ معناه أن الدينَ باطلٌ و أن الله ليس موجودًا، قال تعالى:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 و قال تعالى:

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)﴾

[سورة العنكبوت]

 فهل في كلِّ يومٍ نستيقظُ فيه هو كسابقِه، لا، هناك مُفاجآتٌ خطيرةٌ جدًّا، فيُؤتَى الحَذِرُ من مأْمنِه، و لا ينفعُ حذرٌ من قدرٍ ولكن ينفع الدعاءُ ممَّا نزلَ و ممَّا لم ينزلْ.
 أريدُ أن أقولَ في هذا الدرسِ إذا الإنسان جمَّع أموالَه بطريقٍ غيرِ مشروعةٍ و خطَّط لنفسه حياةً رغيبةً في الدنيا فيها ترفلٌ و نعيمٌ و لم يعبأ بالمال الحرام الذي اكتسَبَه و لم يعبأ بمنهج الله الذي تركه ولم يعبأ بالأمر والنهي الذي عصاه، فإذا نجحَتْ خطَّتُه معنى ذلك أنَّ القرآنَ باطلٌ، قال تعالى:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 هناك مُفاجآت كثيرة جدًّا، لذا لا يقيك مِن عذاب الله تعالى إلا أن تكون في طاعته تعالى، ودائِمًا الإنسان مهما كان ذَكِيًّا، ومهما أخذ الاحْتِياطات ومهما أغْلَقَ الاحْتِمالات، ومهما دعَّمَ مَوْقفَهُ، ومهما قوَّى مرْكزهُ وأسكَتَ خُصومَهُ، ومهما جلبَ المنافِع وأنشأ الأعوان، وأكْثر مَن حوله فالله عندهُ مُفاجآت، ويُؤتَى الحَذِر مِن مَأمَنِهِ، أذْكُرُ أنَّني كنتُ مرَّةً عند طبيب، وجاءَهُ هاتِف، والجِهاز قديم وسَمِعْتُ صَوْتَ المُتَكَلِّم، قال له: أيّ مكان بالعالم، وأيُّ مَبْلَغٍ ندْفَعُهُ فهل هناك مِن أمَل ؟! فقال له هذا الطبيب: والله لا يوجد أمَل ! فَمَن هو الذي يقيك مِن عذاب الله تعالى ؟ أن تكون على مَنْهَجِهِ، ومهما خَطَّطْتَ لا يوجد مع الله تعالى ذَكِيّ وأبْرز هذه المفاجآت تعطُّل جِهاز الصِّحة ! فهذا أحدهم جاء بِشَهادة عُليا وزوْجة فِرنْسِيَّة، ووصَلَ إلى مرتبة عالِيَة ودَخْل كبير، فَفَقَدَ بصَرَهُ ! زارَهُ صديق لي، فقال له هذا الضرير والله يا فلان: أتمنَّى أن أجْلسَ على الطريق أمُدُّ يدي للناس، ولا أمْلِكُ شيئًا مِن الدُّنيا، ويُرَدَّ إليّ بصري !! فالآية دقيقة:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 وتَجِدُ الذي يُطيعُ الله عز وجل عليها قوَّة ونضارة، فهذا شيخٌ بلغ سِتَّة وتِسعين سنة سَمْعُهُ مُرهَق، وبصَرُهُ حادّ، وأسنانُهُ في فَمِهِ، وقامَتُهُ مُنْتَصِبَة، وذاكِرَتُهُ قَوِيَّة، وعلَّم ثلاثة أجْيال، فلمَّا سأل إخوانُهُ: يا سيِّدي ما هذه الصِّحة التي أكْرَمَكَ الله بها ؟! فكان يقول: يا بنَيّ حَفِظْناها في الصِّغَر فَحَفِظَها الله تعالى لنا في الكِبَر، ومَن عاشَ تَقِيًّا عاشَ قَوِيًّا، وأنا لا أُخَوِّف، ولكن أُبَشِّر، وهو أنَّ الإنسان إذا اسْتَقام على أمْر الله فإنّ خطَّه البياني صاعِد وإذا انتهى بالموت، فالموت تُحْفة المؤمن وعرسُهُ شرْط أن يمْشي على منهَج الله تعالى، أما إذا ألْقى بِهذا المنْهَج وراء ظَهْرِهِ، ولم يعبأ بالحلال والحرام، وبالطاعة والمعْصِيَة، ويقول لك: غدًا أتوب في أداء الحجّ !! وكأنَّ أداء الحجّ عبارة عن مجموعة ذُنوب يُلقيها الإنسان في الحجّ! فالتَّخَلِّي عن الذُّنوب قَضِيَّة ليْسَت بِسَهْلة، فالحجّ الشَّكْلي هذا حجّ ليس فيه تصفية للذُّنوب، فالذُّنوب التي يظنُّ الناس أنَّها تُغْفر في الحج هي التي بينك وبين الله فقط، أما الذنوب التي بينك وبين الناس لا تسْقط إلا بِحالتين ؛ الأداء أو المُسامحة، فالإنسان يخَطِّط لِمُسْتقبلِهِ فهذا لا مانِعَ فيه، أما إذا بَنَيْتَ خُطَّةً على أساس معْصِيَة وعُدْوان واغْتِصاب وحِرْمان، فهذه الخِطَّة لن تنْجَح، لأنّ الله تعالى موجود ولأنّ الله تعالى رب، ذَكَر لي أحدهم بعد صلاة الجمعة، وطلب مِنَّي أن ألْتَقِيَ معه،، فقلت له تفضَّل: قال لي عندي محلّ بيْع أفلام مُنْحطَّة جدًّا وقد حقَّقْتُ ثرْوة طائلة، وأنا الآن في بَحْبوحة، وفجْأةً المحلّ أُغْلِقَ والأفلام صُدِّرتْ، وأصْبح الوَضْع خطير جدًّا، وأصبتُ بِأمراض أنا وزوْجتي علمًا أنَّني نشأتُ أُنْكِرُ وُجود الله، وله رئيس المحلّ قال له: اِفْعَل ما تشاء، وأنا قد قمتُ بِكُلّ ما يخْطر على بالِكَ !! وها أنا ذا أدخل المسْجد أوَّل مرَّة بِحَياتي، وقد تُبْتُ !! والله أيُّها الأخوة لمَّا خرج مِن عندي بَكَيْتُ وقلتُ: سبحان الله، لو بقيَ على حاله ومات لكان مصيره النار ! فَمِن رحمة الله أنَّه صحَّاهُ، قال تعالى:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 فالله رحيم وكريم، ولا يتْرُكُهُ، ويفاجئه بِمُفاجأة تنْزعُ له كلَّ ترْتيبِهِ فعلى الإنسان أن لا يُعَلِّق آماله بالدنيا، والإنسان إذا اسْتقام أعزَّه الله ونصرهُ وحفظهُ، ويُلهِمُهُ الصَّواب، والله تعالى مع المؤمنين بالنَّصر والتأييد والحِفْظ، والرِّعايَة، أما إذا لم تكن هناك اسْتِقامة وأقْبلَت الدنيا عليه وهو على غير منْهَج الله فهو أحمق، وهذا يُسَمَّى اسْتِدراجًا.
 بالمناسبة، لا تظنّ أنَّ ما ذُكر في كتاب الله من باب القصَّة أو الرِّوايَة فالقرآن أعظم مِن ذلك ! هذه القِصَص هي قوانين نمشي بها في حياتنا وأوْضَحُ مثلٍ لمَّا دَّثنا ربُّنا عن سيِّدنا يونس، قال تعالى:

 

﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)﴾

 

[سورة الأنبياء]

 فأيَّةُ قِصَّة في كتاب الله هي قانون، وقِصَّة سيِّدنا ثمود مع سيِّدنا صالِح قال تعالى:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)﴾

 

[سورة الشعراء]

 فالإنسان إذا خطَّطَ وكان عاصِيًا لله، وكان قَوِيًّا وغَنِيًّا، وذَكِيًّا، سيفاجئ أنَّ الله تعالى أفْسَدَ عليه خِطَّتَهُ.
 وإذا قال الواحد ؛ أنا عندي شَواهِد لأُناسٍ عُصاة ماتوا من دون أن يحْدث لهم شيء ! نقول له: الموت ذاتهُ إنهاءٌ للحياة، لذا الموت نِهاية كلّ حيّ فالذي لم يكن له نصيب ردْعي في الحياة الدُّنيا، فهذا يكون له عقاب دائِم في الآخرة، والله عز وجل يُعاقب إنسانًا في الدنيا، لا بدّ أن يعْلَم أنَّهُ على خَيْر، وفيه أمَل، أما الذين لا يُعاقبون في الدنيا إطلاقًا ؛ هؤلاء هم شرّ الناس، قال تعالى:

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾

 

[سورة الأنعام]

 فهذه الآية عظيمة جدًّا، قال تعالى:

 

﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)﴾

 

[سورة الشعراء]

تحميل النص

إخفاء الصور