وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة الفرقان - تفسير الآية 43 إياكَ أن تتبِّع الهوى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، الآية الثالثة والأربعون من سورة الفرقان، وهي قوله تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾

(سورة الفرقان)

 من الإله ؟ هو الخالق والرازِق، وهو المُحْيي والمُمِيت، والرافِع الخافض، وهو المُعِزّ والمُذِلّ، والقابض الباسِط، فالإله الذي ينبغي أن تعْبُدَهُ ينبغي ان يكون حيًّا لا يموت، والإله الذي نبغي أن تعْبُدَهُ ينبغي أن يكون قَوِيًّا، وليس فوقه قويّ، وغنيًّا ليس بعد غنيّ، وبيَدِهِ مقاليد السماوات والأرض، قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾

(سورة الفرقان)

 معنى ذلك أنَّ الإنسان أحدُ رَجُلين فإمَّا أن يتَّخِذ الله إلهًا له، يعْبُدُه ويأتَمِرُ بِأمْرِهِ وينْتَهي عمَّا عنه نهى، وإمَّا أن يَجْعل هواهُ إلهًا يُسَيِّرُهُ، ولو لم يقُل هذا بِلِسانِهِ، فالعِبْرة هذه الحركة، وهذا السُّلوك، وهذا العَطاء، وهذا المَنْعُ والأخْذ، وهذه الصِّلة، وهذه القَطيعة، وهذا الرِّضا، والغضَب كلَّ هذا بِدافِعِ الهوى، فإمَّا أن يكون بِدَافِعِ الهَوى وهذا مع الشَّيْطان وإمَّا أن يكون بِدافِعِ طاعة الله تعالى فهذا مع الرحمن، فالإنسانُ أحَدُ رَجُلَيْن، الذي يُحرِّكُهُ الهَوى أو الشَّرْع، وإرْضاءُ شَهْوَتِهِ أو إرْضاءُ ربِّه، والإنسان إمَّا يكون رَحْمانِيًّا، وإمَّا أن يكون شَهْوانِيًّا شَيْطانِيًّا فالناس رجلان برٌّ تقيّ كريم على الله" فإذا تمكَّن الإنسان من مُراقَبَة نفْسِهِ ويسْتبْطِنَ دوافِعَها، فإنْ كانتْ جامِحَةً نحو مُؤاثَرَة الهَوى فَهُوَ مع الشَّيْطان وهو مع الدُّنيا، وهو في طريقٍ مَسْدودة، أما إذا كان الذي يُحَرِّكُهُ هو طاعة الله عز وجل، لذا لا تكون الجنَّة جنَّةً لِمَن يدْخُلُها إلا إذا كان الهوى يُناقِض التَّكليف ؛ دَقِّق ! التَّكليف الذي جاء به الشَّرْعُ الحنيف يُناقِضُ الهوى، فالهَوى أن تنام إلى ساعةٍ مُتأخِّرة والتَّكليف أن تسْتَيْقِظَ لِصلاة الصُّبح، والهَوى أن تنْظُر، والتَّكليف أن تغُضَّ البصر، والهوى أن تُطلِقَ لِسانَكَ بالهوى والفحْشاء، أما التَّكليف أن تسْكُتَ وتصْمُتَ وتبتَعِدَ عن الغيبة، لذا لو لم يكنِ الهَوى مُناقِضًا للتَّكليف لما كانتْ هناكَ جنَّةٌ ولا نار، فالمؤمِنُ يسْتَحِقّ دُخول الجنَّة لأنَّهُ نهى النَّفْس عن الهَوَى، قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)﴾

[سورة الليل]

 وقال تعالى:

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)﴾

 

[سورة النازعات]

 

 

لذلك صار عندنا محرِّكين محرِّك طاعة الله، و محرِّك الهوى، فالإنسان العاقل هو الذي يُحلِّل نفسه و دوافعه و تصرُّفاته، هل هذا التصرُّفُ بدافع الهوى إذاً أنا مع الشيطانِ، أنا مع الشهوةِ، و أنا في غضب الله، و أنا في سخطِ الله، و المحرِّك الثاني ؛ طاعة الله و طلبُ رضوانه، فأنا مع الله، فالناسُ رجلانِ ؛ رحمانيٌّ وشيطانيٌّ ملائكيٌّ وشهوانيٌّ، أخْروِيٌّ و دُنيَويٌّ، ربَّانيٌّ و كهْنوتِيٌّ، إما مع الله و إما مع الكهنوتِ و إما مع العدل و إما مع الكهنوت، قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾

(سورة الفرقان)

 ما قولك في معظمِ الناس الذين يعلنون بألسنتهم، أنهم عَبيدٌ لله عز وجل وهم في الحقيقة عبيدٌ لشهواتهم، إن معظم الذين يظنون أنهم في طاعة الله إن الهوى وحده يحركهم، فالحسدُ يحرِّكُه الهوى، و الغيبة يحركها الهوى، و النميمة يحركها الهوى، و قبض المالِ يحركه الهوى، و إمساكُ المال عن الإنفاق يحركه الهوى، و إطلاق البصر في محاسن النساء يحركه الهوى، وأخذُ المال الحرام يحركه الهوى، فالدينُ أكبرُ بكثير من أن تؤَدِّيَ هذه الصلوات الخمس، لم ينتهِ شيءٌ بعدُ، الدين أن تتحرك بدافع طاعة الله و دافع عبادته و طلب رضوانه وطلب جنَّتِه وما فيها، و الانحرافُ أن تتحرك بدافع الهوى، و أحيانًا يتكلم الإنسانُ بدافع الهوى و يبرزُ العيوبَ بدافع الهوى حتى يستعليَ على الآخرين، و يحتقر أخاه المسلم بدافع الهوى قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾

(سورة الفرقان)

 أحيانا يغتصب بيتا بدافع الهوى، و يطمس حقًّا بدافع الهوى فالعبرةُ لا لأداء الصلوات دونَ معنى، العبرةُ أن تتحرك لدافع طاعة الله عز وجل، و العبرةُ أن يكون شرعه و رسوله وسنة نبيه هي التي تحرِّكُكَ، قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾

(سورة الفرقان)

 لا يستطيع النبي أن يهديَ إنسانًا جعل من هواه إلهًا له، فهو يعبد هواه من دون الله، لذلك أنت أيها المؤمنُ إن رأيتَ إنسانًا يركب هواه أو يركبُه هواه و مُسَيَّرًا من قِبَلِ شهوته و مصلحتُه قبْل كلِّ شيء و لا عبرةَ للحلال و الحرام عنده، فهذا الإنسان لا جدوى من تذكيره، لأن النبيَّ صلى الله عليه و سلم الذي أُوتِيَ جوامعَ الكلِم و الذي أُوتِيَ الوحيَ من السماء لا يستطيع أن يهديَه، أفأنت يا محمد تكون عليه وكيلا، كلُّ كماله صلى الله عليه و سلم ومنطقه و حُجَّتهما استفاد منها عمُّه أبو لهب و لا أبو جهل و كفارُ قريش الذين اتبعوا أهواءهم، لذلك قال تعالى:

﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى(9)﴾

[سورة الأعلى]

 فمن الذي ينتفع بالذكرى ؟ الذي لا يستخدم الهوى إلها له، قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾

(سورة الفرقان)

 هذا استفهامٌ إنكاريٌّ، أي أنت لن تستطيع أن تكون عليهم وكيلا فتهديَهم، لأنه يعبد همه من دون الله، فالمؤمن ربَّانيٌ رحمانيٌّ و ملائكِيٌّ، و المؤمن وفق الشرع، و المؤمن يعبد اللهَ و يرجو الله و اليوم الآخرَ، و المؤمن يسعى للجنة، و المؤمن يضع هواه تحت قدمه

وا خجلتي من عتاب ربــي  إذا قال لــي: أسرفْتَ يا فلانُ
إلى متى أنت فــي المعاصي   تسير مُرخى لك العِــــنـانُ
عندي لك الصلحُ وهو بِــرِّي   وعندك السيفُ والــســنـانُ
ترضى بأن تنقضي اللـيالـي   وما انقضتْ حربُك العَــــوان
فاستحِ من كتابٍ كريــــم   يحصِي به العقلُ و اللـــسـانُ
واستحِ من شيبةٍ تـــراهـا   في النار مسجونةً تُـــــهـانُ
***

 إن اتباعَ الهوى هوانٌ، ومن اتبع الهوى فقد هوى، و القضيةُ محدودةٌ و السنواتُ معدودةٌ، و الإنسان حينما يطيع الله عز وجل و يضع شهوتَه تحت قدمه ينتهي الامتحانُ و تبقى السعادةُ الأبديةُ، و حينما يتَّبع هوى نفسه و يلقي الشرعَ وراء ظهره، سنواتٌ معدودةٌ و تنقضي و تبقى جهنَّمُ إلا أبد الآبدين.
هذه الآيةُ أيها الأخوة:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾

(سورة الفرقان)

 أيْ لا أنت و لا أكبرُ عالِمٍ و لا أكبر داعية و لا أكبرُ مرشد و لا خطيب و لا أكبر متكلِّم متمكِّن يستطيع أن يقنعَ إنسانًا بالطاعة إذا كان هذا الإنسانُ قد أتَّخذ هواه إلها له، قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾

(سورة الفرقان)

 ثم يقول الله عز وجل عن هؤلاء الذين اتخذوا هواهم لها لهم:

﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾

(سورة الفرقان)

 كالأنعام، قال تعالى:

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾

[سورة الجمعة]

 دابة ضعٍ عليها كتاب الفيزياء تأليف "أنشتاين" و كتاب في الفلك تأليف" موريسون" و كتاب في علم النفس و كتاب في علم الاجتماع و كتاب في أصول الفقه، و بعد حين اسألها عن قضية، فهل تجيبك هذه الدابةُ؟! تشبيه رائعٌ جدًّا،

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾

[سورة الجمعة]

 وأحيانا الإنسانُ يُحمَّل القرآنَ لكنْ لا يحمله، يُلقَى على مسمعه القرآن الكريم و تفسيره لكن هواه حجاب بينه و بين الحقيقة، لا يستفيد شيئًا، قال تعالى:

﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾

[سورة محمد]

 كلام سمعناه سابقًا و يُعاد في كل درس، لأنه مع هواه لا يدرك الفرقَ بين الدرسين، و الإنسانُ الذي يتبع هواه أعمى، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)﴾

[سورة طه]

 فالذي نستفيده من هذه الآيةِ كتطبيق عمليٍّ ؛ قبل أن تتكلم ؛ ما الدافع ؟ و قبل أن تنتقد، ما الدافع ؟ و قبل أن ترحِّب بإنسانٍ لا يصلي ترحيبًا شديدا، ما الدافع ؟ و قبل أن تعاديَ ما الدافع ؟ الهوى، فإذا كشف الإنسانُ نفسَه وعلَّمها صار حكيما، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾

(سورة البقرة)

 و قبل أن تمدح ما الدافع ؟ و قبل أن تذُمَّ ما الدافع ؟ و قبل أن تعطيَ ما الدافع ؟ و قبل أن تمنع ما الدافع ؟ و قبل أن تغضب ما الدافع ؟ و قبل أن تبتسم ما الدافع ؟ و قبل أن تزور فلانا ما الدافع؟ و تلبية دعوة الأغنياء و الأقوياء من الدنيا، و تلبية دعوة الفقراء و المساكين من الآخرة
أيها الأخوة، هذه الآية أرجو الله عز وجل أن تُتَرجمَ إلى تحليل نفسي دقيق، فالإنسانُ المؤمن دائما يحلل دوافعه، فإّذا كان الدافع أن تنتزع إعجابَ الآخرين فهو من الهوى، وهي قضية ظهور و افتخار و انتزاع إعجاب الآخرين و إثبات الذات، قال تعالى :

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾

(سورة الفرقان)

 قبل أن تغتصب هذا البيت ما الدافع ؟ فالدين أكبر بكثير من أن تصلِّيَ و أكبر بكثير من أن تصوم رمضان و من أن ترتديَ زيًّا إسلاميًّا، و سواكا، الدين أكبر من ذلك، الدين التزام، و أن تنطلق من طاعة الله و عبادته لا من هوى نفسك، و المؤمن كما أقول لكم دائما يضع هواه و شهوته تحت قدمه إرضاءً لربِّه، هذا هو المؤمن، و أنا لا أعتقد أن هناك بشر أعزَّه اللهُ كما اعزَّ سيدَنا محمدًا، وكلُّ إنسان اتبع سيدَنا محمدًا يُعِزُّه اللهُ و يرفع شأنَه و قدرَه كثيرا، و إيَّاك أن ترفع قدرَك أنت باختيارك، الله تعالى يرفعك إلى ما لا تطمح إليه، اخضَعْ لله و انظُرْ إلى الأكحال وهي حجارةٌ لانَـتْ فصار مقرُّها في الأعينِ فالكُحلُ حجر مطحونٌ لكنَّه ليِّن و طُحِن فوُضِعتْ في العينِ .
 الملخَّصُ، إياكَ أن تتبِّع الهوى، وضع نفسَك كأنك محلِّلٌ نفسِيٌّ، و كلُّ حركة و سكنة حلَّلْها، هذه الكلمة ما هدفها ؟ و هذه الابتسامة الساخرة ماذا أردتَ منها ؟

تحميل النص

إخفاء الصور