وضع داكن
29-03-2024
Logo
الصيام - الدرس : 07 - أحكام الصيام1 - الحامل والمرضعة
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠2الصيام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أداء الأمانة :

 أيها الأخوة الكرام : لا زلنا في الحديث النبوي الشريف وها نحن أولاء ننتقل إلى باب آخر من أبواب رياض الصالحين إنه باب : "الأمر بأداء الأمانة" يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾

[ سورة النساء: 58 ]

 حبذا لو تتبع المؤمن في القرآن الكريم مثل هذه الآيات :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾

[ سورة النحل: 90]

فخالق الكون يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها بالعدل والإحسان ، أنت مأمور بالعدل ، أنت مأمور بالإحسان ، والآية الثانية :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 تعلمون أن كلمة الأمانة لها مفهومات عديدة قد يضيق هذا المفهوم إلى ما يظنه الناس أن تعطي إنساناً شيئاً ثميناً ثم تسترده منه بعد أيام ، فهذه أمانة ، أو أن يوضع عندك مبلغ من المال وتؤديه بالتمام والكمال بعد حين فهذه أمانة ، ولكن هذا المفهوم من أضيق مفهومات الأمانة فهو يتسع ويتسع إلى أن يشمل التكليف ، نفسك أيها الإنسان أمانة في عنقك، فقد أفلحت إذا زكيتها ، وقد خبت وخسرت إذا دسيتها ، هل عرفتها بالله عز وجل ؟ هل حملتها على طاعته ؟ هل حملتها على العمل الصالح ؟ هل بينت لها حقيقة الدنيا ؟ هل عرفتها بالآخرة ؟ نفسك أمانة بين جنبيك ، لذلك ربنا عزوجل قال :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 فالأمانة بمفهومها الواسع أمانة التكليف أن تعرف نفسك بالله وتحملها على طاعته، وأن تعرفها بحقيقة الدنيا والآخرة من أجل أن تفلح ، وتنجح ، وتحرز المهمة التي من أجلها خلقت ، هذه أمانة التكليف وهي أوسع أنواع الأمانة .

 

أنواع الأمانة :

1 ـ أمانة التبليغ :

 لذلك :

﴿ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 57]

 فإذا ما عرفت نفسك بالله عزوجل ظلمتها أكبر ظلم لأنك حرمتها الدار الآخرة ، وما فيها من نعيم مقيم ، ومتعتها بالدنيا الفانية ، فإذا جاء الموت انقضت المتعة وبقي العذاب، فهذا المفهوم يضيق حتى يشمل أمانة التبليغ ، وهي الأمانة العظمى التي حملها الأنبياء ، فإذا زرت قبر النبي عليه الصلاة والسلام تقول له كما في الدعاء المأثور : "أشهد أنك بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وكشفت الغم ، وجاهدت في الله حق الجهاد " .

2 ـ أمانة الأداء :

 تضيق الأمانة إلى أمانة الأداء وهي الأمانة التي حملها العلماء " لتبيننه للناس ولا تكتمونه " تبليغ الناس الحق ، تبيين الحق كما هو من دون أن تخشى أحداً .

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّه ﴾

[ سورة الأحزاب:39 ]

 لأنك لو خشيت غير الله لسكت عن الحق ولتكلمت بالباطل ، فإذا سكت عن الحق وتكلمت بالباطل فماذا بقي من تبليغ أمانة الرسالة أو أمانة الأداء ؟ أمانة التكليف .

3 ـ أمانة التكليف :

 أمانة التكليف ، يحملها كل إنسان على وجه الأرض ، أمانة التبليغ يحملها الأنبياء " إن عرضنا الرسالة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها " أمانة التبليغ العظمى حملها الأنبياء ، أمانة الأداء حملها العلماء .

4 ـ أمانة الولاية :

 أمانة الولاية : سيدنا عمر بن عبد العزيز عندما دخلت عليه زوجته فاطمة رأته يبكي قالت له : ما يبكيك ؟ قال : إني فكرت في الفقير والجائع واليتيم والأرملة والشيخ المقهور وابن السبيل وهؤلاء جميعاً فعلمت أن الله سيحاسبني عنهم جميعاً .

5 ـ أمانة التولية :

 هناك أمانة التولية ، عندما وكل سيدنا عمر والياً وقال له : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ فقال : أقطع يده ، قال : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عارٍ أو عاطل فسأقطع يدك ! إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإذا وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، يا هذا إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية .

6 ـ أمانة الواجب :

 يضيق هذا المفهوم من أمانة التكليف ، إلى أمانة التبليغ ، إلى أمانة الولاية ، إلى أمانة التولية ، إلى أمانة أداء الواجب ، كل واحد منا في عنقه أمانة واجبه : أنت طبيب فهذا المريض أمانة في عنقك ، هل حرصت على شفائه من مرضه أم على ابتزاز ماله ؟ هذا الموكل أمانة في عنق المحامي ، هذا الطالب أمانة في عنق أستاذه ، هذا الإنسان أمانة في عنق صاحب المتجر ، هل أعطاه سلعة جيدة ؟ هل غشه أم كذب عليه..؟ فهذا أمانة أيضاً ، الطفل أمانة في عنق والديه ، الأم أمانة في عنق الأب والابن ، هل عالجها علاجاً صحيحاً ؟ هل اختار لها طبيباً جيداً وسهر على راحتها ؟ فمفهوم الأمانة واسع جداً هذا المفهوم يكاد يستغرق كل شيء .

7 ـ أمانة المجالس :

 أمانة المجالس هذه أمانة ، كما قيل : المجالس بالأمانة ، النبي الكريم علمنا أنك إذا حدثك إنسان وسمع وقع خطوات فالتفت فهذ الحديث أصبح أمانة ، معنى ذلك أنه حريص على أن يبقى بينك وبينه سراً ، الأم والأب أولادهم أمانة في عنقهم ، الجار أمانة في عنق جاره ، فالنبي عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه :

(( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 وفي رواية أخرى :

(( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ، مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ))

[أحمد عن أنس بن مالك ]

الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ، فالآية هنا بمعنى العلامة ، فعلامة المنافق ثلاث ، العلامة الدليل ، ما دليل أن عنقود العنب قد نضج؟ كان أخضر وأصبح أصفر ، عرف من لونه ، ما دليل أن هذه الفاكهة قد نضجت ؟ لونها أو طعمها ، هناك علامات على كل شيء ، ما علامة المنافق ؟ أنه إذا حدث كذب ، ما علامة المؤمن ؟ كما قال عليه الصلاة والسلام :

((من عامل الناس فلم يظلمهم.....))

[ مسند الشهاب عن علي بن أبي طالب]

 دققوا في هذا الحديث :

((من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، و وعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته))

[ مسند الشهاب عن علي بن أبي طالب]

 فالحديث يقول : إذا حدث كذب ، أي يطبع المؤمن على الخلال كلها ، إلا الكذب والخيانة ، فإن الكذب والخيانة يتناقضان مع الإيمان ، فالمؤمن قد تذل قدمه ، قد تغلبه شهوة أحياناً ، ولكنه لا يكذب ، فإذا كذب فليس بمؤمن ، وإذا وعد أخلف ، وعد الحر دين ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ))

[أحمدعن أنس بن مالك ]

الدين ليس صياماً و صلاة فحسب بل معاملة ووفاء أيضاً :

 ما الذي أثقل الكلمة ؟ مضمونها وسحرها وجمالها وقدسيتها وقوتها ، هناك من يعد ويخلف ، يقولون : كلام فارغ ، لكن إذا وجدت المروءة بين الناس فالكلام حقيقة وفعل والوعد دين :

((...... إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ))

 قد يؤتمن الإنسان على المال فيخون الأمانة ، قد يؤتمن على تربية الأولاد فلم يعلمهم العلم الصحيح ، قد يؤتمن على مصلحة المسلمين فيطعمهم طعاماً فاسداً ليحقق الربح ، قد يؤتمن على أخلاق المسلمين فيكتب لهم قصة منحطة ، فالكاتب أخلاق الشباب أمانة في عنقه ، فإذا كتب قصة ليست كما ينبغي من أجل أن تباع كميات كبيرة فهذا الكاتب خان الأمانة ، وإذا علمت الطلاب علماً غير صحيح فهذا المعلم خان الأمانة ، وإذا وصفت لمريضك دواء يسكنه بسرعة ولكنه يؤذيه فهذا الطبيب خان الأمانة ، وإذا أوهمت الموكل أنك ستربح الدعوى وفي الحقيقة هناك اجتهاد قطعي يمنع من كسب هذه الدعوى لكنك طمعت بماله وستبلغه النتيجة بعد لحظات فهذا المحامي خان الأمانة ، إذا أخفيت عيب هذه البضاعة فقد خنت الأمانة ، فالمنافق إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ، هذا الحديث متفق عليه.

(( ...وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ....))

 فالدين ليس بالصيام والصلاة فحسب بل بالمعاملة ، والصدق ، والوفاء ، والإخلاص ، وما تخلف المسلمون إلا عندما فهموا أن الدين صوم وصلاة وليس غير. وما تقدم الأجداد والسلف الصالح إلا حينما فهموا أن الدين أخلاق ، إن شاء الله سنبقى أسابيع عدة مع هذا الباب باب أداء الأمانة ، فهو غني جداً بالأحاديث الشريفة ، نكتفي في هذا الدرس بهذا القدر من شرح حديث الأمانة ، وننتقل لبعض أحكام الصيام بمناسبة قرب هذا الشهر الكريم.

* * *

شروط وجوب صيام رمضان :

 أولاً : الإسلام ، فليس على غير المسلمين صيام ، فهنا ينبع حكم ، لو زارك إنسان غير مسلم وقدمت له طعاماً جافاً فلا مانع لأنه غير مكلف بالصيام ، وإذا امتنع عن الضيافة فهذا أفضل مراعاة لك ، أما إذا هو جاهل بالدين وجاء من بلد آخر ضيف غير مكلف بالصيام ، لأنه شرط للخطاب بفروع الشريعة .
 الشرط الثاني العقل شرط لوجوب الصيام ، فالمجنون أخذ الله منه ما أوهب فأسقط عليه ما أوجب ، والبلوغ بالاحتلام عند الفتى والفتاة ، أو الحيض بالنسبة للفتاة ، وإذا لم يكن بلوغاً ولا حيضاً إذا أتمّ الفتى أو الفتاة الخامسة عشرة وجب عليهما الصيام ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( بَاب لا يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ ، وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ))

[البخاري عن علي]

من شروط وجوب صوم رمضان العلم بالوجود لمن أسلم بدار الحرب ، في أثناء حرب لنشر هذا الدين رجل محارب كافر أسلم في أثناء الحرب ، لهذا لم يعلم أن في الإسلام صياماً وهو في رمضان فإذا لم يعلم فلا شيء عليه لمرة واحدة لمن أسلم بدار الحرب ، أما لمن هو مقيم في دار الإسلام فالجهل ليس عذراً ولا يعفيه إطلاقاً ، قاعدة : " لا جهل في دار الإسلام " لأن هذا الطفل نشأ في دار الإسلام ، حضر مع والده خطباً كثيرة ، ومجالس علم ، وسمع أنهم أثبتوا رمضان ، فمستحيل إنسان يعيش ببلاد المسلمين ويجهل وجود شهر للصوم، فلا عذر للمسلم بدار الإسلام في الجهل .
 موضوع العقل والبلوغ : مستحيل أن تعفي ابنك من الصيام إلى أن يبلغ الخامسة عشرة ، لابد من أن تأمره بالصيام في سن مبكرة مهما عانى من الجوع أو التعب حتى يصل إلى سن الفرض وهو قد ألف هذه العبادة . وقد قاس العلماء أن الطفل إذا بلغ عشر سنين ولم يصم يضرب قياساً على الصلاة ، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام :

(( مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلاةِ إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ))

[أحمد عن عمرو بن شعيب ]

 فالعلماء قاسوا على ذلك الصيام ، فمن كان له ابن في سن العاشرة ولم يصم عليه أن يعنفه ، ويجوز له أن يضربه ، حتى يعتاد الأمر عند بلوغه أن يصوم ، لكن عليه أن يضربه ضرباً غير مبرح .

شروط وجوب أدائه :

 الصحة من المرض لقول الله عز وجل :

﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

[ سورة البقرة : 184]

 فيصح للمريض ترك الصيام في رمضان لمرضه إلى أيام أخر ، فلو المريض كلف نفسه الصوم هل يصح صومه ؟ نعم ، ومن شروط صحة أداء صيام رمضان خلو الصائم أو الصائمة عن حيض ونفاس لأن الحائض والنفساء ليستا أهلاً للصوم ، فلا يجب الأداء على المريض الذي يضره الصوم ، ولا على الحائض و النفساء ، ولا على المسافر ، وإن كان الأفضل للمسافر والمريض أن يصوم إن كان الصوم ليس فيه مشقة عليه.

شروط صحة أدائه :

 النية في وقتها لكل يوم كما تحدثنا من قبل عن النية ، وعدم الصيام في الحيض والنفاس ، والمراد ابتداء عددهما من صلاة الفجر ، لو امرأة شعرت نفسها أنها حائض بعد الفجر تفطر ، أما أن تتوقع أنها حائض فتفطر قبل أن تتأكد من حيضها فهذا لا يجوز أبداً ، أو ولدت بعد الظهر عندها تفطر ، ولا يشترط لصحة الصوم الخلو من الجنابة ، الجنابة لا تفسد الصوم ، ولكن ينبغي أن يغتسل الجنب في أسرع وقت لأداء الصلاة ، فالجنابة تتناقض مع الصلاة ، لكن مع الصوم يصح للجنب صومه ، لو إنسان نائم في أثناء النهار فاحتلم صيامه صحيح ، ولكن يغتسل من أجل إزالة الجنابة .

الأعذار الموضحة للفطر :

1 ـ المرض :

 الآن الأعذار الموضحة للفطر ، فالعذر الأول المرض ، هناك تفصيلات دقيقة في المرض لقول الله تعالى :

﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

[ سورة البقرة : 184]

خفف الله عن المريض بإباحة الفطر أيام المرض مع قضائها في أيام الصحة ، فلو كلف المريض نفسه وصام صح صومه كما أسلفنا من قبل ، ما هو المرض الذي يصح لصاحبه أن يفطر به ؟ المرض الذي يضر معه الصوم ، إنسان يده مكسورة وجبرها ليس لها علاقة بالجهاز الهضمي ، فالمرض الذي يضر معه الصوم ، أو يزداد بالصوم ، أو يتأخر الشفاء بالصوم ، أو يحصل بالصوم مشقة شديدة لا تحتمل ، عادة هذا هو المرض الذي يجوز معه أن تفطر ، وإذا غلب على الظن الصحيح ، الآن متى يفطر المؤمن بحجة المرض ؟ قال: إذا غلب على ظنه أي بالمئة تسعون ، فلدينا كما تعلمون شك ووهم وظن ، فلو أنك تؤمن بوقوع هذا الشيء بالمئة ثلاثون هذا اسمه شك ووهم ، بالمئة سبعون اسمه ظن ، أما أغلب الظن بالمئة تسعون ، فإذا غلب على ظن الصحيح أنه إذا صام سيحصل له مرض شديد ، كيف يغلب على ظنه ؟ قال : بتجربة سابقة ، مريض مصاب بالقرحة ، وصام بالعام الماضي والقرحة تفاقمت ، وتألم ألماً شديداً هنا غلب على ظنه بتجربة سابقة ، أو بإخبار طبيب مسلم مؤمن صادق تقي حاذق ، متى يجوز للمريض أن يفطر ؟ إذا غلب على ظنه أن هذا المرض يفسده الصوم ، يؤخر شفاءه أو يزيده أو يضره ، وعليه القضاء ، أما الطبيب غير المسلم فيقول لك : عليك الإفطار ، أو طبيب غير حاذق ، فالطبيب المسلم إذا أخبرك بأن هذا المرض يضره الصوم يجب أن تفطر ، أما ظن الصحيح فأساسه ضعف الإرادة وقلة العزيمة والوهم لأن جسمه لا يحتمل الصيام ، وأنه سيصاب بمرض بسبب الصوم فلا عبرة لظنه ، أنا شاعر أن جسمي لا يتحمل ، هذا أساسه التفلت من الفريضة وقلة الورع.
 أحياناً تقول لك المرأة : انزعجت ومللت من الحجاب ، لكن هذا لا يكفي لأن تكشف نفسها ، فضعاف الإرادة والعزيمة يتعلقون بأتفه الأسباب حتى يخرجون من هذه الفريضة ، لكن الجواب الصحيح أن هذا الصحيح الذي لم يغلب على ظنه أن هذا الصوم يؤذيه ، ولم يبلغه طبيب مسلم حاذق وتقي يصوم ، فإذا شعر بعد ساعات من الصيام أنه قد انهارت قوته فعلاً عندئذ وجدت التجربة فيفطر.
 قد يصيب بعض الأفراد أمراض مزمنة أي أمراض لا شفاء لها حتى الموت فكل الأمراض المزمنة التي لا يرجى شفاؤها أو التي يتعذر معها الصوم هؤلاء يفطرون ، ويدفعون فدية عن كل يوم نصف صاع من القمح ، أي ثلاثة آلاف وثمانية جرامات عند علماء الحنفية ، أي أربعة كيلو من القمح كل يوم ، هذا نصف صاع ، فعليه دفع ثمن كيلين من القمح ، هذه فدية من يفطر برمضان بسبب مرض مزمن ، ويجوز أن يستبدل القمح بالثمن في العملة الدارجة ، لكن القمح مدعوم من قبل الدولة يا ترى بسعر الحر أم الحقيقي ؟ أعتقد السعر الحر هذا غير حقيقي ، كما يجوز دفعها لفقير واحد ، ومن لم يقدر على الفدية لفقره يستغفر الله تعالى فقط ، إذاً عليه أداء هذه الأيام التي أفطرها ، وما دفعه من فدية يعد صدقة ليس غير ، إذا استمر المرض حتى الموت فالفدية فدية ، أما إذا الإنسان مضى عليه فترة شفاه الله عز وجل فهذه الفدية تصبح صدقة ، وعليه أن يقضي ما أفطر من رمضان .

2 ـ الإكراه الملجأ بقتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح :

 متى يفطر الإنسان؟ قال : الإكراه الملجأ بقتل ، أو قطع عضو ، أو ضرب مبرح ، إذا الإنسان كان بظرف فإذا قتلوه أو قطعوا أحد أعضائه هذا شيء مستحيل أساساً لكن من باب الافتراض ، أو عذبوه تعذيباً شديداً له أن يفطر ، فإذا صام عاتبوه بذلك ، وأخذوا عنه فكرة معينة ، يجب أن يتواجد الخوف من الموت ، أو فقد أحد الأعضاء ، أو التعذيب الشديد ، في مثل هذه الحالة يباح للمسلم أن يفطر.

3 ـ الشيخوخة :

 الشيخوخة : وهي العجز الذي يصيب الرجل والمرأة بسبب كبر السن فيعجز عن الصوم إلا بمشقة ، يجوز له الفطر على أن يدفع عن كل يوم يفطره فدية بثمن كيلييّن من القمح بالسعر الحر تعادل نصف صاع من القمح ، ولكن بشرط دوام العجز إلى الموت لقوله تعالى :

﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

[ سورة البقرة : 184]

4 ـ الحمل و الإرضاع :

أما الحمل والإرضاع فالمرأة إذا حملت أو أرضعت بحاجة ماسة إلى التغذية لتقدم الغذاء لجنينها أو رضيعها ، لذلك أباحت الشريعة السمحاء للحامل والمرضع إذا خافتا ، فهناك امرأة حامل بنيتها قوية جداً ، وتأكل على السحور كمية جيدة من الطعام ، وعدد ساعات الصوم قليلة في الشتاء فلا حاجة لفطورها ، ولكن يوجد امرأة طبيعتها ضعيفة ، ينقصها الكلس ، أو فقر الدم و هي حامل ، فمثل هذه المرأة الحامل أو المرضع إذا خافت على جنينها أو رضيعها لها أن تفطر ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاةِ ، وَعَنِ الْحَامِلِ أَوِ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

 هذا الحديث رواه الخمسة.
 على هذه المرأة التي أفطرت لعذر ما القضاء عند القدرة بدون فدية .

 

5 ـ الحائض و النفساء :

 والحائض والنفساء لا يصح الصوم منهما بل يجب عليهما الفطر والقضاء بعد انتهاء الحيض والنفاس ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :

(( كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ ))

[مسلم فعن عائشة رضي الله عنها]

6 ـ الاستحاضة :

 أما المستحاضة : فالحيض غير الإستحاضة ، الإستحاضة تعني رؤية دم فاتح اللون لوجود عرق منقطع كما قال علماء الطب ، هذه مستحاضة تتوضأ لكل صلاة ، وعليها أن تصوم رمضان ، وفي درس آخر إن شاء الله تعالى نتحدث عن السفر وما يتبعه من أحكام تفصيلية .

* * *

عمر بن عبد العزيز :

 والآن إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه ، والي خراسان استأذنه أن يسمح له باستخدام بعض القوة والعنف مع أهلها قائلاً له في رسالته :" يا أمير المؤمنين إنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط " فكان رد التقي الحازم : " كذبت بل يصلحهم العدل والحق ، فابسط ذلك فيهم واعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين ، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها "
من قال لك : إنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط ؟ قال له : كذبت بل يصلحهم العدل والحق ، لأن بنية الإنسان واحدة في كل مكان وزمان ، كانت لهذا الخليفة عزيمة تقطع الجبال ، قال مرة : " والله لو لم ينهض الحق ويدحض الباطل إلا بتقطيع أوصالي وأعضائي لأمضيت ذلك وأنا سعيد " فالمؤمن كلما ارتقى إيمانه يتمنى أن ينتشر الحق بين الناس ، لذلك تراه حريصاً حرصاً لا حدود له على نشر الحق فهذا الخليفة يقول : " لو لم ينهض الحق ولم يدحض الباطل إلا بتقطيع أوصالي وأعضائي لأمضيت ذلك وأنا سعيد ، و والله لو لبثت فيكم خمسين عاماً ما أقمت إلا ما أريد من العدل " أي ثابت على مبدئه لا يتزحزح.
 دعنا نفرض أنك أب ، إذا كنت أباً قوياً قي البنية والمال والمكانة الاجتماعية من كل النواحي ، وعندك ابن في البيت ، وأصدرت تعليمات لهذا الابن كي ينفذها ، هل تعلم كيف يستطيع أن ينفذها ؟ هناك طريقان : استعمال القوة أو استعمال القدوة ، فاستعمال القوة سهل لو خالفها لقصمت ظهره و أنزلت به العقاب الأليم ، لكنك إذا كنت له قدوة نفذ هذه التعليمات عن طيب خاطر وعن تقليد لك ، لذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز أراد أن يحمل الناس على الطاعة وعلى الاستقامة ليس عن طريق القوة بل عن طريق القدوة .

النبي قدوة لنا في كل أعماله و تصرفاته :

 لذلك النبي الكريم جعله الله قدوة ، فلو لم يكن لنا قدوة في كل المجالات لما جعله الله قدوة ، الفقير يقول لك : الفقر لا يحتمل ، من قال لك إن النبي كان غنياً ؟ دخل إلى بيته مرة فقال : ماذا عندكم من طعام؟ لم يكن في البيت شيء من الطعام ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍قال : فإني صائم ، أذاقه الله الفقر فكان متجملاً وصابراً وراضياً ، أذاقه الله الغنى قال له : لمن هذا الوادي يا محمد ؟ قال : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال : لا والله هو لك ، قال : أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، أذاقه الله الفقر فصبر ، أذاقه اله الغنى فأعطى وشكر ، أذاقه الله الضعف في الطائف ، فإذا كان لحياة النبي خط بياني فالخط قد هبط إلى النهاية الصغرى ، إلى الحضيض وهو في الطائف ، كذبوه ، عارضوه ، استهزؤوا به ، سخروا منه ، أغروا به سفهاءهم ، ألجؤوه إلى حائط ، ماذا قال ؟ قال : " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ، أذاقه الله الهوان فأعلن شكواه وتضرعه إلى الله عز وجل ، وفي فتح مكة أذاقه الله القوة فدخلها مطأطئ الرأس ، دخول المتأدبين الشاكرين ، ولم يدخلها دخول المتجبرين المتكبرين ، ذاق الفقر ، وذاق الغنى ، وذاق الضعف ، وذاق القوة ، وأذاقه الله موت الولد ما ولول و ضرب نفسه قال :

(( تَدْمَعُ الْعَيْنُ ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ ، لَوْلا أَنَّهُ وَعْدٌ صَادِقٌ ، وَمَوْعُودٌ جَامِعٌ ، وَأَنَّ الآخِرَ تَابِعٌ للأَوَّلِ لَوَجَدْنَا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَفْضَلَ مِمَّا وَجَدْنَا وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ ))

[ابن ماجة عن أسماء بنت يزيد ]

 أكمل موقف ، وأذاقه موت الزوجة ، وأذاقه ترك الوطن ، جاء صحابي اسمه أصيل وصف له مكة ، وكان قد هاجر منها في أيام الربيع فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال : " لا تشوقنا يا أصيل" فترك الوطن صعب ، اللهم آمنا في أوطاننا ، أذاقه الله موت زوجته السيدة خديجة التي كانت تكبره بخمسة عشر عاماً وبقي معها ربع قرن ، نحن إذا كبرها بسنتين ، لا يتحمل يقول : كبرت وعجزت علي ، هذه شريكة حياتك ، أين الوفاء والمحبة ؟ كل الحياة سرور ؟ الحياة مكارم أخلاقية ، فلما توفيت وكان في مكة المكرمة فاتحاً ركز لواء النصر عند قبرها وفاءً لها ، والسيدة عائشة شابة صغيرة جميلة من أجمل الزوجات قالت له : " ألم يبدلك الله خيراً منها؟ قال : لا والله ، لا والله ، لا والله " هذه كلها دروس لك .

 

حمل الناس على طاعة الله عن طريق القدوة لا القوة :

 سيدنا عمر بن عبد العزيز أراد أن يحمل الناس على طاعة الله لا عن طريق القوة بل عن طريق القدوة ، وأنت كمعلم أو أب أو مدير دائرة عندك موظفون تسلك معهم طريقين استخدام القوة في حملهم على طاعتك ، أو استخدام القدوة ، 

كن قدوة لهم هي أفضل طريق في التعامل مع الناس

النبي الكريم كان في بيته زوج كامل ، سألته مرة السيدة عائشة : " كيف حبك لي ؟ قال : كعقدة الحبل ، وتسأله من حين لآخر : كيف العقدة يا رسول الله ؟ يقول : على حالها " وذات مرة غضبت السيدة عائشة غضباً شديداً فقال لأولاده : " غضبت أمكم - غضبت أمكم " فإذا كانت زوجتك غضبانة لا تثيرها ، وتزيد عليها بل اخرج من البيت كله حتى لا تخلق المشاكل ، هكذا علمنا الرسول صلى الله عليه و سلم ، إذا غضبت فاسكت ، فالنبي كان في بيته مشكلات وهو قدوة لنا ، فإذا دخل بيته دخله بسّاماً ضحاكاً ، كان ألين الناس ، وكان يخصف نعله ، و يرفو ثوبه ، ويحلب شاته ، وكان في مهنة أهله ، و لم يذم طعام قط ، ما رئي ماداً رجليه قط ، إذا صافح إنساناً أبقى يده في يد المصافح حتى يسحب المصافح يده ، فكان قدوة لنا ، لذلك فعل في أصحابه فعل السحر ، وأحبه أصحابه حباً يفوق حبّ التصور ، وأنت كأب عود نفسك أن تكون قدوة بكل شيء فتجد الأهل انضبطوا .

عمر بن عبد العزيز قدوة لكل الناس :

 لسيدنا عمر كلمة قال : " الوالي ركن ، والقاضي ركن ، وصاحب بيت المال ركن ، وأنا الركن الرابع " فهناك أركان الوالي أي المحافظ ، والقاضي ، العدل أساس الملك ، وصاحب بيت المال ، والخليفة ، دائماً كلمته الشهيرة : " لست إلا كأحدكم ، ولكنني أثقلكم حملاً " فالشعور أنه كأحد هؤلاء الناس .
 عاد يوماً لداره بعد صلاة العشاء ولمح بناته الصغار فسلم عليهن كعادته وبدلاً من أن يسارعن نحوه بالتحية كعادتهن رحن يغطين أفواههن بأكفهن ، و يتبادرن الباب ، فسأل ما شأنهم ؟ فأجيب : بأنه لم يكن لديهن ما يتعشين به سوى عدس وبصل ، فكرهن أن يشممن من أفواههن ريح البصل فتحاشينه لهذا ، فبكى أمير المؤمنين وقال يخاطبهن : "
 يا بناتي ما ينفعكن أن تعشين الألوان والطايب ثم يذهب أبوكم إلى النار " فإذا أكلتم هذا الطعام الخشن ودخلت أنا الجنة أفضل من أن تأكلوا أطيب الطعام وأدخل أنا النار .
 زوجته فاطمة بنت الخلفاء الكبار ، وتملك الجواهر والحلي من الدرجة الأولى فقال لها مرة : يا فاطمة إنك لتعلمين من أين أتاك أبوك عبد الملك بن مروان من هذه الجواهر فهل لك في أن أجعلها في تابوت أضعه في أقصى بيت المال وأنفق ما دونه فإذا خلصت إليه أنفقته في حاجات المسلمين ؟ فأعطته كل الحلي ، ووضعها في بيت مال المسلمين.
 عندما دخل سيدنا عمر على قوم وقفوا له فغضب غضباً شديداً وقال : " إنما يقوم الناس لرب العالمين ".
 رجل قال له يوماً : يا خليفة الله في الأرض ، فأصابته الرعدة والرجفة وصرخ في الرجل ما هذا يا رجل ؟ إني عندما ولدت أسماني أهلي عمر ، فلو ناديتني يا عمر أجبتك، ولما كبرت اخترت لنفسي كنية فكنيت أبا حفص ، فلو ناديتني يا أبا حفص أجبتك ، ولما وليتموني أموركم سميتموني أمير المؤمنين ، فلو ناديتني يا أمير المؤمنين أجبتك ، وأما خليفة الله في الأرض فلست كذلك ، إنما خلفاء الله في الأرض رسله وأنبيائه ، لا تتجاوز حدك .
 مرة أرسل لكل أمير وأميرة بعض المال من أمراء بني أمية يدبرون به أمرهم ، ويستقبلون به حياتهم الجديدة الخشنة ، ويبدو أنهم في السابق كانوا يأخذون أربعين ألف دينار سنوياً لكن عمر قبل بمئتي دينار في السنة كلها ، وهذه الأموال أخذها من قطعة أرض اشتراها من ماله الحر ، وأعفى نفسه من كل ما يعطى الخلفاء من قبله ، فأرسل لكل أمير وأميرة بعض المال فتنادوا واجتمعوا وقرروا أن يوفدوا إليه صديقاً له يرجوه باسمهم أن يرفع لهم هذا العطاء ، فكان جوابه لهذا الصديق : والله لقد ندمت على هذا الذي أعطيته لهم ، وإني لأعلم أن في المسلمين من هو أحق به وأحوج إليه منهم ، عاد مبعوثهم إليهم يقول لهم : " يا بني أمية لا تلوموا إلا أنفسكم فقد عمدتم إلى صاحبكم عبد العزيز بن مروان فزوجتموه حفيدة عمر بن الخطاب فجاءكم بعمر بن الخطاب ملفوفاً في ثياب عمر بن عبد العزيز فلا تلوموا إلا أنفسكم " هذا الإمام الخليفة هو عمر بن الخطاب أساساً لكن ملفوف بثياب عمر بن عبد العزيز .
مرة وجه الولاة بكلمة قال فيها : " كونوا في العدل والإصلاح والإحسان بقدر من كانوا قبلكم في الظلم والفجور والعدوان ".
 ووجه الناس قائلاً لهم : " إني قد وليت عليكم رجالاً لا أقول أنهم خياركم ولكني أقول إنهم خير ممن هم شر منهم ".
 وأرسل وصية لأحد ولاته قائلاً : " أما بعد : فإن من ابتلي من أمر السلطان بشيء فقد ابتلي ببلية عظيمة ، فنسأل الله عافيته وعونه ، وإني أدعوك أن تقف نفسك في سرك وعلانيتك عند الذي ترجو به النجاة من ربك ، تذكر ما سلف منك من خطأ فأصلحه قبل أن يتولى صلاحه غيرك ، ولا يمنعنك من ذلك قول الناس ، وكن لمن ولاك الله أمرهم ناصحاً لهم في دينهم وأعراضهم ، واستر كل عوراتهم ، واملك زمام نفسك تجاههم إذا هويت أو إذا غضبت ".
 هذا الفصل عنوانه : " القدوة "، كان قدوة صالحة لولاته ، ولكل الناس ، وفي درس آخر إن شاء الله تعالى سنتحدث عن الشورى التي آمن بها هذا الخليفة العظيم ، وردتني أسئلة إن شاء الله تعالى أجيب عنها في الدرس القادم .

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور