وضع داكن
18-04-2024
Logo
الصلاة - الدرس : 16 - صلاة المسافر 1 - شروط صحة نية السفر- آداب الدعاء
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠3الصلاة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

صلاة المسافر :

 أيها الأخوة المؤمنون، درسنا اليوم صلاة المسافر، وقبل الحديث عن صلاة المسافر لابد من الحديث عن السفر، فالسفر يسبب تغيراً في بعض الأحكام الشرعية، من هذه الأحكام التي يطرأ عليها تغير في السفر أولاً: قصر الصلوات الرباعية، هذا أول تغيير، وإباحة الفطر في رمضان، وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام، وسقوط وجوب الجمعة والعيدين، وسقوط الأضحية، وحرمة الخروج على الحرة بغير زوج أو محرم - إذا كان المسافر امرأة يضاف إلى هذه الشروط أنه لا يجوز أن تسافر إلا مع زوج أو محرم- ويباح للمسافر التنفل على الدابة دون المقيم، المقيم لا يحق له ذلك.
 هذا كله مما يطرأ عليه تعديل بسبب السفر.

ما يطرأ على الصلاة في السفر :

 اليوم الموضوع ما يطرأ على الصلاة فقط، أقل سفر تتغير فيه الأحكام مسيرة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة بسير وسط مع الاستراحة، ومع الحسابات الطويلة قدرها العلماء بواحد وثمانين كيلو متراً، أي أقصر أيام العام مسير ثلاثة أيام مع الاستراحة سهلاً أو صعوداً أو هبوطاً المعدل واحد وثمانون ألف متر، لكن المذهب الحنفي يقيد هذه المسافة بالمدة، الآن بعد النبك واحد وثمانون كيلو متراً أي ساعة بالسيارة، ولكن يوجد شرطان هما شرط قطع هذه المسافة، وشرط أن يدوم السفر ثلاثة أيام، إذا قطعت هذه المسافة بثلاثة أيام لك الحق أن تقصر الصلاة، فيقصر الفرض الرباعي من نوى السفر، إلا أنه بالفقه يوجد أشياء يتوقف عندها الإنسان أحياناً، قال: ولو كان عاصياً أي إذا خرج الإنسان ليقطع الطريق على الحجاج له أن يقصر الصلاة، أية صلاة هذه؟ قال: قاطع الطريق له أن يقصر الصلاة لأنه مسلم، وهل الذي يقطع الطريق ويخيف الناس ويسلبهم أموالهم هو مسلم، نحن يهمنا أمره إذا صلى أو لم يصلِّ.
على كلٍّ يقصر الفرض الرباعي من نوى السفر إذا جاوز بيوت مقامه، وجاوز أيضاً ما اتصل به من ثنائه، فلا يكفي أن يغادر بيته بل يجب أن يغادر المدينة بعد بيته يوجد بيوت، وبعد البيوت مقابر و فلوات، فيجب أن يتجاوز فناء المدينة.

شروط صحة نية السفر :

 يشترط لصحة نية السفر ثلاثة أشياء؛ الاستقلال بالحكم، أي لا يكون جندياً في جيش، وأحياناًً يسافر المعلم مع صانع، وهذا الصانع ليس له خيار في السفر، فالذي أمره بيد غيره لا يحق له قصر السفر، لكن من كان مستقلاً بالحكم، ومن كان بالغاً، وعدم نقصان مدة السفر عن ثلاثة أيام، فهذه هي الشروط الثلاثة، زوجة من زوجها لا يحق لها أن تقصر السفر وحدها، فلا يقصر الصلاة من لا يجاوز عمران قيامه، أي خرج من الشام ووصل إلى القدم فما تجاوز العمران، والآن يقول لك: ضموا برزة إلى دمشق، ويوجد قرار أن يضموا حرستا ودوما إلى دمشق، والمعضمية سوف يضمونها مع دمشق، وكفرسوسة مع دمشق، وداريا مع دمشق، وهذه كلها ملحقة بالشام، وعليه أن يجاوز عمران مقامه، فإذا كان صبياً بعد فلا يقصر، أو كان تابعاً لم ينوِ متبوعه السفر كالمرأة مع زوجها، والعبد مع مولاه، والجندي مع أميره، أو نوى السفر ولكن لم يدم سفره ثلاثة أيام فما فوق ودون الثلاثة أيام، على كلٍّ هذه بعض الشروط التي يمـكن أن يقصر الإنسان صلاته.
 فالرباعية تصبح ثنائية، أما صلاة الفجر فتبقى ثنائية هي هي، والمغرب هو هو، والوتر يصلى لأنه فرض عملي، أي أقرب إلى الفرض منه إلى السنة، أما السنن فالعلماء قالوا: لو رجل أثناء السفر يوم السفر يوجد مشقة وتعب فالفرض فقط، لكن وصل إلى مكان، ونزل بفندق واستراح، إذا كان مرتاحاً نفسياً وجسدياً يصلي السنن مع الفرض مقصوراً، أما إذا كان عليه مشقة وفي عجلة من وقته ويوجد تعب فالفرض فقط، والرباعي يصبح ثنائياً، وللسفر أحكام أخرى نتابع بها الدرس القادم إن شاء الله تعالى، وعلى كلٍّ بالمذهب الحنفي يكره أن تتم في السفر، المتمم بالسفر كالمقصر في الحضر.

* * *

موضوع الدعاء :

 والآن إلى بعض فصول إحياء علوم الدين، وكنا قد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع الدعاء، وبقينا في الدعاء أسبوعين كما أذكر، قلت لكم في الدرس الماضي: إن الدعاء مخ العبادة وإن الدعاء يرد القضاء، فبالدعاء يحصل صلة، ومع الصلة يحصل شفاء، وإذا شفي العبد ألغي العلاج، ومن بديهيات الطب إذا الكلية عملت بانتظام يلغى قرار استئصالها، وقرار استئصالها قائم مادامت واقفة عن العم،ل فإذا عملت يلغى قرار استئصالها، وكذلك الدعاء إذا حصل بإخلاص وصلة وشفاء يرد القضاء، وينفع الدعاء مما نزل ومما لا ينزل، فادع الله عباد الله.

آداب الدعاء :

1 ـ أن يترصد الداعي الأوقات الشريفة :

 تحدثنا عن آداب الدعاء وقلنا هي عشرة آداب؛ الأول: اغتنام الأوقات الشريفة على مستوى السنة يوم عرفة، وعلى مستوى الأشهر رمضان، وعلى مستوى الأسابيع يوم الجمعة، وعلى مستوى اليوم الواحد وقت السحر.

2 ـ أن يغتنم الإنسان الأحوال الشريفة :

 و على الإنسان أن تغتنم الأحوال الشريفة في السجود، وعند نزول المطر، ودبر الصلوات المكتوبة.

3 ـ أن يدعو وهو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه :

 ينبغي أن ندعو ونحن مستقبلو القبلة تأدباً مع الله عز وجل.

4 ـ خفض الصوت بين المخافتة والجهر :

 أن نخفض أصواتنا بالدعاء فإن الله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى.

5 ـ عدم التكلف :

 وتحدثنا عن أدب خامس: عدم التكلف، فالإنسان ليس له أن يتفاصح على الله عز وجل، وكأن التفاصح على الله عز وجل لا يتناسب مع الإخلاص في الدعاء، ومع التضرع، ومع الخفية، فالله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 55 ]

 وفسر بعضهم العدوان في الدعاء: أن يتفاصح الإنسان على ربه، أن يرفع صوته، وأن يحكم السجع، وأن ينتقي الكلمات، وأن يلتفت إلى الصياغة، و أن يجعل همه في الدعاء انتزاع إعجاب الآخرين، فإذا كان هذا هو الهدف فالدعاء لا يقبله الله سبحانه وتعالى وينتظر التفات القلب، فسيدنا عمر قال: " تعاهد قلبك ".

القلب منظر الرب :

 والله تعالى قال:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنفال: 1 ]

 ذات البين هي النفس، فكل واحد منا يصلح هندامه، فإذا كان زره مقطوعاً يصلحه، وإذا كان على معطفه وسخ ينظف، ويصلح منظره، وبيته، و غرفة الاستقبال، وغرفة الطعام، و يصلح مطبخه، و مركبته، لكن المؤمن يصلح نفسه لأن أخطار النفس تبقى مع الإنسان إلى الأبد، وكل متاعب الجسد تنتهي بالموت ولو اعتنى بجسده، فمصيره إلى الدود، والشيء اللطيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليفنى، وخلق الإنسان ضعيفاً، ولكن الإنسان يوم القيامة خلق ليبقى إذاً لا يوجد مرض. والإنسان قد يكون مظهره حسناً، ولكن من داخله خرباً، واستعلاء، وخداعاً، وغشاً، و هذه كلها أمراض مهلكة، قال تعالى:

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾

[سورة الشعراء:88]

 أنا أتحير أن هذا الإنسان يرتب وضعه، ويحسن بيته من داخله، ويعتني بمدخل البناء و ينظفه، يحتاج إلى باب، و أنترفون، يهتم بالمظهر، وهذا القلب، قال: "يا عبدي طهرت منظر الخلق سنين فهلا طهرت منظري ساعة".
 القلب منظر الرب، إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم، فالإنسان عندما ينام وهو غاش لأخيه المسلم يأتي لك زبون ويقول لك: انصحني؟ فما تنصحه، وتحاول أن تضع الأعباء كلها على الآخرين وأنت ترتاح، وتحب أن تحمد بما لا تفعل، فهذا الإنسان لا يستحق أن يكون عند الله مقرباً.

 

علامة المؤمن أنه يتأثر تأثراً شديداً :

 يوجد شيء دقيق جداً لك مكانة عند الله عز وجل أم أنك ساقط من عين الله عز وجل؟ قد يكون له مكانة كبيرة في المجتمع، وقد يعظمونه لماله، فأهل الدنيا يعظمون أهل الدنيا، وقد يكون عند الله لا شأن له:

(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))

[ الترمذي، ابن ماجه عن سهل بن سعد]

 وعلامة المؤمن يشعر، عنده إحساس، فإذا قال لك أحدهم: أنا لا أتأثر، أنا أنظر ولا أتأثر، فهو معقد وليس طبيعياً، ماذا ترد على هذا الإنسان؟ هذه المعاصي نسبية بحسب المجتمعات، فكيف ترد على هذا الرجل؟ أنا أرد عليه وأقول له: إن الثوب الأسود القذر لا يتأثر، أحضر إنساناً وألبسه لباساً أزرق اللون، وصار بالشحم أسود، أمسك قلم حبر من ظهره وأعطه نقطة حبر لا يشعر ولا يشاهد، يقول لك: ماذا حدث؟ لا شيء، ولكن تعال إلى إنسان يلبس ثوباً أبيض، فبقدر رأس الدبوس يشعر، فإذا قال لك: أنا لا أتأثر فمعنى هذا أنه ليس عنده إحساس إطلاقاً، ومعنى هذا أنه لا يعي على خير، فالمؤمن يتأثر تأثراً شديداً، و المؤمن إذا اغتاب لا ينام الليل، سقط من عين الله، وإذا غش لا ينام الليل يقول لك: لم أستطع أن أنام الليل وهذه علامة إيمانه، أما اغتاب، وغش، وآذى، وفرق بين اثنين، وافترى على إنسان شيئاً ما قاله، وذهب ينام نوماً عميقاً، فهذا لباسه أسود اللون، وكثرة المعاصي لا تؤثر به، أما علامة المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام:

((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 ومعنى يذنبون أي يشعرون إذا أذنبوا، فالعناية بالقلب أي اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.

على الإنسان أن يصلح علاقاته مع الناس :

 هناك معنى آخر لهذه الآية أي أصلح علاقتك مع الناس إذا قصرت فاعتذر، وإذا كان لك أخ بحاجة إلى مساعدة ساعده، وإذا قدم لك هدية فهذه دين عليك فرد هذا الدين، وإذا أخوك بلغه عنك كلام غير صحيح فاذهب إليه وقل له الحقيقة، فالبيان يطرد الشيطان، وإذا كان لك علاقة سيئة مع شريكك فاجلس جلسة معه واشرح له كل شيء، وإذا كان التقصير منك فتلافى هذا التقصير، فمن علامة الإيمان أن علاقة الإنسان مع الناس كلها طيبة، ومن علامات النفاق يقول لك: اطرده فهذا أخرجنا له ورقة صفراء لا نريده، وإذا كان الإنسان لا تهمه مكانته عند الناس لأنه يقطع علاقات، ويؤذي، ويسبب فساد ذات البين، فليس مؤمناً، فأصلح علاقتك مع زوجتك فهذا الشيء يعكرها فلا تعمله، يحزنها الحديث عن أهلها فلا تفعل هذا، ابق علاقتك مع زوجتك عامرة بالصدق، والاحترام المتبادل، وابق صادقاً أمامها، وورعاً، ترى المؤمن علاقته مع زوجته طيبة جداً له قوامته، وعلاقته مع جيرانه كذلك، والنبي الكريم أحد الأعداء نال منه بلسانه فقال: من يقطع لسانه؟ يوجد فهم أن يقطع له لسانه بالمقص، أما علية أصحابه فهموا أن يقطعوا لسانه بالإحسان.
 قال لي شخص: لي جار مزعج جداً، يفتح الإذاعة و نريد أن ننام، أو أن ندرس، يرمي علينا الوسخ، قال لي: لم أستطع عليه إلا بهدية، أرسلت له هدية بعد هدية فصار ألطف ما يكون، قطع لسانه بالهدية.

((تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ وَلا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 الإنسان عليه أن يتعاهد قلبه، كما لو أنه شاهد شيئاً أسود يتحرك بعينه يسير مع نظره، يقول لك: إلى الطبيب لا يوجد معها لعب، هذه عين، يأخذ موعداً بعد شهر يخاف أن ينسى الموعد فيسجله معه على المفكرة، يكتبه على الحائط، فكيف الإنسان يخاف على عينه يجب أن يخاف على قلبه، و لذلك طوبى لمن كان قلبه سليماً.

 

6 ـ التضرع والخشوع والرغبة والرهبة :

 إذاً الأدب السادس: التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال تعالى:

﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾

[سورة الأنبياء:90]

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 55 ]

 قال عليه الصلاة السلام:

(( إذا أحب الله عبداً ابتلاه حتى يسمع تضرعه ))

[الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس]

 أي الله عز وجل يحب أن يسمع صوت عبده اللهفان، يصلي شكلاً، و يصوم و لم تدمع عينه، وما قال: يا رب، إنه غارق بعمله، فالله عز وجل يحب أن يسمع صوت عبده اللهفان، يرسل له مشكلة، أي يستفزه، يدعوه إلى مناجاته، فالعبرة أن يسجد هذا الإنسان ويقول: يا رب ما لي سواك، الله عز وجل يحب من العبد أن يتضرع له، ويحب من العبد أن يمرغ وجهه بأعتابه، و يحب منه أن يترجاه، وأن يسأله حاجته كلها ولو شسع نعله إذا انقطع، إذا إنسان أضاع مفاتيح البيت يبحث ويبحث، قل: يا جامع الناس، الله يعلم أين هي، تكون تحت الوسادة، وبين أن يبحث ساعتين وبين أن يقول: يا رب يا جامع الناس اجمع بيني وبين حاجتي، إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها.

(( من لا يدعوني أغضب عليه ))

[ الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 لأنه مستعلٍ، على قدر ما تستطيع كن عزيز النفس مع الناس، ولكن مع الله سبحانه وتعالى على قدر ما تستطيع تضرع، أنت عبد، والأدب السادس التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، يا رب ارحمني إذا شئت، لا لماذا إذا شئت؟ يا رب ارحمني، إذا دعا أحدكم فليجزم في دعائه ولا يقل إذا شئت، يا رب ارحمني، يا رب وفقني يا رب ارزقني رزقاً حلالاً طيباً مباركاً، يا رب زوجة صالحة تعينني على أمر ديني، اطلب من الله، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة.

7 ـ أن يجزم الدعاء ويوقن بالاستجابة :

 نحن استبقنا الأمور؛ الأدب السابع أن يجزم الدعاء ويوقن بالاستجابة، فالله عز وجل لا يشارط ولا يجرب، هاتان نقطتان دقيقتان، أنا أكره النذر، لي قريب يظهر أنه سبح في مسبح ملوث فصارت وشة في أذنه، فلم يبال فيها على يومين أو ثلاثة تفاقمت، فذهب إلى الطبيب فقال له: هذه حالة نادرة جداً بالمئة ألف، هذا جرثوم يلتهم العصب السمعي رأساً، حالته المادية موفورة خرج خارج القطر نفس الكلام، رجع إلى البلد منهاراً نفسياً، وهو شاب أول حياته سوف يفقد حياته، فقال يا رب إذا شفيتني سوف أدفع خمسين ألفاً، والآن الله عز وجل أكرمه و شفي واستعاد سمعه، و الإنسان عندما يصاب بمصيبة ليس إذا شفيت لي ابني أدفع، لا، الله لا يجرب، أنت ادفع حباً بالله عز وجل إذا شفاه يكون خيراً وإذا لم يشفه خير.
 أعرف رجلاً و هو بعيد عن الدين بعداً كبيراً، رأيته يصلي، حضر هنا في المسجد قال لي: أنا أحضر عندك من ستة أشهر، قلت له: أهلاً وسهلاً، قال لي: ابنتي أصابها مرض خبيث وما تركت طبيباً ولا بلداً، بعت بيتي وأخذتها إلى انكلترا، و بعد ذلك خطر في بالي خاطر أنه إذا أنا تبت وأمها إلى الله لعل الله عز وجل يكرمنا بشفائها، وبدأنا نصلي، لقد صلى وحجب امرأته، قال لي: فصار عندي محبة لله عز وجل، ونسيت ابنتي قلت: يا رب هذه ابنتي عبدة لك إن شئت شفيتها وإن شئت أمرضتها، ونسي الموضوع كله، مثل إنسان أحب فتاة وخطبها فكان أبوها عالماً فقال له: هذه مهرها أن تحضر عندي دروساً ولا يوجد عندي مهر آخر، وهذا لما حضر الدروس نسي وصالاً، فقالت له: أنت كنت قد خطبتني، فقال لها: يا وصال كنت سبب الاتصال فلا تكوني سبب الانفصال.
 فأحياناً الإنسان ينسى الموضوع كله، إذا صار لك معرفة بالله فهو الحكيم والرحيم، وهو أرحم منك ومن نفسك، يا رب اشفني، وبعد هذا تجد الشفاء به، إذا شفاك فهذه الحكمة، وإذا لم يشفك فهذه أيضاً الحكمة، والإنسان إذا عرف الله عز وجل يستسلم، فهذا التشنج والإلحاح ينتهي، أي خر لي واختر لي، قرأت دعاء يوم الجمعة على المنبر فهذا الدعاء عن النبي قال: "يا ربي اجعلني أخشاك حتى كأني أراك".
 ففسرته هل من الممكن أن يخالف الإنسان إذا كانت الإشارة حمراء وشرطي السير واقف أمام الإشارة، ويعرف أنه يوجد حجز، وسجن، وسحب إجازة؟ ليس معقولاً، وإذا أحد شعر أن الله يطلع عليه، "يا رب اجعلني أخشاك حتى كأني أراك"، بعد هذا يقول: "يا رب أسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك"، ومعنى هذا أن المتقي سعيد والعاصي شقي، "وخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت".
 يقول لك أحدهم: أنا إلى الآن ما تزوجت وهذا ترتيب الله عز وجل، لا يحب تعجيل ما أخّر الله سبحانه وتعالى، يمكن هذه الفرص قبل الزواج - إذا كان الإنسان مؤمناً - للتعمق في الدين، فالزوجة لها طلباتها وتجلس معها، أين كنت إلى الآن؟ أما إذا كان عازباً فيجلس مع إخوانه في سهرة دينية يذوب ذوباناً، أما المتزوج فأنا لا أستطيع، تأخرت بعد هذا يصبح علي مسؤولية.

(( اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ ))

[ أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس وأحمد عن عمرو بن ميمون ]

 فلذلك: "حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت، خر لي في قضائك وبارك لي في قدرك".

البطل من يتضرع إلى الله وهو في الرخاء :

 من آداب الدعاء حتى يسمع الله تضرعك، أنا أقول: البطل الذي يتضرع إلى الله وهو في الرخاء، لا يوجد بجسمك شيء من دون أن يكون التحليل فيه نسبة عالية بالأسيد أوريك، قبل النسب صلِّ صلاة محب، صلِّ صلاة مودع، ارجُ الله عز وجل أن يهديك ويجمعك مع أهل الحق، ويجعلك خادماً للحق، ارجُ الله وأنت في صحتك.
 أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه في الله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام:

((لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

(( إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلا يَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أكثر من الأسئلة مع الله عز وجل، اللهم ارزقني في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، اللهم ارزقني العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، أي لا يطلب من الله شيئاً قليلاً.
 قرأت قصة مرة تأثرت بها عن رجل كريم طرقت بابه امرأة، وعنده صديق له فأعطاها عطاءً كبيراً، فقال هذا الصديق: يا رجل كان يكفيها القليل، شيء آخر: إنها لا تعرفك، فأجابه إجابةً أسكتته، قال: إن كان يرضيها القليل فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
 إذاً ولله المثل الأعلى اطلب من الله طلباً عظيماً، اطلب الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.

على الإنسان أن يطلب الدنيا في سبيل الآخرة :

 الدنيا ليس لها قيمة يعطيها من يحب، اطلب الدنيا في سبيل الآخرة، اطلب رزقاً وفيراً، اجعل لك وقت فراغ تتعرف إلى الله عز وجل، يوجد إنسان من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة العاشرة ليلاً يعمل ويصل إلى البيت على آخر نفس، اطلب من الله عملاً يفسح لك من الوقت ما تتعرف به إلى الله عز وجل.
 إذا الإنسان دعا الله عز وجل يجب أن يعظم، هل من المعقول تدخل على ملك وتقول له: أريد قلم رصاص؟ تقول له: أريد بيتاً، ولاية الشام، كان يذهب إلى استنبول يريد ولاية الشام، فإذا الإنسان وقف في باب ملك لا يطلب طلباً متواضعاً، بالمناسبة استغن على الناس يحبك الناس، ازهد بما في أيدي الناس يحبك الناس، أما عند الله عز وجل فارغب بما عند الله عز وجل يحبك الله، والنبي الكريم علمنا:

((... لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أحياناً تطلب من أخيك شيئاً يقول لك: لا يوجد عندي إمكانية هذا الطلب صعب، والإنسان محدود، و لك صاحب بمنصب ذهبت إليه يقول لك: أنا لا أستطيع أنا أيضاً مسؤول، الإنسان محدود أما الله عز وجل فمن يحد عطاءه؟ كن فيكون.

(( عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي: إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 أنا أضرب مثلين؛ أول مثل: أنت عندما تقول: سمع الله لمن حمده، أحياناً الإنسان يقرؤها وهو غافل، سمع الله لمن حمده، فالآن الله عز وجل يستمع إليك، والله إذا الإنسان له شأن في المجتمع قال لك: تكلم تذوب خجلاً منه، وأحياناً تقابل شخصاً يرن الهاتف أول مرة والثانية والثالثة فلا يفهم منك قصتك، أما إذا دخلت إلى رجل مهم فقال لأمين سره: اقطع جميع الهواتف الآن، وقال لك: تفضل وتكلم، ألا تذوب خجلاً من هذا الإنسان؟ قطع عنه كل المراجعين، وكل مخابرة حتى يسمع منك، فكلمة سمع الله لمن حمده في الصلاة، الله عز وجل خالق الكون يستمع إليك ماذا تقول له، ربنا لك الحمد والشكر، والنعمة والرضا، ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً، وأحياناً ترى هذه الكلمات لا تريح قلبك، سبحانك لا نثني ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أي يا رب كيف أشكرك؟ قال يا عبد هذا شكرك.
 الشيء الثاني الذي يؤثر فيّ إذا قال لك طفل كم الساعة؟ تستحي ألا تجيبه وتكون الساعة في جيبك وتلبس معطفاً، تفك المعطف، وتخرج الساعة وتقول له: الساعة السادسة والربع، تخجل من طفل ألا ترد عليه فالله تقول له: يا رب ارزقني رزقاً حلالاً ألا يرد عليك؟ تطلب بيتاً، و العفاف و زوجة صالحة، ورزقاً حلالاً، ومعرفته، وأن يجمعك مع أهل الحق الصادقين ألا يرد عليك؟ فهل يجمعك مع الكاذبين؟ هذا ليس معقولاً، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 69 ]

من شروط استجابة الدعاء الإيمان بالله والاستقامة على أمره والشعور بقربه :

 الإنسان عندما يدعو الله عز وجل يتصور أن الله يسمعه وسوف يستجيب له، إن الله حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما خائبتين، فالله يستحي منك، وأنت اطلب طلباً معقولاً، ادعوا الله عباد الله واتقوا الله فيما تدعون، واطلبوا طلباً معقولاً، وإذا كان الطلب غير معقول فلا يستجيب لك.
 قال سفيان بن عيينة: "لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلمن من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله"، المعنى هنا أن الإنسان ولو كان مقصراً يوجد آية:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 186 ]

 والعلماء استنبطوا من هذه الآية لابد من الإيمان بالله، والاستقامة على أمره والشعور بقربه، والإخلاص في الدعاء، يجب أن تحس أنه قريب، وأقرب إليك من حبل الوريد، أي من روحك، يحول بين المرء وقلبه، وإذا خطر في بالك خاطر فهذا الخاطر يقع في علم الله قبل أن تعلمه أنت، أي يحول بين المرء وقلبه، أجيب دعوة الداعي إذا دعاني حقيقةً، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فليستجيبوا لي، ويطبقوا كلامي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، فالعلماء استنبطوا: لابد من الإيمان بالله، ولابد من الاستجابة إلى أمره، ولابد من الإخلاص في الدعاء، ولابد من الشعور بقرب الله عز وجل، وهو معكم أينما كنتم، وإذا توافرت هذه الشروط استجاب الله الدعاء.

المضطر يسمع الله دعاءه من دون شروط :

 يوجد آية ثانية:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 55 ]

﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 56 ]

 أيضاً استنبطوا من هذه الآية يريد تضرعاً أي تذللاً، وخفية من دون ضجيج، وخوفاً وطمعاً، ولا تكن معتدياً، وكن محسناً ثلاثة شروط، لكن العلماء قالوا: إلا إذا كان العبد مضطراً فإن الله سبحانه وتعالى يسمع دعاءه من دون كل هذه الشروط، لقوله تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النمل: 62]

 فلو كان الإنسان مقصراً وقال: يا رب ليس لي غيرك، اعترف بذنبي، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى.
 إذا قال العبد: يا رب وهو راكع قال الله عز وجل: لبيك يا عبدي، وإذا قال العبد: يا رب وهو ساجد قال الله عز وجل: لبيك يا عبدي، فإذا قال العبد: يا رب وهو عاص قال الله عز وجل: لبيك ثم لبيك ثم لبيك.
 إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أي إذا رجع العبد إلى الله عز وجل نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، والله الذي لا إله إلا هو - ولا يعرف هذا الكلام إلا من ذاقه - ينغمر قلب التائب برحمة لو عرفها الناس جميعاً لتابوا إلى الله جميعاً، يا رب أعاهدك على الاستقامة التامة، وأعاهدك ألا آكل مالاً حراماً، وأعاهدك ألا أكذب، وألا أغش أحداً، وألا أنظر إلى امرأة في الحرام، وإذا الإنسان عاهد ربه عز وجل يتجلى الله على قلبه ولا يعرفه إلا من ذاقه، قال أحد العارفين بالله: "لا يعرف ما نقول إلا من اقتفى أثر الرسول".
 أخي ما طعم العسل؟ اكتب لي بورقة، العسل حلو الطعم، هل هو مثل الدبس؟ لا ليس مثل الدبس، وهل هو مثل القطر؟ لا، وهل مثل العنب؟ لا، اشرح لنا، لا شرح عندي هذا عسل لا يعرفه إلا من ذاقه، كذلك الله عز وجل، كيف الإقبال على الله عز وجل لا يعرفه إلا من ذاقه فلو أنك ذقت الإقبال على الله عز وجل لذبت شوقاً و محبة له.

فلو شاهدت عيناك من حسـننا الذي  رأوه لـما ولـيت عنــا لغيرنا
ولـو سـمعت أذنـاك حسن خطاب نا خلعت ثياب العجب عنك وجئتنـا
ولـو ذقـت من طعم المـحبة ذرةً  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
ولـو نسمت من قـربنا لك نسـمة  لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــا
ولـو لاح من أنوارنـا لك لائــحٌ  تركت جميع الكائنات لأجلنـــا
***

 والرجل أحياناً يخطب فتاة فتجده ساح وناح أين؟ والله يوجد عندنا سهرة عند الخطيبة، مسحة جمال زحل عقله كيف لو كان الإنسان له صلة بمصدر الجمال؟ هذا سهل، الله عز وجل تجلى على التفاحة وأعطاها شيئاً من جماله، وتجلى على البحر فأعطاه شيئاً من جماله، وتجلى على البحر ساعة أو ساعتين فشيء جميل، والجبل الأخضر تجد منظره يسحر، فهذه المناظر التي في الكون أخذت مسحة من جمال الله، فما هي الصلاة؟ هي اتصال بمنبع الجمال، ولذلك أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني، لي مع ربي ساعة لا يسعني فيها نبي مرسل ولا ملك مقرب لمثل هذا فليعمل العاملون.

الإنسان العاقل يمتن علاقاته مع الله عز وجل :

 متن علاقاتك مع الله عز وجل لأنهم رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت، متن علاقتك مع الله عز وجل، إذا الإنسان متن علاقته مع زوجته فقط إما أن يتركها وإما أن تتركه، فإذا متن علاقته مع أولاده فيمكن أن يسافر ابنه، ويتزوج أجنبية، ويأخذ جنسية، ولا يهمه، ولا يرسل له رسالة وقد غاب سنة، وقد تعب وهلك من أجله، وأحياناً امرأة يتوفى عنها زوجها، ويترك لها ولداً ويتركها في سن الشباب، فلا تتزوج، وتعمل في البيوت من أجل ابنها، تخدم وتموت ألـف موتة، صـار طبيباً، و شاهد فتاة فأعجبته في الجامعة وتزوجها، وقالت له: لا أريد أمك فيتخلى عن أمه، ويقول لها: الآن اتركينا، فالإنسان لئيم، وإذا الإنسان وضع أمله بابن، أو بزوجة، أو بشريك، أو بمال يملكه، يأتيه مرض لا يحله المال، فهو الآن أمام طبيب قال له: ماذا نفعل؟ قال له الطبيب: لا يوجد حل، قال له: ندفع ملايين، قال له: لا يوجد حل، إن المرض الخبيث في الأمعاء منتشر ويستأصل الآن وينمو بعد أسبوعين وتدفع مئة مليون فتذهب سدى فلا تغلب نفسك.
 لي طالب خاله صاحب سينما، دخل عليه فوجده يبكي، لأنه أصيب بسرطان في الدم، هذه القصة من ثلاثين سنة، صار يبكي لأنه جمع خمسة ملايين من أجل أن يعيش بها في آخر حياتي ولم يهنأ بها، طبعاً جمعها من إفساد أخلاق الشباب، الإنسان لو معه مال قد يأتي مرض لا يحل بالمال، قال لي رجل: لا يوجد عمل ولا بيع، قلت له: إذا توقفت الكلية ماذا تشتهي ساعتها؟
 والله الذي لا إله إلا هو أعرف رجلاً معه مبالغ من الصعب أن نحصيها، فصار معه مرض عضال زرناه قال كلمة تركت بنفسي أثراً عميقاً، قال لي: سابقاً أنا مصروفي في السنة أربعمئة ألف و كان هذا لا يكفيني، أتعرفون ماذا قال لي أيضاً؟ قال لي: يكفي الإنسان ألف ليرة في الشهر، ما قصده؟ إذا كان الإنسان معافى يكفيه ألف ليرة، كليته تعمل، وقلبه، و أمعاؤه، و أعصابه، وعضلاته، وقوته به، والإنسان عندما يعرف فضل الله عز وجل ويشكر نعمة الصحة فلن تزول هذه النعمة، ويشكر نعمة الزوجة الصالحة يزداد صلاحها.

8 ـ أن يلح في الدعاء :

 والآن الأدب الثامن: أن يلح في الدعاء، ويقول لك: مثل الشحاذ اللحوح، يجب أن تلح بالدعاء، يا رب برحمتك أستغيث، يا رب إني ضعيف فوق ضعفي، لا تدعُ مرة واحدة، عندما تذهب إلى عملك طول الطريق ادعُ إلى الله، والإنسان إذا حفظ أدعية النبي يكون موفقاً جداً، فيقضي بها كل أوقات فراغه، عندما يركب سيارة مثلاً يغمض عينيه ويدعو الله عز وجل، فيشعر بنفسه أنه قريب من الله عز وجل، فالدعاء يعين على التوجه إلى الله عز وجل والإلحاح، يكرره ثلاثاً.
 قال ابن مسعود:

((كان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا ثلاثاً ))

[ مسلم عن ابن مسعود]

 و الإنسان يدعو: "اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك".
 تكرار الدعاء من نوع الإلحاح فيه، ويجب ألا يستبطئ الإجابة، إذا كان الإنسان حريصاً جداً على مقابلة شخص، يطرق الباب ممكن أن يكون هذا الثاني يصلي فينتظر، ثم يطرق الباب مرةً ثانية لا أحد يرد، ممكن ألا يكون هناك أحد، أما بالعيد إذا عندك زيارات فتقرع الباب مرة واحدة وتضع بطاقة، أنت لا تريد أن تدخل، هذه رفع عتب، أما إذا كنت حريصاً على لقاء شخص فتنتظر ربع ساعة أو تذهب وتعود.
 فإذا أنت حريص على شيء تلح به، ومن علائم إخلاصك بالدعاء وإلحاحك أن تكرر الدعاء مرات عديدة، ويجب ألا يستبطئ بالإجابة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُسْتَجَابُ لأحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 فإذا دعوت فاسأل الله كثيراً لأنك تدعو كريماً، وقال بعضهم: إني أسأل الله منذ عشرين سنةً حاجةً وما أجابني وأنا أرجو الإجابة، والله عز وجل يحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام:

(( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة ))

[ أخرجه البيهقي عن حذيفة ]

 طالب منه شيئاً أنت قانع به ولكن لا يناسبك، وهو ليس من مقامك، أي يعلم عنك أكثر مما تعلم عن نفسك، سلم له.
 قال لي: زوجتي وسط، فقلت له: إذا كانت كما تريد فقد بركـت أنت وإياها، وسط تأتي إلى المسجد، وإن كانت كما تريد لا تأتي إلى المسجد، كله خير.

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ))

[ ابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ]

 إذا أنت مع إنسان من وجهاء قومك قال لك: هذه المسألة لا يوجد إمكان، تقول له: خير إن شاء الله، وأنا شاكر فضلك، مع إنسان عادي، أما إذا كان للإنسان قيمته فتقول له: شكراً أنا لا أنسى فضلك، أما إذا كان الإنسان يعامل ربه ولم يستجب له فهذا لمصلحته.

9 ـ أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل :

 الأدب التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل، فلا يبدأ بالسؤال، ادخل إلى نجار وقل له مباشرةً: انتهت المكتبة؟ يقول لك: قل السلام عليكم، صاحب الحاجة أرعن، صاحب الحاجة أعمى، أنت مع الله عز وجل قبل أن تسأله أثنِ عليه واذكره، لأن الأدب النبوي أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال.
 قال سلمة بن الأكوع: "ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه بقول: سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب".
 وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من أراد أن يسأل ربه حاجةً فليبدأ بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي".
 وقال الله عز وجل: "إن الله عز وجل يقبل الصلاتين وما بينهما، ابدأ بالصلاة على النبي الكريم، واختم بالصلاة على النبي الكريم، فإن الله يقبل الصلاتين وما بينهما وهو أكرم من أن يدع ما بينهما".
 وروي بالخـبر عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إذا سألتم الله عز وجل حاجة فابتدئوا بالصلاة علي، فإن الله تعالى أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى"، فابدأ بالصلاة على النبي الكريم واسأل حاجتك، فإن الله عز وجل أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى.
 والأدب العاشر يحتاج إلى تفصيل كبير وسوف نفصله في درس قادم إن شاء الله تعالى.

تحميل النص

إخفاء الصور