وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة الحجرات - تفسير الآية 12 حسن الظن بالناس.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام ، الآية الثانية عشرة من سورة الحجرات ، وهي قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾

[سورة الحجرات]

 موضوع الظنّ موضوع دقيق ، يقول الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾

 

[سورة الحجرات]

 المعنى المخالف أنَّ بعضهُ الآخر ليس إثْمًا ولكنَّه من الحزْم ، بعض الظنّ إثم ، وبعضهُ الآخر حزْم ، وردَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن احْتَرس من الناس بسوء الظنّ ! إنسانٌ لا تعرفهُ لو سلَّمتَ له كلّ شيء ثمّ خابَ أمَلُك كنتَ أنت الضَّحِيَّة ، لا تعرفهُ إطلاقًا ؛ كم مِن مَطَبٍّ خطير ؟ ومأساة فاجعة ؟ ومن تلفٍ للمال بسبب ظنّ ساذج ، فما الظنّ الذي عند الله تعالى إثْم ؟ وما هو الظنّ الذي هو حزم ؟ الضابط في ذلك هو الدليل ، فإذا كان هناك دليل صار سوء الظنّ عِصْمة ، ومن الحزم ، وأصبح العقل والذكاء والأخذ بالأسباب أن تُسيء الظنّ ، إلا أنّه إن أسأتَ الظنّ لا ينبغي أن يظهر ذلك عليك إطلاقًا ، والدليل أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يحْذر الناس ، ويحترس منهم ، مِن غير أن يَطْوِيَ بِشْرهُ عن أحد ، فَوَجههُ صلوات الله عليه وسلامه طَلق ، وباشّ لِجَميع الناس ، فالذي يعرفه يُسلِّم له ، والذي لا يعرفه يحْترسُ منه من الداخل ، دون أن يبدو هذا على وجهه أما إذا بدى الشكّ على وجهك قطَّعتَ العلاقات فيما بينك وبين الناس فربّما كان هذا الذي تُسيء الظنّ به لا تعرفهُ ، قد يصلح لخير كثير ، ولكنّك بِسُوء الظنّ أبعدْتَ هذا الخير ، وقَطَعتَهُ ، ومن أشدّ الناس أدبًا في هذا الموضوع سيّدنا عمر رضي الله عنه ، جاءهُ رجل ، فقال له: أنا لا أعرفُك ائتني بِمَن يعرفُك ! فجاء بِرجُل مُعرِّف له ، فقال له عمر: أسافرْتَ معه ؟ قال: لا ، قال: أجاورْتَهُ ؟ قال: لا ، قال له: أَحاككْتَهُ بالدِّرهم والدِّينار ؟ قال: لا ، فقال عمر عندها: إنَّك لا تعرفهُ ، يا هذا أنا لا أعرفُكَ ، ولا يضرّ أنَّني لا أعرفك ! فقد تكون أحسن مِنِّي !! ولما جاءهُ رسول معركة نهاوند قال: يا أمير المؤمنين ، مات خلقٌ كثير أنت لا تعرفهم ، فبكى عمر وقال: وما ضرَّهم أنِّي لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهُ ! فإذا كان هناك دليل لك أن تُسيء الظنّ ، أما إن لم يكن دليل صار سوء الظنّ من الإثم.
الآن تجد أزواج لهم غَيرة عَمياء ، ليس هناك أيّ دليل ويتَّهِمُ زوْجته بالانْحِراف ، وقذف محْصنة يهْدمُ عمل مائة سنة ، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ﴾

 

[سورة الحجرات]

 مهما كنت حريصًا ، ويقِظًا ، وعميق الفهْم فلا بدّ من هامشٍ لِحُسن الظنّ بالناس ، وإلا تقف الحياة ، ولا تقوم لها قائمة ، إلا أنّ الإنسان حينما يُعامِلُ مؤمنًا صادِقًا كما قال عليه الصلاة والسلام

((َا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ))

[رواه الترمذي]

 أما إن كان مؤمنًا ورعًا فلا ينبغي أن تسيء الظنّ به لأنَّه من أساء الظنّ بأخيه فكأنَّه أساء الظنّ بِرَبِّه ، فهناك من تجدهُ بِبَساطة يقول لك: فلان غير أمين ! هذا إن كان فاسقًا !! أما إن كان مؤمنًا ، ومستقيما ، والناس يشهدون عليه بالصَّلاح ، ثمّ تأتي وتقول: غير آمن ! هذا لا يجوز ، وهذا منهاج لا يصلح ، وأعداء الدِّين يحلو لهم كثيرًا أن تتَّهِمَ أهل الصلاح بأبْشع التُّهَم لأتْفه الأسباب ، فهذا لا يُعَوَّل عليه ، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾

 

[سورة الحجرات]

 بقِيَ شيء ، وهي أنَّ كلمة الظنّ ترِدُ في كتاب الله تعالى بِمعنى آخر ، قال تعالى:

 

﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(46)﴾

 

[سورة البقرة]

هذا معنى آخر ، وهذا فيه يقين ، فالذين يعتقدون اعتقادًا جازمًا أنهم مُلاقوا ربِّهم لكنّ سياق الآية هو الذي يكْشف نوع الظنّ ، فهناك ظنّ بِمَعنى حَسِب وظنّ بِمَعنى أيْقن ، وهذا يُعلم من السِّياق.
 وبالمناسبة لا يوجد شيء يجْرح الإنسان حتَّى يصل الجُرح إلى العظم كأن يكون طاهِرًا ، وسليمًا ، وأمينًا وتُسيء الظنّ به ! أيها الإخوة ، قبل أن تُسيئوا الظنّ بإنسان عُدَّ للمليون ، لأنّك إن فعلتَ هذا مع مؤمن خيَّبتَ ظنَّه فيك ، وقد تكون أنت سببًا في تفلُّتِهِ ، فلو أنّ صاحب محلّ شكّ في موظَّفه لسَحَقَه ، وأنت في حقِّه مجرم ، هذا إن لم يكن هناك دليل ، وأذكر قِصَّة أنَّ إنسانًا دخل لِمَحلّ تِجاري ، وخرج ، وبعد ساعة عاد مُتلهِّفًا ، وقال: وضَعتُ خمسة آلاف ليرة ، وهذه سنة الخمسة والسبعون وكان لهذا المبلغ قيمة بيت ! صاحب المحلّ لا يعلم عن هذا شيئًا ! فسأل أمين الصندوق فما وجد شيئًا ، فقال له أجري حِساب الصندوق ، فإذا بالحِساب صحيح فهذا الذي دخل المحلّ ما قَنع ، وأمين الصندوق أمين ، فخرج هذا الإنسان وهو يظنّ أنَّ هذا الموظَّف قد أخذ المبلغ ، وبعد سنة ذهب صاحب المحلّ إليه في بلده ، ورحَّب به ترحيبًا غير معقول ، وفي أثناء هذا الترحيب قال له المبلغ الذي ظَنَنْتُ أنّ موظَّفك قد أخذهُ ، دَفَعْتُهُ دَفعة وقد نسيتُ لِمَن دَفعْتُهُ ‍‍!! فقبل أن تتَّهِم إنسانًا عُدَّ للمليون ، وتكون بِحَقِّه مُجْرِمًا ، لذلك سوء الظنّ بِدَليل عِصمة ، ومن الحزْم ، ومن العَقل ، ومن غير دليل مِنَ الإثْم ، قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾

[سورة الحجرات]

 أنت حينما تثق بالناس وتمْنحهم ثِقَتَك العمل يجري بِشَكل رائِع ، وأحْسِن اختيار من حولك ، وامنَحْهم الثِّقة وهذا من حُسن الإدارة.
قال تعالى:

 

﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾

 

[سورة الحجرات]

 التجسُّس هو تتبُّع الأخبار السيِّئة ، والتَّحسُّس تتبُّع الأخبار الطيِّبة ، قال تعالى:

 

﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ(87)﴾

 

[سورة يوسف]

 فالتَّحسُّس والتَّجسُّس لفظان مختلفان ، وإذا ابتغي الوالي في رعِيَّتهِ الريبة فقد أفْسَدَهم ، فإن كنتَ مُدير معمل أو مدير مؤسَّسة لا تُكلِّف أشخاصًا يعطونك معلومات عن أشخاص آخرين ! ضَعْ شيئًا دقيقًا ، ودقِّق بِنَفْسِكَ ولا تجعَل إنسانًا يستطيع أن ينال من آخر ظُلمًا وعُدوانًا ، فالله تعالى:

 

﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾

 

[سورة الحجرات]

 فالذي يَغتاب الناس كأنَّه يأكل لحوم الناس ، وهناك لحوم مسمومة إن كان الشخص طاهرًا ومؤمنًا ، فالذي يجْترأُ على أولياء الله ربنا عز وجل ينتقم منه أشدّ الانتقام ، قال تعالى:

 

﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾

 

[سورة الحجرات]

 فالإنسان ما عليه إلا أن يفتح مع ربِّه صفْحة جديدة ، يضْبط لسانه ويتَّق ربَّه.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور