وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة ق - تفسير الآيات 6-8 الطريق إلى معرفة الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السادسة والسابعة من سورة ق، وهي قوله تعالى:

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)﴾

[سورة ق]

 النقطة الدقيقة أنَّ المسلم حينما يتعرّف إلى أمر الله دون أن يتعرَّف إلى الله عز وجل يتفنَّنُ في التَّفلّت منه، أما حينما يعرف الله، ثمَّ يعرف أمْره يتفانى في طاعته فالعبرة أن تُطيعه، وأنت لن تُطيعه إلا إذا عرفْت الآمر وكيف تعرف الآمر ؟ لا تُدركه الأبصار ! فكيف نعرفه وأبصارنا لا تدركه ؟ مِن آثاره وهذا معنى كلّ الآيات الكونيّة في القرآن الكريم، فإن أردت أن تعرفهُ فعليك بالتَّفكّر في مخلوقاته، وإن أردت أن تعرفهُ فعليك بالتَّفكّر في أفعاله وإن أردت أن تعرفه فعليك بالتأمّل في كلامه، كلامه وأفعاله، وخَلْقُهُ كلّ هذه الآيات توصِلُك إليه، آياته تَكْوينيَّة، وآياته كَوْنيَّة، وآياته قرآنيَّة كلاميّة، موطِن الشاهد أنَّك لن تُطيعه إلا إذا عرفْتهُ، ربنا عز وجل يقول:

 

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)﴾

 

[سورة ق]

 فالمليون مليون مجَرَّة، وبِكلّ مجرَّة مليون مليون نَجم، وهي أرقام تَقريبيَّة الآن أو أحدَث ما وصل إليه عِلم الفلَك، فما معنى مجرَّة ؟ مجموعة من النُّجوم لا تُعدّ ولا تحصى، فالشَّمس والأرض، والقمر، والمريخ والمشتري وزحل، وبلوتو ؛ هذه المجموعة الشَّمسيّة على درب التَّبابِنَة على شَكل عضلة تُمثَّل بنقطة واحدة، ومجرَّتنا مجرّة متواضِعة وصغيرة اسمها درب التَّبابنة، وفي أوّل الشّهر، لو أنَّ السماء صافيَة لرأيْت غيومًا من النُّجوم ؛ هذه الغيوم من النُّجوم هي درب التبابنة وهي مجرّتنا، وهذه المجرَّة المجموعة الشَّمسيَّة بأكملها تساوي فيها نقطة واحدة، فنحن إن أردنا أن نصل إلى المشتري نحتاج إلى سِتَّة سَنَوات على مركبة تُعدّ من أسْرع المركبات التي صَنَعها الإنسان وسرعتها تسعين ألف كيلو متر بالساعة، وكي تصل لا بدّ لها سِتَّة سنوات إلى كوكب يمثّل على كوكب درب التبابنة بنقطة ! وهذه مجرَّة من مليون مليون مجرَّة، أما أبعَدُ مجرَّة ثلاثمائة ألف بليون سنة ضَوئيَّة، فهذا أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بعده عنَّا أربعة سنوات ضَوْئيَّة، وكلمة أربعة سنوات ضوئيَّة، تعني أنْ تركبَ سيارة، وتسير بِسُرعة مائة خمسين مليون سنة، فهذه المجرَّة التي تبعد عنَّا ثلاثمائة ألف بليون سنة ضَوئيَّة ؛ كم بُعدها عنَّا ؟ لذا موضوع السماوات موضوع كبير، قال تعالى:

 

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)﴾

 

[سورة ق]

 الشيء الغريب أنَّ هناك نِظام التَّجاذب بين الكواكب، أضَعُ لكم مثلاً بسيطًا: لو وضَعنا كرتين أو كتلتين مِغناطِيسيَّتَين متساويتان في الحجم تمامًا ووضَعناهما على سَطح مستوي سيل، وجئنا بِكُرة معْدنيَّة، بحيث نضَعها في مكان لا تجذب لا إلى هنا، ولا إلى هنا يجب أن نضَعها في المتوسّط الدقيق جدًّا بين الكتلتين، فلو أُزيحت ولو بعشرة ميلي لانجذبَت، وهي تحتاج إلى دِقَّة بالغة، فلو كانت كتلة أكبر وكتلة أصْغر، لاحتاجت المسألة إلى حِسابات أكثر، فمن أجل أن تضَع الكرة المعدنيَّة في متوسِّط مغناطيسي بحيث لا تنجذب لا إلى هنا ولا إلى هنا ! فكيف إذا كانت هذه الكتل في الفراغ ! ليسوا على سَطح واحد لكان الحساب أعْقد، فكيف بالأمر إن كانت هذه الكرات متحرِّكة ! فهذا مثل مُبسَّط عن الكون، مجموعة نُجوم متفاوتة في المسافة والحجم والسعة، وكلّ نجْمٍ ينجَذِب إلى نجْمٍ آخر والمحصّلة حركة متوازنة ؛ هذه قدرة مَن ؟ قال تعالى:

 

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)﴾

 

[سورة ق]

 وقال تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2)﴾

 

[سورة الرعد]

هذه الآية تلفت النَّظر إلى معرفة الله من خلال خلقِهِ.
 بحثوا عن العلبة السوداء في الطائرة التي وقَعت فوق طائرة للأعداء وذهبَ ضَحِيَّة هذا الحادث ثلاثة و سبعون ضابطًا مِغوار من الدَّرجة الأولى، ولا يُعوَّضون ولو بعشرين عامًا، والعدد الحقيقي مائة وخمسون ضابط، عثروا على هذه العلبة، وكان فيها آخر كلام قاله الطَّيار: أنا أسقط فوق زميلي ولا أدري لمَ أسقط ! فهم أرادوا أن يأخذوا أُناسًا من المسجد لِيَجلبوهم إلى العدوّ ! فجعل الله كَيدهم في نحرهم، وتدبيرهم في تدميرهم، وجعل الدائرة تدور عليهم، هذه أفعاله، وأنا سَمِعتُ أنّ إمام الحرم دعا أكثر من عشرين دقيقة عليهم وبكى، وفي الوقت نفْسه وقَعَت هذه الطائرة ! والكون خلقهُ، فإذا أردْتَ أن تعرفهُ ففَكِّر في أفعاله وأقواله وفي خلقه، قال تعالى:

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)﴾

[سورة ق]

 بناء ولكَّنه بناء متحرِّك، فالأرض تقطع ثلاثون كيلو متر في الثانية فالأرض قَطَعت من بداية الدرس إلى الآن حوالي مائة ألف كيلو متر ! هذه حقائق بديهيّة، وكلّ شيء مستقرّ، قال تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(64)﴾

 

[سورة غافر]

 يجب أن تعرف من هو الله ؟ ومن هذا الذي تُصلِّي له ؟ ومن هذا الذي تحلفُ به ؟ يحلف البائع بالقرآن وبالله وبأيمان معظَّمة أنَّه اشترى هذه السِّعة بأكثر مِمَّا يعرض سِعرها للبيْع !! والحقيقة عكس ذلك !! وتُشهد الله على ذلك !! لذلك كما قال تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2)﴾

 

[سورة الرعد]

 والله الذي سخَّر لنا كلّ شيء، وله ملكوت كلّ شيء، اقْرأ هذه الآيات التي تصف الذات الإلهيَّة بأفعالها وكمالاتها وكلامها.
قال تعالى:

 

﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)﴾

 

[سورة ق]

 لا يوجد شَكل هندسي تسير عليه الخطوط ما لا نهاية إلا الكرة، المكعّب والموشور فيه حروف، وكذا الهرم فأيّ شَكل هندسي له حروف إلا الكرة فالخطوط تسير عليه إلى ما لا نهاية، قال تعالى :

 

﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾

 

[سورة ق]

 سبب استقرار الأرض الرواسي فهذه الجبال هي مثبتة للأرض، فالعجلة مثلاً توضَع على جهاز تدور بِدَورات سريعة جدًّا، وتضطرب، وفيها مكان يضعون فيها عشرون غرامًا، ويضعون قطعة رصاص في مكان معيَّن، ثمَّ تدور فلا تضطرب ! يسمونها رَصْرصة أصحاب السيارات، وهذه الجبال التي ألقاها الله كرواسيَ في الأرض من هذا النوع، قال تعالى:

 

﴿وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9﴾

 

[سورة ق]

 هذه الورود زوْج بهيج، وهذه النباتات الرائحة، وهذه الرائحة والألوان وتناسق العجيب، فهذه الجمال لِمَن ؟ للإنسان، قال تعالى:

 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(70)﴾

 

(سورة الإسراء)

 أيها الإخوة الكرام، لا تُطيعُ الله إلا إذا عرفْتَهُ، وهو لا تدركُهُ الأبصار ولن تعرفهُ بحَواسِّك الخمس، ولا يمكن أن تعرفه إلا بِعَقلِكَ، ومن خلال آثره وآثره ثلاث ؛ آياته الكونيَّة، وآياته التَّكوينيَّة التي هي أفعاله، وآياته القرآنيَّة لذلك أنت بالكون تعرفهُ، وبالشرع تعبدُهُ.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور