وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة ق - تفسير الآيات 17-19- 21-22 العمل الطيب والعمل السيئ والفرق بينهما.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة عشرة من سورة ق، وهي قوله تعالى:

﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾

[سورة ق]

 ملك اليمين، وملَكُ الشِّمال، وهذا كلام الله وأنا أؤكِّد لكم أنَّ معظم المسلمين لا يأخذون بهذه الحقيقة وكأنَّها لم تكن، لو أنَّ الإنسان قالوا له أنَّ خطَّكَ مُراقب ‍‍! كيف يتكلَّم ؟ بِحَذَرٍ بالغ، فإذا كان الله يُراقب، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾

 

[سورة الفجر]

 إذا كان الملَكان يكتبان كلّ كلمة تنطقها، قال تعالى: إذْ يتلقَّى المتلقيان...عتيد " عتيد ي قويّ فقد يكون الرقيب ضعيفًا يُنَحَّى، يُجمَّد، ويُحال بينه وبين أن يُراقِب، لكنّ هذا الرقيب عتيد وقويّ، وموجود وحاضر دائمًا، ويتخطَّى الأسوار والجدر.
هذه الآية أيها الأخوة لو عقلناها، أو لو فَهِمناها عن ربِّنا عز وجل لَكُنًّا في حالة مع الله عز وجل غير هذه الحالة، قال تعالى:

 

﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾

 

 

[سورة ق

 ولكن شاءَت حكمة الله جلّ جلاله أن يكون العمل الطيِّب مكتوبًا مباشرةً أما العمل السيئ فلا يُكتبُ إلا إن أصرَّ عليه، ولم يسْتغفر منه وتباهى به ولم يعْبأ بما يترتَّب عليه، من هنا قال الله تعالى:

 

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لَبَتْ(286)﴾

 

[سورة البقرة]

 كسَب فِعل ماضي مُجرّد ثلاثي، واكتَسَب فعل خماسي على وزن افتَعَل تقول: كتَب، وتقول: اِكْتتَبَ، كتبَ أيُّ إنسان كتَبَ صار كاتبًا، أما اكْتَتَب هو الذي يتَّخِذ الكتابة مهْنةً له، فمعنى ذلك أنَّ الاكْتِتاب أو الاكتساب أراده وتمناه، وأصرّ عليه، ولم يستغفر منه، وتباهى به عندئذٍ جَعَل الله ملَكَ اليمين أميرًا على ملكِ الشِّمال، يقول له: اُكتبْ فالحسنة تُكتب مباشرةً من دون تردّد، ولكنّ السيِّئة لا تُكتب إلا إذا أصرّ الإنسان عليها ولم يتُب منها ؛ عندئذٍ تكتب عليه، قال تعالى:

 

﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾

 

[سورة ق]

 قال تعالى:

 

﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)﴾

 

[سورة ق]

 هذا الذي لا يستطيع أن يتفلَّت منه إنسان، حُكِمَ علينا بالموت مع وقْف التَّنفيذ ! كلّ واحد له يوم تُنَفَّذ فيه هذه القضِيَّة، قال تعالى:

 

﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)﴾

 

[سورة ق]

 الإنسان كما قال تعالى:

 

﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ(96)﴾

 

[سورة البقرة]

 رجل في مِصر سَمِعتُ عنه يعْمل في الفنّ، والغِناء، يخاف الموت خوفًا لا حدود له، فما ركِب طائرةً في حياته، وما أكل مساءً إلا فاكهةً، ويأكل يومًا سمكًا وآخر دجاجًا والرياضة، ثمّ مات، قال تعالى:

 

﴿مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)﴾

 

[سورة ق]

 والإنسان إذا كان عمله سيئ يحيدُ عن الموت، وإذا عملهُ طيِّب يتمنَّى لقاء الله عز وجل، وأعرف رجلاً والله قِصَّته لولا أنَّ الذي رواها لي أُصَدِّقه لما صدّقتُ قصَّتهُ ؛ أُصيبَ بِمَرضٍ في دَمِهِ خبيث، ولِحِكمة أرادها الله أصبح هناك اتِّصال مع المنزل، والقصْد أن المستشفي يريدون إخبار أهل هذا المريض أنَّ المرض خبيث، ولا يعيش إلا يومين أو ثلاثة، وكأنّ المستشفى بِتَحاليل دقيقة عيَّنوا وقت الموت ! فلمَّا اتَّصلوا بالأهل كان في البيت سمَّاعتَين، فرفعوا السَّماعة، ورفع هو السماعة وسَمَع ما قيل لأولاده ! وكان هذا الرجل صالحًا، أنشأ مسْجِدًا، وكلّما دَخَلتْ عليه لجنة لدفع التبرعات يُعطيها مِفتاح الصُّندوق، ويقول: لِرئيس اللَّجنة: افْتَح وخُذْ ما تشاء ولا تُعلِمني ! فهذا الرّجل سَمِع بأُذنه أنَّ حيته انتَهتْ، أوَّل الأمر اتَّصل بأصدقائِهِ التُّجارة، وقال لي: خمسة صفقات، وطلب من أصدقائه ما يُثبِّتونه وما يلغونه، ففي أوَّل اليوم حلّ كلّ مشاكله الماليَّة ثاني يوم اسْتَقدمَ كلّ أقربائِهِ وودَّعهم ثاني واحدًا واحِدًا، وفي ثالث يوم اغْتسَل بِنَفْسِهِ اغتسالاً جيِّدًا ودرجة الأولى، واضْطَجَعَ على فراشِهِ الساعة الثانية عشر وجاءهُ شيخُهُ وأقاموا حلقة ذِكرٍ، وفي الساعة الواحدة خرجت أنفاسُهُ !! فالإنسان إذا كان عملهُ طيِّب يتمنَّى لقاء الله تعالى، وهو تُحفة المؤمن وعُرْسُ المؤمن، وكما قال عليه الصلاة والسلام: للصائِم فرحتان..." فاطمة رضي الله عنها قالت: واكربتاه على أبت ! فقال لها عليه الصلاة والسلام: لا كرب بعد اليوم على أبيك !! غدًا نلقى الأحبَّة محمَّدًا وصحبه فالذي يريد أن ينقل كلّ أمواله إلى خارج البيت، باع بيته ومحلَّه، وطلع المطار، وأخذ بِطاقة صُعود، وأقلعَت الطيارة، فهذا الإنسان تجِدهُ بِأَسْعد لحظات حياته لأنَّه قدَّم ماله أمامه فسرَّهُ اللَّحاق به، فكلّ إنسان قدّم من الخير يكون الموت عنده تُحفة، والموت عنده عرس، وكلّ من أكل الحرام وانْحرف، وتجاوزات، وغيبة ونميمة، واحْتِيال بالورثة، وغِشّ بالبيْع والشِّراء، وعلاقات غير طيِّبة، هذا إذا ذُكِرَ الموت ارْتَعَدَت فرائِسُهُ وبالمقابل إنسانٌ أُصيب بِنَفس المرض ؛ ابْيِضاض الدَّم، وهو سرطان في الدّم، و أكبر التجار، زاره أحد أقربائي، قال له: لا تنزَع لي طَعمة فَمِي لأنَّ فلانة المغنيَّة قبَّلتني !!! وبعد شَهر مات، يُقْسِمُ أهل تلك البناية أنَّه لا يوجد إنسان في البناية إلا سَمِعَ صُراخهُ !! عمرهُ ثمانية وثلاثون سنة ! فإذا الإنسان مُتفلِّت فإنّ الموت يكون له مثل الصاعقة، قال تعالى:

 

﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ(83)﴾

 

[سورة الزخرف]

وقال تعالى:

﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)﴾

[سورة ق]

 كلّ ذكائِنا، وكلّ تفوقنا أنْ نعُدّ لهذه الساعة التي لا ريب فيها، ونهيئ التوبة، والعمل الصالح، وضَبط البيت والعمل، وضَبط الإنفاق، وتربيَة الأولاد، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، والدَّعوة إلى الله تعالى. قال تعالى:

 

﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)﴾

 

[سورة ق]

 ملَكٌ يسوقها، وملَكٌ يشْهد عليها وهذا يُطَبَّق على كلّ الناس من دون استثناء، قال تعالى:

 

﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ﴾

 

[سورة ق]

 خطَّطْت لِكُلّ شيء وهيَّأ كُلّ شيء، أما الموت ما أدْخلَهُ في حِساباته ! فالإنسان يعدّ للدنيا كلّ شيء، أما ساعة لِقاء الله عز وجل نسيَها، قال تعالى:

 

﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ﴾

 

[سورة ق]

 والناس نِيام، وإذا ماتوا انتبهوا، والناس الآن في عَمَى، البطن والفرْج والدِّرهم والدِّينار، قال عليه الصلاة والسلام: تعس عبد الدرهم..." قال تعالى:

 

﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

 

[سورة ق]

 الآن عرفت الحقيقة بعد فوات الأوان كمن رأى أجوبة الامتحان بعد الامتحان.

 

تحميل النص

إخفاء الصور