وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 6 - سورة ق - تفسير الآية 35 الدنيا مَبنيَّة على التَّكليف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة الكرام، الآية الخامسة والثلاثون من سورة ق، وهي قوله تعالى:

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)﴾

[ سورة ق ]


 أيُّ طلبٍ يرِدُ على خاطرِك تَجِدهُ أمام، هذا نِظام الآخرة، فَنِظام الدنيا أساسه الكدّ، والسَّعي، وبذْل الجهد، وعبَّر الله عنه بِقوله:

 

﴿يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(6)﴾

 

[ سرة الانشقاق ]

 الدنيا مَبنيَّة على التَّكليف، والتكليف يعني ذو كُلفة، وضبط الشهوات مُجاهدة النفس والهوى، وهذه الجاهدة، وهذه الطلعة، وهذا التكليف ثَمنُ الجنّة، ففيها ينتهز غضّ البصر، وضبط اللِّسان، وأيّ شيءٍ تريده أمامك، أما الأدَقّ من ذلك قوله تعالى:

﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)﴾

[ سورة ق ]

 المزيد النَّظر إلى وجه الله الكريم فالمؤمن في الجنّة يرى ربَّه كما يرى القمر ليلة البدر، وقد ورد في بعض الآثار أنَّه يغيب خمسين ألف عامٍ من نشْوة النّظرة الواحدة، قال تعالى:

 

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)﴾

 

[ سورة القيامة ]

 والآية واضِحة وصريحة، هل هناك أكبر من ذلك ؟ قال تعالى:

 

﴿ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(72)﴾

 

[ سورة التوبة ]

 أكبر من النَّضرة إلى وجه الله الكريم ؛ الرِّضوان، فلهم ما يشاءون ولدينا مزيد من النظر إلى وجه الله الكريم، ومن رِضوان الله عز وجل وهذه الحياة إلى ما شاء الله ثمنها هذه السَّنوات المعدودة، إذَا ضبَط الإنسان نفسه وحواسَّه، وضبَط دخله وإنفاقهُ، وعمله نجح.
 أيها الإخوة الكرام، ربُّنا عز وجل ما كلَّفنا فوق ما نُطيق، فأنت أمير بيْتِك وأمير عَمَلك، إن أقَمْتَ الإسلام في بيتك وعملِك فلا شيء عليك وإن نصَحت المسلمين تولَّى بك، فهذا أحدُ خلفاء بني أُميَّة صَعِد المنبر في العيد وأراد أن يخطب قبل صلاة العيد لِيَضْمن بقاء الناس في الخطبة، فأمْسَكَ به أحد التابعين وهو سعيد بن جبير، وقال له: إنَّ رسول الله لم يفْعل هذا فقال أحدهم: إنَّ هذا أدَّى الذي عليه ! فأنت أطِعْ ربَّك وانْصَح الناس سواء استجابوا أم لم يستجيبوا فأنت أدَّيتَ الذي عليك، وأمرْتَ بالمعروف ونهَيَت عن المنكر، فجنَّة إلى أبد الآبدين ثمنها طاعة معدودة.
وبالمناسبة كلّ شَهوة أودعها الله في الإنسان جعل لها قناةً نظيفة،فالقضيَّة قضيّة ضَبط، وقضيَّة نِظام، فالمؤمن إنسان يبحث عن منهج ربِّه، لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(50)﴾

 

[ سورة القصص ]

ا لمعنى المخالف أنَّه لو اتَّبع هواه وِفق هدى الله، أحبّ المال وأراده فَكَسِب المال الحلال، لا شيء عليه، أحبّ المرأة فتزوَّج، أحبّ العلوم فَحَفِظ كتاب الله عز وجل، وأحبّ أن يكون شَخصيَّة مرموقة فبالغ في طاعة الله وفي ذِكر الله، فكلّ خصيصة خصَّك الله بها، لها طريق مشروع ترقى عند الله وعند المؤمنين وعند الناس، ولها طريق غير مشروع يكسب الإنسان لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فالقضيَّة قضيَّة تفكير ومُحاكمة فمن ابتغى أمرًا بِمعصيَةً كان أبعَدَ ممَّا رجى، وأقرب مِمَّا اتَّقى، وما عند الله لا يُنال إلا بِطَاعته، قال تعالى:

﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

[ سورة الأحزاب ]

 فالآية تُفيدنا أنَّ على الإنسان أن يضَعَ في أولويَّات حِسابه الدار الآخرة ينتج عن هذا أنَّ كلّ حركة أو سكنَةٍ أو كلمة أو ابتسامة أو عطاء أو منع أو صلة أو قطيعة أو غضب أو رضا تدرسُهُ وتهيئ له جوابًا يوم القيامة مثلاً من هو أعلى قاضٍ بالأرض ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو سيّد الخلق، وحبيب الحق، و يوحى إليه، ومعصوم، وأنت ذو لِسانٍ طليق، فإذا احْتَكَمْتَ إليه وكنتَ طليق اللِّسان فحكَمَ لك، مَن حَكَم لك ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن مُحِقًّا لا تنجو من عذاب الله تعالى،

 

((فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا* ))

 

[ رواه البخاري ]

 علاقتك مع الله وحده، والله ناظر إليك، وإلى قلبك وسلوكك، ونواياك وبواعثك فحينما تعلم أنّ الله يعلم تستقيم، فلا يمكن لإنسان مهما كان غبيًّا أن يرتكب مخالفة سَير أمام الشرطي والنقيب والسيارة أمامه ! فما دمت تعلم أنّ الله يعلم تستقيم، لذا اِجْهد أن تعلم أن الله يعلم، وأنَّه معك، واعبُد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك ويقول عليه الصلاة والسلام: أفضل إيمان المرء أن يعلم المرء أن الله معه حيثما كان! فحينما تجهد أن تعلم أنّ الله يعلم، ولعلّ سِرَّ خلق السماوات والأرض من أجل أن تعلم أنَّ الله يعلم ، وقد تستغربون في قوله تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12)﴾

 

[ سورة الطلاق ]

 حينما تعلم أنَّك في قبضة الله وعلمه، فَكُن أيَّ إنسان فلا بدّ أن تستقيم على أمره، ولا يعصي الإنسان الله إلا حينما تهتزّ عنده هاتان الفكرتان ؛ يعلم وأنَّه قدير، بِثانِيَة تنقلب الحياة إلى جحيم قد تتعطَّل أحد أجهزتك، وتمرض حينها لا قيمة للمال ولا للأولاد ولا للزوجة فأنت في قبضة الله دائمًا، كما أنَّك في رحمة الله دائمًا، والله تعالى إذا أعْطى أدْهش، لذلك اِحْرَص على أن يرضَى الذي بِيَدِهِ كلّ شيء، والذي بيَدِهِ صحَّتك وأهلك وأولادك ورزقك، والسكينة التي يتجلَّى الله بها عليك وهذا كلّه من قول الله تعالى

 

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)﴾

 

[ سورة ق ]

 أما أهل النار فقد قال تعالى عنهم:

 

﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا(56)﴾

 

[ سورة النساء ]

 قال تعالى:

 

﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)﴾

 

[ سورة الزخرف ]

 أنت خُلِقت من نور الله، وأنت خُلِقتَ لِتَبقى، إلى أبد الآبدين، إما في جنَّة يدوم نعيمها، أو في نارٍ لا ينفذ عذابها، ونحن الآن في بحبوحة الحياة الدنيا، قال تعالى:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)﴾

 

[ سورة الأنفال ]

 فنحن ما دمنا في سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام فنحن في بحبوحة الله تعالى.
والآية الثانية المطمئِنَة، قال تعالى:

 

﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(18)﴾

 

[ سورة المائدة ]

 لو كانوا أحبابه لما عذَّبهم، وقال تعالى:

 

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51)﴾

 

[ سورة التوبة ]

 فأنت ما دمتَ مستقيما فأنت تحت رحمة الله عز وجل

(( فقد روى مسلم وغيره عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ قَالَ فَقَالَ يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا * ))

[ رواه مسلم ]

 فالله أنشأ لك حق عليه، أطِعهُ كما أمركَ وطالبْهُ بِحَقِّك كما وعدَك، فهذا حديث رسول الله، فما عليك إلا أن تستقيم.

تحميل النص

إخفاء الصور