وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة ق - تفسير الآية 37 النفس البشرية مفطورة على الإيمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة والثلاثون من سورة ق، وهي قوله تعالى:

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾

[سورة ق]

 الحقيقة أنَّ هذه الآية أشارَت إلى طريقين اثنين لِتَلَقِّي الحقائق ؛ الطريق الأوَّل أن تُفكِّر في خلق السماوات والأرض لأنَّ القلب هنا يعني مركز النَّفس، قال تعالى:

 

﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)﴾

 

[سورة الحج]

 القلب الصَّنوبري مركز الجَسَد، قال عليه الصلاة والسلام

(( إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ * ))

[رواه البخاري]

 هناك قلبُ النَّفس، فالنَّفسُ البشريَّة ذات الإنسان وهي التي تؤمن وهي التفكر، وهي التي تحبّ وتبغض، وهي التي تسْمو تسْقط هي تنافق وتُخلِص، والنّفس البشريَّة لا تموت، ولكنَّها تذوق الموت، وهذه النَّفس البشريَّة قلبها مركزها، فالإنسان يعْقِلُ بِقلبِهِ، أوضِّح لكم هذه الحقيقة بِبَعض الأجْهزة الحديثة.
 الحاسوب فيه هارد، وفيه ذاكرة، فالذاكرة تُمحى إذا انقطَعت الكهرباء أما الهارد فالمعلومات تُخزَّن به ميكانيكيًّا، ولا تُمحى، فالإنسان يُفَكِّر فإذا وصَل إلى حقيقة عَقَلها القلب فأصْبَحَت من مكْتسباته، ومن ممتلكاته اِجْلِس بين أشخاص، فالذي تتحدَّث به من دون تَحضير؛ خِبراتُك والحقائق الراسِخة فيك، هذه تتحدَّث بها من دون إعداد، وهذه هي التي عَقلتها فلذلك لا قلب مركز العقل النَّفسي، فالرأس فيه دِماغ، والدِّماغ فِكر والفكر جِهاز استشاري، وفيه استنباط واستِدلال ومحاكمة وتذكّر وتخيّل وتصوّر فهذه نشاطات الدِّماغ، ولكنّ الحقائق التي توصَّل إليها الفِكر البشري إذا تكرَّرت وترسَّخَت ودَعَمَتها الأدلَّة والشَّواهد والخِبرات والممارسات ؛ هذه تنقلب إلى عَقل نَفسي، لذلك الإنسان حينما يموت ليس معه إلا عقلهُ النَّفسي مَن ربُّك ؟ الله ربِّي، وما دينُك ؟ الإسلام ديني ومن نبيُّك ؟ محمَّد صلى الله عليه وسلَّم نبيِّي، فلو سُئِلَ هذا السُّؤال، وكان الشَّهوات دينه، من ربُّك ؟ لقال: الشَّهوات والمرأة والمال، ففي القبر لا مجال للظُّهور بِمَظهر لسْتَ عليه ‍! ففي القبر تُجيبُ عن واقِع، فالذي تكون عقَلْتَهُ في الدنيا هو الذي تُجيب عليه، فقد تقول: المال إلهي ! وقد تقول: الشَّهوة ديني، فإذا قال الإنسان في القبر: الله ربِّي، والقرآن كتابي ومحمَّد صلى الله عليه وسلَّم نبيِّي ؛ معنى ذلك أنَّ هذه الحقائق عقَلَها في الدنيا، فلذلك كما قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾

 

[سورة ق]

 لا إنسان أحيانًا يطبخُ طبْخةً بيَدَيْه فيأكلها، وأحيانًا يأكل أكلاً جاهزًا، فقد تأتيك لا حقائق جاهزةً، وقد يأتيك درسُ عِلْمٍ، ودرسُ تفسير أو فقه أو سيرة أو حديث، حقائق جاهزة تُقَدَّم لك، وما عليك إلا الإصغاء لها، فهذا طريق إلى الإيمان أيضًا، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾

 

[سورة ق]

 ما معنى لَذِكْرى ؟ أنت إذا ذَهَبتَ إلى بيروت، ورأيتَ الصَّخرة المشهورة صَخرة الانتحار، ثمَّ عُدتَ إلى الشام، وقال لك أحدٌ: أنا كنتُ البارحة في بيروت وأنا وقفتُ عند هذه الصَّخرة، تقول له: نعم هذا صحيح ! فكيف تذكَّرت أنت هذه الصَّخرة ؟ لأنَّكَ شاهَدتها، وإلا لكان الكلام لا معنى له يقول الله:

 

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾

 

[سورة ق]

 معنى ذلك أنّ الحق فِطري، ونفسُكَ مفطرة على الإيمان، فإذا آمنْتَ ارْتاحَت نفْسُك، واطمأنَّ قلبُك، وسَكَنَتْ جوارحك، واعتَدَلتْ سيرتُك، أما إذا ابْتَعَدَ عن الإيمان اضْطرب الإنسان، واختلَّ، وتطرَّف، وقسا، لذا أوَّل فِكرة: إنَّ في ذلك لذِكْرى ! أيْ كلّ هذا القرآن يُذَكِّرُك بِفِطرَتِك، فأنت مفطور على معرفة الله وعلى طاعته، فإذا اسْتَقَمتَ على طاعته وَجَدْتَ نفْسَكَ، لذا قالوا: في النَّفسِ فراغٌ لا يملؤُه المال، ولا المركز العالي، ولا الشَّهوات، فلا يملؤُهُ إلا الإيمان بالله عز وجل، وأيّ أخٍ كريم يبْحثُ عن سعادَتِهِ، ويبْحثُ عن سعادته، فليس هناك إلا طريق واحِد، ومكان واحِد هو أن تتَّصِل بالله عز وجل، لذا الدِّين الإسلامي متوافق مع الفطرة البشريَّة، فالإنسان لا يرتاح ولا يسْتقرّ ولا يطمئنّ ولا يستلقي على فِراشِه ناعِم البال إلا إذا أطاع الواحِد الدَّيان واصْطَلَحَ معه، وشَعَر أنَّ الله يُحِبُّه وهو معه أينما كان يُدافِعُ عنه، وينصُرهُ، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾

 

[سورة ق]

 أيْ فكَّر مليًّا، وبحَث عن الدليل، ووصل إلى حقيقة وعاشها، وأكَّدَها الواقِع، وارتاحَت إليها الفطرة، وجاء بها النَّقْل فَوُضِعَت على الهارد -سواقة الأقراص الصلبة التي تُخزَّن فيها المعلومات في الحاسوب - والذي لا يزول بِقَطع الكهرباء، وهذا هو العقل البشري، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾

 

[سورة ق]

 لذا كلّ أخ من إخواننا الحاضرين هناك بِحَقْل لا تِّجارة مثلاً حقائق مُسَلَّمَة مِن خلال خبراتِه والخسارات السابقة، ومن خلال الدُّيون التي لم تُدْفَع ومن خلال البيع السريع، ومن خلال عدم ضَبط الحِسابات، تجد التاجر عندهُ مُسَلَّمات وهذه المُسَلَّمات نتيجة خِبرات، ومآسي، وآلام، فهذه الحقائق العميقة والثابتة، والتي دَعَمها الفِكر، والعقل، والفِطرة، والواقع هذه معقولات مكانها في القلب، وكلّ واحِد منَّا له معقولات، قد تكون في الدنيا، فقد تقول: لا أبيعُ أيَّ إنسان! ولا أُتاجِر بِمَال الغير ! هذه حقيقة ثانية، وحتَّى في الخِبرات الأسريَّة، ففي موضوع زواج البنات، تجد أب له خِبرات عاليَة جدًّا، فَمِن خِلال خِبراته أصْبح لديه حقائق ثابتة جدًّا وحقائق مُسَلَّم بها، وفي الدِّين مِن أكبر المعقولات ؛ لا يُمكن أن تسْعَد بِالبُعْد عن الله تعالى، قال تعالى

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾

[سورة طه]

 وبالواقِع حينما أهْمَلَ صلاته واتِّصاله بالله شَقِيَ شقاءً كبيرًا، وبالفطرة يجد نفسَهُ انْقَبضَت والمنطق عارضَهُ، فحينما يأتي العقل والمنطق فيُؤكِّدُهُ والنَّقل فيدْعَمُهُ والفِطرة فترتاح له، والواقع يقبلُهُ، أصْبَحَتْ هذه الفكرة مُسلَّم بها ومعْقولة لأذلك المعقولات لا تحيدون عنها أبدًا، أما كأفكار وانْطِباعات قد لا تقْنعُ بها، وقد تفهَمُها وتُخالفها، أما المعقولات، فلو أنَّ إنسانًا له شُرفة جِدارها منخَفِض، وأحدُ أولاده وقَعَ، ماذا يفعل بعد ذلك ؟! يُنشِأُ حاجزًا أعلى فإذا اشْترى بيتًا ثانيًا فأوَّل شيء يقول لك: ضَعْ لي حاجزًا ! لأنَّ تألَّم مِمَّا سبق، وأحيانًا يُدَيِّنُ شَخصًا من دون سند، ويكون صاحب هذا الدَّين نصَّاب، ففي المرّة الثانية يُوثِّقُ هذا بِسَنَد، هذه الحقائق الني بلغت حدًّا عميقًا اسمها المعقولات، وهذه مكانها القلب، ويؤكِّد هذا قوله تعالى:

 

﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)﴾

 

[سورة الحج]

 عند حالة أخرى كَهذه الحالة إنسان دَخل بيت الله فجلس واستَمَع درسَ دينٍ، يأتي بِحقائق مع الأدِلَّة والبراهين والواقع ؛ هذا عِلم جاءَك عن طريق السَّماع فن أعْمَلْتَ عقْلَكَ وقبِلْتَهُ تبنَّيْتَهُ، وأصْبحَ مِلْكَكَ قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾

 

[سورة ق]

 لذلك الأزْمة يوم القيامة هي أزْمة عِلم فقط ! ماذا يقول أهل النار، قال تعالى:

 

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10)﴾

 

[سورة الملك]

 بين أهب النار وأهل الجنَّة العلم والعقل، فلا يُعَدُّ هناك عملٌ أعظمُ أهمِّيَةً من أن تتلقَّى العِلم، والعلم المصيري الذي يتعلَّق بِمَصيرِكَ، فليس كلّ عِلْمٍ ينفَع، قال عليه الصلاة والسلام: نسَّابة هذا علم لا يضرّ من جهل به ولا ينفع من تعلَّمه، فلو أنَّ أحدًا عنده مكتبة ضَخمة، وعند بعد يومين فحْص فهل من المعقول أن يقرأ غير الكتاب المُقرَّر ؟! فنحن مصيرنا بالآخرة هذا الكتاب الكريم، وهو المقرَّر علينا،و غِنًى لا فقْر بعدهُ، ومن أوتِيَ القرآن فظنَّ أنّ أحدًا أوتِيَ خيرًا منه فقد حقَر ما عظَّم الله تعالى، ومن تعلَّم القرآن متَّعَهُ الله بِعَقلِه حتَّى يموت هذا كتابنا المقرَّر ولا يبلى مع كثرة التكرير، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾

 

[سورة ق]

 يشْهد الحقائق، وسَمِع تحليلها وتعليلها وتفسيرها وبيانها، فقَبِلَها فأصْبَحت من معقولاته، لذا حياةٌ من دون عَقْل ولا إلقاء سَمعٍ حياةٌ بهيميَّة والناس رجلان كما قال عليه الصلاة والسلام

(( النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ *))

[رواه الدرامي]

 كُن عالمًا أو متعلِّمًا أو مسْتَمِعًا أو محِبًّا ولا تكن الخامس فتَهلَك، قال علي رضي الله عنه: الناس ثلاثة ؛ عالِمٌ ربَّاني ومتعلِّم على سبيل نجاة وهمجٌ رعاع أتباع كلّ ناعِق ! لم يستضيئوا بِنُور العِلم ولم يلجئوا إلى ركنٍ وثيق فاحْذَر يا كُمَيلُ أن تكون منهم ! هؤلاء يُسَمُّونهم في المصطلحات الحديثة الخطّ العريض، قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(116)﴾

 

[سورة الأنعام]

هؤلاء الذين يُشكِّلون سواد الناس، أتباع كلّ ناعِق بيتٌ مسلم من أسرة مسلمة يرتادون المساجد، وبِمُجرّد أن تُذيع المذيعة في ثيابٍ فاضِحَة يُسارع أهلهُ بشِْراء هذه الثياب !أين الدّين ؟ وأين المنهج ؟ وأين كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال

(( يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))

[رواه أحمد]

فنحن أيها الإخوة الكرام نحتاج إلى أن نعقِل أو نلقي السَّمع، ونحتاج إلى العلم حتَّى ننْجُوَ.

تحميل النص

إخفاء الصور