وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 05 - سورة النجم - تفسير الآيتان 24-25 ، التمني
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الإخوة الكرام:
الآية الرابعة والعشرون، والخامسة والعشرون، من سورة النجم وهي قوله تعالى:

﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)﴾

 هذا سؤال هو استفهام إنكاري، أي ليس للإنسان ما تمنى الإنسان يتمنى، يخطط، يبرمج، يفكر، يطمح، لكن أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد، أبن آدم إذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وأن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، بمعنى، أن لهذا الكون قوانين، وأن لله سنن لخلقه، هذه السنن وتلك القوانين، إن آمنت بها أو لم تؤمن، إن سعدت بها أو لم تسعد إن رضيت بها أو لم ترضى، إن أعجبتك أو لم تعجبك، هي نافذة عدم إيمانك بها لا يعطلها ! عدم إعجابك بها لا يلغيها !.
 أضرب لكم هذا المثل: الأجسام حينما تسقط لها قانون، لو أن الإنسان يركب طائرة، وأراد أن يهبط منها، أن تأدب مع قانون السقوط، أستخدم المظلة، وأن لم يعبئ بهذا القانون، وأحتقر هذا القانون، ولم يرضى بهذا القانون، وأنتقد هذا القانون، وألقى بنفسه من دون مظلة، هل يلغى القانون ؟ ينزل ميتاً ! فالقانون مطبق عليه شاء أم أبى ! أحب أم كره ! أعجبه أو لم يعجبه !.

 

﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)﴾

 

 

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

( سورة النساء: 123 )

 الإنسان بخطط، قال لي رجل: زرته في دائرته، في مكتبه مدير ثانوية كان ! قال لي أنا إن شاء الله: بعد عام سأقدم طلب لأنتقل لبلاد الغرب ؛ أعمل هناك في التدريس، خير إن شاء الله ! وقال لي وسأبقى خمس سنوات، خير إن شاء الله ! ولن أتي إلى الشام في الصيف ! خير إن شاء الله ! وسأطوف البلاد الغربية ! عامٌ في فرنسا وعامٌ في إنجلترا، وعام في إسبانيا، وعام في إيطاليا، وسأطلع وسأتفهم أحوال البلدان، وتراث وثقافتها ومتاحفها وأحوال أهلها ومقاصفها الجميلة وريفها ومدنها ومكتباتها، طيب، وسأعود إلى الشام بعد خمس سنوات ! أفتح محل تجاري ! أضع فيه التحف، هذا بضاعة لطيفة جميلة، وسوف يكبر أولادي، إلى آخره، وأن انصرفت من عندها بعد ساعة، وذهبت إلى عملي، ثم ذهبت إلى البيت ظهراً وعدت إلى عمل آخر مساء، وأنا في طريق العودة إلى البيت، والله الذي لا إله إلا هو، رأيت نعوته على الجدران !.

 

﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) ﴾

الإنسان بتمنى يعيش مائة سنة، بتمنى يبني قصر جميل، يقتني أجمل مركبه، يزوج أجمل امرأة، هذا بتمنى، بس الله عز وجل: أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد !.
أبن آدم إذا سلمت لي فيما أريد ؛ كفيتك ما تريد، وأن لم تسلم لي فيما أريد ؛ أتعبتك فيما تريد، ثم لايكون إلا ما أريد !.
 فأنت تتحرك بمشيئة الله، وبقوة الله. يعني تصور، سيارة كهربائية في مدينة الألعاب، صاحب هذا المكان، بيده حركه، إذا رفعها انقطعت الكهرباء، وتوقفت كل هذه السيارات، فمشية راكب السيارة من أين مشيئته ؟ من الذي أعطى هذا المكان الكهرباء ؟ لو قطع الكهرباء توقفت السيارة.
فنحن نعيش نسلم، نمرض، نغتني، نفتقر، نسعد، نشقى، نسافر نقيم، نعطي، نأخذ، بمشيئة الله، لا بمشيئتنا.

 

 

﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) ﴾

لك أن تختار، والله سبحانه وتعالى، يسيرك لما اخترت أولاً ، ويسيرك لدفع ثمن اختيارك ثانياً، يعطيك القوة كي تحقق اختيارك، وبعد ذلك، يحاسبك على اختيارك.
لو أن إنسان اختار، أن يغش الناس، أو أن يكذب عليهم.
 امرأة تعمل في المحاماة، لها أخ شقيق، سألته، أتشترك معي في بيت تعاوني. القصة قبل خمس وعشرون سنة، فوافق الأخ، أخوها عند أربعة عشر ولد، وافق ودخل معها في هذا البيت شراكة ؛ البيت باسمها لأنها محامية، وهو شريكها في الدفع، دفع نصف ثمن البيت عداً ونقداً، وسكن هو في جانب وهي في جانب، ومضى على هذه الحادثة عشرين عام.
قالت له يا أخي: إما أن تأخذ هذا المليون، وتخرج من البيت، أو أن أخرجك منه قصراً ! البيت ثمنه 18 مليون ! أشتروا بـ 500 ألف ! ثمنه 18 مليون.
 قالت له: إما أن تأخذ مليون أو بطالعك أنا ؛ هي محاميه، توسل إليه رجاها أنا أخوكي، دفعت نصف، أبداً، بالأسم بالسجلات مالك، كله بأسمها، أحد أولاده، أخ عندنا في المسجد، حدثني بما فعلت معه عمته، من دون رحمه، عنده أربعة عشر ولداً، الطريق صار مسدود تمكنت أن تعقد عقد إيجار صوري لإنسان قوي، وأخرجه من البيت وتسلمت البيت وحدها، الأولاد نصفهم عند جدتهم، ونصفهم عند جدهم لأبيهم، والأغراض في المستودعات، الأسرة تشتت، هذه قصة وقعت أيها الأخوة، جاءني أحد أولاده، وهو أخ لنا في المسجد، قال لي عمتي مريضة بالسرطان ! خير إن شاء الله، أنا أعلم أن هذا المرض يمتد سنتين، بعد شهر، قال توفيت ! هل بالإمكان أن تأتينا لتقي كلمة ذهبت إلى البيت، وألقيت فيه كلمة، من وريثها الوحيد أخوها وأولاده عادوا إلى البيت، أم للإنسان ما تمنى، لا ! الله قهار

 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

( سورة البروج: 12 )

والذي لا يخاف الله أحمق ! وغبي !.
 شهر لعنها الله، ولعنتها الملائكة، ولعنها الناس أجمعين، وعاد أخوها إلى البيت ؛ مالكاً له بكامله، لأنه وريثها الوحيد !

﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) ﴾

 يعنى لا تخطط خلاف المنهج، لا تخطط وتبني التخطيط على عدوان، لا تغتصب شيء ليس لك، لا تأخذ ما ليس لك لا تبني مجدك على إنقاذ الآخرين، لا تبني غناك على إفقارهم، لا تبني سعادتك على شقائهم، لا تبني حياتك على موتهم، لا تظن أنك تفعل ما تريد، الله وحده فعال لما يريد، أنت أريد وأنا تريد والله يفعل ما يريد،

﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) ﴾

 الإنسان يتمنى أن يفعل كل شيء، أن يأكل كل شيء، أن يسافر إلى أي مكان، بس ما الذي يحصل، لا يسمح الله لك من الدنيا إلا بالقدر الذي أعطاه إياك، وبحسب استقامتك.

 

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

 

( سورة الجن: 16 ـ 17 )

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾

( (سورة المائدة: 66

أيها الأخوة الكرام: القصد من هذه الآية إياك أن تخطط وتبني هذا التخطيط على ظلم الناس، إياك أن تخطط لمستقبلك على حساب أصحاب الحقوق.
 أنا كنت عند أحد الأقرباء، في أحد الأعياد، قال: له جار يعني تزوج شابةً في سن بناته، أحبها وأقنعته أن يطوب البيت باسمها فستجاب لرغبتها، ثم استطاعت أن تقنعه، أن يسجل المعمل باسمها فستجاب لها، ثم طردته من البيت وتزوجت شاب تحبه، وبيدها المعمل، صار يبكي ؛ صار في الطريق.
 قال لي قريبي: هذا الذي حدث، قلت له هذه قصة أنت لا تعرف بداياتها، نبهته إلى شيء لم تكن بالحسبان، قال إي والله ! قال هذا أحد خمسة أخوة ؛ ورثوا مالاً طائلاً عن أبيهم، استطاع هذا الأخ الأكبر، أن يأخذ كل المال له، وأن يحرم أربعة إخوة له من هذا المال فسلط الله عليه امرأةً سلبته كل شيء.

﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) ﴾

 الأمر بي الله عز وجل وهناك آلاف القصص، ومئات ألوف القصص، وملايين القصص التي تؤكد هذه الحقيقة.

 

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

 

( سورة النساء: 123 )

 تمنى ما شئت وخطط ما تشاء

﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)﴾

( سورة الزخرف: 79 )

 ذهب إنسان ليشتري صوف من البادية، والله حدثني هذه القصة بنفسه له أبٌ محترم جداً، مستقيمٌ جداً، يعني تقدمت به السن فوكل ابنه، أن يتابع العمل من بعده، فهذا شاب جاهل، فصار يزن الصوف ويعطي رقماً أقل، فهذا البدوي ما سمع غرامات، ثمانية عشر كيلو وسبعمائة غرام طار عقله ! قال والله هالزين، زين ! سمع غرامات، ما سمع غرامات بحياته، بس هيه الجزة خمسة وعشرون كيلو ؟ ليست ثمانية عشر ! قال له ثمانية عشر وسبع مائة غرام، بعد أن انتهى، شعر أن الكمية لا تتناسب مع المبلغ، أدرك بخبرته، قال له إن شاء الله تلكاها بصحتك إذا لعبت عليّ، قال لي: حملت هالصوفات ومشيت، صار معه صراع، ارجع أدفع له، ما ارجع أدفع له، أمشي ارجع، حاسبه ثاني مرة، دخلت بصراع، قال لي من مكان شراء البضاعة لضمير، قال لي بالضمير أخذت قرار، قلت حط بالخرج شو صار، قال لي والله ما كملت هذا الخاطر إلا وجدت نفسي وصت بركةٍ من الدماء ! تدهورت السيارة ! وتناثر الصوف، وسال السمن الذي اشتراه، وكسر الميزان، وهو وصت بركةٍ من الدماء وعرف ذنبه، هو ماذا فعل ؟ تنمى أن يأخذ هذا الصوف بأقل ثمن فلم يزن ميزانه صحيحاً،

 

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾

 

( سورة الفجر: 14 )

﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً ﴾

( سورة الزخرف: 79 )

 أنت هكذا اتخذت قراراً ماشي،

 

﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)﴾

 فلاح أعطوه عشرين دنم، من أموال إقطاعي، هذا كاد يطير فرحاً ! له شيخ بالشام.
قال له: يا سيدي أعطوني عشرين دنم والحمد لله، صرت صاحب أرض.
قال له: هذه الأرض مغتصبة، لا يجوز أن تأخذها، أعوذ بالله، كل هذه السعادة طفئت، كل هذا الفرح انتهى.
قال له حرام: اذهب إلى صاحب الأرض، وحاول أن تشتريها منه تقسيطاً، فذهب إلى صاحب الأرض.
قال له ياسيدي: أنا أعطوني أرض من أراضيك، وأنا ما عندي ثمنها إذا كان بعت أساور زوجتي ودفعتها لك.
قال له: يا ابني أنا راح لي أربع مائة دنم ما نفد لعندي ولا واحد، إلا أنت، هذه هديه لك، ازرعها و اتهنى فيها، لك هذه، هدية مني لك هبا، هو أراد طاعة الله، بس أراد، وسئل شيخه.
قال له: يا بني، الأرض اشتريها شره، ألقى في قلب صاحب الأرض أن أعطها له هبةً، الآن زرعها حلال.
الإنسان أيها الأخوة، لا تتمنى المعصية، لا تتمنى أن تأخذ ما ليس لك لا تتمنى أن تغتصب أموال الآخرين، لا تتمنى أن تحتال عليهم، لأن الله كبير،

 

 

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾

 

( سورة الفجر: 14 )

 عليه زكاة مال إحدى عشر ألف وخمسمائة وستين، زوجته أقنعته أنه الآن بلا زكاة مال، بدنا اندهن البيت، دهنه عنده مركبة عملت حادث، صلح وجلس، وبخ، واشترى قطع، طلعوا إحدى عشر ألف وخمسمائة وستين، ما طلعت ربحان شي

﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) ﴾

الآية معناها، ليس بأمانيكم، ولا بتخطيكم، ولا بأهدافكم، ولا ببرمجتكم، بمشيئة الله، وقدر الله، وفعل الله، وإرادات الله.
لذلك أنت لا تنجوا من الله إلا بطاعته، لا تنجوا منه إلا بطاعته، فإذا عن طاعته.
إخوانا الكرام، من ابتغ أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجى، وأقرب مما اتقى.
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

تحميل النص

إخفاء الصور