وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة الحديد - تفسير الآيات 16 - 18، عدم اليأس من التوبة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
الآية السادسة عشرة من سورة الحديد ، وهي قوله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)﴾

 الآية التي بعدها:

 

﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)﴾

 ما علاقة هذه الآية بالآية التي قبلها ، يتحدث ربنا جل جلاله عن المؤمنين الذين ماتت قلوبهم بطول الأمد ، ومداومتهم على الانحرافات ، والشهوات ، ثم جاء موضوع آخر:

 

 

﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾

 هناك علاقة وشيجة بين الآيتين ، يعني هذا الإنسان إذا استمر على المعصية ، فقس قلبه ، وتصحر قلبه ، وأصبح أغلف ، لا يعي على شيء ، لا ينبغي أن يقطع الأمل ، لو أنه رجع إلى الله واصطلح معه ، لو أنه طال عليه الأمد ، لو أن قلبه قس ، لو أنه ظن أن لن يعود إلى الله عز وجل ، لو أنه ظن أن الله لن يقبله ، لو أنه توهم أن الله لن يتوب عليه ، لو أنه شعر بوحشة في قلبه ، وغربة في نفسه لو أنه شعر أن الطريق مسدود ، ينبغي أن يعلم أن هذه الأرض الجافة التي لا نبات فيها ، ولا ماء ، منظرها غير مريح ، انظر إليها في الربيع ، ماذا يحصل ، تهتز ، وتنبت ، وتزهر ، و تورق ، وكأنها قطعة من الجنة.
فكما أن الله قادر على أن يحي الأرض بعد موتها ، قادر على أن يحي قلب الإنسان بعد موته ، أعطانا الأمل ، حذرنا في الآية الأولى أنه.

 

 

﴿ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾

 فإن تابعتم المعاصي ، والآثام ، والغفلة ، تكونون.

 

 

﴿ كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)﴾

 لو أن الإنسان وصل إلى هذا الحد ، وصل إلى قسوة القلب وصل إلى القطيعة عن الله عز وجل ، وصل إلى جفوة ، وصل إلى تصحر ، ماذا يفعل ؟ ليس له إلا الله.

 

 

﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾

 لذلك:

 

 

﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾

 

( سورة الزمر: 53 )

 عبدي لو جئتني بملء السماوات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي ، إذا رجع العبد العاصي إلى الله ناد منادي في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.
إذا تاب العبد توبةً نصوحة ، أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه ، وذنوبه ، والله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد.
 أعرابياً يركب ناقةً عليها طعامه وشرابه ، جلس ليستريح أخذته سنة من النوم ، استيقظ فلم يجد الناقة ، أيقن بالهلاك المحتم ، فجلس يبكي ، حتى أدركه النعاس حتى نام ، فأفاق فرأى الناقة ، فمن شدة فرح اختلت موازنة ، قال: يا ربي أنا ربك وأنت عبدي.
يقول عليه الصلاة والسلام: في الحديث الصحيح: لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من ذلك البدوي بناقته.
 إذاً لو أن القلب قسى ، لو أن النفس بعدت ، لو أن النفس انحرفت ، لو أن الإنسان توهم أن الطريق مسدود ، وأن قلبه لن يستجيب لله عز وجل ، الباب مفتوح، مادام القلب ينبض الباب مفتوح هذه الآيات تبث الأمل في نفس الإنسان ، جميل جداً ، الله عز وجل حذرنا من أن نفسق ، إن فسقنا قس قلبنا ، وطال علينا الأمد ، وكنا كبني إسرائيل.
ومع كل ذلك ، ومع الحالة الصعبة ، ومع الحالة العسيرة ومع الإعراض الشديد ، ومع القلب المتصخر ، الصخري ، ومع القلب المتصحر.

 

﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾

 أنت انظر إلى شجرة في الشتاء ، خشب ، حطب ، انظر إليها في الربيع عروس ، من أين جاءها الزهر ؟ والأوراق ، والثمار أرأيت إلى شجرة يابسة انظر إليها في الربيع ، امتدت ، وأورقت ارتدت حلة.....
الفرق بين المؤمن بعد أن يعرف الله عز وجل ، وعن وضعه السابق قبل أن يعرف الله ، كهذه الشجرة الحطبة ، ثم كيف أصبحت نضرة ، متألقة ، مزدهرة، مورقة ، مثمرة.
أخطر شيء أن تيأس ، اليأس يقترن مع الكفر.

 

 

﴿ إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾

 

( سورة يوسف: 87 )

 اليأس كفر ، القنوط من رحمة الله كفر ، الله عز وجل قادر على كل شيء
ورد في البخاري:
 أن هذا الذي قتل 99 رجلاً ، جاء إلى راهب فسأله ، أليّ توبة قال لا: فقتله ، صاروا مائة ما عاد بدو يتوب ساوى مائة ، والقصة معروفة عندكم ، ثم جاء إلى عالم آخر ، قال له: لك توبة ، وربنا عز وجل ، وهو في طريقه إلى بلدة فيها صالحون قبض ، فقال قيسوا المسافة التي بينها وبين البلدة التي توجه إليها فإذ كانت المسافة أقصر من المسافة التي تخطاها غفر الله له على نيته ، وأوح ربك إلى الأرض بينه وبين البلدة أن ضيقي ، حتى يرحمه الله عز وجل.
فالإنسان ينبغي أن يعرف أن الله ينتظره.
ورد في الآثار:

 

(( يا داوود لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من وجدي ، ولماتوا شوقاً إلي ، يا داوود هذه إرادتي في المعرضين ، فكيف إرادتي في المقبلين ))

 إياك أن تيأس ، إياك أن تقنط ، إياك أن تقول ذنوبي كبيرة.

 

 

﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾

 

( سورة الزمر: 53 )

والقنوط ، يساوي الكفر.
 يعني علاقة هذه الآية السابعة عشرة ، بالآية السادسة عشرة علاقة مثل ، كيف أن الله يحي هذه الشجرة ، الأرض الميتة ، الجدباء بالأمطار تنبت الربيع تصبح مخضرة ، مزدانة ، كذلك يحي الله قلب الذي قس ، وابتعد عن الله عز وجل.
ثم يقول الله عز وجل:

﴿ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)﴾

 يعني الذي صدق الحق ، وقبله ، وتبناه ، وعمل صالحاً ، يعني أراد الله بهذه الآية أن يضغط الدين كله في كلمتين ، صدق بالحق وأقرض الله قرضاً حسناً ، كلمة أقرض ، دفع ولم يأخذ ، متى يأخذ بالآخرة ، لا تنتظر الثواب في الدنيا ، ربنا عز وجل قد يفيد بعض المحسنين في الدنيا ، تشجيعاً لبقية المحسنين ، وقد يعاقب بعض المسيئين في الدنيا ردعاً لبقية المسيئين.
أما الحساب الكامل ، الأوفى ، الدقيق ، الرصيد ، في الآخرة.

 

﴿ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ﴾

 

( سورة آل عمران: 185 )

 لا يجعل من الدنيا دار جزاء ، هي دار عمل ، والجزاء في الآخرة ، فإذا كافئه الله على استقامته ، فهذا فضل كبير ، أما لو لم يكافئه هو يعمل للآخرة ، هو أقرض الله قرضاَ حسناً ، والوفاء في الآخرة.

 

﴿ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) ﴾

 بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..

 

تحميل النص

إخفاء الصور